إن الله سمى بيت المقدس مسجدًا في كتابه العزيز حيث قال جلَّ شأنه:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾
(1 سورة الإسراء)
والمسجد هو مكان العبادة والسجود لله عزَّ وجلَّ، ومحل الخضوع والخشوع له سبحانه، والمسجد هو أطهر بقعة في أرض الله، وأحب مكان فيها إلى الله، ومن هنا كان المسجد الأقصى بصفة خاصة مهبط الرحمات وتنزل الفيوضات، ومنبع الخيرات والبركات لقوله تعالى في وصفه: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{أن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسين ألف صلاة في غيره من المساجد ما عدا المسجد الحرام أو مسجدي هذا}
( رواه ابن ماجه عن أنس)
وفي هذا الحديث الشريف توجيه قوي للمسلمين بالحرص على بيت المقدس كحرصهم على بيت الله الحرام، وأنهم يجب عليهم أن يهتموا بشأنه أعظم اهتمام، وأن يرعوه حق رعايته، وأن يفتدوه بكل غال ورخيص حتى يبقى كما أراده الله ورسوله مسجدًا أقصى يعنى أبعد ما يكون عن عبث العابثين ودنس الكافرين من اليهود وغيرهم من المستعمرين.
وإنما يكون ذلك بتطهيره من رجس أولئك الشياطين، ونجاسة هؤلاء المشركين والملحدين ولن يكون ذلك إلا بإعلان الجهاد المقدس من جميع المسلمين تحت قيادة موحدة وأن يستمر هذا الجهاد حتى يبرأ قدس الله والأرض المباركة من حوله، مما ألم به من المفاسد والشرور والمحن والأهوال ويسلم من طغيان المعتدين وجبروت المستبدين، وهذا هو ما وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لهم:
{ستقاتلون اليهود حتى لا يبقى يهودي وراء شجر أو حجر إلا نادى
أيها المسلم إن وراءي يهوديًا فاقتله}
(متفق عليه)
وإنه في غفلة المسلمين ونومتهم، تمكنت دول الكفر والاستعمار من احتلال بيت المقدس وأقاموا فيه دولة اليهود أعدى أعداء الإسلام وجعلوها شوكة شرسة ومسممة في حلق الأمة الإسلامية ليظل النزيف مستمرًا حتى يهلك المسلمون في زعمهم، ولكن هيهات هيهات ما هم ببالغيه، ولو هلك اليهود ومن أقاموا دولتهم عن آخرهم لأن الله تكفل بحفظ دينه وكتابه وحفظه إنما يكون ببقاء المسلمين، وبقاء دولتهم إلى الأبد بإذن الله إحقاقًا للحق وإزهاقًا للباطل.
وعلى المسلمين أن يضعوا بيت المقدس نصب أعينهم، ويتركوا الخلافات التي بينهم فإنها أوهى من بيت العنكبوت بجوار نزيف بيت المقدس الذي كاد أن يأتي على الأخضر واليابس، وأن يهلك الحرث والنسل، لأن اليهود قد استباحوا قدس الله ورسوله وانتهكوا حرمات المسلمين، وكأن الله إنما يعاقب المسلمين بذلك على تفريطهم في المسجد الأقصى ـ قدس الله المطهر.
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يمنحنا اليقظة، وأن يهبنا الألفة والإتحاد وأن يجمع المسلمين على الخير والسداد وأن يوفق أمراء المسلمين ورؤسائهم وملوكهم إلى إعادة أمجاد المسلمين وعزتهم إنه مجيب الدعاء، كما نسألك اللهم أن تتفضل بالصلوات الزاكيات على من أسريت به من بيت الله الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس ليقرر للمسلمين حقهم فيه ومسؤوليتهم عنه إلى يوم القيامة، وعلى آله وصحبه وسلم.
***************************
وَصــيّة عامـــة (من كتاب الإسراء معجزة خالدة)
وَصــيّة عامـــة
من كتاب: (الإسراء معجزة خالدة)
لفضيلة الشيخ محمد علي سلامة