تابع الصدق
=========
قبل الإسلام لماذا أرسل الله سيدنا رسول الله في الجزيرة العربية بالذات؟ هؤلاء القوم كان عندهم أخلاق طيبة حسنة من أجلها أكرمهم الله وأرسل لهم حضرة النبي، ومن جملة هذه الأخلاق أنهم كانوا لا يكذبون،
مع أنه لم يكن هناك حكومة ولا مباحث ولا شيء من هذا القبيل، ولكنهم تعاهدوا مع أنفسهم أن لا يكون بينهم كذب، والذي يكذب يفضحوه وهذه كافية له، لأنه تسقط كرامته في كل الجزيرة العربية.
حتى أن زعيم الكفار أبو سفيان عندما أرسل سيدنا رسول الله رسالة لعظيم الروم هرقل، فقال لحاشيته: ابحثوا لي عن رجل من بلد هذا النبي، فوجدوا أبو سفيان ومعه جماعة، فقال له: سأسألك عن الرجل الذي ظهر عندكم وإياك أن تكذب، وقال لمن معه: لو كذب ردُّوه.
فأخذ يسأله أسئلة كثيرة عن سيدنا رسول الله، هذا الرجل ممن فيكم؟ قال: من أوسطنا نسباً، ومَن أتباعه؟ هل الفقراء أم الأغنياء؟ قال له: الفقراء، فقال: هل يزيدون أم ينقصون؟ قال: يزيدون ولا ينقصون.
الشاهد أن أبا سفيان بعد هذه المحادثة قال: لولا أني خشيتُ أن ينتشر عنى بين العرب أني كاذب لكذبتُ في ذلك اليوم!!، يعني لولا أني أخشى أن يفضحوني ويقولون: إن أبا سفيان كذاب، لكذبتُ في وصف هذا الرجل، لأن العداوة كانت شديدة بينه وبين رسول الله، ومع ذلك لم يكذب!!.
فكان العرب مع ما فيهم من مساوئ لاعدَّ لها ولا حدَّ لها، إلا أنهم كانوا يلتزمون بالصدق في الحديث على الدوام، لا يقول الرجل منهم إلا ما يزيد به شرفاً، وما الذي يزيد به شرف؟ الصدق، وأن لا يعرف الناس عنه أنه كذاب.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة كان اسمه الصادق الأمين، وأنت تريد أن ترث شيئاً من بضاعة الصادق، فهل يصح أن يرث كاذب في بضاعة الصادق؟!!
لا يجوز ذلك.
أنت تريد أن ترث شيئاً من ميراثه النوراني أو الروحاني أو الرباني، فأول شيء تعاهد نفسك عليه هو الصدق، ولذلك قال الله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }
(33الزمَر).
فلا بد للإنسان أن يعرف أن المريد الذي يمشي على العهد والنهج يمشي بالصدق، لكن إذا كذب ولو مرة فكيف أأمن غدره؟! أو كيف أطمئن إلى أقواله؟! أو كيف أثق في أفعاله؟! فقد انتهت الثقة، لأن الثقة التي بيننا وبين بعضنا هي الصدق، هذا هو الأساس الأول الذي عليه المعوَّل، والذي يقول فيه الإمام أبو العزائم رضى الله عنه :
الصدق نور يقين كشف حقيقتي
به تنجلي الأسرار حال الشهادةِ
فبماذا تنجلي الأسرار؟ بالصدق، وهذه هي الوصية البسيطة التي نحتاج أن نقف عندها أولاً لكي تُقبل أوراقنا في المدرسة، وهي شهادة حُسن السير والسلوك، بالصدق.
لأن الإنسان قد يقوم الليل، ويصوم النهار، ويداوم على الأذكار، ولكنه لا يصدق في القول فماذا نصنع به؟ فهذا لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، لأنه كذاب، ومقام الصديقية الأعظم هو الصدق:
{ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ،
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا،
وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ،
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا }
ولذلك أنا أعجب عندما يدَّعي أحدهم الحب، ويدَّعي أنه من أهل القرب، ويكذب ويظن أنه يضحك علينا أو يخدعنا!!، لكن أفلا تذكر كلام الله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } (9البقرة)؟!!
حتى ولو وقعت في ورطة، فالإمام علي قال: (( إذا كان الكذب يُنجي، فالصدق أنجى )) فربما الكذب يُنجيك من موقف، ... لكن الصدق يُنجيك من كل متاعب الدنيا ومصائبها، ويجعلك مع الأبرار في الدنيا وفي مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر في الدار الآخرة.
فهذا الذي نريد أن نعاهد أنفسنا عليه أولاً، ويكون عليه المعوَّل، فنحن لا نحتاج أن نعمل كتائب، ولن نحارب أحداً، ولكن نحتاج إلى تربية رجال، والرجل منهم بألف، نربيهم على الأوصاف الإلهية، والأخلاق المحمدية التي كان عليها خير البرية، وأصحابه الكرام من المهاجرين والأنصار.
=====================================
من كتاب ( همة المريد الصادق )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
=========
قبل الإسلام لماذا أرسل الله سيدنا رسول الله في الجزيرة العربية بالذات؟ هؤلاء القوم كان عندهم أخلاق طيبة حسنة من أجلها أكرمهم الله وأرسل لهم حضرة النبي، ومن جملة هذه الأخلاق أنهم كانوا لا يكذبون،
مع أنه لم يكن هناك حكومة ولا مباحث ولا شيء من هذا القبيل، ولكنهم تعاهدوا مع أنفسهم أن لا يكون بينهم كذب، والذي يكذب يفضحوه وهذه كافية له، لأنه تسقط كرامته في كل الجزيرة العربية.
حتى أن زعيم الكفار أبو سفيان عندما أرسل سيدنا رسول الله رسالة لعظيم الروم هرقل، فقال لحاشيته: ابحثوا لي عن رجل من بلد هذا النبي، فوجدوا أبو سفيان ومعه جماعة، فقال له: سأسألك عن الرجل الذي ظهر عندكم وإياك أن تكذب، وقال لمن معه: لو كذب ردُّوه.
فأخذ يسأله أسئلة كثيرة عن سيدنا رسول الله، هذا الرجل ممن فيكم؟ قال: من أوسطنا نسباً، ومَن أتباعه؟ هل الفقراء أم الأغنياء؟ قال له: الفقراء، فقال: هل يزيدون أم ينقصون؟ قال: يزيدون ولا ينقصون.
الشاهد أن أبا سفيان بعد هذه المحادثة قال: لولا أني خشيتُ أن ينتشر عنى بين العرب أني كاذب لكذبتُ في ذلك اليوم!!، يعني لولا أني أخشى أن يفضحوني ويقولون: إن أبا سفيان كذاب، لكذبتُ في وصف هذا الرجل، لأن العداوة كانت شديدة بينه وبين رسول الله، ومع ذلك لم يكذب!!.
فكان العرب مع ما فيهم من مساوئ لاعدَّ لها ولا حدَّ لها، إلا أنهم كانوا يلتزمون بالصدق في الحديث على الدوام، لا يقول الرجل منهم إلا ما يزيد به شرفاً، وما الذي يزيد به شرف؟ الصدق، وأن لا يعرف الناس عنه أنه كذاب.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة كان اسمه الصادق الأمين، وأنت تريد أن ترث شيئاً من بضاعة الصادق، فهل يصح أن يرث كاذب في بضاعة الصادق؟!!
لا يجوز ذلك.
أنت تريد أن ترث شيئاً من ميراثه النوراني أو الروحاني أو الرباني، فأول شيء تعاهد نفسك عليه هو الصدق، ولذلك قال الله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }
(33الزمَر).
فلا بد للإنسان أن يعرف أن المريد الذي يمشي على العهد والنهج يمشي بالصدق، لكن إذا كذب ولو مرة فكيف أأمن غدره؟! أو كيف أطمئن إلى أقواله؟! أو كيف أثق في أفعاله؟! فقد انتهت الثقة، لأن الثقة التي بيننا وبين بعضنا هي الصدق، هذا هو الأساس الأول الذي عليه المعوَّل، والذي يقول فيه الإمام أبو العزائم رضى الله عنه :
الصدق نور يقين كشف حقيقتي
به تنجلي الأسرار حال الشهادةِ
فبماذا تنجلي الأسرار؟ بالصدق، وهذه هي الوصية البسيطة التي نحتاج أن نقف عندها أولاً لكي تُقبل أوراقنا في المدرسة، وهي شهادة حُسن السير والسلوك، بالصدق.
لأن الإنسان قد يقوم الليل، ويصوم النهار، ويداوم على الأذكار، ولكنه لا يصدق في القول فماذا نصنع به؟ فهذا لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، لأنه كذاب، ومقام الصديقية الأعظم هو الصدق:
{ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ،
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا،
وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ،
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا }
ولذلك أنا أعجب عندما يدَّعي أحدهم الحب، ويدَّعي أنه من أهل القرب، ويكذب ويظن أنه يضحك علينا أو يخدعنا!!، لكن أفلا تذكر كلام الله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } (9البقرة)؟!!
حتى ولو وقعت في ورطة، فالإمام علي قال: (( إذا كان الكذب يُنجي، فالصدق أنجى )) فربما الكذب يُنجيك من موقف، ... لكن الصدق يُنجيك من كل متاعب الدنيا ومصائبها، ويجعلك مع الأبرار في الدنيا وفي مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر في الدار الآخرة.
فهذا الذي نريد أن نعاهد أنفسنا عليه أولاً، ويكون عليه المعوَّل، فنحن لا نحتاج أن نعمل كتائب، ولن نحارب أحداً، ولكن نحتاج إلى تربية رجال، والرجل منهم بألف، نربيهم على الأوصاف الإلهية، والأخلاق المحمدية التي كان عليها خير البرية، وأصحابه الكرام من المهاجرين والأنصار.
=====================================
من كتاب ( همة المريد الصادق )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد