في نور القرآن الكريم
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله رب العالمين، أنزل القرآن شفاء من كل داء، وترياقاً من كل همّ وغمّ ونكدٍ وبلاء، وقال للمؤمنين أجمعين في شأنه :
﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ ( فصلت: 44)
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو وحده الذى يعلم سبب كل داء، وسرّ كل شفاء، أحاط علمه بما في الأرض، وبما في أجواء السماء،
وأشهد ان سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه الله عز وجلّ لنزول القرآن، وجعل قلبه حقاً لينزل القرآن عليه في كل وقتٍ وآن، وقال عز شأنه في القرآن :
﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ (الإسراء:105)
اللهم صل وسلم وبارك على مَهْبط تنزل القرآن، وشارح أنوار هذا البيان، والقرآن الظاهر بعلمه وخُلقه وسلوكه وحاله في كل وقتٍ وَآن، سيدنا محمد وآله وصحبه، وكل من تبعه بخير على مدى الزمان
إخواني وأحبابي جماعة المؤمنين :
عرض الله عز وجلّ كتابه لكم لتعلموا بيقين فضل الله عز وجلّ عليكم في كل وقتٍ وحين، فقال لنا ويخُصّنا بذلك :
﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ ( فصلت: 44)
أي شفاء للأمراض التي تعترى الصدور، مثل أمراض الوسوسة، وأمراض الشك والتردد، كل هذه الأمراض النفسية، علاجها في تلاوة الآيات القرآنية التي أنزلها رب البرية على حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلمّ .
وإن شئت قلت شفاءٌ لأمراض الأجسام، فهو يشفي من الأمراض الجسمانية بإذن من بيده الشفاء عز وجلّ
وإن شئت قلت شفاءٌ من الأمراض الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية والسياسية وغيرها التي تغيّر القلائل في المجتمعات، وتجعل الناس يختلفون ويتخاصمون ويتنازعون ويتقاتلون .
فالقرآن شفاءٌ تام لجميع الآلام والأسقام، لأنه كلام الله عز وجلّ
وهو هدايةً من الضلال، وهداية من الشك، وهداية من الحيرة، وهداية من الظلمات إلى نور الله عز وجلّ الواضح وضوح الأرض والسماوات، وليس ذلك هو شأنه فحسب، بل هو كما قال الله :
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الالْبَابِ ﴾ (ص:29)
إذا كنت حريصاً على العيشة السعيدة، والحياة المديدة، والقوة السديدة، والحياة في الآخرة في جوار الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فلا تصنع شيئاً في أمرك إلا بالقرآن
يا أمّة القرآن
يامن علمتم قدر القرآن وتهاونتم في القيام بأمره في كل وقت وآن، تكاسلاً وفتوراً عن تلبية رغبة الحنّان والمنّان، ألا تدرون أن الكافرين والمشركين يبحثون في كل معاملهم وجامعاتهم عن أسرار القرآن التي يرونها في أمة القرآن، وفي كل يومٍ يخرجون إلينا ببحثٍ جديدٍ يضيف إلى المؤمن ثباتاً ويقيناً في قلبه لأن هذا الكتاب :
﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ (فصلت:42)
فالسعيد يا إخواني من عمل بوصايا الله، ومشى على هَدْي وسنة رسول الله، فطالعوا كتاب الله، واقرأوا ما فيه من وصايا، وعوها وافهموها وتدبروها، ثم قوموا عاملين بها،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قالوا وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، وهو الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا يخلق ـ أي: لا يبلى ـ مع كثرة الرد ـ أي: مع كثرة التكرار والتلاوة ـ وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به). من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم (الترمذي عن علي رضي الله عنه)
قضية تمس شغاف هذا الدين أخذها أهل الغرب ومن عاونهم وساندهم، حجة على تأخر المسلمين، فقد زعم فريق من المسلمين الذين لا يريدون كداً ولا كدحاً ولا عملاً في الدنيا، أن الله عز وجل ما خلقنا في الدنيا إلا لعبادته واستشهدوا بالآية القرآنية وحرفوا معناها على وفق أهواءهم فقالوا إن الله تعالى قال:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
وقصروا العبادة على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن وذكر الله والاستغفار لله والصلاة والتسليم على حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، وانشغلوا بذلك عن الدنيا وطلباتها والمعايش وأحوالها، وأصبحوا يتكففون الناس ويطلبون منهم، زعماً بأنهم تفرغوا لعبادة الله كما قال الله جل في علاه، ونسوا أن القرآن عامل هذه القضية وعالجها معالجة شاملة
لما خلقنا الله في الدنيا؟
اسمع معي لقول ربك عز وجل:
"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود61)
لنعمرها بالخيرات لنعمرها بالمشروعات الطيبات لنعمرها بالأعمال الدنيوية الرابحة، على هذا النهج كان أنبياء الله ورسل الله أجمعين.
فهذا نبي الله داود كان ملكاً ونبياً على قومه، ومع ذلك لم يكن يأكل إلا من عمل يده
" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ " (80الأنبياء).
فكان يصنع الدروع ويأمر ببيعها في السوق ويأخذ ثمنها ويقسمِّه إلى أثلاث:
ثُلثٌ يشتري به حديد وثُلثٌ يطعم به نفسه وأهله، وثُلثٌ يتصدق به على الفقراء والمساكين.
من شدة صدقه مع الله ألانَ الله له الحديد، فكان إذا أمسكه يلين في يده بدون كورٍ ولا فحمٍ ولا فُرنٍ ولا غيره، لأنه يريد أن يكفَّ نفسه عن سؤال الناس، قال فيه صلى الله عليه وسلَّم:
"ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ". (صحيح البخاري)
وابنه سليمان عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام أول من استخدم كل ما سخَّر له الله في إقامة حضارة يعجب منها الناس إلى أبد الدهر،
سخَّر الطيور فجعل الهدهد يحمل رسائله للملوك،
وسخَّر الجن وجعلهم يبنون له القصور ويصنعون له الصناعات التي يعجز عنها عالم الإنس،
وسخَّر الله عز وجل له كل شيء فسخَّر ذلك لمدنية لم تعرف مثيلها الإنسانية إلا في هذا العصر الحديث.
والله يقول لنا في القرآن :
" وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (13 الجاثية)
وكان رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلَّم أيضاً إمام الأئمة في ذلك، فكان يستفرغ مواهب أصحابه ليظهرها للناس في فنون حضارية وأفكارٍ عصرية لم تشهدها الإنسانية قبل خير رسول صلى الله تعالى وسلم وبارك عليه.
قال سيدنا زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه:
"أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ...قال: فتعلمتُ لغة السريانية وهي لغة اليهود في سبعة عشر يوماً، فكان عندما يأتي النبي كتاباً من عندهم يستدعيني ويعرضه عليَّ" (روى الترمذي بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه)
بل إن النبي صلى الله عليه وسلَّم في معاركه الحربية أدهش العرب، ففي غزوة الخندق عندما تخندق هو وأصحابه في المدينة وجمع أصحابه ليستشيرهم فأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه أن يحفر خندقاً حول المدينة لا يستطيع الكافرون والأحزاب أن يهاجموه أو يعبروه، فلما رأى الأحزاب ذلك قالوا:
هذه مكيدة ما كانت تعلمها العرب، فإنه لم يسبق لهم هذا الصنيع، لأن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان يأخذ بالمستحدثات العصرية وكان يربي مواهب بين أصحابه لتكون دولة الإسلام هي طليعة الأمم في المدَنيّة.
ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أن جعل في القرآن الكريم علاج لكل ما نراه، وما يحيط بنا وما ألمَّ بنا في هذه الحياة، اسمعوا معي إلى قول الله عز وجل
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105التوبة).
أمر المؤمنين شباباً وشيوخاً، صغاراً وكباراً أن يكون لكل واحدٍ منهم عمل، عملٌ في دنياه يتكسَّب منه القوت الحلال بالطريقة المرْضية التي جاء بها شرع الله، حتي يكونوا كما قال الله :
(وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (8المنافقون)
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إنِّي قد خَلَّفتُ فيكم اثنين، لن تضلُّوا بعدهما أبدًا: كتاب الله، وسُنتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض) (الحاكم عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه)
أو كما قال:
🤲(أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من قرّبه واجتباه هداه إلى العمل الصالح وأعانه عليه ووفقه إليه إلى يوم يلقاه.
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله من أحبه مولاه ودله عليه، ورزقه التأسي به والاهتداء به في هذه الحياة، وزاده فجعله معه الي يوم لقاء الله.
اللهم صل وسلم وبارك على سر بركاتك وسبب نعمائك سيدنا محمد إمام الهدى وكاشف الدُجى،
صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وكل من تابعه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين
🤲أمين أمين يارب العالمين.🤲
إخواني وأحبابي جماعة المؤمنين:
حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة الكون وجعل صلى الله عليه وسلم هذه الأعمال من أجَّلِ العبادات، فهي أعمالٌ في ظاهرها، ولكن لها أجورٌ عند رب البرية أعظم من أعظم الأعمال التي نراها من أعمال الآخرة، واسمع إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو يقول:
(إنَّ مِن الذُّنوبِ ذُنوبًا لا يُكفِّرُها الصَّلاةُ ولا الصِّيامُ ولا الحجُّ ولا العُمرةُ قالوا فما يُكفِّرُها يا رسولَ اللهِ قال الهُمومُ في طلَبِ المَعيشةِ (الطبراني)
وجعل لمن يظل طوال يومه في عمل الحلال يرجو به أن يكُفَّ نفسه وأولاده عن سؤال الناس ويتقرب بما فاض على بند الصدقات أو في سبيل الله طلباً لمرضاة رب الناس وقال في شأنه فيما يرويه الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ :
"رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَهُوَ بَاسِطٌ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
" مَا أَكَلَ الْعَبْدُ طَعَامًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ كَدِّ يَدِهِ، وَمَنْ بَاتَ كَالًّا مِنْ عَمَلِهِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ" (البخاري وأحمد البيهقي)
🤲نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحبِّبَ القرآن إلى قلوبنا، وأن يشرح به صدورنا، وأن يعالج به أمراضنا، وأن يجعله دستورنا في كل تعاملاتنا، وأن يفتح لنا علوم القرآن، وأن يوفقنا للسير على منهاج القرآن، ويجعله أنيساً لن في قبورنا، وشفيعًا لنا يوم حشرنا، ويجعله أكبر همِّنا ومبلغ علمنا .......
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله رب العالمين، أنزل القرآن شفاء من كل داء، وترياقاً من كل همّ وغمّ ونكدٍ وبلاء، وقال للمؤمنين أجمعين في شأنه :
﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ ( فصلت: 44)
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو وحده الذى يعلم سبب كل داء، وسرّ كل شفاء، أحاط علمه بما في الأرض، وبما في أجواء السماء،
وأشهد ان سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه الله عز وجلّ لنزول القرآن، وجعل قلبه حقاً لينزل القرآن عليه في كل وقتٍ وآن، وقال عز شأنه في القرآن :
﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ (الإسراء:105)
اللهم صل وسلم وبارك على مَهْبط تنزل القرآن، وشارح أنوار هذا البيان، والقرآن الظاهر بعلمه وخُلقه وسلوكه وحاله في كل وقتٍ وَآن، سيدنا محمد وآله وصحبه، وكل من تبعه بخير على مدى الزمان
إخواني وأحبابي جماعة المؤمنين :
عرض الله عز وجلّ كتابه لكم لتعلموا بيقين فضل الله عز وجلّ عليكم في كل وقتٍ وحين، فقال لنا ويخُصّنا بذلك :
﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ ( فصلت: 44)
أي شفاء للأمراض التي تعترى الصدور، مثل أمراض الوسوسة، وأمراض الشك والتردد، كل هذه الأمراض النفسية، علاجها في تلاوة الآيات القرآنية التي أنزلها رب البرية على حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلمّ .
وإن شئت قلت شفاءٌ لأمراض الأجسام، فهو يشفي من الأمراض الجسمانية بإذن من بيده الشفاء عز وجلّ
وإن شئت قلت شفاءٌ من الأمراض الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية والسياسية وغيرها التي تغيّر القلائل في المجتمعات، وتجعل الناس يختلفون ويتخاصمون ويتنازعون ويتقاتلون .
