كتمان الأسرار
===========
أريد أن أتناول خُلقاً واحداً نستفيده من الهجرة المباركة، وهو الدرس الأول في روضة المحبين الذي كان يعلِّمه لهم سيد الأولين والآخرين.
أول درس كانوا يُلقنوه للجُدد؟ كتمان السر، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الدعوة سراً، فلم يكن يستطع الذهاب للمسجد لأن الكفار متواجدين فيه على الدوام، فأحد الصحابة الكرام - وللعجب كُتب التاريخ لم تذكر لنا إلا اسمه وهو الأرقم بن أبي الأرقم - فتح بيته لرسول الله، وأصحابه يذهبون معه، فكيف يذهبون إليه؟ سراً، حتى لا ينكشف أمرهم، وإلا سيتعرضون لشتَّى أنواع العذاب.
فكيف يفتح لهم الباب؟ علَّمهم سيدنا رسول الله طرقة مخصوصة على الباب، فمن ينقر هذه النقرة يعرفون أنه منهم فيفتحون له الباب، وإذا نقر نقرة غير المتفق عليها كانوا يختبأون، ويخرج صاحب البيت الأرقم لينظر ماذا يُريد الطارق ..
وكان هذا أول أمر في دعوة الله ورسوله وهو كتمان هذا السر.
مكثوا على هذا الوضع ثلاث سنوات، ولم يكشف أحدهم هذا الأمر لأحد أبداً، فانظروا للأدب المحمدي في الروضة الأولى للمسلمين!، ومشوا على هذا المنوال حتى في تعليم أولادهم بعد هجرتهم إلى مدينة النبي الأمين.
جاء الأمين جبريل للنبي وأمره أن لا يبيت هذه الليلة في فراشه، وأخبره أن يخرج إلى المدينة، لأن الله أذن له بالهجرة إليها، وكان النبي من البداية يسشعر بقلبه الهجرة، وقال لإخوانه:
{ إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا، وَدَارًا تَأْمَنُونَ فِيهَا } (1)
أى أن الله قد جعل الله لهم مخرج صدقٍ وأمان إلى المدينة ...
فاستأذنه سيدنا أبو بكر في الهجرة، فقال له:
{ لا تَعْجَلْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ صَاحِبًا } (2)
ففهم سيدنا أبو بكر أن حضرة النبي اصطفاه واختاره لصُحبته ففرح، وكتم ذلك في نفسه ولم يُعرف أحداً بذلك.
وسيدنا رسول الله عندما كان يذهب إلى أبي بكر كان يذهب له في الأوقات المتعارف عليها، في الليل، أو قريب من المغرب، ولم يكن متعارف أن أحداً من أهل مكة يمشي في الفترة بين الظُهر والعصر لشدة حرارة الشمس هناك.
ففوجئ سيدنا أبو بكر بحضرة النبي يأتيه في هذا الوقت في القيظ الشديد وطرق الباب، فقال: لا بد أن هناك أمرٌ مهمٌ، وكانت قلوبهم كالرادار، ولكن الرادار الذي يلتقط الأنوار وهو الرادار القلبي الرباني.
ودخل سيدنا رسول الله، وكانوا يحبون سيدنا رسول الله أكثر من أنفسهم، فجاءت زوجة سيدنا أبو بكر، وجاءت السيدة عائشة والسيدة أسماء ليسلموا عليه، وفرحوا بحضرة النبي، وجلسوا حوله ولا يريدون تركه، فطلب منه النبي أن يخلي المكان، فقال له: لا تخش يا رسول الله، فهذه زوجتي وبناتي وأنا أدبتهم وعلمتهم كتمان السر، فقُل ما تشاء ولن يخرج شيء من مجلسنا هذا
===========================================
(1)تاريخ الطبري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
(2) تاريخ الطبري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
=============================
من كتاب ( همة المريد الصادق)
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
===========
أريد أن أتناول خُلقاً واحداً نستفيده من الهجرة المباركة، وهو الدرس الأول في روضة المحبين الذي كان يعلِّمه لهم سيد الأولين والآخرين.
أول درس كانوا يُلقنوه للجُدد؟ كتمان السر، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الدعوة سراً، فلم يكن يستطع الذهاب للمسجد لأن الكفار متواجدين فيه على الدوام، فأحد الصحابة الكرام - وللعجب كُتب التاريخ لم تذكر لنا إلا اسمه وهو الأرقم بن أبي الأرقم - فتح بيته لرسول الله، وأصحابه يذهبون معه، فكيف يذهبون إليه؟ سراً، حتى لا ينكشف أمرهم، وإلا سيتعرضون لشتَّى أنواع العذاب.
فكيف يفتح لهم الباب؟ علَّمهم سيدنا رسول الله طرقة مخصوصة على الباب، فمن ينقر هذه النقرة يعرفون أنه منهم فيفتحون له الباب، وإذا نقر نقرة غير المتفق عليها كانوا يختبأون، ويخرج صاحب البيت الأرقم لينظر ماذا يُريد الطارق ..
وكان هذا أول أمر في دعوة الله ورسوله وهو كتمان هذا السر.
مكثوا على هذا الوضع ثلاث سنوات، ولم يكشف أحدهم هذا الأمر لأحد أبداً، فانظروا للأدب المحمدي في الروضة الأولى للمسلمين!، ومشوا على هذا المنوال حتى في تعليم أولادهم بعد هجرتهم إلى مدينة النبي الأمين.
جاء الأمين جبريل للنبي وأمره أن لا يبيت هذه الليلة في فراشه، وأخبره أن يخرج إلى المدينة، لأن الله أذن له بالهجرة إليها، وكان النبي من البداية يسشعر بقلبه الهجرة، وقال لإخوانه:
{ إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا، وَدَارًا تَأْمَنُونَ فِيهَا } (1)
أى أن الله قد جعل الله لهم مخرج صدقٍ وأمان إلى المدينة ...
فاستأذنه سيدنا أبو بكر في الهجرة، فقال له:
{ لا تَعْجَلْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ صَاحِبًا } (2)
ففهم سيدنا أبو بكر أن حضرة النبي اصطفاه واختاره لصُحبته ففرح، وكتم ذلك في نفسه ولم يُعرف أحداً بذلك.
وسيدنا رسول الله عندما كان يذهب إلى أبي بكر كان يذهب له في الأوقات المتعارف عليها، في الليل، أو قريب من المغرب، ولم يكن متعارف أن أحداً من أهل مكة يمشي في الفترة بين الظُهر والعصر لشدة حرارة الشمس هناك.
ففوجئ سيدنا أبو بكر بحضرة النبي يأتيه في هذا الوقت في القيظ الشديد وطرق الباب، فقال: لا بد أن هناك أمرٌ مهمٌ، وكانت قلوبهم كالرادار، ولكن الرادار الذي يلتقط الأنوار وهو الرادار القلبي الرباني.
ودخل سيدنا رسول الله، وكانوا يحبون سيدنا رسول الله أكثر من أنفسهم، فجاءت زوجة سيدنا أبو بكر، وجاءت السيدة عائشة والسيدة أسماء ليسلموا عليه، وفرحوا بحضرة النبي، وجلسوا حوله ولا يريدون تركه، فطلب منه النبي أن يخلي المكان، فقال له: لا تخش يا رسول الله، فهذه زوجتي وبناتي وأنا أدبتهم وعلمتهم كتمان السر، فقُل ما تشاء ولن يخرج شيء من مجلسنا هذا
===========================================
(1)تاريخ الطبري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
(2) تاريخ الطبري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
=============================
من كتاب ( همة المريد الصادق)
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد