الله أكبر (تسع مرات) ... ولله الحمد.
الله أكبر على نعمة الصيام التي أنعم بها علينا الملك العلام.
الله أكبر على فريضة القيام التي سنّها لنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
الله أكبر على ليلة القدر، ليلة التقدير والإكرام.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ......
الله أكبر على الأجر العظيم من الله عزَّ وجلَّ للصائمين.
الله أكبر على الفضل الكبير الذي بشر به صلى الله عليه وسلم القائمين.
الله أكبر على هذا الثواب الذي يقول فيه سيد الأولين والآخرين: { لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِلسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْ يَتَكَلَّمَا، لَبَشَّرَتَا مَنْ صَامَ رَمَضَانَ بِالْجَنَّةِ }{1}.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ......
الله أكبر على هذا الشهر الكريم الذي طهَّر الله فيه المسلم من الذنوب العظام.
الله أكبر على فضل الله علينا فيه فنخرج منه وقد غفر لنا الخطايا والذنوب والآثام.
الله أكبر على فضل الله الذي تحسدنا عليه الملائكة الكرام.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ......
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ......
الحمد لله الذي عمَّنا برحماته، وأنزل علينا مواهب فضله وبركاته، وجعلنا من عباده الصالحين، الذين يتجلَّى لهم بالمغفرة في هذا الوقت والحين.
فقد ورد عن رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم أن الله عزَّ وجلَّ يرسل الملائكة الكرام يدعون المؤمنين لهذا الفضل الذي نشهده الآن مع الله عزَّ وجلَّ، ويأمرهم أن يقفوا على أبواب الطرق، وعلى أفواه السكك، وينادوا قائلين: ( يا أمة محمد: أخرجوا إلى رب العالمين عزَّ وجلَّ، فإذا حضروا كما حضرتم، وصلوا كما صليتم، وجلسوا واستمعوا كما تستمعون، يقول الله عزَّ وجلَّ لنا ولهم في نهاية هذا المنسك الكريم: { يَا أُمَّةَ مُحَمَّد: سَلُوني، فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لآخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ، وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ، وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي، وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ. انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ، قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ }{2}
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ بالجود معروف، وبالكرم موصوف، نأتيه بالذنوب والعيوب، وننصرف عن حضرته عزَّ وجلَّ وقد محا عنّا كل خطأٍ وكل عيبٍ وكل ذنب، ويخرجنا كما ولدتنا أمهاتنا. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، أكرمنا الله عزَّ وجلَّ ببعثته، وزاد في إكرامنا فجعلنا من أمته، وزاد في فضله فوفقنا لاتباع سنته.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة العظمى لجميع العالم، وأنظمنا جميعاً في عقد معيته، واحشرنا جميعاً في الآخرة في زمرته، واجعلنا جميعاً من أهل شفاعته، وأدخلنا جميعاً الجنة في جوار حضرته، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين. (أما بعد)..
فيا أيها الأخوة المؤمنون: لماذا فرض الله عزَّ وجلَّ علينا، وسنّ لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم هذا الاحتفال العظيم؟
العيد السعيد شكراً لله عزَّ وجلَّ للأجر الكريم، والثواب العظيم، الذي تفضَّل علينا به في شهر رمضان، وقد زاد في تكريمنا وجعل هذا الحفل لتشريفنا، وأمر ملائكة السموات أجمعين أن يقفوا متأهبين، وأن ينظروا مترقبين، إلى جموع المسلمين وهي تستبق إلى ساحة البرِّ والخير بين يدي الله رب العالمين عزَّ وجلَّ، ويقول لهم كما ورد في الحديث الشريف عن النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم: { يا ملائكتي أنظروا إلى عبادي صاموا من أجلي وقاموا ابتغاء وجهي أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم }.
فيسمعنا في هذا الموقف العظيم، ويسمع الملائكة أجمعين، في مختلف عوالم الملكوت صافين أقدامهم، مقبلين عليكم بوجوههم، ليشهدوا لنا بالمغفرة من الغفار عزَّ وجلَّ. ويقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا مَلاَئِكَتي: مَا جِزَاءُ الأَجِيرِ إِذَا فَرُغَ مِنْ عَمَلَهُ؟ فَيَقُولُونَ: جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى أَجْرَهُ. فَيَقُولُ: فَإِني أُشْهِدُكُمْ أَني جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ، رِضَائي وَمَغْفِرَتي}{3}.
هذا الشهر الكريم - يا إخواني - لو علم رجل منا ما حصل فيه من الخيرات، والفضائل والمبرات، لسجد على وجهه شاكراً لله عزَّ وجلَّ، إلى أن يأتيه أمر الله، شاكراً للنعم العظيمة التي أولاه بها الله عزَّ وجلَّ في هذا الشهر الكريم. ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: {لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا فِي رَمضانَ مِنْ الخَيْرِ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رمضانَ{4}.
وقد ورد في هذا المعنى: أن رجلين تآخيا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانا يعملان معاً، ويمشيان معاً، ويعينان بعضهما على طاعة الله عزَّ وجلَّ. فمات أحدهما شهيداً في ميدان القتال، ومات الآخر بعده بعام، جاءه أجله على فراشه ومات موتة طبيعية، فرأى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وأرضاه الرجلين في الجنة، غير أن الذي مات آخراً وموتته طبيعية أعلى منزلة في الجنة من الذي مات شهيداً في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فقام من نومه متعجباً، لأنه يعلم كما علَّمه الحبيب أن أعلى درجة في الجنة هي درجة الشهداء، والتي يقول فيها النبى صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ فِي الجنةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّهَا للمجاهدينَ فـي سبيلهِ، ما بينَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بينَ السماءِ والأرضِ {5}
فذهب إلى صلاة الفجر وهو يزيد عجبه من هذا الأمر، وبعد انتهاء الصلاة - وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام، إذا انتهوا من صلاة الفجر، أن يجلس معهم لحظات ويسألهم عما حصلوه في نومهم من عجائب ملكوت الله، ومن عوالم فضل الله وكرم الله عزَّ وجلَّ، فقد كانوا تنام أبدانهم وتستيقظ أرواحهم لتذهب إلى ملكوت الله عزَّ وجلَّ، وتأتي بطرائف الحكمة، وغرائب العلم، وكثير من فضل الله عزَّ وجلَّ الذي يشهدهم الله إياه في المنام، فإذا صلوا الفجر قال لهم صلى الله عليه وسلم: من منكم رأى الليلة رؤيا؟ فيقصون عليه رؤياهم، فيؤوِّلها لهم ويفسرها لهم صلى الله عليه وسلم .
فلما قصّ عليه سيدنا عبد الرحمن بن عوف رؤياه قال صلى الله عليه وسلم: { مِنْ أَىِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَاداً ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ!! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِى السَّنَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }{6}.
وكأن الفضائل التي يعطيها الله لنا في شهر رمضان لا يعادلها حتى الجهاد في سبيل الله، ولا إراقة الدماء بين الصفوف في القتال، للأجر العظيم والثواب الكريم الذي كتبه لنا المولى العظيم سبحانه وتعالى في هذا الشهر.
فمنا من يكرمه الله عزَّ وجلَّ ويكتبه في كشوف العتق من النيران، وهي كشوف تظهر في اللوح المحفوظ في كل ليلة. في كل ليلة كشف فيه مائة ألف بأسمائهم وأسماء آباءهم، ومقابل كل واحد منهم مكتوب بقلم القدرة الربانية (هذا عتيق الله عزَّ وجلَّ من النار). وفي ليلة الجمعة يظهر كشف فيه عدد بعدد ما أعتق الله في سائر الأسبوع، وفي الليلة الأخيرة كليلتنا السابقة يظهر كشف كبير فيه عدد كعدد من أعتق الله عزَّ وجلَّ في سائر الشهر، كلهم عتقاء الله سبحانه وتعالى من النار، ومن لم يصبه الدور في هذا العام قد يكون أصابه في عام سابق أو يكون قد ادخره الله له في عام لاحق، المهم أنه لا يخرج مؤمن من الدنيا إلا وقد فاز بالعتق من النيران، إلا من كان غاضباً عليه الرحمن عزَّ وجلَّ.