فالقرآن شفاءٌ تام لجميع الآلام والأسقام، لأنه كلام الله عز وجلّ
وهو هدايةً من الضلال، وهداية من الشك، وهداية من الحيرة، وهداية من الظلمات إلى نور الله عز وجلّ الواضح وضوح الأرض والسماوات، وليس ذلك هو شأنه فحسب، بل هو كما قال الله :
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الالْبَابِ ﴾ (ص:29)
إذا كنت حريصاً على العيشة السعيدة، والحياة المديدة، والقوة السديدة، والحياة في الآخرة في جوار الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فلا تصنع شيئاً في أمرك إلا بالقرآن
يا أمّة القرآن
يامن علمتم قدر القرآن وتهاونتم في القيام بأمره في كل وقت وآن، تكاسلاً وفتوراً عن تلبية رغبة الحنّان والمنّان، ألا تدرون أن الكافرين والمشركين يبحثون في كل معاملهم وجامعاتهم عن أسرار القرآن التي يرونها في أمة القرآن، وفي كل يومٍ يخرجون إلينا ببحثٍ جديدٍ يضيف إلى المؤمن ثباتاً ويقيناً في قلبه لأن هذا الكتاب :
﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ (فصلت:42)
فالسعيد يا إخواني من عمل بوصايا الله، ومشى على هَدْي وسنة رسول الله، فطالعوا كتاب الله، واقرأوا ما فيه من وصايا، وعوها وافهموها وتدبروها، ثم قوموا عاملين بها،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قالوا وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، وهو الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا يخلق ـ أي: لا يبلى ـ مع كثرة الرد ـ أي: مع كثرة التكرار والتلاوة ـ وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: (إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به). من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم (الترمذي عن علي رضي الله عنه)
قضية تمس شغاف هذا الدين أخذها أهل الغرب ومن عاونهم وساندهم، حجة على تأخر المسلمين، فقد زعم فريق من المسلمين الذين لا يريدون كداً ولا كدحاً ولا عملاً في الدنيا، أن الله عز وجل ما خلقنا في الدنيا إلا لعبادته واستشهدوا بالآية القرآنية وحرفوا معناها على وفق أهواءهم فقالوا إن الله تعالى قال:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
وقصروا العبادة على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن وذكر الله والاستغفار لله والصلاة والتسليم على حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، وانشغلوا بذلك عن الدنيا وطلباتها والمعايش وأحوالها، وأصبحوا يتكففون الناس ويطلبون منهم، زعماً بأنهم تفرغوا لعبادة الله كما قال الله جل في علاه، ونسوا أن القرآن عامل هذه القضية وعالجها معالجة شاملة
لما خلقنا الله في الدنيا؟
اسمع معي لقول ربك عز وجل:
"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود61)
لنعمرها بالخيرات لنعمرها بالمشروعات الطيبات لنعمرها بالأعمال الدنيوية الرابحة، على هذا النهج كان أنبياء الله ورسل الله أجمعين.
فهذا نبي الله داود كان ملكاً ونبياً على قومه، ومع ذلك لم يكن يأكل إلا من عمل يده
" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ " (80الأنبياء).
فكان يصنع الدروع ويأمر ببيعها في السوق ويأخذ ثمنها ويقسمِّه إلى أثلاث:
ثُلثٌ يشتري به حديد وثُلثٌ يطعم به نفسه وأهله، وثُلثٌ يتصدق به على الفقراء والمساكين.
من شدة صدقه مع الله ألانَ الله له الحديد، فكان إذا أمسكه يلين في يده بدون كورٍ ولا فحمٍ ولا فُرنٍ ولا غيره، لأنه يريد أن يكفَّ نفسه عن سؤال الناس، قال فيه صلى الله عليه وسلَّم:
"ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ". (صحيح البخاري)
وابنه سليمان عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام أول من استخدم كل ما سخَّر له الله في إقامة حضارة يعجب منها الناس إلى أبد الدهر،
سخَّر الطيور فجعل الهدهد يحمل رسائله للملوك،
وسخَّر الجن وجعلهم يبنون له القصور ويصنعون له الصناعات التي يعجز عنها عالم الإنس،
وسخَّر الله عز وجل له كل شيء فسخَّر ذلك لمدنية لم تعرف مثيلها الإنسانية إلا في هذا العصر الحديث.
