الرئيسية
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله 
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد 
الحلقة الثامنة والعشرون : الإشارات الربانية في الآية102 من سورة الصف :-
يقول الحق عز وجل :-﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102))
.. رأى إبراهيم في منامه يوم الثامن من ذي الحجة أنه يذبح ابنه، فتروَّى في أمره، وأخذ يُفكر،
ورأى ذلك مرة أخرى في يوم التاسع، فظن أنها من الشيطان،
ورآها مرة ثالثة في يوم العيد يوم العاشر من ذي الحجة فتيقن أنها رؤيا حقة، فأحضر إبنه وقال له :-
<< يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ >>
يشاوره حتى في ذبحه ؛ لأن الله يريد أن يُعلِّمنا الشورى في كل أمر، فكثير من الأحباب لا يحب الشورى، يقول بعض الصالحين: لو شاور آدم الملائكة ما خرج من الجنة !!<< .. وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ .. >> - (159آل عمران) << وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) >> - (38الشورى) . سيدنا إبراهيم شاور إبنه، وشرح له بالتفصيل:<< يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ .. >>
ولأنه متعلم في بيت النبوة عرف أن رؤيا الأنبياء وحي،<< قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ .. >>كما قال صلى الله عليه وسلم :-
{ إِنَّ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ } - صحيح البخاري والترمذي عن ابن عباس. لم يقل " صابراً " .. سيدنا موسى قال :-<< .. سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا .. (69الكهف) >>ولم يصبر،
لكن سيدنا إسماعيل أدخل نفسه في الصابرين، فصبر،
لذلك يجب على المؤمن أن يُدخل نفسه في وسط الصالحين :- << .. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9العنكبوت) .. >> .
حتى يستطيع أن يصل إلى ما يريد، وأن يحقق الله له الطريق السديد، فأخذه وذهب به إلى مِنى، وتظاهرا بأنهما ذهبا ليصطادا أو ليجمعا الحطب، ومعهما حبل وسكين، وقال لأبيه: اشحذ المدية، وكبني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتجزع عند تنفيذ أمر الله !!!
فأمر الله عز وجل الأمين جبريل أن يهبط سريعاً وأن يضع يده على رقبته ، ولذلك ورد في الأثر :-{ أن النبي قال لجبريل عليه السلام: يا جبريل أنت مع قوتك هل أعييت قط؟- قال: نعم يا محمد ثلاث مرات:-
الأولى: يوم ألقي إبراهيم في النار فأوحى اللـه إلي وأنا تحت العرش أدركه فوعزتي وجلالي لئن سبقك إلى النار لأمحونَ اسمك من ديوان الملائكة فنزلت إليه بسرعة فأدركته بين النار والـهواء وقد أعييت فقلت: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.
الثانية: حين أمر إبراهيم يذبح ولده أوحى اللـه إلى أن أدركه فوعزتي وجلالي لئن سبقك السكين إلى حلقه لأمحونَّ اسمك من ديوان الملائكة فنزلت بسرعة حتى حولت السكين في يديه بفداء ولده. الثالثة: حين رمى يوسف في الجب فأوحى اللـه إلي أن أدركه فوعزتي وجلالي لئن سبقك إلي قعر الجب لأمحون اسمك من ديوان الملائكة فنزلت بسرعة فأدركته في الفضاء فرفعت لـه صخرة كانت في قعر الجب فأنزلته عليها سالماً فعييت ، وكان الجب مأوى الحيات والأفاعي فلما أحسن به قالت كل واحدة لصاحبتها إياك أن تتحركي فإن نبياً كريماً نزل بجوارنا فلم تخرج واحدة من وكرها إلا أفعى فإنها خرجت وقصدت لدغه فصحت بهن صيحة صمتت آذانهنَّ إلى يوم القيامة } - القرطاس عن أبى هريرة .ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :-<< فَلَمَّا أَسْلَمَا (103) .. >>: باطناً وظاهراً لله، وهذا إسلام الوجه لله :- << .. وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
ونزل الكبش الذي قدَّمه هابيل وتقبله الله منه، وكان يرعى في الجنة، وظل يرعى حتى أنزله الله وفدى به نبي الله إسماعيل عليه وعلى نبينا وعلى أبيه إبراهيم أفضل الصلاة وأتم السلام.