الرئيسية
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله 
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد 
الحلقة السادسة والعشرون : الإشارات الربانية في الآية 124 من سورة البقرة ج 1:-
يقول الحق عز وجل :-﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) >>
.. الدرس الجليل في هدى الخليل ، ذكره لنا الرب العظيم في محكم التنزيل :-
.. أن أى إمام يريده الله أن ينشر دعوة الله لخلق الله، وأى رجل يجتبيه الله ويصطفيه ويحبوه ويمنحه ويعطيه، ويأمره بتبليغ دعوته إلى خلق الله حوله لابد أن يمر بهذه الأطوار التي ذكرها لنا العزيز الغفار ،
.. حتى يجعله الله إماماً، قال في شأنه :-
(( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ))
بعد أن ابتلاه الله بالكلمات وأتمهن :-<< قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ><
فالاجتباء والاصطفاء لا يكون إلا بعد الاختبار والابتلاء، قال عز وجل :-{ إذَا أَحَبَّ الله عَبْدا ابْتَلاَهُ ، فَإنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ، وَإنْ رَضِيَ اصْطَفَاهُ } - في الأثر المرفوع فى( منازل السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين) .
.. على قدر مقامه في قبوله لإبتلاء الله يكون مقامه في القرب من حضرة الله، فإذا تحلى بحلل الصابرين فله الإجتباء:- << هُوَ اجْتَبَاكُمْ >> وإذا تحلى بحلل الرضا، والرضا أعلى من الصبر! لأن الصابر قد يصبر على مضض لكن الراضى ليس في قلبه لا مضضٌ ولا مرض !!.. فيرضى عن الله في كل أفعاله ... ويرضى عن الله في كل أحواله ...، فهذا له مقام الإصطفاء : << اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ .. >>(75 الحج) .
هذه السنة الإلهية جعلها الله مع المرسلين والنبيين وجعلها أيضاً مع الصالحين إلى يوم الدين فقال في شأنهم :- << وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) السجدة >>
صبروا على ماذا؟... صبروا على البلاء الذي يطهر الله به القلوب.
:: وكلمة البلاء أول ما نسمعها يأتى لنا في أذهاننا المفهوم العام عنها أى الإمتحان أو الإختبار وهذا بيننا معشر البشر !!
لكننا لا يجب أن نقيس كلام الله على كلام البشر، إذ أن كلام الله له فحواه ومغزاه ومعناه الذي لا يعقله ولا يعلمه إلا من علَّمه الله.
..فالبلاء بالنسبة للأنبياء تطهير القلب وصفاء السر والسريرة لمن بيده مقاليد السموات والارض، قال داوود عليه السلام :-
{ إلهي أمرتني أن أطهر قلبي فبماذا أطهر؟ قال: ياداود بالهموم والغموم } - روح البيان
فلا يطهر القلب إلا الهموم! ؛ لأن الذي يجمع حقائق الإنسان على الله هو الهمُّ ، فعندما ينتاب الإنسان همٌ أو غمٌ .. يتوجه بالكلية إلى الحضرة الإلهية !!
فإذا توجه بالكلية إلى الحضرة الإلهية !! فإن ذلك يجمع تجاويف القلب! ويطهره من المشاغل والشواغل.. ويطهره مما نقول فيه معشر الصالحين من الأغيار وهى أى شيء غير الله ،
فأى شيء غير الله في قلب العبد لا يرضاه الله! ؛ لأن الله يريد القلوب خالصة لحضرته..، والخلق لهم الأجساد .. ولهم النفوس .. ولهم الظاهر!!.. أما الباطن فلا يكون إلا لله عز وجل .
إذاً الإبتلاء لتطهير القلوب، وصفاء السرائر حتى تستنير البصائر، وحتى يصير العبد وهو إلى ربه سائر .. يكون فيه قول مولاه :-<< وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) >>
أى أن هذه هى تربية الله لكل الموقنين، فالموقنون كثيرون ومن جملتهم أبونا إبراهيم ،
ولذلك ورد في الأثر :-
{ لا تخلو الأرض إلاَّ وفيها أربعة عشر - وقيل أربعون على قدم الخليل إبراهيم - يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها إلاَّ زمان إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنه كان وحده } - عن شهر بن حوشب ، عمدة القاري.
لا يخلو زمان من أربعين رجلاً أو أربعة عشرة على الأقل على قدم إبراهيم في خلته لله جل في علاه... والكلمات قد تكون كلمات قَدَرِية فإن الله يخلق بكلمة :-<< إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ >>(82يس) ، وكن فيكون ليس حرفين فما بين الكاف والنون. يقضى الله شئون ويخفى شئون:
بين نَفَس ونَفَس شئون تتجلى حتى تراها العيون
فهذا أيضاً تقريب للأذهان لأن الله لا يتكلم بلسان وشفتين، وإنما الحق له مقاليد السموات والأرض.
وقد تكون الكلمات أوامر ونواهى وتشريعات شرعها الله على الأنبياء والمرسلين !! وأمرهم بالقيام بها ليتحقق لهم تمام الإصطفاء عند رب العالمين .----------------------<<<< يتبع ج2
