تابع كتمان الاسرار
==========
أنا أريد أن أعرفكم كيف كانوا يُعلِّمون أولادهم، لتعرفوا أننا عجزنا عن تربية أولادنا، فلعلنا نتدارك هذا الأمر ونبدأ مرةً ثانية في تعليم أولادنا كتمان الأسرار.
فقال له:
{ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصُّحْبَةَ } (1)
ووضعا الخُطة، فالسيدة عائشة والسيدة أسماء ومعهما ابن سيدنا أبو بكر عبد الله، كانوا يعلمون أن حضرة النبي وسيدنا أبو بكر خرجا من مكة إلى غار ثور، فكانوا كل يوم يجهزون الطعام، وتحمله أسماء، ويمشي معها أخوها عبد الله، وخلفهم راعي غنمهم ليمحوا آثار أقدامهم بأرجل الغنم، وظلوا كذلك لمدة ثلاثة أيام، ولم يشعر بذلك أحدٌ من أهل مكة، ولا حتى أحد من الأقارب.
والد سيدنا أبو بكر كان لا يزال غير مسلم، وكان كفيفاً، فلما سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هاجر، سأل: أين أبو بكر؟ فقالوا له: لا نعرف، فعرف أنه هاجر معه، ثم قال: أظن أنه قد فجعكم في أمواله وأخذها كلها معه، والمال كان عبارة عن قطع من الذهب، وكان عندهم طاقة في الحائط يضعون فيها أموالهم،
وكان سيدنا أبو بكر قد أخذ كل ما عنده من ذهب ولم يترك في خزينته أي شيء منه، فالسيدة أسماء أحضرت بعض الحجارة ووضعت عليها شيء من القماش في صُرة، وقالت لجدها: يا أبت إنه ترك لنا الخير كله، وهات يدك، ووضعتها على الحجارة، فظن أنها قطعاً من الذهب، فقال: إن كان قد ترك لكم هذا فقد ترك لكم خيراً كثيراً، وهي حجارة!
فانظروا إلى ذكاء وفطانة أبناء الصديقين.
من أين لهم بذلك؟ من التربية التي تربوا عليها، فهل قالت له: إن أبي هاجر وخرج مع حضرة النبي؟ لا، ومشوا كلهم على هذه الصفة الكريمة وهي كتمان السر.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة، والسيدة أم سليم - وهي سيدة من الصالحات - كان حضرة النبي يُحبها، ... ومن حبه لها ... كان يذهب ليقيل عندها في وقت الظهيرة.
جاءها رجل ليخطبها وهو أبو طلحة:
وكان فارساً من فُرسان المدينة ومن أغنى الأغنياء، لكنه كان على الكفر،
فقالت له: مثلك تتمنى كل امرأة أن تتزوجه وأنا أُريد أن أتزوجك ولا أُريد منك شيئاً إلا أن تنطق بالشهادتين، وهذا مهري، فقال لها: أنظر، فذهب ثم عاد وقال لها: أنا موافق، فنطق بالشهادتين وتزوج بدون مهر ولا شيء من ذلك.
وكانت متزوجة قبله وأنجبت أنس، وقبل أن تُنجب أنس كان قد أبطأ عليها الحمل، فنذرت لله إن ولدت ولداً أن تجعله خادماً للكعبة، ولم يكن قد ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وقتها، وعند هجرة الرسول إلى المدينة كان أنس قد بلغ عشر سنوات، فجاءت به إلى رسول الله وقالت: يا رسول كنتُ نذرت لله إن وهبني أنساً أن أجعله خادماً للبيت الحرام، واليوم أجعله خادماً لك.
وكان عند أنس عشر سنين ولا يزال صبياً، فكانت تمشي ذات يوم فوجدت أنس، فسألته: أين أنت ذاهب؟ فقال لها: حضرة النبي كلفني بعمل شيء، فقالت له: وما هو؟ قال لها: لا ينبغي أن أُذيع سر حضرة النبي!!، هؤلاء الصبيان غلبوا الرجال في زماننا، فأين الرجال في زماننا كهذا الصبي؟!! يوجد ولكن نادراً، فلم تعاتبه ولم تؤنبه ولكنها احتضنته وقبَّلته وقالت له: هكذا فكن.
لكن كثير من الأمهات الآن يقول لها زوجها: أنا أُريد زيارة فلان، تقول له: خذ معك هذه البنت أو هذا الولد، ولها مقصد، وبعد أن يعود تسأله: ماذا صنعوا معكم؟ وماذا أطعموكم؟ وكيف قابلوكم؟
وهذا ليس من الدين، .... لكننا نريد أن نعلمهم أن يكونوا أكابر، ...
وكيف يكونوا أكابر؟ بكتمان الأسرار.
السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها عندما كان صلى الله عليه وسلم في النزع الأخير همس في أذنها فبكت، ثم همس في أُذنها فضحكت، فالسيدة عائشة قالت لها: لِمَ بكيت ولمَ ضحكت؟ قالت: ما كنتُ لأُفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
وبعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى بزمن قالت لها: النبي انتقل فلماذا بكيت؟ ولماذا ضحكت؟ قالت لها: أخبرني بأنه سيلحق بالرفيق الأعلى فبكيت، ثم أخبرني بأنني أول أهله لحوقاً به فضحكتُ.
=======================================
(1) صحيح البخاري وابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها
=====================================
من كتاب ( همة المريد الصادق )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
==========
أنا أريد أن أعرفكم كيف كانوا يُعلِّمون أولادهم، لتعرفوا أننا عجزنا عن تربية أولادنا، فلعلنا نتدارك هذا الأمر ونبدأ مرةً ثانية في تعليم أولادنا كتمان الأسرار.
فقال له:
{ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصُّحْبَةَ } (1)
ووضعا الخُطة، فالسيدة عائشة والسيدة أسماء ومعهما ابن سيدنا أبو بكر عبد الله، كانوا يعلمون أن حضرة النبي وسيدنا أبو بكر خرجا من مكة إلى غار ثور، فكانوا كل يوم يجهزون الطعام، وتحمله أسماء، ويمشي معها أخوها عبد الله، وخلفهم راعي غنمهم ليمحوا آثار أقدامهم بأرجل الغنم، وظلوا كذلك لمدة ثلاثة أيام، ولم يشعر بذلك أحدٌ من أهل مكة، ولا حتى أحد من الأقارب.
والد سيدنا أبو بكر كان لا يزال غير مسلم، وكان كفيفاً، فلما سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هاجر، سأل: أين أبو بكر؟ فقالوا له: لا نعرف، فعرف أنه هاجر معه، ثم قال: أظن أنه قد فجعكم في أمواله وأخذها كلها معه، والمال كان عبارة عن قطع من الذهب، وكان عندهم طاقة في الحائط يضعون فيها أموالهم،
وكان سيدنا أبو بكر قد أخذ كل ما عنده من ذهب ولم يترك في خزينته أي شيء منه، فالسيدة أسماء أحضرت بعض الحجارة ووضعت عليها شيء من القماش في صُرة، وقالت لجدها: يا أبت إنه ترك لنا الخير كله، وهات يدك، ووضعتها على الحجارة، فظن أنها قطعاً من الذهب، فقال: إن كان قد ترك لكم هذا فقد ترك لكم خيراً كثيراً، وهي حجارة!
فانظروا إلى ذكاء وفطانة أبناء الصديقين.
من أين لهم بذلك؟ من التربية التي تربوا عليها، فهل قالت له: إن أبي هاجر وخرج مع حضرة النبي؟ لا، ومشوا كلهم على هذه الصفة الكريمة وهي كتمان السر.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة، والسيدة أم سليم - وهي سيدة من الصالحات - كان حضرة النبي يُحبها، ... ومن حبه لها ... كان يذهب ليقيل عندها في وقت الظهيرة.
جاءها رجل ليخطبها وهو أبو طلحة:
وكان فارساً من فُرسان المدينة ومن أغنى الأغنياء، لكنه كان على الكفر،
فقالت له: مثلك تتمنى كل امرأة أن تتزوجه وأنا أُريد أن أتزوجك ولا أُريد منك شيئاً إلا أن تنطق بالشهادتين، وهذا مهري، فقال لها: أنظر، فذهب ثم عاد وقال لها: أنا موافق، فنطق بالشهادتين وتزوج بدون مهر ولا شيء من ذلك.
وكانت متزوجة قبله وأنجبت أنس، وقبل أن تُنجب أنس كان قد أبطأ عليها الحمل، فنذرت لله إن ولدت ولداً أن تجعله خادماً للكعبة، ولم يكن قد ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وقتها، وعند هجرة الرسول إلى المدينة كان أنس قد بلغ عشر سنوات، فجاءت به إلى رسول الله وقالت: يا رسول كنتُ نذرت لله إن وهبني أنساً أن أجعله خادماً للبيت الحرام، واليوم أجعله خادماً لك.
وكان عند أنس عشر سنين ولا يزال صبياً، فكانت تمشي ذات يوم فوجدت أنس، فسألته: أين أنت ذاهب؟ فقال لها: حضرة النبي كلفني بعمل شيء، فقالت له: وما هو؟ قال لها: لا ينبغي أن أُذيع سر حضرة النبي!!، هؤلاء الصبيان غلبوا الرجال في زماننا، فأين الرجال في زماننا كهذا الصبي؟!! يوجد ولكن نادراً، فلم تعاتبه ولم تؤنبه ولكنها احتضنته وقبَّلته وقالت له: هكذا فكن.
لكن كثير من الأمهات الآن يقول لها زوجها: أنا أُريد زيارة فلان، تقول له: خذ معك هذه البنت أو هذا الولد، ولها مقصد، وبعد أن يعود تسأله: ماذا صنعوا معكم؟ وماذا أطعموكم؟ وكيف قابلوكم؟
وهذا ليس من الدين، .... لكننا نريد أن نعلمهم أن يكونوا أكابر، ...
وكيف يكونوا أكابر؟ بكتمان الأسرار.
السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها عندما كان صلى الله عليه وسلم في النزع الأخير همس في أذنها فبكت، ثم همس في أُذنها فضحكت، فالسيدة عائشة قالت لها: لِمَ بكيت ولمَ ضحكت؟ قالت: ما كنتُ لأُفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
وبعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى بزمن قالت لها: النبي انتقل فلماذا بكيت؟ ولماذا ضحكت؟ قالت لها: أخبرني بأنه سيلحق بالرفيق الأعلى فبكيت، ثم أخبرني بأنني أول أهله لحوقاً به فضحكتُ.
=======================================
(1) صحيح البخاري وابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها
=====================================
من كتاب ( همة المريد الصادق )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد