الحلقة الثلاثون والأخيرة : الإشارات الربانية في سورة العصر

مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد


الحلقة الثلاثون والأخيرة : الإشارات الربانية في سورة العصر :-
يقول الحق عز وجل :-
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ>>



..هذه السورة القصيرة مع قصر آياتها، وقلة عدد كلماتها فقد قال الإمام الشافعي عنها:-
>>>>" لو تدبر الناس هذه السورة لاكتفوا بها! " .

لأنها سورة جامعة، يكفي أن الله عز وجل بدأها بالقسم:-
------------------------<<< وَالْعَصْرِ >>>---------------------------

وهذا القسم فيه معان لا تعد، وكلها إمداد من الواحد الأحد لمن اصطفاهم الله واجتباهم من عباد الله المفسرين والمئولين الصادقين،

بعضهم قال: والعصر يعني عصر الدنيا كلها، من أول آدم إلى قيام الساعة، وهذا جائز،

وبعضهم قال: والعصر يعني عصر النبوة، وهذا أفضل عصر كان في هذا الكون من أوله إلى آخره؛ فهو العصر الذي كان فيه حضرة النبي ، وقال صلى الله عليه وسلم مؤيداً لهذا الرأي :-
{ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } - البخاري ومسلم .

وبعضهم قال: العصر هو وقت العصر في النهار، فالنهار فيه وقت الصبح، ووقت الظهر، ووقت العصر، ووقت العصر يبدأ من حين انتهاء وقت الظهر إلى وقت الغروب، والذي فُرض علينا فيه صلاة العصر،

واستندوا إلى قول الرسول الذي روته السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حينما قرأ :-
<< حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ - (238البقرة) >> ،، وذكر بعدها مفسراً للصلاة الوسطى أنها صلاة العصر.

وبعضهم ذكر أن العصر يعني حياتك أنت، فعصرك يعني فترة حياتك التي تعيشها في الحياة الدنيا، وتُكلَّف فيها بأداء ما يحبه الله وما يرضاه، وما أنزل لك من تشريعات على حبيبه ومصطفاه، وما فصَّله من أعمال وأحوال ينبغي أن تقوم بها في كتاب الله جل في علاه.

معان كثيرة، وأكتفي بما ذكرته، ولا أريد الزيادة عليكم، وكلها تكاد تدور حول مفهوم واحد، أن العصر هو الوقت الذي يُطالب فيه الإنسان بالعمل بالشرائع الإلهية التي أُنزلت على النبي العدنان ارضاءاً لحضرة الرحمن، وطمعاً في دخول الجنان إن شاء الله تبارك وتعالى.

ساق لنا الله في هذه السورة قضية، هذه القضية قال فيها :-
<< إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ >>
.. أي إنسان مهما أوتي من أموال، ومهما أوتي من جاه، ومهما كان يملك من مقتنيات وممتلكات في هذه الحياة سيكون خاسر عندما يغادر الدنيا للقاء الله، إلا الذين فيهم الأوصاف الأربعة التي ذكرها الله في هذه السورة المباركة.

من الذي يخرج من الدنيا وقد فاز وجاز؟
--------------> الذي فيه هذه الأربع صفات، وهذا قد حاز القبول من الله، ونال رضاء حبيب الله ومصطفاه، وينجو من العذاب الذي جهَّزه الله لمن عاداه، ويدخل إلى الجنة ليتمتع بالنعيم الذي يُكرم به الله الصالحين من عباد الله.

ولذلك لا بد أن نأخذ بالنا جيداً ونتحقق بهذه الصفات ..
الأولى: << إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا >>
والثانية: << وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ >>
والثالثة: << وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ >>
والرابعة: << وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ >>

الذي به صفة واحدة من هؤلاء فهناك شكوك حول نجاته علي اليقين يوم لقاء رب العالمين، كما نسمع كثير من المتحزلقين الآن، تقول له: لماذا لا تُصلي يا فلان؟ فيقول: أنا مؤمن، والصلاة ليست كل شيء، ويقول: هناك أناس كثيرة تُصلي ولكنها تسرق وترتشي وتفعل كذا وكذا، ويعدد لك، ليلتمس عذراً لنفسه،

لكن هل هذه الأعذار مقبولة عند رب العالمين تبارك وتعالى؟!!
::::::: لا :::::::

كل آيات القرآن التي تتكلم عن الإيمان كما ذكرنا قبل ذلك يعقبها عمل الصالحات ؛ لأن الإيمان دعوة، والدعوة تحتاج إلى دليل وبرهان، والدليل والبرهان على صدق الإيمان العمل بما يطالب به الله تبارك وتعالى أهل الإيمان.
<< إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ >>

وكثير من المسلمين في هذا الزمان والحمد لله ملتزمين بهذه الركنين، لكننا خالفنا الصحابة المباركين في الركنين الأخيرين:
<< وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ >>
.. كثير منا عندما يرى إنسان يعمل عملاً لا يُرضي الله يقول: لا شأن لي، وغيره يقول: لا شأن لي، وآخر يقول: أنا أخاف إن وجهته أن يؤذيني أو يسبني.

لكن سيدنا رسول الله علَّم أصحابه المباركين على غير هذا، فهناك أكثر من رواية عن أكثر من صحابي من صحابة حضرة النبي ، كان كل واحد فيهم يقول: أُخذ علينا العهد من رسول الله أن ننصح لكل مسلم.

<< وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ >>
.. نوصي بعضنا دائماً بالصبر.
طاعة الله تحتاج إلى الصبر ،
والبعد عن معاصي الله يحتاج إلى الصبر،
والرضا بالقضاء الذي ينزل علينا من الله يحتاج إلى الصبر ...
فحياة المؤمن كلها تدور حول الصبر، ويكفينا شرفاً وفخراً قول الله تبارك وتعالى لنا :-
<< إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ >> - (10الزمر).

ولذلك كان أصحاب حضرة النبي كما يُروى عنهم إذا اجتمع نفران منهم لا ينصرفا حتى يقرءا سورة العصر، ويُسلِّما على بعضهما ثم ينصرفا، لماذا؟
--------------(( ليتعاهدوا على العمل بسورة العصر))-----------

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
--------- إنتهى بحمد الله تعالى وتوفيقه --