00099]24]
أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلامالتصوف السني في القرن الثالث الهجري[1]، أصله نهاوند في همدان (مدينة اذرية)، ومولده ومنشؤه ببغداد.
المربى بفنون العلم المؤيد بعيون الحلم المنور بخالص الإيقان وثابت الإيمان ، العالم بمودع الكتاب والعامل بحلم الخطاب ، الموافق فيه للبيان والصواب
هو شيخ الصوفية ولد سنة نيف وعشرين ومائتين وتفقه على أبي ثور ، وسمع من السري السقطي وصحبه ، ومن الحسن بن عرفة ، وصحب أيضا الحارث المحاسبي وأبا حمزة البغدادي ، وأتقن العلم ، ثم أقبل على شأنه ، وتأله وتعبد ، ونطق بالحكمة ، وقل ما ورى كان كلامه بالنصوص مربوطا وبيانه بالأدلة مبسوطا ، فاق أشكاله بالبيان الشافي واعتناقه للمنهج الكافي ولزومه للعمل الوافي .
قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة»[1].
صحب جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبة خاله سري السقطي، والحارث المحاسبي. ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة. توفي يوم السبت سنة 297 هـ[1]
أساتذته
محمد بن إبراهيم البغدادي البزاز أبو حمزة ،بشر بن الحارث ،سري السقطي
أصحاب الجنيد
أبو بكر الشبلي ،أبو محمد الجريري وأبن الأعرابي أبو العباس أحمد بن محمد بن زياد إسماعيل بن نجيد ،
علي بن بندار أبو الحسن الصيرفي ،عبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي الأصل
أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي، من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم
سيرته :
هو إمامٌ ضُرب بعلمه وحاله وسلوكه أروع المثل، وقدّم من جوهر صوفيته وتحقُّقه أنصع البراهين وأقوى الحجج على أن التصوف يُمثِّل أعلى قِمّة في الإسلام، يظل لواؤها صفوة عباد الله.
"وكان قد سمع الحديث عن الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة، ورُزِق من الذكاء وصواب الجوابات في فنون العلم ما لم يُر في زمانه مثله عند أحد من قرنائه، ولا ممن أرفع سنّا منه، ممن كان ينسب منهم إلى العلم الباطن والعلم الظاهر، في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها".
حصّل الجنيد العلم الضروري الذي لا يحصل إلا بالنقل وهو علم الفقه والحديث على أبي ثور، وكان يُفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة، ولم يكد يبلغ الثلاثين من عمره حتى رأى السري السقطي أنه أصبح مُؤهّلاً للجلوس والتدريس وإدارة حلقات العلم بالمساجد، غير أنه تحشّم ولم يجد نفسه أهلا لذلك، حتى رأى ليلة في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ليلة جمعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: تكلّم على الناس، فانتبه من نومه وأتى باب السري السقطي قبل أن يصبح...، فقال له السري: لم تُصدِّقنا حتى قيل لك...، وكان أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسما، فقعد الجنيد في غدٍ للناس بالجامع.
"وكانت مجالسه هي جامعة بغداد الكبرى، كان عُشّاق الأدب يحضرون مجالسه ليتزودوا بالمُضِيء من القول، والمُشرِق من البيان، ويحُف به الفقهاء ينشدون لديه القول الفصل والحكم المبين، ويحيط به الفلاسفة ليتفقهوا دقائق الحكمة وأسرار النفوس والأكوان، ويلوذ به المتكلمون ليأخذوا عنه طرائق البحث وفنون الحديث، ويتبعه رجال التصوف، فهو النبع الذي يتدفق رحيقه من عرش الإيمان".
وجلوس الجنيد -رحمه الله تعالى- في حلقة بالمسجد يفتي ويدرس ويناقش، مكنّه من إرساء قواعد العلم الصوفي كواحد من العلوم الإسلامية جنبا إلى جنب مع علم الفقه والحديث والتفسير وغيرها، وذاع صيته حتى أصبح المرجع الديني الأكبر للعامة والخاصة في بغداد وفي المشرق العربي على امتداده، في حقبة تاريخية عصيبة تمثلت في صراع الفقهاء مع علماء الكلام.
طائفة من أقوال ابن تيمية فى الإمام الجنيد :
( قال الشبلي بين يدي الجنيد: لا حول ولا قوةً إلا بالله. فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء. فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد ـ رضي الله عنه ـ سيد الطائفة، ومن أحسنهم تعلميا وتأديبا وتقويما ـ وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة؛ لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعا لا صبرا. فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً ينافي الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه)
( والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال. وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه في قلوبهم من الأنوار وغير ذلك؛ وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى )
( ولهذا كان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة إمام هدى )
( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوِّغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور، ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف وهذا كثير في كلامهم ) .
وقد أثنى عليه ابن القيم كثيرا في كتابه مدارج السالكين
وقال عنه " ولقد كان سادات الطائفة أشد ما كانوا اجتهادا في آخر أعمارهم قال القشيري سمعت أبا علي الدقاق يقول رؤى في يد الجنيد سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة فقال طريق وصلت به إلى ربي تبارك وتعالى لا أفارقه أبدا وقال إسماعيل بن نجيد كان الجنيديجيء كل يوم إلى السوق فيفتح باب حانوته فيدخله ويسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة ثم يرجع إلى بيته ودخل عليه ابن عطاء وهو في النزع فسلم عليه فلم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة فقال اعذرني فإني كنت في وردي ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات وقال أبو سعيد بن الأعرابي سمعت أبا بكر العطار يقول حضرت أبا القاسم الجنيد أنا وجماعة من أصحابنا فكان قاعدا يصلي ويثني رجله إذا أراد أن يسجد فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجليه فثقلت عليه حركتها وكانتا قد تورمتا فقال له بعض أصحابه ما هذا يا أبا القاسم فقال هذه نعم الله الله أكبر فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري يا أبا القاسم لو اضطجعت فقال يا أبا محمد هذا.
