لتحميل الكتاب أو مطالعته مجانا أضغط :
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلَّمه البيان، وأهلَّه للعيان، وتوَّجه بتاج الخلافة عن الرحمن. والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على خير من بعثه الله لهداية خلقه وحفظه ظاهراً وباطناً من أهواء النفس ومن شرار خلقه سيدنا محمد فقيه الفقهاء، وحكيم الحكماء، وإمام الرسل والأنبياء وآله البررة الأنقياء، وأصحابه الهداة الأتقياء وكل من تبعهم على هذا الهدي المبارك إلى يوم العرض والجزاء وعلينا معهم أجمعين آمين يا ربَّ العالمين.
وبعد ... فقد خاطبني شيخي وقدوتي مولانا الشيخ محمد علي سلامة ذات مرة قائلاً في إحدى اللقاءات الطيبة مع حضرته: يا بني اكتب بعض الخطب الخاصة بالمناسبات الدينية في كتاب ويطبع لينتفع بها إخوانك، ولما كنت في هذا الوقت في حال محو تام مع حضرته، وأشعر دائماً بعجزي وقصوري في نفسي؛ فقد رأيت في ذلك الحين أن هذا مقام لا يصلح له مثلي، فاعتذرت عن ذلك باعتذار رقيق ونسيت ذلك الأمر، ولكن في السنوات الأخيرة ألحّ عليَّ كثير من الإخوان الصادقين الذين يتعرضون للدعوة ويعتلون المنابر في تنجيز ذلك، وزاد هذا الأمر إلزاماً ما أنجزه بعض الأخوة والأخوات الأفاضل من تصنيف هذه الخطب ثم نسخها كتابة، بعد أن بذلوا الجهد الكبير في جمع الشرائط التي سجلها الإخوان في السياحات الروحانية في الموضوعات المتنوعة، وبقى لنا أن نراجعها ونخرجها ونطبعها ، فاستخرنا الله تعالى في ذلك منذ عام أو يزيد وكان هذا هو أوان الإذن في ذلك من الله عز شأنه فما فيها من صواب فهو من الله عز وجل فبه سبحانه وحده التوفيق وعليه جلَّ شأنه مدد المعونة والتحقيق.
ولما كان كمّ الخطب كثيراً جداً، والواحدة تقع في صفحات كثيرة على غير المعتاد في الكتب المؤلّفة في هذا الفن، فكان يصعب علينا أن نجمع المناسبات المختلفة خلال العام في كتاب واحد لأنه سيكون كبير الحجم، فقد استخرنا الله تعالى أن نجعل لكل مناسبة دينية كالمولد النبوي، والإسراء والمعراج، والصوم وشهر رمضان، والحج، والهجرة النبوية وغيرها جزءاً خاصاً بها ننتقي بعض الخطب مما سجله الإخوان في هذا الشأن ونراجعها لتكون كنموذج يحتذيه الخطيب في معالجة مثل هذه الموضوعات على أن تصدر هذه الأجزاء تباعاً.
ولما كان الهدى الذي احتذينا فيه حذو شيخنا الشيخ محمد علي سلامة رضي الله عنه في خطبنا أن نأخذ آية مما يقرأه القارئ لكتاب الله تعالى قبل الصلاة تناسب الوقت والحاضرين ونشرحها بما يفتح به الله عز وجل على قدر ما تتحمله وتستوعبه مدارك السامعين دون إعداد سابق للخطبة أو حتى تحديد لموضوعها فقد سمينا هذا الكتاب (الخطب الإلهامية) فهي كلها بحمد الله تعالى من كنز قوله سبحانه: ] آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً [ (65الكهف)، وقد كان هدى شيخنا رضي الله عنه في خطبة الجمعة:
- أن يلقيها بلغة سهلة وواضحة لتصل مباشرة إلى أذهان الحاضرين، وكان يحرص رضي الله عنه ألا تكون الخطبة طويلة مملة أو قصيرة مخلّة؛ وكان من غرائب هذا أنّي كنت أتابعه رضي الله عنه في خطبة ممسكاً بساعتي فكان لا يزيد على 17 دقيقة إلا نادراً؛ ومع ذلك نخرج وقد استوعبنا الموضوع من جميع نواحيه، وكان يقول لنا دائماً في ذلك لأن نتركهم راغبين خيرٌ من أن يتركونا زاهدين!، المهم يا بني أن يقوم الناس من المسجد وقد عرفوا موضوعاً محدداً من أمور دينهم واستوعبوه ليعملوا به، وامتداداً لهذا النهج كان رضي الله عنه يتحرَّى دائماً أن تكون موضوعاته على المنبر أو في دروس المساجد فى موضوع واحد لا يخرج عنه الخطيب حتى لا يشتّت السامعين، وأن تكون من الموضوعات العامة التي يحتاجها كل مسلم، ويبتعد عن ذكر الأمور الخلافية أو الإشارة إليها، وعما يثير الفتن والمشاكل بين الناس.
- وكان رضي الله عنه يحرص على التبشير في كل خطبه ودروسه ولا يميل إلى التَشديد والتعسير، ويفتح للناس أبواب رحمة الله الواسعة ويمزج ذلك بتخويف لا يقنطهم من رحمته تعالى.
- وكان شديد الأدب في الحديث عن العلماء جميعاً فلا يجرِّح أحداً من المعاصرين حتى ولو أخطأ بل يلتمس له العذر ويبرر له موقفه، ومع ذلك يقرر الصواب بطريقة حكيمة، أما السابقين فيترضى عنهم أجمعين، كان يعيب على من يحفظ الخطب أو يستظهرها ثم يلقيها ويقول نحن لا نحب لأحد من إخواننا أن يحفظ الخطب ثم يكررها بالنص، ولكن يفهم المحتوى ثم يعبِّر عنه بأسلوبه.
فنعم المربي رضي الله عنه كان لنا، فجزاه الله عنَّا خير الجزاء بمغفرة ورضوان وخير في الدنيا والآخرة، إنه نعم المجيب، والله تعالى أسأل أن يبارك في كل من ساهم في هذا العمل بتسجيله أو جمعه أو نسخه أو طبعه أو نشره وأن يمدهم بمدد توفيقه، ويلحظهم بعين عنايته، وأن يجعلهم في الدنيا من أهل ولايته وفي الآخرة من أهل سعادته، وأدعو الله عز وجل أن ينفع به من قرأه أو سمعه وأن يجعلنا جميعاً من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. فوزى محمد أبوزيد
الثلاثاء 12 صفر 1421 هجرية، 16 من مايو 2000م، الجميزة، غربية.