الرئيسية
سلسلة تفسير آيات المناسبات 
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله 
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد 
الحلقة السابعة : << تابع آيات المعراج - ج 4>>
الجزء الرابع من الآية :- 13– 18 النجم(( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) - النجم )) .
<< وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى >>
.. مرة أخرى في تجلِّي آخر ، في تجلِّي أعظم ، في تجلِّي أكرم ، في نور أفخم عند سدرة المنتهى.
وسدرة المنتهى هي التي ينتهي إليها ما تحتها ، وينتهي إليها نزول ما فوقها ، قيل : أنها شجرة تنزل عليها العلوم الإلهية ، والأسرار الربانية من عالم الغيب والهُوية لتتلقاها الملائكة المكلفين ، وإليها ينتهي أعمال العباد ،
>>> ولذا ذُكر أن لكل رجل منا ديوان تحت هذه السدرة يُسَجَّل فيه ملف عمله، وإليها ينتهي علوم كل من تحتها ، فلا يستطيعون أن يصعدوا فوقها ولا أن يعرفوا ما بعدها.
وإذا عرفنا أن جبريل وهو أعلى الملائكة وقف عند سدرة المنتهى وقال: إلى هاهنا انتهى مقامي، فقد قال بعض العارفين: أن سدرة المنتهى في الحقيقة هي حقيقة سيدنا رسول الله الباطنية، فإليها تنتهي كل العلوم المُلكية والملكوتية، وتتنزل عليها كل العطاءات الإلهية، ومنها تُفاض على كل العوالم العلوية والسفلية، قال الله تعالى له:-
<< هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ >>-(39ص) وقال مُعبراً عن هذه الحقيقة:-{ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ } - البخاري-----------> فكل عطاءات الله تتنزل على حبيب الله ومصطفاه ومنه إلى جميع عوالم الله،
وكل ما يحدث في الأكوان يرتفع إلى رسول الله ؛ لأنه هو الذي سيشهد للخلق أو عليهم جميعاً يوم لقاء الله:-<< فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) النساء >>
وهل الشهيد يشهد على شيء لم يره؟! أو لم يعلمه؟!
:::----------------> حاشا لأنه يكون في هذا الوقت شاهد زور، فهو شاهد على كل ما حدث للأولين وللآخرين،
فعلَّمه الله علم ما كان، وعلم ما هو كائن، وعلم ما سيكون، وإياك أن تقول كما يقول أهل البعد: كيف يعلم ذلك؟! الذي علَّمه الله ، ما دمت أقول لك أن الذي علَّمه الله فهل في ذلك شيء؟! .. هو عبد، لكن الله يقول في كتاب الله:<< إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (59الزخرف) >> .
عبد وأنعم عليه مولاه، فأعطاه الله كل ما يتمناه حتى قال له :-<< وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ - (5الضحى) >> .
وسدرة منتهى العارفين والمحققين هي :-حقيقة سيد الأولين والآخرين، ففيها كل علوم الحقائق، وكل الأسرار والدقائق، وكل المواجهات والمكافحات والمكاشفات،
وأنتم تعلمون جيداً أن كليم الله وهو أعلى منصب بعد رسول الله أخذ يردده على مولاه، ليس إشفاقاً على الأُمة فقط ولكن ؛ لأنه كلما يراه يرى ما فيه من جمال مولاه، فيتمتع بذلك،
فأراد أن يزيد من التمتع بجمال مولاه فأخذ يردده إلى حضرة الله عندما فرض عليه الصلاة، ولذلك قيل :-
وإنما السر في موسى يردده ليجتلي حُسن مولاه حين يشهده
فكان في كل مرة يرى جمالاً آخر من جمالات الله ظاهراً في حبيب الله ومصطفاه، وهو يريد أن يستزيد من هذا الجمال، وأن تشبع روحه من هذا الكمال، يردده ؛ لأنه سدرة المعاني الإلهية، ومصدر كل الأنوار الظاهرة والباطنة، إن كان للملائكة المقربين، أو للأنبياء والمرسلين، أو لكل الكائنات العلوية الروحانية والسفلية أجمعين.
<< عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى >>لأنه يأوي إليها الأرواح عند المنام، وعند الهيام، وعند الغرام، وعند الجمع على الملك العلام، وعند السياحة في ملكوت الله بإذن من الحبيب المصطفى .عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
<< إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى >>.. من أنوار الله، وأسرار الله، وتجليات الله، وكمالات الله ، وبهاء الله، وضياء الله ما يغشي ..
<< مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) >> وكل الذي رآه ، وكل الذي شاهده لا يساوي قطرة في بحر من جمالات وكمالات حضرة الله ؛ لأن الله جل في علاه يُرى بلا كمٍ ولا كيفٍ، ولكن بأنوار تعالت معنوية.