وقت يؤخذ فيه الله أكبر فلم يزل ذلك حاله حتى مات ودخل عليه شاب وهو في مرضه الذي مات فيه وقد تورم وجهه وبين يديه مخدة يصلي إليها فقال وفي هذه الساعة لا تترك الصلاة فلما سلم دعاه وقال شيء وصلت به إلى الله فلا أدعه ومات بعد ساعة رحمة الله عليه وقال أبو محمد الجريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز وهو يقرأ القرآن فقلت له يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال يا أبا محمد أرأيت أحدا أحوج إليه مني في مثل هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي وقال أبو بكر العطوي كنت عند الجنيد حين مات فختم القرآن ثم ابتدأ في ختمة أخرى فقرأ من البقرة سبعين آية ثم مات وقال محمد بن إبراهيم رأيت الجنيدفي النوم فقلت ما فعل الله بك فقال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها في الأسحار وتذاكروا بين يديه أهل المعرفة وما استهانوا به من الأوراد والعبادات بعد ما وصلوا إليه فقال الجنيد العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رؤوس الملوك وقال الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وقال من ظن أنه يصل ببذل المجهود فمتعن ومن ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فمتمن وقال أبو نعيم سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانىء يقول سألت الجنيد ما علامة الإيمان فقال علامته طاعة من آمنت به والعمل بما يحبه ويرضاه وترك التشاغل عنه بما ينقضي ويزول.- فرحمة الله على أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه ما أتبعه لسنة الرسول وما وما أقفاه
رأى علماء عصره فيه
لقد نال الجنيد مرتبة عالية، وإعجابا كبيرا، وثناء عجيبا من علماء الأمة ومؤرخيها، إذ اتفقوا "... على قبوله، والاعتداد بقوله، وعدُّوه وليّا من أولياء الله تعالى...". [9]
قال السبكي: سيد الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعَلم الأولياء في زمانه.
قال إسماعيل بن نجيد فيما يرويه عنه صاحب تاريخ بغداد: "كان يقال: إن في الدنيا من هذه الطبقة ثلاثة لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان بنيسابور، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام". [10]
ويضيف البغدادي: "قال جعفر بن محمد الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير أبي القاسم الجنيد، وإلا فأكثرهم كان يكون لأحدهم علم كثير ولا يكون له حال، وآخر يكون له حال كثير وعلم يسير، وأبو القاسم الجنيد كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، فإذا رأيت حاله رجحته على علمه، وإذا رأيت علمه رجحته على حاله". [11]
وشهد له ابن الأثير بالإمامة، قال: "... وكان إمام الدنيا في زمانه...". [12]
وقال عنه ابن خلكان: "الزاهد المشهور...، وكان شيخ وقته وفريد عصره، وكلامه في الحقيقة مشهور مُدوّن...". [13]
وروى الجامي عن أبي عبد الله بن خفيف [14] قوله: "اقتدوا بخمسة من شيوخنا، والباقون سلِّموا أحوالهم: الحارث المحاسبي، والجنيد، ورويم، وابن عطاء، وعمرو بن عثمان المكي، قدس الله أسرارهم، لأنهم جمعوا بين العلم والحقائق". [15]
وقال الشيخ أبو جعفر الحداد: "لو كان العقل رجلا لكان الجنيد". [16]
ومن العلماء المتأخرين الذين أثنوا على الجنيد الإمام الشوكاني، قال:
ولكم مشى هذي الطريقة صاحب لمحمد فمشوا على أعقابـــــــه
فبها الغفاري قد أنــــــــاخ مطيـه ومشى بها القرني بسبق ركابه
وبها فضيـل والجنيد تجاذبــــــــــا كأس الهوى وتعللا برضابــــه [17]
قال عبد الواحد بن علوان : سمع الجنيد يقول : علمنا - يعني التصوف - مشبك بحديث رسول الله .
وعن أبي العباس بن سريج : أنه تكلم يوما فعجبوا ، فقال : ببركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد.
وعن أبي القاسم الكعبي أنه قال مرة : رأيت لكم شيخا ببغداد يقال له الجنيد ، ما رأت عيناي مثله ، كان الكتبة - يعني البلغاء - يحضرونه [ ص: 68 ] لألفاظه ، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه ، والمتكلمون لزمام علمه ، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم .
قال الخلدي : لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد . كانت له حال خطيرة ، وعلم غزير ، إذا رأيت حاله رجحته على علمه ، وإذا تكلم رجحت علمه على حاله .
أبو سهل الصعلوكي : سمعت أبا محمد المرتعش يقول : قال الجنيد : كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين ، فتكلموا في الشكر ، فقال : يا غلام ، ما الشكر ؟ قلت : أن لا يعصى الله بنعمه ، فقال : أخشى أن يكون حظك من الله لسانك . قال الجنيد : فلا أزال أبكي على قوله .
السلمي : حدثنا جدي ابن نجيد قال : كان الجنيد يفتح حانوته ويدخل ، فيسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة .
وعنه قال : أعلى الكبر أن ترى نفسك ، وأدناه أن تخطر ببالك - يعني نفسك .
أبو جعفر الفرغاني : سمعت الجنيد يقول : أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب ، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان .
قيل : كان نقش خاتم الجنيد : إن كنت تأمله فلا تأمنه .
وعنه : من خالفت إشارته معاملته ، فهو مدع كذاب .
وفي رأي عبد الحليم محمود، كان الإمام الجنيد "متزنا كامل الاتزان، وكان متعبدا على علم، وكان عالما كأجمل وأعمق ما يكون العلم...، وكان الجنيد إماما لهم، ومرشدا، وأخذ بأيديهم إن قصروا، ومهدئا لهم إن زاد بهم الوله: لقد كان قائدا يفرح بالنابه من جنده، ويشد أزر من تعثر به الطريق، ويرد جماح الجامحين، والكل يدين له بالفضل ويعترف له بالتقدير". [18]
ووصفه الإمام ابن تيمية بأنه إمام من أئمة الهدى، قال: "... ولهذا كان الجنيد -رضي الله عنه- سيّد الطائفة إمام هدى...". [19]
أما فريد الدين العطار، فأثنى عليه بما هو أهله، في قوله: "وكان في جميع العلوم ماهرا، وفي الفنون كاملا، وفي الأصول والفروع مُفتياً، وفي المعاملات والرياضات والإشارات العالية سابقا على الأقران، ومن أول حاله إلى آخر حاله حميدا مقبولا. والكل متفق على أمانته وكماله، وكلامه حجة في علم الطريقة، وما استطاع أحد أن يعترض عليه بمخالفة السنة".[20]
لقد حظي الجنيد بمكانة متميزة بين السابق واللاحق، فأثنوا عليه الثناء الحسن، وأنزلوه المنزلة الرفيعة، أهَّله لذلك حُسْنُ سَمْتِهِ وأخلاقه ومنهجه السلوكي التربوي، القائم على مجاهدة النفس وترويضها، والالتزام بصالح الأخلاق والأعمال، انطلاقا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والتسليم، فاستحق بذلك لقب سيد الطائفة وتاج العارفين، رضوان الله عليهم أجمعين.
