{المناسك الإلهية تذكرة للأمة الإسلامية}
{الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر}.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين، أنعم علينا وعلى جميع المسلمين بما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر من العطايا الإلهية والمنن الربانية والخيرات الدنيوية والسعادة الأُخروية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إدخر لهذه الأمة ـ أمة حبيبه ومصطفاه مغفرة الله، عندما خلق القلم وقال:
(أكتب يا قلم: أمة آدم من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار، أمة موسى ... ـ أمة إبراهيم ... ـ فلما وصل إلى أمة سيدنا محمد أراد أن يكتب ما كتب للسابقين: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار، فجاءه الأمر من الواحد القهار: أُسكت يا قلم، قال: وماذا أكتب يا رب؟ قال: أكتب أمة مذنبٌ وربٌ غفور).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، رحمة الله العُظمى لجميع العالمين، وسيد الأنبياء والمرسلين وإمام الخلائق أجمعين يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين، وعلى صحابته المباركين، واجعلنا معهم ومنهم أجمعين في الدنيا ويوم الدين، آمين يا رب العالمين.
أما بعد فيا أيها الأحبة جميعاً جماعة المؤمنين:
كل عامٍ وأنتم بخيرٍ أجمعين، بمناسبة هذين العيدين السعيدين، عيد يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك اليوم، هذه المناسك الإلهية التي جعلها الله تذكرةً للأمة الإسلامية لخطوات الأنبياء المرسلين السابقين، فلا يوجد منسكٌ من مناسك الحج إلا وهو أثرٌ عن نبيٍّ كريم من أنبياء الله سبحانه وتعالى.
أما الطواف فإن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام لما وقع في الخطيئة في الجنة وأهبطه الله تبارك وتعالى إلى الأرض، ونزل في أرض الهند ونزلت حواء في جدة الآن، وتفرقا عن بعضهما، وأخذ يتوب إلى الله تبارك وتعالى ويستغفره مما جنته يداه، والخطيئة التي عصى بها مولاه، ولما أراد الله تبارك وتعالى تمام المغفرة نزل أمين الوحي جبريل وقال:
يا آدم الجليل يأمرك أن تذهب إلى موضع البيت وتطوف حوله فيغفر لك الله تبارك وتعالى، فجاء آدم من بلاد الهند إلى موضع مكة الآن ماشياً، وطوى الله سبحانه وتعالى له الأرض فقطعها في خطوات معدودات.
ولما جاء إلى البيت ـ وكان الله قد أمر الله الملائكة ببناء هذا اليبيت ـ وقف وألصق صدره بين باب البيت وبين الحجر الأسعد، 🤲🤲ورفع يديه على جدار البيت ونادى الله ـ وقال فيما رواه لنا عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
🤲(اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، اللهم أرزقني إيماناً يباشر سويداء قلبي، حتى لا أحب تأخير ما عجَّلت، ولا تعجيل ما أخَّرت، إنك على كل شيئٍ قدير ـ فناداه ربه: يا آدم قد طُفت بهذا البيت ودعوتنا بدعوات فاستجبنا لك، وكل من أخطأ من ذريتك وجاء إلى هذا البيت وطاف كما طفت غفرنا له ذنبه، وضاعفنا له حسناته، ونزعنا الفقر من بين عينية، وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه).
ثم أمر الله الملائكة الكرام أن يسوقوا حواء إلى موضع عرفات الآن، والتقى آدم بحواء في عرفات، وسُمي عرفات لأنهما تعارفا عليه بعد ثلاثمة عام من هبوطهم إلى الأرض، فأصبح موضع عرفات هو موضع الحج الأكبر الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:
(الحج عرفة).
ثم كان بعد ذلك أن توالى على البيت أحوالٌ وأحوالٌ حتى إندثر البيت، وأراد الله تبارك وتعالى إظهار هذا البيت وبناء هذا البيت، فأمر الخليل إبراهيم وقد رزقه الله بغلامٍ بعد ثمانين عاماً، أن يأخذ ولده ويذهب إلى موضع البيت الحرام.
