الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا، .. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جندهُ وهزم الأحزاب وحده. .. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدينَ ولو كره الكافرون.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، .. الحمد لله على نعمة الإيمان، وعلى كمال النعمة بالإسلام. .. الحمد لله الذي اختارنا من أمة سيِّد الأنام، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا بلا عملٍ قدَّمناه، ولا شئٍ أسديناه، وإنما الإيمان كلُّه نعمةٌ وفضلٌ من الله، قال عزَّ وجلَّ في قرآنه الكريم:
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (7الحجرات)
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، فلا هادي إلا من هداه، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، والهدى بيده وحده عزَّ وجلَّ، لا يملكه أحدٌ سواه.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ هادياً إلى الخلق بإذنه، وآذنه الله عزَّ وجلَّ بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فكان كما قال في شأنه عز شأنه:
( وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) (46الأحزاب)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صلَّيت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
كل عامٍ وأنتم بخيرٍ أجمعين، نسأل الله عزَّ وجلَّ بادئ ذي بدء أن يجعل هذا العام عام خيرٍ علينا وعلى بلدنا وعلى بلدان المسلمين أجمعين، وأن يمحو فيه الشر والأشرار، ويقضي على الفجار والفسقة والكفار، وينصر الصالحين والصادقين والأبرار، إنه على كل شئٍ قدير، وبالإجابة جدير.
لِـمَ جعل الله عزَّ وجلَّ لنا هذا اليوم من كل عام نحتفي فيه بأبي الأنبياء إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة واتم السلام؟
ذكر الله عزَّ وجلَّ الأنبياء المقرَّبين في القرآن، واكتفى بذكرهم في كتابه أن نطالع سيرهم ولو مرةً واحدةً في العمر، ولكنه عزَّ وجلَّ قرَّر علينا أن نطالع أبي الأنبياء كل عام، وأن نتدبر أحداث حياته، وأن نعيش في ذكرياته، ... لماذا أمرنا الله عزَّ وجلَّ بذلك؟
أمرنا الله عز وجل بذلك لأن أبو الأنبياء دعا، وكان من جملة دعائه التي أجابه إليه الله:
( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) (84الشعراء)
طلب من الله عزَّ وجلَّ أن يكون له لسان صدقٍ في الأمة الآخرة؛ أمة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلَّم، فنحن نذكره في كل صلاة عندما نصلي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ونذكر حياته وسيرته كلها في هذا اليوم الكريم، لماذا؟
لأنه أول المسلمين وأول المؤمنين ولنا فيه أُسوةٌ أجمعين، فإن الإيمان الذي ارتضاه الله عز وجل لنا دينا، وأمرنا به في كل حركاتنا وسكناتنا، قال الله عز وجل في شأنه (1: 3العنكبوت):
(الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
كلنا آمنا بالله وهذه دعوى وحُجَّة تحتاج إلى برهانٍ على صدق هذه الدعوى، وإلى دلائل تدُل على صدق المؤمن بها، وعلى تقواه لمن آمن به وهو مولاه عزَّ وجلَّ.
فاقتضت مقتضيات الإيمان أن يجعل الله عزَّ وجلَّ في حياة أهل الإيمان إبتلاءات يتعرضون لها في كل وقتٍ وآن، فإذا كان سائراً على درب الإيمان تمسَّك بهدي الله، وحافظ على شرع الله، فوقاه مولاه ونصره على كل من عاداه، وجعل له من كل ضيقٍ مخرجاً، ومن همٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام - وهو الحُجة لنا ولجميع الأنام - آمن بالله، وكذَّبه قومه، وكان ملكهم يدَّعي أنه إلهٌ يُعبد من دون الله، فحاججه وخاصمه وجادله، ولم تثبت حجته أمام إبراهيم لأنه قال له (258البقرة):
(فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)
فما كان منه من شدة غيظه إلا أن أوقد له ناراً عظيمة، وهدَّده إما أن يرجع عما هو فيه من الإيمان أو يلقيه في هذه النيران. فصدق إبراهيم في عهده مع مولاه، ولم يبالي بما جهزَّه له عدو الله، وآثر الإيمان، وتمسَّك بالحُجَّة والبرهان، فلما أُلقِيَ في النيران لتمسكه بالحنان المنان، كانت النتيجة له ولكل من تمسك في حياته بالإيمان أن يأتيه قول الرحمن عزَّ وجلَّ:
( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (69الأنبياء)
لو قال الله يا نار كوني برداً، لكانت النار من شدة برودتها وثلجها تُميت إبراهيم، لكن الله قال: (كوني برداً وسلاماً) أي: برداً لا يؤذي، وكانت النار وقد جُهزِّت لتستمر إلى فترة طويلة، فماذا يصنع إبراهيم وهو في النار؟
زاد في إصراره على إيمانه بالله، ضجَّت ملائكة الله وقالوا: يا إلهنا، خليلك يُلقى به في النار!!، فقال الله تعالى لهم: هل استغاث بكم؟!، إن كان قد استغاث بكم فأغيثوه، قالوا: لابد لنا من ذلك، قال: فأرسلوا كبيرهم، فأرسل الله عزَّ وجلَّ الأمين جبريل، فذهب جبريل، وإبراهيم قد اُلقي به في الفضاء وعلى وشك أن ينزل في النار، وقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟، قال: أما إليك فلا، قال: فلله عزَّ وجلَّ؟، قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي.
فكانت النتيجة أن الله عزَّ وجلَّ أمر جبريل أن يأتي لإبراهيم بشجرة من الجنة ويضعها في وسط النار، ويصنع عيناً تفور بالماء بجوارها، فيشرب من الماء، ويتوضأ من الماء، ويأكل من الثمار تسقط من الشجرة وهو في وسط النار؛ يذكر مولاه آنساً بقربه ورضاه، والأعداء يظنون أن النار قد أتت عليه، بينما النار لم تحرق إلا حباله التي قيدوه وكتفوه بها.
وظل على هذا الحال مدة شهرين تامين حتى أُطفئت النار فوجدوا معجزة الله عزَّ وجلَّ، وهذه معجزة الله عزَّ وجلَّ مع أهل الإيمان، على مدى الزمان.
فكل من تمسك في عمله بالحلال، وأصَّر على أن يأكل بما يطابق شرع الله، ولا يتعدَّى حدود الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يحفظه في ظلمات هذه الحياة كما حفظ إبراهيم خليل الله. بل إن الله عز وجل يجعل له كل من حوله يسعى في رضاه، يبارك له في زوجه ويجعلها تحت طاعته على الدوام، حتى ولو ألقاها في صحراء جرداء لا فيها زرعٌ ولا فيها ماء، وعندما وضعها هناك ومشى، قالت: يا إبراهيم، لمن تتركنا ههنا؟!!، فلم يجبها، فكررت النداء ثلاث مرات فلم يجبها، فقالت: أالله أمرك بهذا؟، قال: نعم، قالت: إذن لا يضيِّعنا!!!.
حوَّل الله عزَّ وجلَّ زوجته إلى زوجةٍ مباركة، تُعين زوجها على طاعة الله، وعلى موجبات الإيمان بالله جلَّ في علاه. بل إن الصبي الصغير الذي لم يبلغ الثلاثة عشر عاماً، عندما رأى إبراهيم رؤياه وقصَّها عليه وهو ولدٌ صغير وقال(102الصافات):
( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى )
لم يكذبه، ولم يقل له أن هذه خيالات، أو أن هذا حلمٌ من الشيطان، بل أيدَّه فيما دعاه إليه الرحمن وقال(102الصافات):
( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ )
ثم كان هذا الغلام هو الذي وضع الخُطة لأبيه لتنفيذ رؤياه!!!، قال: يا أبت لا تخبر أمي، ونخرج إلى منى على أننا خارجين لنرعى الغنم ونجمع الحطب، وأخذ المدية - أى السكين - والحبل وخبأهما، فلما وصلا إلى منى قال:
يا أبت، اشحذ المدية جيداً حتى لا تتردد في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ، واخلع قميصي من على جسمي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن عليَّ، وكُبَّني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة والرحمة في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ. فقال إبراهيم: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل. فلما أسلما وتله للجبين جاءت الإغاثة من الله عزَّ وجلَّ لأهل الإيمان، ففداه الله عزَّ وجلَّ بذبحٍ عظيم.
وإن الذبح العظيم هو الخروف الذي قدَّمه هابيل لما تصارع هو وقابيل على الزواج بأخته، أمرهما الله عزَّ وجلَّ أن يقدما قرباناً، فقدَّم قابيل قربانه من الزرع لأنه صاحب زرع، واختار أخسَّه وأردأه لله. وكان هابيل صاحب رعي، فاختار أنضج كبش في غنمه وقدَّمه لمولاه. وكان علامة القبول أن تنزل سحابة من عند الله فتأخذ القربان الذي تقبله الله جلَّ في علاه، فنزلت السحابة وأخذت القربان وتُرك يرعى في الجنان حتى أنزله الله عزَّ وجلَّ لإبراهيم ليفدي به إسماعيل، لأن الله عز وجل جعله حُجَّة لأهل الإيمان قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خدعتهم الأماني وغرَّهم بالله الغرور، وقالوا: نحسن الظن، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل)[1].