"وقلّما حظيت شخصية صوفية باهتمام المؤرخين بمثلما حظيت به شخصية الجنيد. كيف لا وهو الجامع بين الشريعة والحقيقة والواضع للمريدين أصول الطريقة، وهو أول من صاغ المعاني الصوفية تعبيرا، وشرحها تفسيرا، وحررها تحريرا".[21]
من أقواله وحكمه :
يَقُوْلُ: مَا أَخَذْنَا التَّصَوُّفَ عَنِ القَالِ وَالقِيْلِ، بَلْ عَنِ الجُوْعِ، وَتَركِ الدُّنْيَا، وَقَطْعِ المَأْلُوفَاتِ.
وَمُرَادُهُ: قَطْعُ أَكْثَرِ المَأْلُوْفَاتِ، وَتَرْكُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا، وَجُوْعٌ بِلاَ إِفرَاطٍ.
فالسَّعَادَةُ فِي مُتَابَعَةِ السُّنَنِ، فَزِنِ الأُمُورَ بِالعَدْلِ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَالزَمِ الوَرَعَ فِي القُوْتِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، وَاصْمُتْ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى الجُنَيْدِ، وَأَيْنَ مِثْلُ الجُنَيْدِ فِي عِلْمِهِ وَحَالِهِ؟
يقول : " من ظن أنه يصل ببذل المجهود فمتعن ، ومن ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فمتمن ، ومتعلم يتعلم الحقيقة يوصله الله إلى الهداية " .
"الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول". وقال: " من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ".
"يا ابن آدم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفئ, وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت، يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي الله ربك ومرتهن لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك محاسباً لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك".
من مواعظ الجنيد البغدادي يقول : "إنما اليوم إن عقلتَ ضيفٌ نزل بك وهو مرتحل عنك، فان أحسنت نزله وقِراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك، وإن أسأت ضيافته ولم تحسن قراه شهد عليك فلا تبع اليوم ولا تعد له بغير ثمنه. واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت ءاتٍ وقد مات قبلك من مات".
"اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك فإنه ليس لك من دنياك شئ، فلا تدخرن مالك ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجابُ أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كانوا كذلك". "اعلم يا ابن آدم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فل تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلِص عملك، واذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة الا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء".
من كرامات الإمام الجنيد
عن أبي عمرو بن علوان قال: خرجتُ يوما إلى سوق الرحبة فرأيتُ جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت حتى يُدفن الميت في جملة الناس، فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فألححتُ بالنظر فاسترجعتُ واستغفرتُ الله تعالى، ثم عدتُ إلى منزلي فقالت لي عجوز: يا سيدي ما لي أرى وجهك أسود، فأخذتُ المرآة، فنظرتُ فإذا وجهي أسود، فرجعتُ إلى سري أنظرُ من أين دهيت؟ فذكرتُ النظرة فانفردتُ في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما، فخطر في قلبي أن زُرْ شيخك الجنيد فانحدرتُ إلى بغداد فلما جئتُ الحجرةَ التي هو فيها طرقتُ البابَ فقال لي ادخل يا أبا عمرو تُذنب بالرحبة ونستغفرُ لك ببغداد.
عن كتاب "صفوة الصفوة" لابن الجوزي.
اشتهر عنه كرامات منها أن الشيخ كان يتكلم على الناس فوقف غلام نصراني متنكرًا وقال: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى" رواه الترمذي، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال له: أسلِم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام. والناس معتقدون أن هذا للجنيد كرامة واحدة وإنما فيه كرامتان إحداهما اطلاعه على كفر الغلام، والثانية اطلاعه على أنه سيسلم في الحال.
مؤلفاته :
ومن مسانيد حديثه
ما حدثناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ بها قال : حدثني بكير بن أحمد الصوفي بمكة ، ثنا الجنيد أبو القاسم الصوفي ، ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا محمد بن كثير الكوفي ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احذروا [ ص: 282 ] فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله " ، وقرأ : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) ، قال : للمتفرسين " .
حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد ، ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا عبد الحميد بن بيان ، ثنا محمد بن كثير ، ثنا عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
سمعت علي بن هارون بن محمد يقول : سمعت الجنيد بن محمد يدعو بهذا الدعاء فجاءه رجل فشكا إليه الضيق ، فعلمه وقال قل : اللهم إني أسألك منك ما هو لك ، وأستعيذك من كل أمر يسخطك ، اللهم إني أسألك من صفاء الصفاء صفاء أنال به منك شرف العطاء ، اللهم ولا تشغلني شغل من شغله عنك ما أراد منك إلا أن يكون لك ، اللهم اجعلني ممن يذكرك ذكر من لا يريد بذاكره منك إلا ما هو لك ، اللهم اجعل غاية قصدي إليك ما أطلبه منك ، اللهم املأ قلبي بك فرحا ، ولساني بك ذكرا ، وجوارحي فيما يرضيك شغلا ، اللهم امح عن قلبي كل ذكر إلا ذكرك ، وكل حب إلا حبك ، وكل ود إلا ودك ، وكل إجلال إلا إجلالك ، وكل تعظيم إلا تعظيمك ، وكل رجاء إلا لك ، وكل خوف إلا خوفا منك ، وكل رغبة إلا إليك ، وكل رهبة إلا لك ، وكل سؤال إلا منك ، اللهم اجعلني ممن لك يعطي ، ولك يمنع ، وبك يستعين وإليك يلجأ ، وبك يتعزز ، ولك يصبر ، وبحكمك يرضى ، اللهم اجعلني ممن يقصد إليك قصد من لا رجوع له إلا إليك ، اللهم اجعل رضائي بحكمك فيما ابتليتني في كل وقت متصلا غير منفصل ، واجعل صبري لك على طاعتك صبر من ليس له عن الصبر صبر إلا القيام بالصبر ، واجعل تصبري عما يسخطك فيما نهيتني عنه تصبر من استغنى عن الصبر بقوة العصمة منك له ، اللهم واجعلني ممن يستعين بك استعانة من استغنى بقوتك عن جميع خلقك ، اللهم واجعلني ممن يلجأ لجأ من لا ملجأ له إلا إليك ، واجعلني ممن يتعزى بعزائك ويصبر لقضائك أبدا ما أبقيتني ، اللهم وكل سؤال سألته فعن أمر منك لي بالسؤال فاجعل سؤالي لك سؤال محابك ، ولا تجعلني ممن يتعمد بسؤاله مواضع الحظوظ ، بل يسأل القيام بواجب حقك .
صدر كتاب "رسائل الجنيد ((اول عمل يجمع كلا رسائل الامام الجنيد واقواله الماثورة))" عن دار اقرا، بتحقيق الدكتور جمال رجب سيدبي وتصدير الدكتور عاطف العراقي، الطبعة الأولى، 2005.[2]
قال المحقق الدكتور جمال رجب سيدبي في مقدمة الكتاب بعد حديثه عن أسباب عدم نشر وتحقيق رساتل الجنيد "لمثل هذين السببين اللذين اشرت اليهما آنفا ما دفعني إلى محاولة تحقيق المخطوطات، والبحث عن النسخ للمقابلة، واصبح مجمل هذه المخطوطات بعد التحقيق حوالي ستة عشر مخطوطا، ولم اكتف بهذا وحسب، بل اضفت إلى هذا العمل كل ما تركه الامام من رسائل واقوال متناثرة من مصادر التصوف الاصلية والقريبة العهد نسبيا بحياة الإمامالجنيد"
وصل بذلك عدد رسائل الجنيد إلى واحد وثلاثين رسالة وهي[2]:
1. كتاب القصد إلى الله.2. كتاب السر في انفاس الصوفية.3. كتاب دواء الارواح.4. كتاب دواء التفريط.5. كتاب ادب المفتقر إلى الله.6. الفرق بين الاخلاص والصدق.7. كتاب الفناء.8. كتاب الميثاق.9. في الالوهية.10. كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي تعالى.11. نسخة من كتابالجنيد إلى ابي يعقوب يوسف بن الحسين الرازي رحمة الله عليهما.12. رسالة ابي القاسمالجنيد إلى يوسف بن يحيى رحمة الله عليهما.13. رسالة ابي القاسم الجنيد بن محمد إلى يحيى بن معاذ رحمة الله عليهما.14. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه.15. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه.16. رسالة إلى بعض اخوانه.17. رسالة إلى جعفر الخالدي.18. رسالة في المعرفة.
19. رسالة الجنيد إلى ابي اسحاق المرستاني.20. رسالة إلى بعض اخوانه.21. رسالة إلى بعض اخوانه.
22. رسالة إلى بعض اخوانه.23. النظر الصحيح إلى الدنيا.24. رأي الجنيد في الذكر الخفي.
25. كتابه إلى ابي العباس الدينوري.26. عقبات الوصال.27. رسالة في الايمان.28. صفة العاقل.
29. رسالة في التوحيد.30. رسالة الجنيد إلى ابي بكر الكسائي.31. رسالة الجنيد إلى علي بن سهل الأصبهاني
وفاتـه:
وقال أبو محمد الجريري: "كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته -وكان يوم جمعة- وهو يقرأ، فقلت: "أرفق بنفسك!" فقال: "ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي". وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: "ما هذا يا أبا القاسم!"، قال: "هذه نعم!. الله أكبر". فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: "لو اضطجعت!"، قال: "يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر". فلم يزل ذلك حاله حتى مات". وقال ابن عطاء: "دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: "اعذرني! فإني كنت في وردي"، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات".
وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف.
توفي رضي الله عنه سنة 297 هـ ومقامه في الجانب الغربي من مدينة بغداد مزار ظاهر على رؤوس الأشهاد.
خاتمة :
سرت بناس في الغيوب قلوبهم ****وجالوا بقرب الماجد المتفضل
ونالوا من الجبار عطفا ورأفة ***** وفضلا وإحسانا وبرا يعجل
أولئك نحو العرش هامت قلوبهم*** وفي ملكوت العز تأوي وتنزل
بعد شهادات كل هؤلاء العلماء والحفاظ وشيوخ الإسلام مازال بعض الصغار من أدعياء العلم والمتطفلين على موائد العلماء يهاجمون الأئمة والأولياء مازال البعض يتهجم ويجرح الخيرة من علماء الأمة يهاجمهم لأنه يختلف معهم فى الفهم والرأى أخاف أن يصدق في هؤلاء قولُ الذّهبي في المـوقظة :
وهو مقامٌ خَطِر ، إذ القادِحُ في مُحِقَّ الصُّوفية ، داخلٌ في حديث من عادَى لي وَلِيّاً فقد بارَزَني بالمُحارَبة .
لو رجم النجم جميع الورى * لم يصل الرجم إلى النجم
البعض من صغار العلماء يقدس ذاته ويعبد رأيه وينسب العصمة لذاته ويكفر من يخالف فهمه لأنه يظن أنه يحتكر الحقيقة ويملك صكوك الإيمان يوزعها كيف يشاء .. وهو لو وضع على ميزان العلماء لا يساوى شئ لا وزن له
أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلامالتصوف السني في القرن الثالث الهجري[1]، أصله نهاوند في همدان (مدينة اذرية)، ومولده ومنشؤه ببغداد.
المربى بفنون العلم المؤيد بعيون الحلم المنور بخالص الإيقان وثابت الإيمان ، العالم بمودع الكتاب والعامل بحلم الخطاب ، الموافق فيه للبيان والصواب
هو شيخ الصوفية ولد سنة نيف وعشرين ومائتين وتفقه على أبي ثور ، وسمع من السري السقطي وصحبه ، ومن الحسن بن عرفة ، وصحب أيضا الحارث المحاسبي وأبا حمزة البغدادي ، وأتقن العلم ، ثم أقبل على شأنه ، وتأله وتعبد ، ونطق بالحكمة ، وقل ما ورى كان كلامه بالنصوص مربوطا وبيانه بالأدلة مبسوطا ، فاق أشكاله بالبيان الشافي واعتناقه للمنهج الكافي ولزومه للعمل الوافي .
قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة»[1].
صحب جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبة خاله سري السقطي، والحارث المحاسبي. ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة. توفي يوم السبت سنة 297 هـ[1]
أساتذته
محمد بن إبراهيم البغدادي البزاز أبو حمزة ،بشر بن الحارث ،سري السقطي
أصحاب الجنيد
أبو بكر الشبلي ،أبو محمد الجريري وأبن الأعرابي أبو العباس أحمد بن محمد بن زياد إسماعيل بن نجيد ،
علي بن بندار أبو الحسن الصيرفي ،عبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي الأصل
أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي، من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم
سيرته :
هو إمامٌ ضُرب بعلمه وحاله وسلوكه أروع المثل، وقدّم من جوهر صوفيته وتحقُّقه أنصع البراهين وأقوى الحجج على أن التصوف يُمثِّل أعلى قِمّة في الإسلام، يظل لواؤها صفوة عباد الله.
"وكان قد سمع الحديث عن الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة، ورُزِق من الذكاء وصواب الجوابات في فنون العلم ما لم يُر في زمانه مثله عند أحد من قرنائه، ولا ممن أرفع سنّا منه، ممن كان ينسب منهم إلى العلم الباطن والعلم الظاهر، في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها".
حصّل الجنيد العلم الضروري الذي لا يحصل إلا بالنقل وهو علم الفقه والحديث على أبي ثور، وكان يُفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة، ولم يكد يبلغ الثلاثين من عمره حتى رأى السري السقطي أنه أصبح مُؤهّلاً للجلوس والتدريس وإدارة حلقات العلم بالمساجد، غير أنه تحشّم ولم يجد نفسه أهلا لذلك، حتى رأى ليلة في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ليلة جمعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: تكلّم على الناس، فانتبه من نومه وأتى باب السري السقطي قبل أن يصبح...، فقال له السري: لم تُصدِّقنا حتى قيل لك...، وكان أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسما، فقعد الجنيد في غدٍ للناس بالجامع.
"وكانت مجالسه هي جامعة بغداد الكبرى، كان عُشّاق الأدب يحضرون مجالسه ليتزودوا بالمُضِيء من القول، والمُشرِق من البيان، ويحُف به الفقهاء ينشدون لديه القول الفصل والحكم المبين، ويحيط به الفلاسفة ليتفقهوا دقائق الحكمة وأسرار النفوس والأكوان، ويلوذ به المتكلمون ليأخذوا عنه طرائق البحث وفنون الحديث، ويتبعه رجال التصوف، فهو النبع الذي يتدفق رحيقه من عرش الإيمان".
وجلوس الجنيد -رحمه الله تعالى- في حلقة بالمسجد يفتي ويدرس ويناقش، مكنّه من إرساء قواعد العلم الصوفي كواحد من العلوم الإسلامية جنبا إلى جنب مع علم الفقه والحديث والتفسير وغيرها، وذاع صيته حتى أصبح المرجع الديني الأكبر للعامة والخاصة في بغداد وفي المشرق العربي على امتداده، في حقبة تاريخية عصيبة تمثلت في صراع الفقهاء مع علماء الكلام.
طائفة من أقوال ابن تيمية فى الإمام الجنيد :
( قال الشبلي بين يدي الجنيد: لا حول ولا قوةً إلا بالله. فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء. فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد ـ رضي الله عنه ـ سيد الطائفة، ومن أحسنهم تعلميا وتأديبا وتقويما ـ وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة؛ لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعا لا صبرا. فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً ينافي الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه)
( والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال. وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه في قلوبهم من الأنوار وغير ذلك؛ وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى )
( ولهذا كان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة إمام هدى )
( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوِّغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور، ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف وهذا كثير في كلامهم ) .
وقد أثنى عليه ابن القيم كثيرا في كتابه مدارج السالكين
وقال عنه " ولقد كان سادات الطائفة أشد ما كانوا اجتهادا في آخر أعمارهم قال القشيري سمعت أبا علي الدقاق يقول رؤى في يد الجنيد سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة فقال طريق وصلت به إلى ربي تبارك وتعالى لا أفارقه أبدا وقال إسماعيل بن نجيد كان الجنيديجيء كل يوم إلى السوق فيفتح باب حانوته فيدخله ويسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة ثم يرجع إلى بيته ودخل عليه ابن عطاء وهو في النزع فسلم عليه فلم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة فقال اعذرني فإني كنت في وردي ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات وقال أبو سعيد بن الأعرابي سمعت أبا بكر العطار يقول حضرت أبا القاسم الجنيد أنا وجماعة من أصحابنا فكان قاعدا يصلي ويثني رجله إذا أراد أن يسجد فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجليه فثقلت عليه حركتها وكانتا قد تورمتا فقال له بعض أصحابه ما هذا يا أبا القاسم فقال هذه نعم الله الله أكبر فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري يا أبا القاسم لو اضطجعت فقال يا أبا محمد هذا.
وقت يؤخذ فيه الله أكبر فلم يزل ذلك حاله حتى مات ودخل عليه شاب وهو في مرضه الذي مات فيه وقد تورم وجهه وبين يديه مخدة يصلي إليها فقال وفي هذه الساعة لا تترك الصلاة فلما سلم دعاه وقال شيء وصلت به إلى الله فلا أدعه ومات بعد ساعة رحمة الله عليه وقال أبو محمد الجريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز وهو يقرأ القرآن فقلت له يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال يا أبا محمد أرأيت أحدا أحوج إليه مني في مثل هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي وقال أبو بكر العطوي كنت عند الجنيد حين مات فختم القرآن ثم ابتدأ في ختمة أخرى فقرأ من البقرة سبعين آية ثم مات وقال محمد بن إبراهيم رأيت الجنيدفي النوم فقلت ما فعل الله بك فقال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها في الأسحار وتذاكروا بين يديه أهل المعرفة وما استهانوا به من الأوراد والعبادات بعد ما وصلوا إليه فقال الجنيد العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رؤوس الملوك وقال الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وقال من ظن أنه يصل ببذل المجهود فمتعن ومن ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فمتمن وقال أبو نعيم سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن جعفر بن هانىء يقول سألت الجنيد ما علامة الإيمان فقال علامته طاعة من آمنت به والعمل بما يحبه ويرضاه وترك التشاغل عنه بما ينقضي ويزول.- فرحمة الله على أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه ما أتبعه لسنة الرسول وما وما أقفاه
رأى علماء عصره فيه
لقد نال الجنيد مرتبة عالية، وإعجابا كبيرا، وثناء عجيبا من علماء الأمة ومؤرخيها، إذ اتفقوا "... على قبوله، والاعتداد بقوله، وعدُّوه وليّا من أولياء الله تعالى...". [9]
قال السبكي: سيد الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعَلم الأولياء في زمانه.
قال إسماعيل بن نجيد فيما يرويه عنه صاحب تاريخ بغداد: "كان يقال: إن في الدنيا من هذه الطبقة ثلاثة لا رابع لهم: الجنيد ببغداد، وأبو عثمان بنيسابور، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام". [10]
ويضيف البغدادي: "قال جعفر بن محمد الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير أبي القاسم الجنيد، وإلا فأكثرهم كان يكون لأحدهم علم كثير ولا يكون له حال، وآخر يكون له حال كثير وعلم يسير، وأبو القاسم الجنيد كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، فإذا رأيت حاله رجحته على علمه، وإذا رأيت علمه رجحته على حاله". [11]
وشهد له ابن الأثير بالإمامة، قال: "... وكان إمام الدنيا في زمانه...". [12]
وقال عنه ابن خلكان: "الزاهد المشهور...، وكان شيخ وقته وفريد عصره، وكلامه في الحقيقة مشهور مُدوّن...". [13]
وروى الجامي عن أبي عبد الله بن خفيف [14] قوله: "اقتدوا بخمسة من شيوخنا، والباقون سلِّموا أحوالهم: الحارث المحاسبي، والجنيد، ورويم، وابن عطاء، وعمرو بن عثمان المكي، قدس الله أسرارهم، لأنهم جمعوا بين العلم والحقائق". [15]
وقال الشيخ أبو جعفر الحداد: "لو كان العقل رجلا لكان الجنيد". [16]
ومن العلماء المتأخرين الذين أثنوا على الجنيد الإمام الشوكاني، قال:
ولكم مشى هذي الطريقة صاحب لمحمد فمشوا على أعقابـــــــه
فبها الغفاري قد أنــــــــاخ مطيـه ومشى بها القرني بسبق ركابه
وبها فضيـل والجنيد تجاذبــــــــــا كأس الهوى وتعللا برضابــــه [17]
قال عبد الواحد بن علوان : سمع الجنيد يقول : علمنا - يعني التصوف - مشبك بحديث رسول الله .
وعن أبي العباس بن سريج : أنه تكلم يوما فعجبوا ، فقال : ببركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد.
وعن أبي القاسم الكعبي أنه قال مرة : رأيت لكم شيخا ببغداد يقال له الجنيد ، ما رأت عيناي مثله ، كان الكتبة - يعني البلغاء - يحضرونه [ ص: 68 ] لألفاظه ، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه ، والمتكلمون لزمام علمه ، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم .
قال الخلدي : لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد . كانت له حال خطيرة ، وعلم غزير ، إذا رأيت حاله رجحته على علمه ، وإذا تكلم رجحت علمه على حاله .
أبو سهل الصعلوكي : سمعت أبا محمد المرتعش يقول : قال الجنيد : كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين ، فتكلموا في الشكر ، فقال : يا غلام ، ما الشكر ؟ قلت : أن لا يعصى الله بنعمه ، فقال : أخشى أن يكون حظك من الله لسانك . قال الجنيد : فلا أزال أبكي على قوله .
السلمي : حدثنا جدي ابن نجيد قال : كان الجنيد يفتح حانوته ويدخل ، فيسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة .
وعنه قال : أعلى الكبر أن ترى نفسك ، وأدناه أن تخطر ببالك - يعني نفسك .
أبو جعفر الفرغاني : سمعت الجنيد يقول : أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب ، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان .
قيل : كان نقش خاتم الجنيد : إن كنت تأمله فلا تأمنه .
وعنه : من خالفت إشارته معاملته ، فهو مدع كذاب .
وفي رأي عبد الحليم محمود، كان الإمام الجنيد "متزنا كامل الاتزان، وكان متعبدا على علم، وكان عالما كأجمل وأعمق ما يكون العلم...، وكان الجنيد إماما لهم، ومرشدا، وأخذ بأيديهم إن قصروا، ومهدئا لهم إن زاد بهم الوله: لقد كان قائدا يفرح بالنابه من جنده، ويشد أزر من تعثر به الطريق، ويرد جماح الجامحين، والكل يدين له بالفضل ويعترف له بالتقدير". [18]
ووصفه الإمام ابن تيمية بأنه إمام من أئمة الهدى، قال: "... ولهذا كان الجنيد -رضي الله عنه- سيّد الطائفة إمام هدى...". [19]
أما فريد الدين العطار، فأثنى عليه بما هو أهله، في قوله: "وكان في جميع العلوم ماهرا، وفي الفنون كاملا، وفي الأصول والفروع مُفتياً، وفي المعاملات والرياضات والإشارات العالية سابقا على الأقران، ومن أول حاله إلى آخر حاله حميدا مقبولا. والكل متفق على أمانته وكماله، وكلامه حجة في علم الطريقة، وما استطاع أحد أن يعترض عليه بمخالفة السنة".[20]
لقد حظي الجنيد بمكانة متميزة بين السابق واللاحق، فأثنوا عليه الثناء الحسن، وأنزلوه المنزلة الرفيعة، أهَّله لذلك حُسْنُ سَمْتِهِ وأخلاقه ومنهجه السلوكي التربوي، القائم على مجاهدة النفس وترويضها، والالتزام بصالح الأخلاق والأعمال، انطلاقا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والتسليم، فاستحق بذلك لقب سيد الطائفة وتاج العارفين، رضوان الله عليهم أجمعين.
"وقلّما حظيت شخصية صوفية باهتمام المؤرخين بمثلما حظيت به شخصية الجنيد. كيف لا وهو الجامع بين الشريعة والحقيقة والواضع للمريدين أصول الطريقة، وهو أول من صاغ المعاني الصوفية تعبيرا، وشرحها تفسيرا، وحررها تحريرا".[21]
من أقواله وحكمه :
يَقُوْلُ: مَا أَخَذْنَا التَّصَوُّفَ عَنِ القَالِ وَالقِيْلِ، بَلْ عَنِ الجُوْعِ، وَتَركِ الدُّنْيَا، وَقَطْعِ المَأْلُوفَاتِ.
وَمُرَادُهُ: قَطْعُ أَكْثَرِ المَأْلُوْفَاتِ، وَتَرْكُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا، وَجُوْعٌ بِلاَ إِفرَاطٍ.
