سلسلة تفسير آيات المناسبات
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد
الحلقة السادسة : << تابع آيات المعراج - ج 3>>
الجزء الثالث من الآية :- 8 – 12
(( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) - النجم )) .
( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ) --------------> .. الدُنُو هنا ليس دنواً حسياً، وإنما دنواً معنوياً، دنا بروحه وبقلبه وبحقائقه العالية من جمال ربه القدسي الذي خبَّأه له ولمن صار على منواله،
.. بعد أن رأى بما جمَّله الله جمالات الله في عالم الأكوان، وجمال الأنبياء والمرسلين في بيت المقدس،
ثم رأى بما جمَّله به مولاه جمالات الله في ملكوت الله، وجمالات الملائكة الذين خلقهم الله بأصنافهم وأنواعهم، وجمالات الجنان التي أوجدها عليها الله،
وجمالات العرش،
وجمالات الكرسي،
وجمالات عوالم الله الأزلية الأبدية،
كاشفه الله بعد أن هيأه بذاته ليرى ما يستطيع تحمله من أنوار حضرة ذاته .
( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى )----------->
تدلى له الله بأنواره،
وتدلى الله له بأسراره،
وتدلى الله له بكشوفاته،
وتدلى الله له بغيوب ذاته.
(( .. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ))
فكان في القرب يكاد يكون محوٌ للبَينْ، ومحوٌ للغَين، ومحوٌ لكل رين، فكأنما وقعت العين على العين ...
(( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )) ---------> لم يكشف لنا في الآيات الأسرار التي أباحها له، أو العلوم التي أباحها لحضرته،
وقد ورد ببعض الأثر هذه القصة العظيمة :-
" فقلت الصلوات الطيبات لله بعد أن نزل على لساني قطرة أحلى من العسل وألين من الزبد وأبرد من الثلج، فوضع الجبار يده على ظهري ،
قال: ثم علَّمني ثلاثة علوم؛ علم أمرني بتعليمه، وعلم خيَّرني فيه، وعلم أمرني بكتمه.
قال السادة العارفون في ذلك: أن العلم الذي أُمر به هو علم الشريعة، لأنه أُمر بتبليغه لكل الأنام، وأما العلم الذي خُيِّر فيه فهو علم الحكمة:
<< يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269البقرة) >>
ولذا قال صلى الله عليه وسلم :
{ إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لا تَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ } - المطالب العالية لابن حجر .
وأما العلم الذي أمره الله بكتمه فهي العلوم الخاصة لحضرته ، والتي لا ينبغي أن يُصرِّح بشيء منها وهو في طور بشريته، وإنما يُصرح بها في أطوار أخرى،
والدليل على الرؤية قول الله تعالى:-
(( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى )) -----------> أي أن الرؤية كانت بالفؤاد، وليست بالعين المجردة، وإن كان هذا ليس مستبعداً على حضرة الله، ولا على نبي الله إذا أولاه الله عطاياه، لكن الله أثبت أن الرؤية كانت بعين البصيرة، وبعين السريرة:
<< إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89الشعراء) >> .
ولذلك عندما رأى الشيخ ابن حجر العسقلاني رحمة الله عليه اختلاف العلماء في هذه القضية، وبعضهم ينسب إلى السيدة عائشة أنها قالت: لم ير رسول الله ربه إنما رأى جبريل، وبعضهم كسيدنا عبد الله بن عباس قال: إنه رأى ربه،
فقال رحمة الله عليه: أنا أرى أن الخلاف وقع ؛ لأنهم حددوا الرؤية بعين الرأس، لكن الله قال في الآية:
<< مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى >> ، فإذا قلنا أن الرؤية بعين القلب نكون قد خلصنا من هذا الخلاف وأصبح لا محل للخلاف ؛ لأنه لا مانع أن يرى بقلبه الغيب العلي الذي يُبيحه له ربه عز وجل .
ولذا عاتب الله عز وجل مَن يُكذِّب الرؤية فقال:-
<< أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى >> ، أي أفتجادلونه في هذا؟!
وكأن الله ينهى عن الجدال في هذه القضية؛ قضية الرؤية، لأن الذي يفتح السجال والجدال في هذه القضية كأنه يعترض على قدرة الذات الإلهية.
ما دام الله عز وجل هو الذي تولَّى أمر حبيبه ومصطفاه من بدءه إلى منتهاه فلا حرج على فضل الله ..
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد
الحلقة السادسة : << تابع آيات المعراج - ج 3>>
الجزء الثالث من الآية :- 8 – 12
(( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) - النجم )) .
( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ) --------------> .. الدُنُو هنا ليس دنواً حسياً، وإنما دنواً معنوياً، دنا بروحه وبقلبه وبحقائقه العالية من جمال ربه القدسي الذي خبَّأه له ولمن صار على منواله،
.. بعد أن رأى بما جمَّله الله جمالات الله في عالم الأكوان، وجمال الأنبياء والمرسلين في بيت المقدس،
ثم رأى بما جمَّله به مولاه جمالات الله في ملكوت الله، وجمالات الملائكة الذين خلقهم الله بأصنافهم وأنواعهم، وجمالات الجنان التي أوجدها عليها الله،
وجمالات العرش،
وجمالات الكرسي،
وجمالات عوالم الله الأزلية الأبدية،
كاشفه الله بعد أن هيأه بذاته ليرى ما يستطيع تحمله من أنوار حضرة ذاته .
( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى )----------->
تدلى له الله بأنواره،
وتدلى الله له بأسراره،
وتدلى الله له بكشوفاته،
وتدلى الله له بغيوب ذاته.
(( .. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ))
فكان في القرب يكاد يكون محوٌ للبَينْ، ومحوٌ للغَين، ومحوٌ لكل رين، فكأنما وقعت العين على العين ...
(( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )) ---------> لم يكشف لنا في الآيات الأسرار التي أباحها له، أو العلوم التي أباحها لحضرته،
وقد ورد ببعض الأثر هذه القصة العظيمة :-
" فقلت الصلوات الطيبات لله بعد أن نزل على لساني قطرة أحلى من العسل وألين من الزبد وأبرد من الثلج، فوضع الجبار يده على ظهري ،
قال: ثم علَّمني ثلاثة علوم؛ علم أمرني بتعليمه، وعلم خيَّرني فيه، وعلم أمرني بكتمه.
قال السادة العارفون في ذلك: أن العلم الذي أُمر به هو علم الشريعة، لأنه أُمر بتبليغه لكل الأنام، وأما العلم الذي خُيِّر فيه فهو علم الحكمة:
<< يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269البقرة) >>
ولذا قال صلى الله عليه وسلم :
{ إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لا تَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ } - المطالب العالية لابن حجر .
وأما العلم الذي أمره الله بكتمه فهي العلوم الخاصة لحضرته ، والتي لا ينبغي أن يُصرِّح بشيء منها وهو في طور بشريته، وإنما يُصرح بها في أطوار أخرى،
والدليل على الرؤية قول الله تعالى:-
(( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى )) -----------> أي أن الرؤية كانت بالفؤاد، وليست بالعين المجردة، وإن كان هذا ليس مستبعداً على حضرة الله، ولا على نبي الله إذا أولاه الله عطاياه، لكن الله أثبت أن الرؤية كانت بعين البصيرة، وبعين السريرة:
<< إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89الشعراء) >> .
ولذلك عندما رأى الشيخ ابن حجر العسقلاني رحمة الله عليه اختلاف العلماء في هذه القضية، وبعضهم ينسب إلى السيدة عائشة أنها قالت: لم ير رسول الله ربه إنما رأى جبريل، وبعضهم كسيدنا عبد الله بن عباس قال: إنه رأى ربه،
فقال رحمة الله عليه: أنا أرى أن الخلاف وقع ؛ لأنهم حددوا الرؤية بعين الرأس، لكن الله قال في الآية:
<< مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى >> ، فإذا قلنا أن الرؤية بعين القلب نكون قد خلصنا من هذا الخلاف وأصبح لا محل للخلاف ؛ لأنه لا مانع أن يرى بقلبه الغيب العلي الذي يُبيحه له ربه عز وجل .
ولذا عاتب الله عز وجل مَن يُكذِّب الرؤية فقال:-
<< أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى >> ، أي أفتجادلونه في هذا؟!
وكأن الله ينهى عن الجدال في هذه القضية؛ قضية الرؤية، لأن الذي يفتح السجال والجدال في هذه القضية كأنه يعترض على قدرة الذات الإلهية.
ما دام الله عز وجل هو الذي تولَّى أمر حبيبه ومصطفاه من بدءه إلى منتهاه فلا حرج على فضل الله ..