الرئيسية
سلسلة تفسير آيات المناسبات 
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله 
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد
الحلقة الخامسة : (( تابع آيات المعراج ))الجزء الثاني الآية 4 – 7
<< إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) - النجم >>
<< إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى>> ،،، مَن الذي علَّمه؟
.. بعض علماء التفسير وقفوا بعقولهم عند الآية، واستكثروا على الحبيب صلى الله عليه وسلم العناية ، فقالوا: (شديد القوى) هو جبريل، أي علَّمه جبريل !!
مع أن الإمام القشيري له كتاب عظيم اسمه (لطائف التفسير) ذكر فيه بعض اللطائف الموجودة في آيات التفسير عن الصالحين والعارفين ، ومن جملة هذه اللطائف يقول راوياً عن بعض الصالحين:-" أن جبريل عندما نزل على رسول الله بأول سورة مريم
قال: بسم الله الرحمن الرحيم < ك > فقال صلى الله عليه وسلم : علمت ، فقال جبريل:- < هيـ > قال: علمت، قال: < عـ > قال: علمت،قال: < ص > ، قال: يا محمد علمت ، ولم أعلم وأنا الذي نزلت به؟! فقال: يا أخي يا جبريل ، أما تقرأ قول الله تعالى:<< وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114طه) >> ، لا تستعجل قبل أن ينزل الوحي.
لكن مَن الذي علَّمه؟-----------------------------((((( الله )))) --------------------------
لأن الله ذكر ذلك في كتاب الله :<< وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا - (113النساء) >>
وهناك آية أخرى من كتاب الله تبين حقيقة الوحي:-<< وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) النمل >>
هل من لدن جبريل؟
---------------> لا، جبريل من أجل الحكم التشريعي، لكن الذي علَّمه شديد القوى وهو الله،
وإلا بالله عليكم كيف يُعلِّمه جبريل وهو شديد القوى ثم يقف عند سدرة المنتهى ويقول:- " هاهنا انتهى مقامي، أنت لو تقدمت لاخترقت، وأنا لو تقدمت طرفة أنملة لاحترقت؟!>>>> إذاً الذي علَّمه هو العليم عز وجل .(( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) ))
ذو قدرة، وذو كبرياء، وذو كمال، وذو جلال، فاستوى بذلك على كل مخلوقاته ومكوناته الدانية والعالية، وكشف قبساً منها لحبيبه ومصطفاه، فعلَّمه الله عز وجل بتعليمه ما ينبغي له أن يتعلمه ليبلغ رسالة الله عز وجل .
<< وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى >>
والأفق الأعلى أخذه الناس على أنه منزلة أو مكانة كونية أو علوية محددة، لكن الأفق الأعلى كان كمال الفناء مع كمال التوحيد في عالم البقاء لسيد الرسل والأنبياء بين يدي من يقول للشيء (كن فيكون). فإن الله عز وجل لا يُعلِّم عبده إلا إذا تجمَّل بجمال العبودية لحضرته، وفنى عن كل الشواغل الكونية شغلاً بذاته العلية وبهاءه وسماه، ولذلك قال في الاسراء:<< سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ (1الاسراء) >> ،،،، جمَّله بجمال العبودية ليفيض عليه هذه الحقائق الإلهية تعليماً من الله عز وجل مباشرة لحضرة النبي صلوات ربي وتسليماته عليه.
الكلام في هذه الآيات ذات المقام العالي؛ الخلاف في وجهات النظر فيه يرجع إلى أن بعض المتحدثين فيه لجأ إلى التجسيم والحيز والزمان والمكان، والكلام كله فوق الحيز والزمان والمكان.
الزمان والمكان في عالم الأرض لارتباطهما بالشمس والنجوم والليل والنهار..
أما عالم الملكوت الأعلى:لا زمان فيه، ولا ليل فيه، ولا نهار فيه، وعالم الأفلاك السرعة فيه سرعة الضوء ، لكن عند الله لا زمان ولا مكان ولا سرعات ولا حركات ولا سكنات ،،،، وإنما عنايات من الله عز وجل وتجليات وفيوضات وأسرار وأنوار ومكاشفات.
وهو في الأفق الأعلى بالقرب من الله :-ليس قرباً حسياً فإن الله تعالى لا تلحقه العبارات، أو تشير إليه الإشارات، أو يُحَس بالمحدثات، فإن الله تعالى عن ذلك كله ... فكان بالأفق الأعلى في أعلى مقام يرفع الله فيه عبد في حضرته، وفي قربه، وفي علُوه وكبرياءه .