كيف يسجل اسم الرجل منا في هذا الكشف؟ وما العمل الذي يستوجب به العتق من النيران؟ عمل يسير وأجر كبير يقول فيه البشير النذير صلى الله عليه وسلم: { مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ لَهِ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ }{7}. من فطَّر في هذا الشهر صائماً لله عزَّ وجلَّ كتب اسمه في الحال في كشوف العتق من النيران عند الله عزَّ وجلَّ. قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه قال: يعطي الله هذا الثواب لمن فطَّر صائماً على تمرة، أو على شربة ماء، أو على مزقة لبن.
فالمؤمن الذي لا يفطر صائماً في عمره كله - ولو على شربة ماء - هو وحده المحروم من هذا المدد النازل من السماء لعباد الله المؤمنين والعقلاء. وهذا ما كان يفعله السلف الصالح!! فقد كانوا يتنافسون في إطعام الطعام، وفي صلاة القيام في شهر رمضان، رغبة في هذا الأجر الكبير.
ونحن - والحمد لله - قد كثرت أقواتنا، ودرَّت السماء بأرزاقنا، وأصبحنا نُغْدق على أنفسنا وأولادنا الكثير والكثير، ولكن الشيطان والنفس تحرمنا من هذا الأجر الكبير!! فيبخل الرجل منا على نفسه أن يطعم رجلاً لوجه الله تعالى في رمضان ليكون من عتقاء الله من النار.
فالمؤمن الذي يرجو العتق من النيران يطعم في كل رمضان - ولو يوماً واحداً، ولو مرة واحدة - رجلاً من طعامه، مما يسر الله له من الأرزاق، ولو على تمرات، ولو على شربة ماء، حتى يكون من الذين يتفضل الله عزَّ وجلَّ عليهم ويرزقهم العتق من النيران.
ومنا يا إخواني من تدركه في هذا الشهر عناية الله عزَّ وجلَّ فلا تستطيع الملائكة الكرام أن تسجل أقلامهم أعماله الصالحة، فتكل أيديهم من الكتابة، وتعجز صحفهم عن حمل هذه الحسنات، ويتساءلون لله: قد انتهت الصحف التي بأيدينا!! وعجزت الأقلام التي بأيدينا عن تسجيل هذا الأجر!! فيقول الله عزَّ وجلَّ لهم: اكتبوا عمل عبدي كما هو، وضعوه لي وأنا أضع أجره: {كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللّهُ عزَّ وجلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ}{8}. أي أنا الذي أضع أجره، وأنا الذي أصنّف ثوابه، وأنا الذي أحدد نعيمه، وأنا الذي أرفع شأنه، لأنه صام ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ بترك الطعام والشراب من أجل الله.
ومثل هؤلاء لا يطلع على ثواب أعمالهم ملائكة السموات، ولا شياطين الأرض، وكل عملهم مدَّخر لهم عند الله، يبرز لهم عن خزائنه - خزائن القدرة - يوم يلقون الله عزَّ وجلَّ، فيحسدهم النبيون والمرسلون، بل والخلائق أجمعون، على العمل الكبير والأجر العظيم الذي خصهم به الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر المبارك الميمون.
ومنا - يا إخواني - من يكرمه الله في هذا الشهر، فيوفقه لأن يفتح كتاب الله ويتلو منه ما تيسر له، كما قال الله: ] فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [ (20-المزمل). فإذا كان في آخر الشهر خرج له كتاب من الله، صدَّق عليه كتاب الله، بأن هذا يشفع له كتاب الله يوم يلقى الله عزَّ وجلَّ. قال صلى الله عليه وسلم: {الصِّيامُ والقُرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ يومَ القِيامَةِ يقولُ الصِّيامُ: أيْ رَبِّ مَنَعتُه الطَّعَامَ والشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُه النومَ باللَّيلِ، فشفِّعْنِي فيه، قال: فَيَشْفَعانِ له}{9}.
أعمال كثيرة وأجور كبيرة، حتى أن الكرام الكاتبين يعجزون عن تسجيل حتى الفرائض المعروفة التي يؤديها المسلمين في شهر رمضان، لأن الفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه، والنافلة فيه بفريضة فيما سواه.
شهر رمضان شهرٌ كريم، يكتب الله عزَّ وجلَّ لنا فيه النوم عبادة، ويكتب لنا فيه الصمت تسبيح، ويكتب لنا فيه الطعام أجر وثواب، ويجعل حركاتنا وسكناتنا كلها فيه بأجر كبير عند الله عزَّ وجلَّ، فنحتفل بهذا التكريم وبهذا التعظيم، ويبشر بعضنا بعضاً فيه بفضل الله عزَّ وجلَّ، وقد كانت هذه هي الحكمة في قول الله عزَّ وجلَّ: ] وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ3 [ (185-البقرة).
فنكبر الله عزَّ وجلَّ لأنه هدانا لأفعال الخير ولعمل البر في شهر رمضان، ونصلي العيد لنرجو من الله أن يعيد علينا أعمال الخير وأعمال البر بعد رمضان كما كنا نعملها في رمضان، لأن الله عزَّ وجلَّ حيٌّ قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، وخزائن عطائه وفضله مفتوحة بعد رمضان كما كانت مفتوحة في رمضان، فلا يغلق منها شئ بعده، ولا يمنع الله أجراً بعدها، ولا يلغي الله عزَّ وجلَّ ثواباً بعده للعاملين بطاعته والراغبين في جنته، لكن عنده عزَّ وجلَّ الأجر العظيم والثواب الكريم.
قال صلى الله عليه وسلم: { إن الله عزَّ وجلَّ يتجلى لعباده فيغفر لهم مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه مما يرى من كثرة مغفرة الله عزَّ وجلَّ }{10}، وقد ورد في الأثر: {إن الله يباهي بعباده ويقول لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى عبادي الصائمين إني فتحت لهم أبواب الجنة وأغلقت أمامهم أبواب الجحيم وأشهدكم يا ملائكتي إني قد غفرت لهم}. وقال صلى الله عليه وسلم: {التائب حبيب الرحمن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ}{11}، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر .. (سبع مرات). الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله عمّنا بعطاياه، وأسبغ علينا من فضله ونُعماه، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يثبتنا على الإيمان، وأن يزيدنا من الفضل والإحسان، حتى نكون ممن أنعم الله عليهم يوم القيامة وأدخلهم في قوله سبحانه: ] فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا [ (69-النساء)، نحن والسامعين والحاضرين وإخواننا المسلمين أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، أقام به الله عزَّ وجلَّ الملَّة العوجاء، وهدانا به بعد ضلالة، وجمعنا به بعد فرقة، وأعزَّنا به بعد ذلة.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد صاحب هذا الفضل العظيم، وسر هذا الكرم العميم، وآله وصحبه وكل من اتبع هداه إلى يوم الدين. (أما بعد)..
فيا أيها الأخوة المؤمنون: لماذا كانت عناية الله عزَّ وجلَّ بهذا الشهر الكريم شهر الصيام؟ لأنه شهر تربية الأمة المحمدية، فإن الله عزَّ وجلَّ جعل الصيام هو سر سعادتنا فيه، فلو أننا وصلنا إلى الحكمة التي من أجلها فرض الله علينا الصيام لسعدنا في دنيانا وفزنا في أخرانا.
فرض الله علينا الصيام ليدربنا على أهم أساس فيه لله، وهو مراقبة الله في السر والعلانية، في الظاهر وفي الباطن، فإن المؤمن يصوم عن الطعام والشراب ولا يراه ولا يطلع عليه إلا رب الأرباب عزَّ وجلَّ، يستطيع أن يفطر بينه وبين نفسه، ولكنه في هذا الوقت وإن كان لا يراه أحد من الخلق فإنه يكون غاش لنفسه عند الخالق عزَّ وجلَّ.
فإذا تدرب المؤمن طوال شهر كامل على مراقبة الله في كل حركاته، وفي كل سكناته، وفي كل أعماله، يصبح بعد هذا الشهر وقد رقى إلى مقام: ] إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ[ (128-النحل).
وهذه هي علامة قبول الصيام، فالعلامة التي يعرف بها المرء أن الله قد تقبل صيامه، أن يخرج من هذا الشهر وقد وجد في داخل قلبه مؤذناً، أو منبهاً، ينبهه عند الوقوع في أي ذنب. فعندما تريد يده أن تمتد إلى حرام، أو تريد عينه أن تنظر على آثام، يجد في قلبه منبهاً من قبل الملك العلام ينبهه إلى هذا الأمر: ] إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [ (201-الأعراف)..
إن التاجر الذي تقبل الله صيامه إذا أراد أن يغش في البيع، أو يغش في الميزان، أو يغش في الثمن، يجد منادياً من الله في قلبه، ويجد منبه الله في ضميره، يجذبه من هذا الأمر وينهاه عن هذا الفعل، لأنه تفضل عليه الله فتقبل صيامه.
وعلامة القبول أن الله رزقه نَفْساً لوَّامة، أقسم بها الله عزَّ وجلَّ في قرآنه فقال: ] وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2-القيامة). والمعنى هنا يقسم بالتأكيد بالنفس اللوامة التي تلوم صاحبها عند الشر، وتزجره عند المعصية، وتنهاه عند الاقتراب من الخطيئة، لأن هذا علامة حفظ الله عزَّ وجلَّ لهذا العبد.
أما العبد الذي غضب عليه مولاه، وجعل - والعياذ بالله - جهنم مثواه، فهو الذي طبع الله على قلبه، وأخمد الله نور نفسه، فجعله لا يتحرك عند المعصية متألماً، بل جعله يُسَرُّ عند المعصية، ويعتقد أنه فعل شيئاً عظيماً!! فعندما يغش مسلماً لينال من وراءه بضع جنيهات يفرح ويباهي بذلك وكأنه عمل عملاً عظيماً لم يفعله سواه، يتباهى بذكاءه، ويتباهى بذنبه، ويتباهى بحيله، وهو لا يعلم أنه داخل في قول الله: ] يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [ (9-البقرة).
جماعة المؤمنين: اعلموا علم اليقين أن مَنْ غشَّ الأمة حرم من الدخول في صفوفها يوم الدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}{12}، فإذا أراد أن ينضم إلى صفوفهم يوم القيامة أخذت الملائكة بيده وأبعدته عنهم، ويقول: يا محمد .. يا محمد .. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ربَّ أصحابي!! فيقول الله عزَّ وجلَّ: { إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقاً فعنكن كنت أدافع }{13}.
فمن غش نفساً مسلمة واحدة فكأنما غش المسلمين أجمعين!! من غش مسلماً في بيع بأن خلط اللبن بالماء، أو أخفق الميزان عند الوزن، أو أعطاه سلعة على أنها جيدة ووجد أنها خبيثة، أو أعطاه فاكهة ووجد في أعلاها الطيب وفي أسفلها الخبيث، أو غشها بأي فن من الفنون، كل هذا - يا إخواني - دليل على غضب الله، ودليل على مقت الله، ودليل على أن هذا يمكر به الله ليلقيه في جهنم وبئس المصير.
فكان شهر رمضان تطهيراً للقلوب التي مالت بالشهوات، وللنفوس التي غفلت عن مراقبة خالق الأرض والسماوات، فيحيي الله النفوس، ويحيي الله القلوب، فيخرج المسلمون بعد ذلك وهم يراقبون الله في السرِّ والعلن، لو خلا المرء منهم ولم ير أحداً إلا الله يقول لنفسه إذا حدثته بمعصية:
إذا ما خَلوتَ الدَّهرَ يوماً فلا تقلْ ...... خلوتُ ولكن قُلْ عَلَيَّ رقيبُ
فلا تَحسَبَنَّ اللـه يَغفَلُ ساعةً ...... ولا أنَّ ما يخْفى عَليْه يَغيبُ
فَأَحسِن وأَجْمل ما استَطعتَ فإنما .... بقَرضِك تُجْزَي والقُروضُ ضروبُ
فلا تَكُ مَغروراً تَعَلّلُ بالمُنَى ...... وقُل إنما أُدْعَى غداً فأُجِيبُ
أَلم تَرّ أَنَّ اليومَ أسرعَ ذاهباً ........ وأَنَّ غداً للنّاظرين قريبُ
وإذا كان الذي ظلمته لم يعلم بظلمك الآن ولم يستطيع أن يثبت الظلم لأنك أحبكت التبرير، وأخفيت كل علامة للجريمة، فهناك يوم يقتص فيه الله عزَّ وجلَّ فيه للمظلوم من الظالم. يوم لا تخفى عليه فيه خافية، ينظر المرء فيه إلى ما قدمت يداه، ويعجب من عجيب صنع الله!! وكيف أنه سجَّل عليه حتى خلجات نفسه وخواطر فؤاده، وحتى الأفكار التي كان يدبرها بعقله، ليدبر بها المكر للمؤمنين والشر للمسلمين، لأن الله عزَّ وجلَّ يتولى بنفسه أخذ الحقوق للمسلمين والمؤمنين.
قال صلى الله عليه وسلم - عندما مر على كبشين ينتطحان - يا أبا ذر تعلم فيم ينتطحان؟ قال: لا. وكان أحدهما له قرون والآخر ليس له قرون، يعني أحدهما قوي يستغل قوته والآخر ضعيف لا يستطيع أن يدفع عن نفسه. قال: {إِنَّ الْجَمَّاءَ - التي ليس لها قرون- لَتُقَصُّ مِنَ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}{14}.
وكان هذا مثل ضربه لأصحابه، فإن الله يأخذ للمستضعفين الذين ليس لهم نصير إلا الله - ولا ملجأ إلا الله - ولا عون إلا من الله - من الذين يغترون بقوتهم، أو بقوة أولادهم أو بجاههم أو بأموالهم، يوم يجردهم الله من كل هذه الأشياء، ويدخلون في قول الله سبحانه وتعالى: ] يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ (34: 37- عبس))..
يحاول كل منهم أن يلصق التهمة بأخيه، ويلصق التهمة بأبيه، ويقول هو الذي أمرني، وهو الذي دفعني، وهو الذي حضني!! فيقول الله تعالى: ] قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ. مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [ (28،29- ق)، لأنكم أطعتم الهوى والشيطان، ولم تنفذوا أحكام الرحمن عزَّ وجلَّ.
عباد الله جماعة المؤمنين: لن تسعد هذه الأمة إلا بما سعد به أولها، وقد سعد أولها بمراقبة الله وبطاعة الله عزَّ وجلَّ، فكان الرجل منهم يأخذ الكلمة من أخيه قانون سماوي لا يبدل ولا يغير حتى ولو كان بعيداً من القوم. فقد مرَّ عروة بن الزبير بعبد الله بن عمر وهو في الطواف وقال: يا عبد الله زوجني ابنتك فلانة، فنظر إليه ولم يجبه، فلما ذهب إلى المدينة وحانت منيته قال: يا بني أئتوني بعروة بن الزبير، لأنه طلب مني الزواج من فلانة وقد وعدته بالإجابة، وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق، فأحشر يوم القيامة مع المنافقين. فجيئ إليه بعروة، فقال له: إنك لم تعدني، قال: قد سكتُ - والسكوت علامة الرضا - ولم أكلمك في هذا الموقف لأننا كنا نترائى ربنا في الطواف!! ونادى: يا فلان - لكبير أولاده - زوِّجْهُ فلانة، فإني أخاف أن ألقى الله عزَّ وجلَّ وقد أخلفت مؤمناً موعداً!! فما بالنا ونحن نخلف في كل يوم آلاف المواعيد لإخواننا المؤمنين؟!! والطامة الكبرى إننا لا نلقي لهذا الأمر بالاً، ولا نحسُّ أن هذا ذنباً أو معصية سيحاسبنا الله عزَّ وجلَّ عليها.
عباد الله: لكي يصلح الله حالنا، نحن بحاجة إلى صحوة النفوس في مراقبة الملك القدوس عزَّ وجلَّ، فنراقب الله في أعمالنا، ونراقب الله في أقوالنا، ونراقب الله في حركاتنا. فإذا تكلم الرجل منا بكلمة يعلم أن الله يسمع ما يتفوه به بلسانه، فلا يقول إلا ما يرضي الله، وإذا امتدت يده إلى عمل يعلم أن الله يطلع عليه، وهو الذي سيحاسبه عليه، فلا يعمل إلا ما يرضي الله عزَّ وجلَّ.
إذا وصلنا إلى هذا الأمر نظر الله إلينا، فبدَّل حالنا وغيَّر أوضاعنا، لأنه يقول في كتابه: ] إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ (11- الرعد). نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يغيِّر حالنا إلى أحسن حال.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال أولادنا، وأحوال أهل عصرنا وأحوال المسلمين أجمعين.
اللهم اجعلنا ممن يراقبك في السرِّ والعلانية، في الغيب والشهادة عند كل قول أو عمل.
اللهم وفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وللعمل الذي يرضيك عنا يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا في الدنيا لطاعتك، واجعلنا في الآخرة من أهل النجاة بين عبادك، واحشرنا يوم القيامة في زمرة أوليائك وأصفيائك.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أظهرنا وما أبطنا، وتقبل منا صيامنا وقيامنا، وركوعنا وسجودنا، وزكاة فطرنا وجميع أعمالنا، واجعلنا من عبادك المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم أصلح حكام المسلمين أجمعين، واجمع قلوبهم على طاعتك يا رب العالمين، وألهمهم العمل بشريعتك، وتنفيذ سنة خير رسلك وأنبيائك يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المقاتلين في البوسنة والهرسك، والمقاتلين في الشيشان، والمقاتلين في الفلبين وكشمير وبورما وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم صفي الخلافات بين إخواننا في أفغانستان، ووفق إخواننا المؤمنين في الصومال، واجمع قلوب المؤمنين في كل مكان يا أرحم الراحمين.
اللهم انزع الغِلَّ والحقد والحسد والشحناء والبغضاء من نفوسنا ومن نفوس المسلمين أجمعين. واجعلنا من الذين تقول فيهم: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ " (4الحجر).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى أتباع سيدنا محمد، واعطنا الخير وادفع عنا الشرّ، ونجِّنا واشفنا، وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
{1} (الدَّيلمي والعسكري) عن أَبي هدبة عن أَنسٍ رضَي اللَّهُ عنهُ)
{2} رواه ابن حبان في الثواب والبيهقي عن ابن عباس.
{3} رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن أبي هريرة.
{4} رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري.
{5} رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.
{6} عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمن عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله، المسند الجامع، وفى رواية أبى هريرة فى مجمع الزوائد: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ، وكَذا وكَذا رَكْعَةٍ صَلاةُ سَنَةٍ؟}.
{7} رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وابن حبان في الثواب عن سلمان.
{8} رواه الدارمي في سننه وأحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وأبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة.
{9} رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو.
{10} رواه الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان عن حذيفة بن اليمان.
{11} أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس والطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخدري.
{12} رواه مسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة.
{13} رواه البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس.
{14} عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ عُثْمَانَ, أخرجه عَبْد الله بن أحمد, المسند الجامع
اضغط على الرابط لتحميل او قراءت المزيد من الخطب لكل المناسبات