فالسَّعَادَةُ فِي مُتَابَعَةِ السُّنَنِ، فَزِنِ الأُمُورَ بِالعَدْلِ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَالزَمِ الوَرَعَ فِي القُوْتِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، وَاصْمُتْ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى الجُنَيْدِ، وَأَيْنَ مِثْلُ الجُنَيْدِ فِي عِلْمِهِ وَحَالِهِ؟
يقول : " من ظن أنه يصل ببذل المجهود فمتعن ، ومن ظن أنه يصل بغير بذل المجهود فمتمن ، ومتعلم يتعلم الحقيقة يوصله الله إلى الهداية " .
"الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول". وقال: " من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ".
"يا ابن آدم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفئ, وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت، يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي الله ربك ومرتهن لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك محاسباً لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك".
من مواعظ الجنيد البغدادي يقول : "إنما اليوم إن عقلتَ ضيفٌ نزل بك وهو مرتحل عنك، فان أحسنت نزله وقِراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك، وإن أسأت ضيافته ولم تحسن قراه شهد عليك فلا تبع اليوم ولا تعد له بغير ثمنه. واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت ءاتٍ وقد مات قبلك من مات".
"اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك فإنه ليس لك من دنياك شئ، فلا تدخرن مالك ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجابُ أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كانوا كذلك". "اعلم يا ابن آدم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فل تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلِص عملك، واذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة الا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء".
من كرامات الإمام الجنيد
عن أبي عمرو بن علوان قال: خرجتُ يوما إلى سوق الرحبة فرأيتُ جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت حتى يُدفن الميت في جملة الناس، فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فألححتُ بالنظر فاسترجعتُ واستغفرتُ الله تعالى، ثم عدتُ إلى منزلي فقالت لي عجوز: يا سيدي ما لي أرى وجهك أسود، فأخذتُ المرآة، فنظرتُ فإذا وجهي أسود، فرجعتُ إلى سري أنظرُ من أين دهيت؟ فذكرتُ النظرة فانفردتُ في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما، فخطر في قلبي أن زُرْ شيخك الجنيد فانحدرتُ إلى بغداد فلما جئتُ الحجرةَ التي هو فيها طرقتُ البابَ فقال لي ادخل يا أبا عمرو تُذنب بالرحبة ونستغفرُ لك ببغداد.
عن كتاب "صفوة الصفوة" لابن الجوزي.
اشتهر عنه كرامات منها أن الشيخ كان يتكلم على الناس فوقف غلام نصراني متنكرًا وقال: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى" رواه الترمذي، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال له: أسلِم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام. والناس معتقدون أن هذا للجنيد كرامة واحدة وإنما فيه كرامتان إحداهما اطلاعه على كفر الغلام، والثانية اطلاعه على أنه سيسلم في الحال.
مؤلفاته :
ومن مسانيد حديثه
ما حدثناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ بها قال : حدثني بكير بن أحمد الصوفي بمكة ، ثنا الجنيد أبو القاسم الصوفي ، ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا محمد بن كثير الكوفي ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احذروا [ ص: 282 ] فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله " ، وقرأ : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) ، قال : للمتفرسين " .
حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد ، ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا عبد الحميد بن بيان ، ثنا محمد بن كثير ، ثنا عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
سمعت علي بن هارون بن محمد يقول : سمعت الجنيد بن محمد يدعو بهذا الدعاء فجاءه رجل فشكا إليه الضيق ، فعلمه وقال قل : اللهم إني أسألك منك ما هو لك ، وأستعيذك من كل أمر يسخطك ، اللهم إني أسألك من صفاء الصفاء صفاء أنال به منك شرف العطاء ، اللهم ولا تشغلني شغل من شغله عنك ما أراد منك إلا أن يكون لك ، اللهم اجعلني ممن يذكرك ذكر من لا يريد بذاكره منك إلا ما هو لك ، اللهم اجعل غاية قصدي إليك ما أطلبه منك ، اللهم املأ قلبي بك فرحا ، ولساني بك ذكرا ، وجوارحي فيما يرضيك شغلا ، اللهم امح عن قلبي كل ذكر إلا ذكرك ، وكل حب إلا حبك ، وكل ود إلا ودك ، وكل إجلال إلا إجلالك ، وكل تعظيم إلا تعظيمك ، وكل رجاء إلا لك ، وكل خوف إلا خوفا منك ، وكل رغبة إلا إليك ، وكل رهبة إلا لك ، وكل سؤال إلا منك ، اللهم اجعلني ممن لك يعطي ، ولك يمنع ، وبك يستعين وإليك يلجأ ، وبك يتعزز ، ولك يصبر ، وبحكمك يرضى ، اللهم اجعلني ممن يقصد إليك قصد من لا رجوع له إلا إليك ، اللهم اجعل رضائي بحكمك فيما ابتليتني في كل وقت متصلا غير منفصل ، واجعل صبري لك على طاعتك صبر من ليس له عن الصبر صبر إلا القيام بالصبر ، واجعل تصبري عما يسخطك فيما نهيتني عنه تصبر من استغنى عن الصبر بقوة العصمة منك له ، اللهم واجعلني ممن يستعين بك استعانة من استغنى بقوتك عن جميع خلقك ، اللهم واجعلني ممن يلجأ لجأ من لا ملجأ له إلا إليك ، واجعلني ممن يتعزى بعزائك ويصبر لقضائك أبدا ما أبقيتني ، اللهم وكل سؤال سألته فعن أمر منك لي بالسؤال فاجعل سؤالي لك سؤال محابك ، ولا تجعلني ممن يتعمد بسؤاله مواضع الحظوظ ، بل يسأل القيام بواجب حقك .
صدر كتاب "رسائل الجنيد ((اول عمل يجمع كلا رسائل الامام الجنيد واقواله الماثورة))" عن دار اقرا، بتحقيق الدكتور جمال رجب سيدبي وتصدير الدكتور عاطف العراقي، الطبعة الأولى، 2005.[2]
قال المحقق الدكتور جمال رجب سيدبي في مقدمة الكتاب بعد حديثه عن أسباب عدم نشر وتحقيق رساتل الجنيد "لمثل هذين السببين اللذين اشرت اليهما آنفا ما دفعني إلى محاولة تحقيق المخطوطات، والبحث عن النسخ للمقابلة، واصبح مجمل هذه المخطوطات بعد التحقيق حوالي ستة عشر مخطوطا، ولم اكتف بهذا وحسب، بل اضفت إلى هذا العمل كل ما تركه الامام من رسائل واقوال متناثرة من مصادر التصوف الاصلية والقريبة العهد نسبيا بحياة الإمامالجنيد"
وصل بذلك عدد رسائل الجنيد إلى واحد وثلاثين رسالة وهي[2]:
1. كتاب القصد إلى الله.2. كتاب السر في انفاس الصوفية.3. كتاب دواء الارواح.4. كتاب دواء التفريط.5. كتاب ادب المفتقر إلى الله.6. الفرق بين الاخلاص والصدق.7. كتاب الفناء.8. كتاب الميثاق.9. في الالوهية.10. كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي تعالى.11. نسخة من كتابالجنيد إلى ابي يعقوب يوسف بن الحسين الرازي رحمة الله عليهما.12. رسالة ابي القاسمالجنيد إلى يوسف بن يحيى رحمة الله عليهما.13. رسالة ابي القاسم الجنيد بن محمد إلى يحيى بن معاذ رحمة الله عليهما.14. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه.15. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه.16. رسالة إلى بعض اخوانه.17. رسالة إلى جعفر الخالدي.18. رسالة في المعرفة.
19. رسالة الجنيد إلى ابي اسحاق المرستاني.20. رسالة إلى بعض اخوانه.21. رسالة إلى بعض اخوانه.
22. رسالة إلى بعض اخوانه.23. النظر الصحيح إلى الدنيا.24. رأي الجنيد في الذكر الخفي.
25. كتابه إلى ابي العباس الدينوري.26. عقبات الوصال.27. رسالة في الايمان.28. صفة العاقل.
29. رسالة في التوحيد.30. رسالة الجنيد إلى ابي بكر الكسائي.31. رسالة الجنيد إلى علي بن سهل الأصبهاني
وفاتـه:
وقال أبو محمد الجريري: "كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته -وكان يوم جمعة- وهو يقرأ، فقلت: "أرفق بنفسك!" فقال: "ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي". وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: "ما هذا يا أبا القاسم!"، قال: "هذه نعم!. الله أكبر". فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: "لو اضطجعت!"، قال: "يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر". فلم يزل ذلك حاله حتى مات". وقال ابن عطاء: "دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: "اعذرني! فإني كنت في وردي"، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات".
وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف.
توفي رضي الله عنه سنة 297 هـ ومقامه في الجانب الغربي من مدينة بغداد مزار ظاهر على رؤوس الأشهاد.
خاتمة :
سرت بناس في الغيوب قلوبهم ****وجالوا بقرب الماجد المتفضل
ونالوا من الجبار عطفا ورأفة ***** وفضلا وإحسانا وبرا يعجل
أولئك نحو العرش هامت قلوبهم*** وفي ملكوت العز تأوي وتنزل
بعد شهادات كل هؤلاء العلماء والحفاظ وشيوخ الإسلام مازال بعض الصغار من أدعياء العلم والمتطفلين على موائد العلماء يهاجمون الأئمة والأولياء مازال البعض يتهجم ويجرح الخيرة من علماء الأمة يهاجمهم لأنه يختلف معهم فى الفهم والرأى أخاف أن يصدق في هؤلاء قولُ الذّهبي في المـوقظة :
وهو مقامٌ خَطِر ، إذ القادِحُ في مُحِقَّ الصُّوفية ، داخلٌ في حديث من عادَى لي وَلِيّاً فقد بارَزَني بالمُحارَبة .
لو رجم النجم جميع الورى * لم يصل الرجم إلى النجم
البعض من صغار العلماء يقدس ذاته ويعبد رأيه وينسب العصمة لذاته ويكفر من يخالف فهمه لأنه يظن أنه يحتكر الحقيقة ويملك صكوك الإيمان يوزعها كيف يشاء .. وهو لو وضع على ميزان العلماء لا يساوى شئ لا وزن له
[/size]
المصادر :
]1]- ترجمته في:
- تاريخ بغداد أو مدينة السلام، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463ھ)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، 7/242.
- صفة الصفوة، جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (510-597ھ)، حققه وعلق عليه: محمود فاخوري، خرج أحاديثه: محمد رواس قلعه جي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط2، 1399ھ/1979م، 2 /416- 424.
- سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748ھ)، أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط11، 1422ھ/2001م، 14/66-70.
- مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي (ت768ھ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط2، 1390ھ/1970م، 2/231-233.
[2]- مجدي إبراهيم: التصوف السني، حال الفناء بين الجنيد والغزالي، تصدير: عاطف العراقي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط2، 1427ھ/2006م،ص: 378.
[3]- حلية الأولياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي (ت430ھ)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1427ھ/2007م، 10/274.
[4]- أبو الحسن السري بن المغلس السقطي (ت251ھ): خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه، إمام البغداديين وشيخهم في وقته. ترجمته في: حلية الأولياء، 10/119-132.
[5]- إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي، أبو ثور (ت240ھ): فقيه، كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا. ترجمته في: الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط17، 2007م،1/37.
]- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (608-681ھ)، حقق أصوله وكتب هوامشه: يوسف علي طويل، ومريم قاسم طويل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1419ھ/1998م، 1/347.
[8]- من أعلام التصوف الإسلامي، طه عبد الباقي سرور، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها، مصر، د.ط، د.ت، 2/123.
[9]- الجنيد بن محمد وآراؤه العقدية والصوفية، عرض ومناقشة، نوال بنت عبد السلام بن إدريس فلاتة، (رسالة ماجستير)، إشراف: لطف الله بن ملا خوجه، جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة، المملكة العربية السعودية، 1429ھ، ص: 14.
**الكامل في التاريخ، ابن الأثير (ت630ھ)، تحقيق: خيري سعيد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر، د.ط، د.ت، 6/456.
**الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد، محمد علي الشوكاني (1173-1250ھ)، تحقيق وتخريج: محمد صبحي حسن الحلاق، دار الهجرة، صنعاء، ط1، 1411ھ/1990م، ص: 26.
**مجموعة الفتاوى، أحمد بن تيمية (ت728ھ)، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة المعارف، الرباط، د.ط، د.ت، 5/297.
**تذكرة الأولياء، فريد الدين العطار (ت627ھ)، ترجمة: محمد الأصيلي الوسطاني الشافعي، تحقيق: محمد أديب الجادر، دار المكتبي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سورية، ط1، 1430ھ/2009م، ص: 429.