ولم يكن هناك إنسٌ ولا وحشٌ ولا طيرٌ ولا شيئٌ من مقومات الحياة قط، بل كان صحراء جرداء لا فيها زرعٌ ولا إنسٌ ولا ماء، فأخذ زوجته وابنه وأنزلهما عند البيت، وترك لهما وعاءً فيه ماء، وترك لهما كيساً فيه تمرٍ يأكلان منه، فقالت له زوجته: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها، فكررت النداء له ثلاث مرات، ثم قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت إذاً لن يضيعنا.
وبينما إبراهيم رجع إلى فلسطين، نفد الماء من وعاء الماء، ولم تجد في ثدييها لبناً للرضيع، 🤲فأخذت تسعى في موضع السعي الآن، تذهب من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا بين الجبلين 🤲تهرول مسرعةً لعلها تجد ماء.
وبعد المرة السابعة 🤲وجدت طيوراً حول الغلام فخافت عليه، فذهبت مسرعةً إليه، فوجدت ماء زمزم قد نبعت من تحت قدميه وفار فوراناً شديداً، فأخذت بالرمال تضعه حوله وتقول له: زمِّي زمِّي ـ أي لا تتكاثري ـ فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(رحم الله أم إسماعيل لو لم تقُل لها زمي زمي، لكانت زمزم ماءً معيناً يملأ الكون كله).
فكان السعي بين الصفا والمروة تتبعاً للسيدة هاجر بحثاً عن الماء لابنها، وكان ماء زمزم قد نبعٌ من تحت 🦶🦶قدمي إبنها، وماء زمزم خير ماءٍ على وجه الأرض، يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:
(ماء زمزم طعام طُعمٍ، وشفاء سُقم).
أي هو الماء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يستغني به عن الطعام، يشرب منه فيشبع، كأنه أكل طعاماً كثيراً، وإذا شربه الإنسان لأي نية حقق الله تبارك وتعالى له الأمنية التي شرب بها هذا الماء من أجلها.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ماء زمزم لما شُرب له).
واتقوا الله عباد الله وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
ثم نكمل بقية مناسك الحج، وهي سنةٌ عن أبينا إبراهيم وإبنه إسماعيل، فإن الله عز وجل لما أراد أن يمتحن الخليل وابنه الجليل، رأى في المنام أنه يذبح إبنه، ورؤيا الأنبياء وحيٌ من السماء، ولذلك عندما قال:
" قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى " (102الصافات).
قال:
" قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ " (102الصافات).
فالطفل مع أنه كان صغيراً، لكنه تربَّى في حجر أبو الأنبياء والمرسلين علم أن رؤيا الأنبياء وحيٌ من الله ولابد من تنفيذه، وتكررت الرؤيا ثلاث مرات في يوم الثامن من ذي الحجة ويوم التاسع من ذي الحجة، واليوم وهو يوم العيد وهو ويوم النحر ويوم الأُضحية ويوم الفداء، فقال له إبنه:
يا أبت نذهب إلى منى حتى لا تراني أمي، وآخذ معي المـُـدية ـ أي السكين ـ وحبل، وذهبا معاً إلى موضع الذبح في منى الآن، فقال له إبنه موصياً أباه: يا أبت إشحذ السكين حتى تقطع بسرعة، وكُبني على وجهي حتى لا تنظر إليَّ فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله، فلما كبَّه وتله للجبين ووضع السكين بسرعة وإذا بها لا تقطع، فقال لها: لم لم تقطعي رقبة إسماعيل يا سكين، قالت: ولم لم تحرقك النار يا إبراهيم.