فتوبوا إلى الله جميعاً لعلكم تفلحون، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، .. الله أكبر ، ..الله أكبر ولله الحمد. .. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا، والحمد لله على ما أولانا، والشكر على ما أعطانا، ونسأله عزَّ وجلَّ المزيد لنا من النعم الإيمانية في الدنيا، والنعم والخيرات المعيشية المباركة على الدوام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحابته المباركين، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين: جعل الله عزَّ وجلَّ للإيمان امتحاناً قال فيه الله عزَّ وجلَّ في محكم القرآن:
( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الامْوَالِ وَالانْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (155، 156البقرة)
وقد فهم كثيرٌ من المؤمنين هذا الأمر على غير واقعه، فكثيرٌ منهم نسمعهم يشكون الله عزَّ وجلَّ إذا حدث لهم ابتلاء، بل إنهم يجزعون عند حدوث أى بلاء، مع أن الإبتلاء للمؤمن له عدة فوائد:
أما الفائدة الأولى: فإن الله عزَّ وجلَّ - لمحبته للمؤمنين - اقتضت حكمته الإلهية، وإرادته الربانية، أن يطهِّرهم في هذه الدار الدنية من كل الذنوب والمعاصي والعيوب، حتى يخرجوا من الدنيا وليس عليهم شئٌ يحاسبهم عليه حضرة علام الغيوب، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ما من ألمٍ، ولا همٍ ولا غمٍ، ولا شئٍ يُصاب به العبد المسلم، إلا وكفَّر الله عزَّ وجلَّ من خطاياه)[2].
ولا يزال يكفِّر الله عنه من الخطايا حتى يمشي في الأرض - كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(لايزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي وليس عليه خطيئة)[3].
يمشي كالملائكة الكرام ليس عليه ذنبٌ يحاسب عليه، ولا سيئة يُلام عليها، ولا أمرٌ يُعاتب عليه، لأن الله يحاسبه أولاً بأول.
ومع أن الله عزَّ وجلَّ يُنزل البلاء لذلك، إلا أن الله عزَّ وجلَّ رفقاً بعباده المؤمنين قبل أن يُنزل البلاء يجهِّز العبد باللطف النازل من الله ومن السماء، فيُنزل جند اللطف على قلب العبد، ويُهيئه لقبول أمر الله، حتى لا يعترض على مولاه، ولا يشكو الله إلى خلق الله، فيصير بذلك مستحقاً للدرجات العُلى في الجنة عند الله.
وإذا كان المؤمن ليس عليه ذنوب، فإن الله يرفع درجاته في الجنة بما يبتليه ولا يصل إليه بعمله، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله ليرفع العبد المؤمن بالبلاء الدرجة في الجنة لا ينالها بشئٍ من عمله)[4]
فهنيئاً لمن يرضى بقضاء الله، ويُسلِّم مراده لمراد الله، فإن الله عزَّ وجلَّ يحوِّل حياته كلها في الدنيا إلى جنة طيبة يقول فيها الله:
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (97النحل).
أيها الأخوة جماعة المؤمنين: إننا مطالبون في هذا اليوم بأعمال تُرضي الله:
أولاً: الضَّحية وقد تحدثنا عنها بالأمس، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
(أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي لله، ثم نذبح أُضحيتنا، فمن ذبحها قبل الصلاة فإنما هو لحمٌ قدمه لأهله ليس من النُسك في شئ)[5].
ثانياً: ثم علينا بعد ذلك أن نهنئ إخواننا الذين نعيش معهم، ونصلي معهم، ونتحرَّك معهم بهذا العيد، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ لهذه التهنئة ثواباً لا يعدُّ ولا يحدّ، فالبسمة في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وإذا صافحت أخاك فإن الله عزَّ وجلَّ يغسل ذنوبك أنت وأخوك، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إذا التقى المسلمان فتصافحا تحاتت ـ يعني نزلت ـ ذنوبهما كما يتحاتُّ ورق الشجر)[6].
ثم علينا بعد ذلك أن نَصِلَ ذوي الأرحام، فإن الرحم تشكو قاطعها يوم القيامة وتجأر إلى الله عزَّ وجلَّ، فيقول الله عزَّ وجلَّ:
(أنا الرحمن وأنتِ الرحم، وعزتي وجلالي لأصل من وصلكِ، وأقطع من قطعكِ)[7].
فضلاً عن أن صلة الأرحام فيها منافع لا تعدّ، من جملتها ما قال فيها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
(صلة الرحم تزيد في العمر وتُكسب البر)[8]
تجعل عمر الإنسان مباركاً يستغله في الصالحات والطاعات، ولا يستنزفه في المعاصي والمحذورات، صلة الأرحام أكَّد عليها نبينا الكريم لأنها من أخلاق المؤمن في هذا اليوم العظيم.
ثم لا ننسى الفقراء والمساكين، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
(أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم)[9]
والمؤمن دائماً يشكر مولاه على عطاياه ليستزيد من نعم الله، ويدخل في قول الله:
( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ ) (7الرعد)
وخير شكرٍ لنا أجمعين على أن وفقنا الله لقيام هذه الأيام الفائتة بالصيام والطاعات، والتوفيق لأدا صلاة العيد أن نُخرج صدقة للفقراء والمساكين طلباً لوجه الله، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار)[10].
نسأل الله عز وجل في هذا اليوم المبارك، وفي هذا الجمع المبارك، أن لا يدع لنا ذنباً إلا غفره، اللهم اغفر لنا ذنوبنا؛ ما قدمنا منها وما أخَّرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا وما أبطنا، ما علمنا منها وما لم نعلم، وتفضَّل علينا فأبدلها بحسنات، واجعلنا من عبادك المحققين بما ذكرته في محكم الآيات:
( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) (70الفرقان)
اللهم ارزقنا في هذا اليوم صفاء القلوب، وطُهرة النفوس وسخِّر أعضاءنا وأجسامنا في طاعتك، واحفظها من معصيتك ومخالفة أمرك، ووفقنا في هذا اليوم لاتباع نبيَّك والعمل بما تحب وترضى، واجعلنا من عبادك المقبولين الصالحين عندك يا أكرم الأكرمين.
اللهم إنا نسألك وأنت خير مسئول؛ أن تنظر لنا ولإخواننا في بلدنا وللمسلمين أجمعين. اللهم اصلح أحوال المسلمين؛ حكاماً ومحكومين، رؤساء ومرؤسين، شباباً وشيوخاً، نساءً ورجالاً، واجعلهم بشرعك عاملين، وبسنة حبيبك آخذين، وبالوسطية في الإسلام مستمسكين، وباعد بينهم وبين التشدق والتحذلق في هذا الدين أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
اللهم بارك لنا في أبصارنا، وبارك لنا في أسماعنا، وبارك لنا في أولادنا، وبارك لنا في بناتنا، وبارك لنا في أقواتنا، وبارك لنا في بلدنا، وبارك لنا في كل شئٍ هو لنا، واجعلنا مباركين أينما كنا وحيثما سرنا، على الدوام .. يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لعبادك المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واغفر اللهم لوالدينا وذوي أرحامنا أجمعين، واجعلهم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اللهم ارضَ عن أصحاب النبي البررة الكرام، وارضَ اللهم عن نسائه الطاهرات أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن العلماء العاملين والأولياء والصالحين، وارضَ اللهم عنا أجمعين.
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (180: 182الصافات).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
**************
[1] روى ابن النجار عن الحسن البصري عن أنس بلفظ: ( لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي ، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ ، الْعِلْمُ عِلْمٌ بِاللِّسَانِ ، وَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ ، فَأَمَّا عِلْمُ الْقَلْبِ فَالْعِلْمُ النَّافِعُ ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى بَنِي آدَمَ )
************************************ - 6 -
خطبة عيد الأضحى المبارك بالمعادي ـ مسجد النور السبت 4/10/2014 الموافق 10 ذي الحجة 1435 هـ
[2] روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: ( مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا).
[3] رواه أحمد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة ).
[4] روى بن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها.).
[5] البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما بلفظ: ( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء).
[6] أخرج الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
[7] كنز العمال عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( يقول الله تعالى: أنا الرحمن، وهي الرحم، جعلت لها شجنة مني من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته، لها يوم القيامة لسان ذلق).
[8] أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه) (متفق عليه).
[9] رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر، رضي الله عنهما.
10] النسائي والطبراني ومسند الشهاب عن معاذ رضي الله عنه.