(1)
شبهة عد أيام خلق السموات والأرض
إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش }
{ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين {9} وجعل فيها رواسي من فوقها و بارك فيها و قد فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين {10} ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و للارض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين {11} فقضاهن سبع سماوات في يومين } .
طالما كان هذا النص الكريم مدخلاً للمشككين ليوهموا ضعفاء العقول والقلوب بأن القرآن متناقض! فكيف يؤكد القرآن أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم يأتي في هذا النص ليؤكد أن الأرض خلقت في يومين، ثم تم إكمال خلقها في أربعة أيام، ثم خلقت السماء في يومين، فيصبح المجموع ثمانية (2 + 4 + 2 = !! ويظن الملحد أنه انتصر لعقيدته الفاسدة وأخرج لنا تناقضاً علمياً في القرآن، ويكفي أن نجد خطأً علمياً واحداً لنثبت أن القرآن محرف، هكذا يقولون!
هذا مما أشكل على بعض الناس فهمه ، فظن بعضهم أن الله خلق السموات والأرض في ثمانية أيام كما ذكر الله في سورة فصلت : (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم ) فصلت / 9ـ12.
وأنه يعارض الآية الأخرى التي ذكرت أنه خلقها في ستة أيام .
وهذا فهم خاطئ والجواب عليه أن يقال :
ليس هناك تناقض ولا تفاوت بين المدة الزمنية التي جاءت في هذه الآيات وبين الآيات الأخرى التي ورد فيها تحديد المدة بأنها ستة أيام .
ففي هذه الآيات ـ من سورة فصلت ـ نجد أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه : ( خلق الأرض في يومين )
ثم (جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها ) في تمام أربعة أيام .. أي في يومين آخرين يضافان إلى اليومين اللذين خلق فيهما الأرض ، فيكون المجموع أربعة أيام .. وليس المراد أن خلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق أربعة أيام ..
ولعل الشبهة ـ التي جاءت في السؤال ـ قد أتت من هنا.. أي من توهم إضافة أربعة إلى اليومين اللذين خلقت فيهما الأرض ، فيكون المجموع ستة.. وإذا أضيف إليها اليومان اللذان خلقت فيهما السماء ( فقضاهن سبع سموات في يومين ) يكون المجموع ثمانية أيام ، وليس ستة أيام.. لكن إزالة هذه الشبهة متحققة بإزالة هذا الوهم.. فالأرض خلقت في يومين.. وخلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام.. أي استغرق هو الآخر يومين.. ثم استغرق خلق السموات السبع يومين.. فكان المجموع ستة أيام من أيام الله ، سبحانه وتعالى..
ولقد نبه المفسرون على هذه الحقيقة ـ المزيلة لهذا الوهم ـ فقال القرطبي : " { في أربعة أيام } مثاله قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يومًا ، أي في تتمة خمسة عشر يومًا " [ الجامع لأحكام القرآن ] ج15 ص 343 ـ مصدر سابق.
وقال البغوي : { في أربعة أيام } يريد خلق ما في الأرض ، وقدر الأقوات في يومين يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام ، ردَّ الآخر على الأول في الذكر ، كما تقول : تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين ، وإحداهما هي التي تزوجتها بالأمس .
انتهى من تفسير البغوي 7/165
وقال الزجاج : في تتمة أربعة أيام ، يريد بالتتمة اليومين .
[ الكشاف ] ج3 ص 444 ـ مصدر سابق .
فهذه الآيات ـ من سورة فصلت ـ تؤكد هي الأخرى ـ على أن خلق السموات والأرض إنما تم في ستة أيام .. ومن ثم فلا تناقض بين آيات القرآن ولا تفاوت في مدة الخلق الإلهي للسموات والأرض .. وحاشا أن يكون شيء من ذلك في الذكر الحكيم .
ولكن لنتأمل بدقة هذا النص الكريم في ضوء الحقائق العلمية اليوم:
1- خلق الله تعالى الأرض في يومين (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) أي أن الأرض لم تكن موجودة فأوجدها الله في يومين ولكنها غير صالحة للحياة. فقدّر فيها أقواتها وخلق عليها الجبال وغير ذلك بشكل يجعلها صالحة للحياة، وذلك في أربعة أيام (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) فيكون المجموع ستة أيام.
2- في هذه الأيام الستة كانت السماء موجودة وممتلئة بالدخان، والدليل على أنها موجودة قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) أي أن الاستواء كان بعد خلق السماء وبعد خلق الأرض، أي أنه بعد ستة أيام تمَّ خلق السماء والأرض. إذاً لم يقل رب العالمين (ثم خلق السماء) بل قال (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) فالسماء إذاً مخلوقة وموجودة مع الأرض، وهذا ما يقرره العلم الحديث.