والله يقول لنا في القرآن :
" وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (13 الجاثية)
وكان رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلَّم أيضاً إمام الأئمة في ذلك، فكان يستفرغ مواهب أصحابه ليظهرها للناس في فنون حضارية وأفكارٍ عصرية لم تشهدها الإنسانية قبل خير رسول صلى الله تعالى وسلم وبارك عليه.
قال سيدنا زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه:
"أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ...قال: فتعلمتُ لغة السريانية وهي لغة اليهود في سبعة عشر يوماً، فكان عندما يأتي النبي كتاباً من عندهم يستدعيني ويعرضه عليَّ" (روى الترمذي بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه)
بل إن النبي صلى الله عليه وسلَّم في معاركه الحربية أدهش العرب، ففي غزوة الخندق عندما تخندق هو وأصحابه في المدينة وجمع أصحابه ليستشيرهم فأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه أن يحفر خندقاً حول المدينة لا يستطيع الكافرون والأحزاب أن يهاجموه أو يعبروه، فلما رأى الأحزاب ذلك قالوا:
هذه مكيدة ما كانت تعلمها العرب، فإنه لم يسبق لهم هذا الصنيع، لأن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان يأخذ بالمستحدثات العصرية وكان يربي مواهب بين أصحابه لتكون دولة الإسلام هي طليعة الأمم في المدَنيّة.
ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أن جعل في القرآن الكريم علاج لكل ما نراه، وما يحيط بنا وما ألمَّ بنا في هذه الحياة، اسمعوا معي إلى قول الله عز وجل
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105التوبة).
أمر المؤمنين شباباً وشيوخاً، صغاراً وكباراً أن يكون لكل واحدٍ منهم عمل، عملٌ في دنياه يتكسَّب منه القوت الحلال بالطريقة المرْضية التي جاء بها شرع الله، حتي يكونوا كما قال الله :
(وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (8المنافقون)
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إنِّي قد خَلَّفتُ فيكم اثنين، لن تضلُّوا بعدهما أبدًا: كتاب الله، وسُنتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض) (الحاكم عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه)
أو كما قال:
🤲(أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من قرّبه واجتباه هداه إلى العمل الصالح وأعانه عليه ووفقه إليه إلى يوم يلقاه.
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله من أحبه مولاه ودله عليه، ورزقه التأسي به والاهتداء به في هذه الحياة، وزاده فجعله معه الي يوم لقاء الله.
اللهم صل وسلم وبارك على سر بركاتك وسبب نعمائك سيدنا محمد إمام الهدى وكاشف الدُجى،
صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وكل من تابعه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين
🤲أمين أمين يارب العالمين.🤲
إخواني وأحبابي جماعة المؤمنين:
حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة الكون وجعل صلى الله عليه وسلم هذه الأعمال من أجَّلِ العبادات، فهي أعمالٌ في ظاهرها، ولكن لها أجورٌ عند رب البرية أعظم من أعظم الأعمال التي نراها من أعمال الآخرة، واسمع إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو يقول:
(إنَّ مِن الذُّنوبِ ذُنوبًا لا يُكفِّرُها الصَّلاةُ ولا الصِّيامُ ولا الحجُّ ولا العُمرةُ قالوا فما يُكفِّرُها يا رسولَ اللهِ قال الهُمومُ في طلَبِ المَعيشةِ (الطبراني)
وجعل لمن يظل طوال يومه في عمل الحلال يرجو به أن يكُفَّ نفسه وأولاده عن سؤال الناس ويتقرب بما فاض على بند الصدقات أو في سبيل الله طلباً لمرضاة رب الناس وقال في شأنه فيما يرويه الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ :
"رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَهُوَ بَاسِطٌ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
" مَا أَكَلَ الْعَبْدُ طَعَامًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ كَدِّ يَدِهِ، وَمَنْ بَاتَ كَالًّا مِنْ عَمَلِهِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ" (البخاري وأحمد البيهقي)
🤲نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يحبِّبَ القرآن إلى قلوبنا، وأن يشرح به صدورنا، وأن يعالج به أمراضنا، وأن يجعله دستورنا في كل تعاملاتنا، وأن يفتح لنا علوم القرآن، وأن يوفقنا للسير على منهاج القرآن، ويجعله أنيساً لن في قبورنا، وشفيعًا لنا يوم حشرنا، ويجعله أكبر همِّنا ومبلغ علمنا .......
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
او
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد