ما معنى صفاء الروح؟ وكيف ومم تصفو؟
الروح كانت في صفاء في يوم النور والبهاء عندما عُرضت على الله في يوم الميثاق، يوم ألست ربكم:
{ وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ } (172-الأعراف) لم يقولوا : سمعنا ولكن قالوا: شهدنا، فهم كانوا في حالة صفاء الصفاء، لأن الروح شهدت وجه الله، وشهدت في هذا اليوم جمال الخالق البارئ المصور تبارك وتعالى في علاه.
ما الذي يُذهب هذا الصفاء؟
عندما تختلط الروح بالجسم، يحدث اللبس،
ولذلك قال رب العزة سبحانه وتعالى :
{ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ } (15-ق)
لبس يعني تخليط وتشويش، والخلق الجديد هو الجسم، عندما يأتي الجسم وهو الخلق الجديد وتدخل فيه الروح ويبدأ الإنسان يُدرك، يحدث اللبس، ويحدث التشويش، ويقل الصفاء، وقد ينقلب إلى جفاء إذا زاد الإنسان في الغفلة عن الله سبحانه وتعالى!!!
ولذلك الطفل الصغير الذي لا يزال في فترة الولادة، يعيش في هذا الصفاء قبل أن تنزل عليه ستارة الحس، فقبل أن يعرف أباه وأمه، ونظراته لا يعرف بها من حوله، يكون في هذه اللحظات يتمتع بالنظر في عالم الصفاء، فيرى الملائكة الصاعدة، والملائكة النازلة، والملائكة المحيطة به، ويرى هذه العوالم العلية كلها، ولكن عندما تنزل ستارة الحس ويعرف أن هذا أبوه، وهذه أمه، وأن هذا أخوه، وهذه أخته، فهنا يحدث اللبس والتشويش والتخليط في الخلق الجديد.
وكلما كبر وشبَّ ونما واختلط بالدنيا وأهل الدنيا تذهب ستارة الصفاء، وأهل الدنيا أصناف وأشكال وأنواع، منهم شياطين الإنس، وهم أشد من شياطين الجن، فشياطين الجن أمرهم سهل، نستعيذ بالله منهم وفقط، لكن شيطان الإنس يجلس معك ويكلمك وتكلمه، ويحاول أن يقنعك حتى تمشي معه في الحال الذي هو فيه !! فعندما يختلط الإنسان بشياطين الإنس، ويختلط بالنفوس الحيوانية، والنفوس الإبليسية، والنفوس الجمادية، تبدأ ستارة الصفاء تذهب، أو يقل صفاؤها، ويزيد حجم كثافتها، فيزيد حجابه عن الله سبحانه وتعالى ،
قال ﷺ : { إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، نكتة وليست نقطة، يعني أثر، والران يعني الغطاء أو الستارة:
{ كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } (14-15المطففين) يحدث هنا الحجاب، نتيجة نزول الران أو الغطاء من توالي الغفلة، ومن توالي الذنوب، ومن توالي الصدود عن الله سبحانه وتعالى، ومن مجالسة الظالمين، ومن مجالسة الغافلين.
ولذلك نهانا الله عن مجالسة الغافلين والظالمين:
{ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }( 68 - الأنعام) حتى لا يضيعوا لك صفاؤك ونقاؤك وحالك، وهذا الذي جعل كثير من الصالحين في الأزمان الفاضلة يهجر الخلق، يذهب فيعيش في جبل، أو يعيش في مغارة، أو حتى يعيش في خلوة، لماذا؟ حتى لا يرى الخلق ولا يرونه ولا يجالسهم ولا يجالسونه، لأن المجالسة تقتضي المؤانسة، والمؤانسة تقتضي اكتساب بعض عادات من تجالسه وتأتنس به، وقد تأخذ عاداته دون أن تدري ولا تشعر.
فكانوا لكي يؤثروا الصفاء والنقاء يبتعدون عن الخلق، حتى جاء العصر النوراني عصر سيدنا رسول الله ﷺ ، والذي جدده لنا الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وقال في شأن الخلوة: ((الخلوة أن يخلو قلبك مما سوى الله، وأنت في أي موضع من أرض الله)).
حتى ولو كنت في السوق، فتكون في السوق بما فيه من مشاغل، لكن القلب في صفاء ونقاء وفي نور وبهاء مع الله سبحانه وتعالى.. وهذه الخلوة التي عندنا هي حال الأكابر الذين كانوا حول سيد الأكابر ﷺ ، إذاً من أين يأتي الجفاء؟ من المخالطة، ومن الغفلة، ومن الوقوع في الذنب، ومن الاستهتار بالعيب،
كيف يتحقق الصفاء؟
يحتاج إلى :
أولاً: عدم مخالطة الغافلين، وعدم مجالسة الظالمين.
ثانياً: أن يحفظ الإنسان جوارحه من الوقوع في الذنب في أي وقت وحين، وإذا وقع في أي ذنب فوراً يسارع إلى التوبة لحضرة التواب تبارك وتعالى.
ثالثاً: يحفظ القلب من جميع الأغيار، فلا يسمح بدخول شيء فيه إلا إذا كان يقربه لحضرة العزيز الغفار سبحانه وتعالى .
رابعاً: يجالس ويديم ظاهراً، أو باطناً، أو ظاهراً وباطناً الصالحين والأبرار، فإنهم يُعدون الإنسان بحالهم في الصفاء، فينتقل بنظراتهم، وينتقل بدعائهم، وينتقل بمخالطتهم من هذه الظلمات إلى نور الصفاء في عالم الصفاء لله سبحانه وتعالى .
من كتاب
( جواب العارفين على اسئلة الصادقين )
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبو زيد
الروح كانت في صفاء في يوم النور والبهاء عندما عُرضت على الله في يوم الميثاق، يوم ألست ربكم:
{ وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ } (172-الأعراف) لم يقولوا : سمعنا ولكن قالوا: شهدنا، فهم كانوا في حالة صفاء الصفاء، لأن الروح شهدت وجه الله، وشهدت في هذا اليوم جمال الخالق البارئ المصور تبارك وتعالى في علاه.
ما الذي يُذهب هذا الصفاء؟
عندما تختلط الروح بالجسم، يحدث اللبس،
ولذلك قال رب العزة سبحانه وتعالى :
{ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ } (15-ق)
لبس يعني تخليط وتشويش، والخلق الجديد هو الجسم، عندما يأتي الجسم وهو الخلق الجديد وتدخل فيه الروح ويبدأ الإنسان يُدرك، يحدث اللبس، ويحدث التشويش، ويقل الصفاء، وقد ينقلب إلى جفاء إذا زاد الإنسان في الغفلة عن الله سبحانه وتعالى!!!
ولذلك الطفل الصغير الذي لا يزال في فترة الولادة، يعيش في هذا الصفاء قبل أن تنزل عليه ستارة الحس، فقبل أن يعرف أباه وأمه، ونظراته لا يعرف بها من حوله، يكون في هذه اللحظات يتمتع بالنظر في عالم الصفاء، فيرى الملائكة الصاعدة، والملائكة النازلة، والملائكة المحيطة به، ويرى هذه العوالم العلية كلها، ولكن عندما تنزل ستارة الحس ويعرف أن هذا أبوه، وهذه أمه، وأن هذا أخوه، وهذه أخته، فهنا يحدث اللبس والتشويش والتخليط في الخلق الجديد.
وكلما كبر وشبَّ ونما واختلط بالدنيا وأهل الدنيا تذهب ستارة الصفاء، وأهل الدنيا أصناف وأشكال وأنواع، منهم شياطين الإنس، وهم أشد من شياطين الجن، فشياطين الجن أمرهم سهل، نستعيذ بالله منهم وفقط، لكن شيطان الإنس يجلس معك ويكلمك وتكلمه، ويحاول أن يقنعك حتى تمشي معه في الحال الذي هو فيه !! فعندما يختلط الإنسان بشياطين الإنس، ويختلط بالنفوس الحيوانية، والنفوس الإبليسية، والنفوس الجمادية، تبدأ ستارة الصفاء تذهب، أو يقل صفاؤها، ويزيد حجم كثافتها، فيزيد حجابه عن الله سبحانه وتعالى ،
قال ﷺ : { إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، نكتة وليست نقطة، يعني أثر، والران يعني الغطاء أو الستارة:
{ كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } (14-15المطففين) يحدث هنا الحجاب، نتيجة نزول الران أو الغطاء من توالي الغفلة، ومن توالي الذنوب، ومن توالي الصدود عن الله سبحانه وتعالى، ومن مجالسة الظالمين، ومن مجالسة الغافلين.
ولذلك نهانا الله عن مجالسة الغافلين والظالمين:
{ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }( 68 - الأنعام) حتى لا يضيعوا لك صفاؤك ونقاؤك وحالك، وهذا الذي جعل كثير من الصالحين في الأزمان الفاضلة يهجر الخلق، يذهب فيعيش في جبل، أو يعيش في مغارة، أو حتى يعيش في خلوة، لماذا؟ حتى لا يرى الخلق ولا يرونه ولا يجالسهم ولا يجالسونه، لأن المجالسة تقتضي المؤانسة، والمؤانسة تقتضي اكتساب بعض عادات من تجالسه وتأتنس به، وقد تأخذ عاداته دون أن تدري ولا تشعر.
فكانوا لكي يؤثروا الصفاء والنقاء يبتعدون عن الخلق، حتى جاء العصر النوراني عصر سيدنا رسول الله ﷺ ، والذي جدده لنا الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وقال في شأن الخلوة: ((الخلوة أن يخلو قلبك مما سوى الله، وأنت في أي موضع من أرض الله)).
حتى ولو كنت في السوق، فتكون في السوق بما فيه من مشاغل، لكن القلب في صفاء ونقاء وفي نور وبهاء مع الله سبحانه وتعالى.. وهذه الخلوة التي عندنا هي حال الأكابر الذين كانوا حول سيد الأكابر ﷺ ، إذاً من أين يأتي الجفاء؟ من المخالطة، ومن الغفلة، ومن الوقوع في الذنب، ومن الاستهتار بالعيب،
كيف يتحقق الصفاء؟
يحتاج إلى :
أولاً: عدم مخالطة الغافلين، وعدم مجالسة الظالمين.
ثانياً: أن يحفظ الإنسان جوارحه من الوقوع في الذنب في أي وقت وحين، وإذا وقع في أي ذنب فوراً يسارع إلى التوبة لحضرة التواب تبارك وتعالى.
ثالثاً: يحفظ القلب من جميع الأغيار، فلا يسمح بدخول شيء فيه إلا إذا كان يقربه لحضرة العزيز الغفار سبحانه وتعالى .
رابعاً: يجالس ويديم ظاهراً، أو باطناً، أو ظاهراً وباطناً الصالحين والأبرار، فإنهم يُعدون الإنسان بحالهم في الصفاء، فينتقل بنظراتهم، وينتقل بدعائهم، وينتقل بمخالطتهم من هذه الظلمات إلى نور الصفاء في عالم الصفاء لله سبحانه وتعالى .
من كتاب
( جواب العارفين على اسئلة الصادقين )
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبو زيد