فالتفت وراءه وإذا بأمين الوحي جبريل جاءه بكبشٍ سمين، فداءً لهذا العمل النبيل، وكان عند ذهابه قد تعرَّض له الشيطان، تعرَّض له في المرة الأولى عند العقبة الكبرى فرماه بجمراتٍ ـ أي أحجار صغيرة، ثم تعرَّض لهما مرةً ثانية عند العقبة الوسطى فرماه بجمراتٍ صغيرة، ثم تعرض لهما عند العقبة الصغرى فرماه بجمراتٍ صغيرة، ومن هنا سن لنا الرمي سنة عن إبراهيم وسُن لنا وللحجيج الأُضحية، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ما عُبد الله في يوم النحر بعبادة أفضل من إراقة دم، لكم بكل صوفة من شعرها حسنة، ومن كل قطرة حسنة، وإنها لتُوضع بقرونها وأظلافها في الميزان فأبشروا).
وقد فشت فاشية في هذه الأيام أفشاها فينا المستشرقون ومن معهم من الكافرين، ليمنعوا المسلمين من تنفيذ شعائر الإسلام، فقالوا لنا: لم تذبح؟ وما يُغني عنك اللحم الصغير والمبلغ كبير، إن كان ولابد فاشتري لحماً ووزعه على الفقراء ـ يريدون أن يصرفوا المسلمين عن الأُضحية التي هي سنة أبينا إبراهيم.
الأُضحية يا جماعة المؤمنين فيها منافع عند الله لا نستطيع عدَّها، منها على سبيل المثال ما قال صلى الله عليه وسلَّم لابنته السيدة فاطمة:
(يا فاطمة قومي إلى أُضحيتك فاشهديها، فإن الله يغفر لك عند أول قطرة تنزل من دمها كل ذنبٍ فعلتيه).
فإذا ضحَّى أهل المنزل بعد صلاة العيد وسماع خطبة العيد، وكانت الأُضحية مطابقة للأوصاف الشرعية، يغفر الله للرجل ولزوجته ولأهل بيته أجمعين، فيكونوا كأنهم حجاجٌ عند رب العالمين.
الأمر الثاني: ما لهم من الحسنات، ومن الذي يستطيع أن يعد ذلك:
(لكم بكل صوفة من شعرها حسنة، وبكل قطرة من دمها حسنة، وإنها لتُوضع في الميزان بقرونها وأظلافها فطيبوا بها نفساً وأبشروا).
الأمر الثالث: أننا سنعبر جميعاً على الطراط على جسور جهنم، ولا يركب هناك إلا من اتخذ ركوبة هنا، ومالركوبة التي نركبها هناك؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إستسمنوا ضحاياكم، فإنها مطاياكم على الصراط).
هي المطية التي ستركبها هناك، والأُضحية سنة لمن كان معه مالٌ زائدٌ عن نفقاته الأساسية، وهي سنة مرةٌ في العمر، فليس شرطاً أن يكررها الإنسان كل عام، لكن لا يحرم نفسه أن يفعلها ولو مرةً في عمره كله، ليقتدي بسيدنا رسول الله وبأبي الأنبياء إبراهيم خليل الله.
أما إذا كان الحج فلا يجوز أن يذهب إليه الإنسان بالديْن، فمن باب أولى يُمنع الإنسان من ذبح الأضحية بالسلف أو الدين، لابد أن يكون المال فائضاً عن نفقاته الأساسية، أما توزيعها فبحسب حاجاته، فإن كان فقيراً أكلها كلها، وإن كان حاله وسط يأكل بعضها ويوزع على الفقراء بعضها، ويهدي للأهل والأقارب الذين ليس عندهم أُضحية شيئاً منها، ويكون قد أدَّى ما عليه من سنة رسول الله.
على أن يلاحظ أن لا يعطي الجزار أجره منها، كأن يأخذ جلدها، أو شيئاً من اللحم مقابل عمله، قال صلى الله عليه وسلَّم للإمام علي:
(يا علي إعط الجزار من عندنا، ولا تعطه من الأضاحي شيئا).
فالأضحية سنة لابد من فعلها جماعة المسلمين لنا كلنا أجمعين.
أما المتيسرين الذي يُغني بهم الفقراء والمساكين، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم لهم:
(من وجد سعةً ولم يُضحي، فلا يقربنَّ مصلانا).
أي لابد أن يضحي كل عام ليكرم الفقراء ويوزع عليهم هذا الغذاء، فهم أحوج ما يكونون إليه.
{الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر}.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين، أنعم علينا وعلى جميع المسلمين بما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر من العطايا الإلهية والمنن الربانية والخيرات الدنيوية والسعادة الأُخروية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إدخر لهذه الأمة ـ أمة حبيبه ومصطفاه مغفرة الله، عندما خلق القلم وقال:
(أكتب يا قلم: أمة آدم من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار، أمة موسى ... ـ أمة إبراهيم ... ـ فلما وصل إلى أمة سيدنا محمد أراد أن يكتب ما كتب للسابقين: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار، فجاءه الأمر من الواحد القهار: أُسكت يا قلم، قال: وماذا أكتب يا رب؟ قال: أكتب أمة مذنبٌ وربٌ غفور).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، رحمة الله العُظمى لجميع العالمين، وسيد الأنبياء والمرسلين وإمام الخلائق أجمعين يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين، وعلى صحابته المباركين، واجعلنا معهم ومنهم أجمعين في الدنيا ويوم الدين، آمين يا رب العالمين.
أما بعد فيا أيها الأحبة جميعاً جماعة المؤمنين:
كل عامٍ وأنتم بخيرٍ أجمعين، بمناسبة هذين العيدين السعيدين، عيد يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك اليوم، هذه المناسك الإلهية التي جعلها الله تذكرةً للأمة الإسلامية لخطوات الأنبياء المرسلين السابقين، فلا يوجد منسكٌ من مناسك الحج إلا وهو أثرٌ عن نبيٍّ كريم من أنبياء الله سبحانه وتعالى.
أما الطواف فإن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام لما وقع في الخطيئة في الجنة وأهبطه الله تبارك وتعالى إلى الأرض، ونزل في أرض الهند ونزلت حواء في جدة الآن، وتفرقا عن بعضهما، وأخذ يتوب إلى الله تبارك وتعالى ويستغفره مما جنته يداه، والخطيئة التي عصى بها مولاه، ولما أراد الله تبارك وتعالى تمام المغفرة نزل أمين الوحي جبريل وقال:
يا آدم الجليل يأمرك أن تذهب إلى موضع البيت وتطوف حوله فيغفر لك الله تبارك وتعالى، فجاء آدم من بلاد الهند إلى موضع مكة الآن ماشياً، وطوى الله سبحانه وتعالى له الأرض فقطعها في خطوات معدودات.
ولما جاء إلى البيت ـ وكان الله قد أمر الله الملائكة ببناء هذا اليبيت ـ وقف وألصق صدره بين باب البيت وبين الحجر الأسعد، 🤲🤲ورفع يديه على جدار البيت ونادى الله ـ وقال فيما رواه لنا عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
🤲(اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، اللهم أرزقني إيماناً يباشر سويداء قلبي، حتى لا أحب تأخير ما عجَّلت، ولا تعجيل ما أخَّرت، إنك على كل شيئٍ قدير ـ فناداه ربه: يا آدم قد طُفت بهذا البيت ودعوتنا بدعوات فاستجبنا لك، وكل من أخطأ من ذريتك وجاء إلى هذا البيت وطاف كما طفت غفرنا له ذنبه، وضاعفنا له حسناته، ونزعنا الفقر من بين عينية، وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه).
ثم أمر الله الملائكة الكرام أن يسوقوا حواء إلى موضع عرفات الآن، والتقى آدم بحواء في عرفات، وسُمي عرفات لأنهما تعارفا عليه بعد ثلاثمة عام من هبوطهم إلى الأرض، فأصبح موضع عرفات هو موضع الحج الأكبر الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:
(الحج عرفة).
ثم كان بعد ذلك أن توالى على البيت أحوالٌ وأحوالٌ حتى إندثر البيت، وأراد الله تبارك وتعالى إظهار هذا البيت وبناء هذا البيت، فأمر الخليل إبراهيم وقد رزقه الله بغلامٍ بعد ثمانين عاماً، أن يأخذ ولده ويذهب إلى موضع البيت الحرام.
ولم يكن هناك إنسٌ ولا وحشٌ ولا طيرٌ ولا شيئٌ من مقومات الحياة قط، بل كان صحراء جرداء لا فيها زرعٌ ولا إنسٌ ولا ماء، فأخذ زوجته وابنه وأنزلهما عند البيت، وترك لهما وعاءً فيه ماء، وترك لهما كيساً فيه تمرٍ يأكلان منه، فقالت له زوجته: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها، فكررت النداء له ثلاث مرات، ثم قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت إذاً لن يضيعنا.
وبينما إبراهيم رجع إلى فلسطين، نفد الماء من وعاء الماء، ولم تجد في ثدييها لبناً للرضيع، 🤲فأخذت تسعى في موضع السعي الآن، تذهب من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا بين الجبلين 🤲تهرول مسرعةً لعلها تجد ماء.
وبعد المرة السابعة 🤲وجدت طيوراً حول الغلام فخافت عليه، فذهبت مسرعةً إليه، فوجدت ماء زمزم قد نبعت من تحت قدميه وفار فوراناً شديداً، فأخذت بالرمال تضعه حوله وتقول له: زمِّي زمِّي ـ أي لا تتكاثري ـ فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(رحم الله أم إسماعيل لو لم تقُل لها زمي زمي، لكانت زمزم ماءً معيناً يملأ الكون كله).
فكان السعي بين الصفا والمروة تتبعاً للسيدة هاجر بحثاً عن الماء لابنها، وكان ماء زمزم قد نبعٌ من تحت 🦶🦶قدمي إبنها، وماء زمزم خير ماءٍ على وجه الأرض، يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:
(ماء زمزم طعام طُعمٍ، وشفاء سُقم).
أي هو الماء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يستغني به عن الطعام، يشرب منه فيشبع، كأنه أكل طعاماً كثيراً، وإذا شربه الإنسان لأي نية حقق الله تبارك وتعالى له الأمنية التي شرب بها هذا الماء من أجلها.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ماء زمزم لما شُرب له).
واتقوا الله عباد الله وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
ثم نكمل بقية مناسك الحج، وهي سنةٌ عن أبينا إبراهيم وإبنه إسماعيل، فإن الله عز وجل لما أراد أن يمتحن الخليل وابنه الجليل، رأى في المنام أنه يذبح إبنه، ورؤيا الأنبياء وحيٌ من السماء، ولذلك عندما قال:
" قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى " (102الصافات).
قال:
" قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ " (102الصافات).
فالطفل مع أنه كان صغيراً، لكنه تربَّى في حجر أبو الأنبياء والمرسلين علم أن رؤيا الأنبياء وحيٌ من الله ولابد من تنفيذه، وتكررت الرؤيا ثلاث مرات في يوم الثامن من ذي الحجة ويوم التاسع من ذي الحجة، واليوم وهو يوم العيد وهو ويوم النحر ويوم الأُضحية ويوم الفداء، فقال له إبنه:
يا أبت نذهب إلى منى حتى لا تراني أمي، وآخذ معي المـُـدية ـ أي السكين ـ وحبل، وذهبا معاً إلى موضع الذبح في منى الآن، فقال له إبنه موصياً أباه: يا أبت إشحذ السكين حتى تقطع بسرعة، وكُبني على وجهي حتى لا تنظر إليَّ فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله، فلما كبَّه وتله للجبين ووضع السكين بسرعة وإذا بها لا تقطع، فقال لها: لم لم تقطعي رقبة إسماعيل يا سكين، قالت: ولم لم تحرقك النار يا إبراهيم.
فالتفت وراءه وإذا بأمين الوحي جبريل جاءه بكبشٍ سمين، فداءً لهذا العمل النبيل، وكان عند ذهابه قد تعرَّض له الشيطان، تعرَّض له في المرة الأولى عند العقبة الكبرى فرماه بجمراتٍ ـ أي أحجار صغيرة، ثم تعرَّض لهما مرةً ثانية عند العقبة الوسطى فرماه بجمراتٍ صغيرة، ثم تعرض لهما عند العقبة الصغرى فرماه بجمراتٍ صغيرة، ومن هنا سن لنا الرمي سنة عن إبراهيم وسُن لنا وللحجيج الأُضحية، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ما عُبد الله في يوم النحر بعبادة أفضل من إراقة دم، لكم بكل صوفة من شعرها حسنة، ومن كل قطرة حسنة، وإنها لتُوضع بقرونها وأظلافها في الميزان فأبشروا).
وقد فشت فاشية في هذه الأيام أفشاها فينا المستشرقون ومن معهم من الكافرين، ليمنعوا المسلمين من تنفيذ شعائر الإسلام، فقالوا لنا: لم تذبح؟ وما يُغني عنك اللحم الصغير والمبلغ كبير، إن كان ولابد فاشتري لحماً ووزعه على الفقراء ـ يريدون أن يصرفوا المسلمين عن الأُضحية التي هي سنة أبينا إبراهيم.
الأُضحية يا جماعة المؤمنين فيها منافع عند الله لا نستطيع عدَّها، منها على سبيل المثال ما قال صلى الله عليه وسلَّم لابنته السيدة فاطمة:
(يا فاطمة قومي إلى أُضحيتك فاشهديها، فإن الله يغفر لك عند أول قطرة تنزل من دمها كل ذنبٍ فعلتيه).
فإذا ضحَّى أهل المنزل بعد صلاة العيد وسماع خطبة العيد، وكانت الأُضحية مطابقة للأوصاف الشرعية، يغفر الله للرجل ولزوجته ولأهل بيته أجمعين، فيكونوا كأنهم حجاجٌ عند رب العالمين.
الأمر الثاني: ما لهم من الحسنات، ومن الذي يستطيع أن يعد ذلك:
(لكم بكل صوفة من شعرها حسنة، وبكل قطرة من دمها حسنة، وإنها لتُوضع في الميزان بقرونها وأظلافها فطيبوا بها نفساً وأبشروا).
الأمر الثالث: أننا سنعبر جميعاً على الطراط على جسور جهنم، ولا يركب هناك إلا من اتخذ ركوبة هنا، ومالركوبة التي نركبها هناك؟ قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إستسمنوا ضحاياكم، فإنها مطاياكم على الصراط).
هي المطية التي ستركبها هناك، والأُضحية سنة لمن كان معه مالٌ زائدٌ عن نفقاته الأساسية، وهي سنة مرةٌ في العمر، فليس شرطاً أن يكررها الإنسان كل عام، لكن لا يحرم نفسه أن يفعلها ولو مرةً في عمره كله، ليقتدي بسيدنا رسول الله وبأبي الأنبياء إبراهيم خليل الله.
أما إذا كان الحج فلا يجوز أن يذهب إليه الإنسان بالديْن، فمن باب أولى يُمنع الإنسان من ذبح الأضحية بالسلف أو الدين، لابد أن يكون المال فائضاً عن نفقاته الأساسية، أما توزيعها فبحسب حاجاته، فإن كان فقيراً أكلها كلها، وإن كان حاله وسط يأكل بعضها ويوزع على الفقراء بعضها، ويهدي للأهل والأقارب الذين ليس عندهم أُضحية شيئاً منها، ويكون قد أدَّى ما عليه من سنة رسول الله.
على أن يلاحظ أن لا يعطي الجزار أجره منها، كأن يأخذ جلدها، أو شيئاً من اللحم مقابل عمله، قال صلى الله عليه وسلَّم للإمام علي:
(يا علي إعط الجزار من عندنا، ولا تعطه من الأضاحي شيئا).
فالأضحية سنة لابد من فعلها جماعة المسلمين لنا كلنا أجمعين.
أما المتيسرين الذي يُغني بهم الفقراء والمساكين، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم لهم:
(من وجد سعةً ولم يُضحي، فلا يقربنَّ مصلانا).
أي لابد أن يضحي كل عام ليكرم الفقراء ويوزع عليهم هذا الغذاء، فهم أحوج ما يكونون إليه.