،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، رُقيّ الروح ؛
الذي يحجب الروح عن الرقي إلى حضرة الملكوت ؛
هو شغلها بمطالب هذا الجسم الفاني وشهوات النفس الدنية، هذه هي الأشياء التي تحجبها عن هذه المشاهد العلية، فشُغل نفسي بالدنيا الدنية يحجبها عن الارتقاء إلى الأنوار والسبحات الإلهية العالية.
ولذلك فالإنسان إذا أدار على نفسه راح الصفاء، وحفظ جوارحه الظاهرة من الجفاء، وما عليه أهل البعد والجفاء، فغضَّ النظر والبصر عما حرَّمه الله، وحفظ الأُذن عن سماع كل شيء يُغضب الله، وحفظ اللسان من نطق أي كلمة يتفوه بها تُغضب الله وتثير حفيظة خلق الله، وحفظ اليد وحفظ البطن وحفظ الفرج وحفظ الرجل من كل ما حرَّم الله تبارك وتعالى عليهم، واستعملها في مراضي الله،
وواصل ليله ونهاره شُغلاً بذكر مولاه، وواصل وقته بدوام تلاوة ما تيسر من كتاب الله، والصلاة والتسليم على حبيبه ومصطفاه، وأنفق وقته في الأعمال الصالحة التي تقرِّبه إلى الله أو الأعمال النافعة التي ترضي خلق الله، وتجعله محبوباً لديهم ومكرماً عند حضرة الله.
إذا فعل ذلك في نهاره وجزءاً من ليله ثم نام، فإنه عند نوم الجسم والجوارح، تخرج الروح هائمة إلى عالم الملكوت الأعلى، لتفد إليه بأنوار علية، وعلوم وهبية، وحِكَم قدسية، ولطائف ربانية،
يقول في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
نم هيكلي فالروح يقظى مشوقة
لترقى إلى أصلها العالي ليست من الترب
فتذهب الروح إلى أصلها، وأصلها من عالم النور، والملكوت من عالم النور، فتذهب إلى نور الملكوت تلتقط فيه ثمار الحكمة العالية، وقد تلتقي فيه بأهله وهم الملائكة البررة الكرام، ويكون بينهم محادثات ومنادمات وجلسات ليس فيها إلا ما يسر القلب والفؤاد،
وما يُرضي رب العباد تبارك وتعالى.
تجذب الروح الهياكل
في الصفا أعلى المنازل
إن أداروا الراح صرفاً
أسكرت عالٍ وسافل
هذا في حالة المنام إذا تحقق الإنسان بالجهاد في اليقظة للجوارح بالطاعة لله، ومنعها من الذنوب والآثام.
فإذا واصل العبد ذلك حتى وصل إلى درجة يقول فيها الله في ملائكة الله:
{ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ }(٦-التحريم) جانس الملائكة، ومن جانس جالس فإذا جانس الملائكة يتنزلون عليه تارة، كما تصعد روحه إليهم تارة أُخرى، ويدخل في قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ } (٣٠- فصلت).
ومثل هذا يكون في حالة صحوه بجسمه كحال المنام لغيره، فيرى في صحوه ما يراه صاحب الدرجة الأدنى في منامه، فيرى وهو في عالم اليقظة الملائكة المقربين، وأهل عالين، وما في الملكوت الأعلى من النعيم الأعظم الذي نثره فيه أكرم الأكرمين ورب العالمين سبحانه وتعالى، ويكون هذا من كُمَّل الرجال لأهل الكمال الذين يقول فيهم الوارث الكامل إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه:
إن الرجال كنوزٌ ليس يدريها
إلا مرادٌ تحلى من معانيها
في الأرض أجسامهم والعرش مقعدهم
قلوبهم صفت والله هاديها
هم الشموس لـشرع المصطفى وهمُ
سفينة الوصل باسم الله مجريها
إذاً يؤذن بالعروج إلى الملأ الأعلى مناماً إذا تركت الذنوب والآثام، واشتغلت بطاعة الله وهي في حالة اليقظة دواماً! وإذا دام هذا الحال فلا مُحال، فيأذن الله لصاحب هذا الحال بأن يتمتع بهذه الأنوار، لأن الظلال التي تحجبه وهي الجسم تحولت إلى نور، فأصبح باطنه نور وظاهره نور ؛
{ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ} (٣٥-النور).
فيُصبح هذا الجسم لطيفاً لأنه أخذ صفات عالم اللطف، ويستطيع صاحبه أن يقطع الأرض من مشارقها إلى مغاربها في طرفة عين، لأنه لطيفٌ وليس كثيف، لا تحجبه جبال ولا مباني ولا جهات، ولا يمنع بصره رؤية الأشياء في كل الجهات، لأنه أصبح من عالم اللطف مع أنه جسمٌ كثيف، وهذا هو العجب العجاب، أن يُحول الله تبارك وتعالى هذا الجسم الكثيف بالمجاهدة إلى لطيف لأنه من الأنوار.
وهذا له مثالٌ في عالم الظاهر، فالزجاج الشفاف الذي نراه ونبصر به الأشياء، ونرى من خلفه بواسطة العدسة، أو زجاج النافذة ما خلفها بدون حاجز ولا حجاب، أصله رملٌ، والرمل ليس شفافاً، وإنما لما دخل الفرن الحراري؛ فرن الجهاد، صفَّى فصفا فأصبح رائقاً صافياً لا يحجبه شيء.
️ وكذلك هذا الجسم الكثيف إذا دخل في طور المجاهدة، وكانت المجاهدة على يدي خبير نوراني، صفَّى وشفى، فصار ظاهره نور وباطنه نور، فلا يحجب عن صاحبه عالم النور، بل يرى الأشياء عياناً كما يراها غيره مناماً.
من كتاب
( جواب العارفين على اسئلة الصادقين )
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبو زيد
الذي يحجب الروح عن الرقي إلى حضرة الملكوت ؛
هو شغلها بمطالب هذا الجسم الفاني وشهوات النفس الدنية، هذه هي الأشياء التي تحجبها عن هذه المشاهد العلية، فشُغل نفسي بالدنيا الدنية يحجبها عن الارتقاء إلى الأنوار والسبحات الإلهية العالية.
ولذلك فالإنسان إذا أدار على نفسه راح الصفاء، وحفظ جوارحه الظاهرة من الجفاء، وما عليه أهل البعد والجفاء، فغضَّ النظر والبصر عما حرَّمه الله، وحفظ الأُذن عن سماع كل شيء يُغضب الله، وحفظ اللسان من نطق أي كلمة يتفوه بها تُغضب الله وتثير حفيظة خلق الله، وحفظ اليد وحفظ البطن وحفظ الفرج وحفظ الرجل من كل ما حرَّم الله تبارك وتعالى عليهم، واستعملها في مراضي الله،
وواصل ليله ونهاره شُغلاً بذكر مولاه، وواصل وقته بدوام تلاوة ما تيسر من كتاب الله، والصلاة والتسليم على حبيبه ومصطفاه، وأنفق وقته في الأعمال الصالحة التي تقرِّبه إلى الله أو الأعمال النافعة التي ترضي خلق الله، وتجعله محبوباً لديهم ومكرماً عند حضرة الله.
إذا فعل ذلك في نهاره وجزءاً من ليله ثم نام، فإنه عند نوم الجسم والجوارح، تخرج الروح هائمة إلى عالم الملكوت الأعلى، لتفد إليه بأنوار علية، وعلوم وهبية، وحِكَم قدسية، ولطائف ربانية،
يقول في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
نم هيكلي فالروح يقظى مشوقة
لترقى إلى أصلها العالي ليست من الترب
فتذهب الروح إلى أصلها، وأصلها من عالم النور، والملكوت من عالم النور، فتذهب إلى نور الملكوت تلتقط فيه ثمار الحكمة العالية، وقد تلتقي فيه بأهله وهم الملائكة البررة الكرام، ويكون بينهم محادثات ومنادمات وجلسات ليس فيها إلا ما يسر القلب والفؤاد،
وما يُرضي رب العباد تبارك وتعالى.
تجذب الروح الهياكل
في الصفا أعلى المنازل
إن أداروا الراح صرفاً
أسكرت عالٍ وسافل
هذا في حالة المنام إذا تحقق الإنسان بالجهاد في اليقظة للجوارح بالطاعة لله، ومنعها من الذنوب والآثام.
فإذا واصل العبد ذلك حتى وصل إلى درجة يقول فيها الله في ملائكة الله:
{ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ }(٦-التحريم) جانس الملائكة، ومن جانس جالس فإذا جانس الملائكة يتنزلون عليه تارة، كما تصعد روحه إليهم تارة أُخرى، ويدخل في قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ } (٣٠- فصلت).
ومثل هذا يكون في حالة صحوه بجسمه كحال المنام لغيره، فيرى في صحوه ما يراه صاحب الدرجة الأدنى في منامه، فيرى وهو في عالم اليقظة الملائكة المقربين، وأهل عالين، وما في الملكوت الأعلى من النعيم الأعظم الذي نثره فيه أكرم الأكرمين ورب العالمين سبحانه وتعالى، ويكون هذا من كُمَّل الرجال لأهل الكمال الذين يقول فيهم الوارث الكامل إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه:
إن الرجال كنوزٌ ليس يدريها
إلا مرادٌ تحلى من معانيها
في الأرض أجسامهم والعرش مقعدهم
قلوبهم صفت والله هاديها
هم الشموس لـشرع المصطفى وهمُ
سفينة الوصل باسم الله مجريها
إذاً يؤذن بالعروج إلى الملأ الأعلى مناماً إذا تركت الذنوب والآثام، واشتغلت بطاعة الله وهي في حالة اليقظة دواماً! وإذا دام هذا الحال فلا مُحال، فيأذن الله لصاحب هذا الحال بأن يتمتع بهذه الأنوار، لأن الظلال التي تحجبه وهي الجسم تحولت إلى نور، فأصبح باطنه نور وظاهره نور ؛
{ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ} (٣٥-النور).
فيُصبح هذا الجسم لطيفاً لأنه أخذ صفات عالم اللطف، ويستطيع صاحبه أن يقطع الأرض من مشارقها إلى مغاربها في طرفة عين، لأنه لطيفٌ وليس كثيف، لا تحجبه جبال ولا مباني ولا جهات، ولا يمنع بصره رؤية الأشياء في كل الجهات، لأنه أصبح من عالم اللطف مع أنه جسمٌ كثيف، وهذا هو العجب العجاب، أن يُحول الله تبارك وتعالى هذا الجسم الكثيف بالمجاهدة إلى لطيف لأنه من الأنوار.
وهذا له مثالٌ في عالم الظاهر، فالزجاج الشفاف الذي نراه ونبصر به الأشياء، ونرى من خلفه بواسطة العدسة، أو زجاج النافذة ما خلفها بدون حاجز ولا حجاب، أصله رملٌ، والرمل ليس شفافاً، وإنما لما دخل الفرن الحراري؛ فرن الجهاد، صفَّى فصفا فأصبح رائقاً صافياً لا يحجبه شيء.
️ وكذلك هذا الجسم الكثيف إذا دخل في طور المجاهدة، وكانت المجاهدة على يدي خبير نوراني، صفَّى وشفى، فصار ظاهره نور وباطنه نور، فلا يحجب عن صاحبه عالم النور، بل يرى الأشياء عياناً كما يراها غيره مناماً.
من كتاب
( جواب العارفين على اسئلة الصادقين )
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبو زيد