3- ثم بعد ذلك جعل هذه السماء الواحدة سبع طبقات بعضها فوق بعض، وهذه العملية لا علاقة لها بخلق السموات، بل هي عملية منفصلة تمت بعد خلق السموات وسماها القرآن بعملية التسوية، لأن الله قال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) لم يقل (فخلقهنَّ)، وهذا دليل على أن السماء موجودة أصلاً ومنذ البداية، وخلقت مع الأرض ولكنها لم تأخذ شكلها النهائي لأنها كانت دخاناً وهذا ما يؤكده العلماء اليوم! إذاً أكَّد القرآن أن الأرض والسماء كانتا مخلوقتين ثم سوَّى الله السماء وجعلها سبع سموات، ولذلك قال في آية أخرى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 29] تأملوا معي كلمة (فَسَوَّاهُنَّ) لم يقل (فخلقهُنَّ) والخلق يختلف عن التسوية. وإنني أتساءل: ما هي المشكلة بالنسبة للذين يشككون في هذه الآيات ويقولون إن القرآن يحوي خطأً حسابياً واضحاً؟
يقول تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فيقولون: يومان لخلق الأرض + أربعة أيام لتهيئة الأرض + يومان لخلق السماء = 8 أيام وليس 6 أيام وهنا يخلطون بين خلق السماء وبين تسوية السماء، والصواب والذي يُفهم من الآية بوضوح أن الله خلق الأرض وهيَّأها بشكل كامل في ستة أيام، وخلال هذه الأيام الستة خلق السماء أيضاً لأن خلق السماء والأرض جاء متناسقاً لأن الأرض خُلقت من الدخان الكوني الذي كان يشكل مادة السماء في بداية الخلق، وهذا ما يقوله العلماء اليوم.
إذاً الله تعالى يتحدث عن خلق السماء والأرض في ستة أيام، ويتحدث عن تسوية السماء وفصلها إلى سبع سموات في يومين، إذن أيام الخلق ستة، واليومين الأخيرين لا علاقة لهما بخلق السماء. فلا يكون هناك أي تناقض في القرآن.
والدليل على صدق هذا التفسير أن القرآن لم يذكر أبداً أن خلق السماء استغرق يومين، بل عملية تسوية السماء إلى سبع سموات هي التي استغرقت يومين وهذين اليومين لا علاقة لهما بالأيام الستة عندما قال: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [الفرقان: 59]. وهنا تأكيد على أن الاستواء يأتي بعد الخلق ولا علاقة له بعدد أيام الخلق.
إن خلق الأرض بدأ مع خلق الكون لأن مادة الأرض التي تشكلت منها موجودة في الرتق الابتدائي الذي فتقه الله وخلق منه السموات والأرض، ولذلك من الطبيعي أن يكون عدد أيام خلق الأرض ستة وهذه الأيام الستة هي ذاتها عدد أيام خلق السماء.
أما بعد ذلك من أيام لتسوية السماء وتعددها إلى سبع طبقات فهذا موضوع آخر لا يمكن أن نجمع عدد أيام التسوية مع عدد أيام الخلق، سيكون هناك خطأ حسابي، وبالتالي فإن الذين يجمعون هذه الأيام مع بعضها إنما هم الذين يخطئون وليس القرآن!
ولنضرب مثلاً على ذلك: عندما أقوم ببناء بيت ويستغرق هذا البناء مني ستة أشهر، ثم بعد ذلك أقوم بفرشه خلال شهرين، فإن أحداً إذا سألني أقول له استغرق مني بناء هذا البيت ستة أشهر، ولكن فترة الفرش وهي شهرين لا تدخل ضمن فترة البناء. كذلك الله تعالى خلق السماء والأرض في ستة أيام ثم فصل هذه السموات سبعاً في يومين، فليس هناك تناقض في هذا الأمر.
يقول تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) لماذا الرقم سبعة؟ لأن الله تبارك وتعالى صمم معظم الأشياء في الكون على هذا الرقم فكل ذرة من ذرات الكون تتألف من سبع طبقات. ولذلك فإن الله تبارك وتعالى عندما حدثنا عن السماوات السبع قال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) مع أننا لا نرى هذه السماوات السبع إلا أنه أودع دليلاً في كل ذرة من ذرات الكون من خلال طبقاتها السبع، وإذا علمنا أيضاً أن الأرض كذلك هي سبع طبقات بعضها فوق بعض ندرك أن الله تبارك وتعالى يحدثنا عن حقائق يقينية وليس مجرد كلمات. الصورة تظهر الذرة بطبقاتها السبع.
حاول المشككون إثارة الشبهات حول هذه الآية، فقالوا: إن هذه الآية تدل على أن الأرض خُلقت قبل السماء، فهل يمكن أن نصدق ذلك في ضوء العلم الحديث؟ إذاً القرآن يناقض العلم الحديث! إذاً هو كتاب من عند غير الله لأن الله لا يُخطئ!!
إن هؤلاء لم يقرأوا الآية جيداً لأن الله تعالى عندما قال: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) إن هذه الآية تدل على أن السماء كانت موجودة قبل أن يستوي إليها، ولكنها كانت في معظمها دخاناً، ثم يقول بعد ذلك: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) إذاً الخطاب للسماء والأرض، وبالتالي أثناء هذا الخطاب كانت الأرض موجودة وكانت السماء موجودة، ولا يعني ذلك أن الأرض خُلقت قبل السماء، ولكن هذا ما فهمه المفسرون حسب علوم عصرهم. أما نحن اليوم فلسنا ملزمين أن نفهم الآية كما فهمها المفسرون قبل ألف سنة مثلاً، لأنه لو توافرت لديهم العلوم لفهموها كما نفهمها اليوم.
هذا هو الدخان الكوني الذي كان موجوداً أثناء خلق الأرض ومنه خلقت السماء! إن الله تعالى قال عن السماء: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) وكلمة (فَقَضَاهُنَّ) لا تعني (خلقهن) بل هو قضاء الله تعالى في هذه السموات أن يكون عددها سبع سموات، وهذا يدل على أن السماء موجودة منذ البداية ولكن في مرحلة ما استوى الله إليها وأمرها أن تلتزم أوامره ثم فصل هذه السماء عن بعضها فتحولت من سماء واحدة إلى سبع سموات. وفي ظل هذه الرؤية لا أدري أين المشكلة، وأين التناقض الذي يدعيه هؤلاء بين العلم والقرآن؟!
منتدي السعادة والصفاء
منقوول بتصرف