سيرة الإمام محمد ماضي أبوالعزائم من كتاب: الإمام أبوالعزائم المجدد الصوفي للشيخ فوزي محمد أبوزيد
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
(32 فاطر)
إِنَّ الرِّجَـــالَ كُنُوزٌ لَيْسَ يَدْرِيـــــهَا
إِلا مُــرَادٌ تَحَلَّى مِنْ مَعَانِيهَــــا
فِى الأَرْضِ أَجْسَامُهُمْ وَالْعَرْشُ مَقْعَدَهُمْ
قُلُوبُهُـمْ صَفَتْ وَاللهُ هَادِيهَــــا
هُمُ الشُّمُوسُ لِشَرعِ الْمُصْطَفَى وَهُـــمُ
سَفِينَةُ الْوَصْلِ بـِسْمِ اللهِ مَجْرِيهَا
أبو العزائم
نسبه
ينتسب إلى العترة الطاهرة من آل البيت الكرام، فهو :
- حسيني من جهة والده.
- وحسني من جهة أمه.
- ونسبه كما هو مثبت في كتبه هو السيد محمد ماضي أبو العزائم:
بن السيد/ عبد الله المحجوب:
بن السيد أحمد، بن السيد مصطفى، بن السيد إبراهيم، بن السيد صالح، بن السيد ماضي، بن السيد درويش، بن السيد محمد، بن السيد علي، بن السيد محمد، بن السيد إبراهيم، بن السيد رمضان، بن السيد أحمد، بن السيد عبد الحميد، بن السيد محمد، بن السيد علي، بن السيد حسن، بن السيد زيد، بن السيد حسن، بن السيد علي الطويل، بن السيد محمد، بن السيد إبراهيم، بن السيد محمد، بن السيد عبد الله العوكلاني، بن السيد أبو الحسن موسى الكاظم، بن السيد جعفر الصادق، بن السيد محمد الباقر، بن السيد علي زين العابدين، بن سيدنا الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هذا من جهة أبيه رضى الله تعالى عنه
أما نسبه من جهة أمه فهي:
السيدة آمنة المهدية:
ابنة السيد أحمد العربي الفرجاني، بن السيد علي، بن السيد سليمان، بن السيد مصطفى، بن السيد زين الدين، بن السيد محمد درويش، بن السيد حسام الدين، بن السيد ولي الدين، بن السيد زين الدين، بن السيد شرف الدين، بن السيد شمس الدين، بن السيد محمد الهتاكي، بن السيد عبد العزيز، بن السيد عبد القادر الجيلاني، بن أبي صالح موسى جنكي دست، بن السيد عبد الله الجيلي، بن السيد يحي الزاهد، بن السيد محمد، بن السيد داود، بن السيد عبد الله، بن السيد موسى الجون، بن السيد عبد الله المحض، بن السيد حسن المثنى، بن سيدنا الإمام الحسن، بن الإمام علي بن أبي طالب وكرم الله وجهه ....
أسرته وكنيته
ونلاحظ هنا أن اسمه محمد بن عبد الله المحجوب أما ماضي وأبو العزائم، فهما كنيتان تكنى بهما في حياته
وترجع الكنية الأولى (ماضى)
إلى الأمير ماضي بن مقرب من بني هلال:
وهي القبيلة العربية المشهورة، التي كانت تسكن في بلاد الحجاز حتى تمكن الفاطميون من إنشاء الدولة الفاطمية، وجعلوا مصراً مقراً لحكمهم، وكان من سياستهم، جلب كل من ينتسب إلى السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها إلى دولتهم، لإكرامهم وتعويضهم عما شعروا به من ظلم واضطهاد تحت حكم الأمويين والعباسيين، فأرسلوا إلى بني هلال، واستقدموهم إلى مصر
وتحكي الروايات التاريخية، أن عددهم كان يزيد على الأربعمائة ألف، ونظراً لكثرتهم العددية، وجهوهم إلى جنوب البلاد، وأسكنوهم في بلاد الصعيد.
ثم حدثت بعض الثورات على الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، فما كان منهم إلا أن طلبوا من إخوانهم من بني هلال، أن يهبوا لنجدتهم، والقضاء على هذه الثورات، خاصة وأنهم كانوا مشهورين بالفروسية والبطولة والفداء والتضحية.
فوافق البعض وذهبوا إلى بلاد المغرب واستطاعوا القضاء على هذه الثورات، وأشهرها القضاء على الدولة الزناتية، التي كانت تسيطر على تونس وجزء كبير من الجزائر، واستقروا هناك في أماكن متفرقة.
فذهب الأمير ماضي بن مقرب إلى منطقة الأغواط، الواقعة على الحدود الآن بين الجزائر والمغرب، وأسس عين ماضي واستقر بها هو وذريته.
بينما انتشر الجزء الذي تبقى في مصر في محافظات سوهاج وقنا وأسوان، وهم ما يسمون بالأشراف الآن
أما الكنية الثانية: (أبو العزائم):
فترجع إلى جده الأعلى (ماضي بن سلطان):
والذي كان له الباع الطويل في خدمة ومصاحبة سيدي أبي الحسن الشاذلي وهو الذي كنَّاه بهذه الكنية نظراً لما لمسه فيه من جد واجتهاد واخلاص في طاعة الله ومن عزيمة شديدة في العمل على نشر محاسن طريقته .
ونظراً لأهمية دوره في حياة الإمام أبي العزائم واعتباره له مثلاً أعلى في حياته الصوفية، نذكر على سبيل التبرك، قبساً من سيرته
جده الأعلى
أبو العزائم ماضي بن سلطان
تعرف على سيدي أبي الحسن الشاذلي في أوائل ظهور دعوته في بلاد المغرب العربي، وذلك أثناء سياحاته الروحية وتجواله في هذه البلاد، ناشراً لهديه، بعد أن أمر بذلك، وسمع النداء ((يا علي انزل اهدِ الناس إلينا)).
وقد كان ذلك الوقت يقيم في جبل بالقرب من ((شاذلة)) بتونس الآن، فاستجاب للنداء، ونزل تنفيذ لأمر الله، فتجمع عليه خلائق لا يحصون، كان من بينهم الشيخ ((ماضي بن سلطان))، وتفرس فيه الشيخ علو الهمة، وصدق الإرادة، فأختاره خادماً ذاتياً له، يطلعه على شئونه الخاصة، ويوكل إليه جلائل الأعمال.
ومنذ ذلك الوقت، لزم الشيخ ماضي أستاذه أبي الحسن الشاذلي، حتى رحل معه إلى الإسكندرية، عندما جاء إليها، ولم يبرح عنه حتى انتقل إلى جوار ربه، وكان يلازمه في كل أسفاره، وخاصة سياحاته في البلاد، ورحلاته لأداء فريضة الحج.
ولذا يعول عليه كتَّاب التراجم والسير، لصدق روايته، عندما يكتبون عن سيدي أبي الحسن الشاذلي ولقد كان له وقائع كثيرة مع شيخه، تدل على علو همته، وصفاء سريرته، وصدق إرادته، وتبين المنهج العظيم الذي أتبعه الإمام أبو الحسن الشاذلي في تربيته لمريديه، والذي اختاره الإمام أبو العزائم نهجاً قويماً، لتربية أبنائه ومحبيه، كما سنذكر فيما بعد.
ومن ذلك على سبيل المثال، هذه الوقائع التي يذكرها ابن الصباغ في درة الأسرار وينقلها عنه ابن عياد في المفاخر العلية في المآثر الشاذلية وتتداولها كتب الطبقات وتراجم الشاذلية إلى يومنا هذا:
قال بن الصباغ ((حدثني الشيخ الصالح أبو العزائم ماضي قال:
تحدث الشيخ في حقيقة الشيخ مع أصحابه فقال:
((أن تكون يده عليهم يحفظهم حيثما كانوا)) قال: فاعترضت على ذلك في نفسي وقلت: لا يكون ذلك إلا لله فلما أصبحت أخذتني ضيقة شديدة في نفسي، فخرجت لخارج الإسكندرية، وجلست على ساحل البحر اليوم كله، فلما صليت العصر، زيقت، يعني أدخلت رأسي في طوقي، وإذا بيد تحركني، فظننت أنه بعض الفقراء يمازحني
قال: فأخرجت رأسي من طوقي، وإذا بها امرأة حسناء عليها لباس حسن، وحلي، فقلت لها: ما تريدين؟
قالت: أنت. فقلت: أعوذ بالله منك. فقالت: والله مالي عنك براح؛ فدافعتها عن نفس، فأخذتني فى حضنها، ولعبت بي كما يلعب الطفل بالعصفور وما ملكت من نفس شيئاً، ورمتنى بين فخذيها، فحنت نفسي إليها، وإذا بيد أخذتني من أطواقي، وإذا أنا بالشيخ يقول لي: يا ماضي، ما هذا الذى تقع فيه..؟ ورمانى عنها، فظننت أن الشيخ أجتاز بذلك المكان، فرفعت رأسي، فما وجدت الشيخ ولا المرأة ..
فتعجبت من ذلك، وعلمت أني أصبت باعتراضي عليه. فاستغفرت الله، وصليت المغرب، وآتيت إلى الباب الأخضر، وقد غلقت أبواب البلد كلها، فلما دنوت منه .. انفتح لي ودخلت المدينه ثم أغلق، وهذا الباب، لا يفتح إلا بعد صلاة الجمعة، يخرج منه الأمير والناس إلى الساحل، ثم يغلق إلى الجمعة الأخرى، قال: وأتيت القلعة، ودخلت بيتى مختفياًعن الفقراء.
فلما صلى الشيخ العشاء الآخرة، صرف الناس، وكان في كل ليلة، يعمل ميعاداً يأتي إليه الناس من البلدان، يستمعون كلامه. قال: ثم دخل الخلوة وقال: أين ماضى..؟ قالوا: مارأيناه اليوم، قال: أطلبوه فى بيته، فأتوا إلي، فقلت لهم: إنني مريض، وكان كذلك، فإني ما أتيت إلا بحال عظيم، فقال: احملوه بينكم، قال: فحملوني إليه، وأدخلونى عليه، وأمرهم بالإنصراف !!
فجلست بين يديه وأنا أبكي، فقال لى: يا ماضي. لما قلت بالأمس كذا وكذا، فاعترضت أنت علي، أين كانت يدي اليوم منك لما أردت أن تقع في المعصية؟ .. من لم يمكن من ذلك فليس بشيخ....
قال ابن الصباغ: وحدثنا أيضا قال:
كنا بدمنهور الوحش، فلما صلينا العصر، أعطانى كتاباً للشيخ الفقيه فخر الدين الفتزي بالإسكندرية، برسم حاجة عرضت له، فقلت له: يا سيدى إذا كان غداً إن شاء الله، أى أسافر غداً - وهذا الموضع مسيرة يوم للفارس - فقال لى: الساعة تسافر وتعود إلى بالجواب إن شاء الله تعالى.
قال: فتقلدت نمشة كانت عندى، وخرجت متوجهاً، فوصلت إلى الإسكندرية في أقرب وقت، وأعطيت الكتاب للشيخ ورجعت إليه قبل اصفرار الشمس. وكنت مررت بجبال الحاجر في طريقي، فأسمع بها دوياً وحس المشي، فأظن أنهم اللصوص يعترضونني في طرف النهار، فأرسل النمشة وأبقى منتظراً، قال: فما رأيت أحداً.
قال: فلما رجعت إلى الشيخ وجلست بين يديه تبسم وقال لي: يا ماضي، تجبز نمشتك تتقي بها اللصوص ..؟ الدوي الذي كنت تسمع دوي الملائكة !!
والله ما خرجت من بين يدي حتى تكفل بك ثمانون ألفاً من الملائكة، يحفظونك من أمر الله حتى وصلت إلى الإسكندرية وعدت إلينا....
وقال أيضاً: حدثنا الشيخ أبو العزائم ماضي رحمه الله قال:
بعثني الشيخ من الإسكندرية إلى دمياط في بعض حوائجه، وكان عندنا رجل من أهلها، فأراد السفر معي، فاستأذن الشيخ، فأذن له في السفر، فلما توجهنا لباب السدرة - باب من أبواب الإسكندرية - اخرج الرجل دراهم ليشتري بها خبزاً وأداماً، فقلت له: ما نحتاج إلى شئ. فقال لي: نجد دكان فلان في الصحراء .... وأشار إلى دكان حلواني بالإسكندرية. فقلت له إن شاء الله.
وكنت مهما سافرت، لا أحمل معي زاداً، فإذا أصابني جوع أسمع كلامه من خلفي يقول: يا ماضي: اخرج عن يمينك تجد ما تأكل، وكذا إذا عطشت، فأجد طعاماً طيباً وماء عذباً.
قال: فخرجنا عن الإسكندرية ومشينا، وجد بنا السير حتى تعالى النهار بنا، فقال لي: يا ماضي: اطعمني فإني قد جعت. وإذا بكلام الشيخ على العادة يقول: يا ماضي: جاع ضيفك، اخرج عن يمينك تجد ما تطعمه، قال: فخرجت عن يميني، فوجدنا محفلة مملوءة بكنافة سكرية مخلطة بالمسك وماء الورد، فأكلنا حتى ملينا، فبكى الرجل وتعجب مما رأى، فقلت له: أيهما أطيب .. هذا الطعام أو ما أشرت إليه في دكان الحلواني .... ؟ فقال: والله ما رأيت مثل هذا قط .... وما صنع مثله في قصر ملك من الملوك، وأراد أن يرفع بقيته فمنعته، وتركتها على حالها.
ومشينا يسيراً فعطشنا. وإذا بكلام الشيخ يقول: يا ماضي اخرج عن يمينك تجد الماء، فوجدنا عين ماء عذب في الرمل فشربنا، واضطجعنا ساعة، وقمنا، فما وجدنا قطرة ماء، فقال الرجل: أين الماء الذي كان ها هنا؟ فقلت: لا علم لي به، فقال: والله لقد مكن لهذا الشيخ تمكيناً عظيماً. والله لا رجعت إلى أهلي، حتى أنال ما نال هذا الشيخ، أو أموت في الله تعالى، فخلى فروته عندي ..!! ، ومشى في البرية يقول: الله ... الله !!!
قال: فلما قضيت سفري، ورجعت إليه قال لي: يا ماضي: ودَّرت (أهلكت) ضيفك .. ، فقلت له: أنت الذي ودَّرته - أطعمته الكنافة السكرية في البرية، وأسقيته الماء العذب في الرمل، فقال لي: مرَّ في الذاهبين إلى الله تعالى ....
وقال: حدثنا الشيخ ماضي رحمه الله أيضاً قال:
حججت سنة من السنين عن إذنه، فلما قضيت مناسك الحج، وأتيت أطوف طواف الوداع، قام أهل مكة على من بقي في الحرم من الحجاج فنهبوهم، وكانت عندي أمانات للناس، فدخلت في الحجر، ووقفت تحت الميزاب وقلت: إن خرجت نهبوني، وإن أقمت أقمت بأموال الناس عندي، فتحيرت في أمري، فناديت بالشيخ.
وإذا به واقف بباب الندوة، وهو يشير إلي، فبادرت إليه، فولى خارجاً، فاتبعته، ولم أقدر على اللحاق به، والوصول إليه، فلم أزل كذلك حتى دخلت الركب، فلما دخلت الركب، طلبته، فلم أجده، فلما وصلت إلى الإسكندرية، أتيت إليه، وسلمت عليه، فسألني عن حالي وقال لي: يا ماضي: لما أشتد الحال عليك وناديت بنا، أتينا إليك وخلصناك مما كنت فيه ...
وهذا نذر يسير مما روى عن الشيخ ماضي بن سلطان في صحبته لسيدي أبي الحسن الشاذلي، وقد ذكرنا ذلك، لعلمنا بشدة تعلق الإمام أبي العزائم بهذه الأحوال وبحثه عنها، وطلبه لها، وتأسيه بأهلها وهو الذي كان يقول لأبنائه دائماً حاثاً لهم على التحلي بها:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالرجال فلاح
ومن شدة تعلقه به تكنى بكنيته، وتشبه بسيرته، ونسب طريقته إلى السادة الشاذلية، رضي الله تعالى عنهم
هذا وقد ظل الشيخ ماضي في محبة شيخه أبي الحسن، حتى كان سفره الأخير إلى الحج، ويحكي ذلك: سيدي ماضي بن سلطان رحمه الله فيقول:
لما توجه رحمه الله في سفرته التي توفى فيها، وكنت تزوجت امرأة من أهل الإسكندرية، وكانت حاملاً، فجعلت تبكي وتقول لي:
تتركني على ولادة وتسافر عني.
قال: فأخبرت بذلك الشيخ فقال: ادعها إلي، فأتيت بها إليه فلما دخلت بها عليه، قال لها: يا أم عبد الدائم. أتركي لي ماضي يسافر معي، وأرجو لك من الله خيراً، فقالت له: يا سيدي السمع والطاعة.
فدعا لها وانصرفت.
فولدت ونحن مسافرون مولوداً ذكراً وسمته ((عبد الدائم))...
وقد انتقل الشيخ أبي الحسن الشاذلي إلى جوار ربه في ذلك السفر في ((حميثرا)) بالقرب من قنا، بعد أن أوصى بأن يخلفه على الإخوان، سيدي أبو العباس المرسي فأكمل بهم السفر.
وبعد أداء فريضة الحج والعودة إلى الإسكندرية ...
استأذن الشيخ ماضي سيدي أبي العباس في الذهاب إلى اقليم دسوق، لنشر طريقة شيخه هناك.
وقد اختار قرية ((محلة أبو علي)) لقربها من النيل، ولأنها كانت ميناء هاماً في ذلك الوقت، واستقر بها، وبنى بها زاوية للطريقة الشاذلية، ينشر فيها تعاليم شيخه، وهديه، وقد توارثها أولاده من بعده، ووسعوها، وجعلوها مسجداً كبيراً.
حتى صار الأمر إلى السيد عبد الله المحجوب والد الإمام أبي العزائم.
والذي كان خليفة الشاذلية على هذا الإقليم، وأحيا الطريقة في زاويته، وظل مجاهداً في نشر مبادئها وآدابها متجولاً في ربوع البلاد، لزيارة الصالحين، والتبرك بهم، والتعرف على آثارهم، حتى لقى الله ، ولا يزال ضريحه إلى يومنا هذا بالمسجد الذي أسسه الشيخ ماضي بن سلطان ------ يتبع ان شاء الله
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
(32 فاطر)
إِنَّ الرِّجَـــالَ كُنُوزٌ لَيْسَ يَدْرِيـــــهَا
إِلا مُــرَادٌ تَحَلَّى مِنْ مَعَانِيهَــــا
فِى الأَرْضِ أَجْسَامُهُمْ وَالْعَرْشُ مَقْعَدَهُمْ
قُلُوبُهُـمْ صَفَتْ وَاللهُ هَادِيهَــــا
هُمُ الشُّمُوسُ لِشَرعِ الْمُصْطَفَى وَهُـــمُ
سَفِينَةُ الْوَصْلِ بـِسْمِ اللهِ مَجْرِيهَا
أبو العزائم
نسبه
ينتسب إلى العترة الطاهرة من آل البيت الكرام، فهو :
- حسيني من جهة والده.
- وحسني من جهة أمه.
- ونسبه كما هو مثبت في كتبه هو السيد محمد ماضي أبو العزائم:
بن السيد/ عبد الله المحجوب:
بن السيد أحمد، بن السيد مصطفى، بن السيد إبراهيم، بن السيد صالح، بن السيد ماضي، بن السيد درويش، بن السيد محمد، بن السيد علي، بن السيد محمد، بن السيد إبراهيم، بن السيد رمضان، بن السيد أحمد، بن السيد عبد الحميد، بن السيد محمد، بن السيد علي، بن السيد حسن، بن السيد زيد، بن السيد حسن، بن السيد علي الطويل، بن السيد محمد، بن السيد إبراهيم، بن السيد محمد، بن السيد عبد الله العوكلاني، بن السيد أبو الحسن موسى الكاظم، بن السيد جعفر الصادق، بن السيد محمد الباقر، بن السيد علي زين العابدين، بن سيدنا الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هذا من جهة أبيه رضى الله تعالى عنه
أما نسبه من جهة أمه فهي:
السيدة آمنة المهدية:
ابنة السيد أحمد العربي الفرجاني، بن السيد علي، بن السيد سليمان، بن السيد مصطفى، بن السيد زين الدين، بن السيد محمد درويش، بن السيد حسام الدين، بن السيد ولي الدين، بن السيد زين الدين، بن السيد شرف الدين، بن السيد شمس الدين، بن السيد محمد الهتاكي، بن السيد عبد العزيز، بن السيد عبد القادر الجيلاني، بن أبي صالح موسى جنكي دست، بن السيد عبد الله الجيلي، بن السيد يحي الزاهد، بن السيد محمد، بن السيد داود، بن السيد عبد الله، بن السيد موسى الجون، بن السيد عبد الله المحض، بن السيد حسن المثنى، بن سيدنا الإمام الحسن، بن الإمام علي بن أبي طالب وكرم الله وجهه ....
أسرته وكنيته
ونلاحظ هنا أن اسمه محمد بن عبد الله المحجوب أما ماضي وأبو العزائم، فهما كنيتان تكنى بهما في حياته
وترجع الكنية الأولى (ماضى)
إلى الأمير ماضي بن مقرب من بني هلال:
وهي القبيلة العربية المشهورة، التي كانت تسكن في بلاد الحجاز حتى تمكن الفاطميون من إنشاء الدولة الفاطمية، وجعلوا مصراً مقراً لحكمهم، وكان من سياستهم، جلب كل من ينتسب إلى السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها إلى دولتهم، لإكرامهم وتعويضهم عما شعروا به من ظلم واضطهاد تحت حكم الأمويين والعباسيين، فأرسلوا إلى بني هلال، واستقدموهم إلى مصر
وتحكي الروايات التاريخية، أن عددهم كان يزيد على الأربعمائة ألف، ونظراً لكثرتهم العددية، وجهوهم إلى جنوب البلاد، وأسكنوهم في بلاد الصعيد.
ثم حدثت بعض الثورات على الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، فما كان منهم إلا أن طلبوا من إخوانهم من بني هلال، أن يهبوا لنجدتهم، والقضاء على هذه الثورات، خاصة وأنهم كانوا مشهورين بالفروسية والبطولة والفداء والتضحية.
فوافق البعض وذهبوا إلى بلاد المغرب واستطاعوا القضاء على هذه الثورات، وأشهرها القضاء على الدولة الزناتية، التي كانت تسيطر على تونس وجزء كبير من الجزائر، واستقروا هناك في أماكن متفرقة.
فذهب الأمير ماضي بن مقرب إلى منطقة الأغواط، الواقعة على الحدود الآن بين الجزائر والمغرب، وأسس عين ماضي واستقر بها هو وذريته.
بينما انتشر الجزء الذي تبقى في مصر في محافظات سوهاج وقنا وأسوان، وهم ما يسمون بالأشراف الآن
أما الكنية الثانية: (أبو العزائم):
فترجع إلى جده الأعلى (ماضي بن سلطان):
والذي كان له الباع الطويل في خدمة ومصاحبة سيدي أبي الحسن الشاذلي وهو الذي كنَّاه بهذه الكنية نظراً لما لمسه فيه من جد واجتهاد واخلاص في طاعة الله ومن عزيمة شديدة في العمل على نشر محاسن طريقته .
ونظراً لأهمية دوره في حياة الإمام أبي العزائم واعتباره له مثلاً أعلى في حياته الصوفية، نذكر على سبيل التبرك، قبساً من سيرته
جده الأعلى
أبو العزائم ماضي بن سلطان
تعرف على سيدي أبي الحسن الشاذلي في أوائل ظهور دعوته في بلاد المغرب العربي، وذلك أثناء سياحاته الروحية وتجواله في هذه البلاد، ناشراً لهديه، بعد أن أمر بذلك، وسمع النداء ((يا علي انزل اهدِ الناس إلينا)).
وقد كان ذلك الوقت يقيم في جبل بالقرب من ((شاذلة)) بتونس الآن، فاستجاب للنداء، ونزل تنفيذ لأمر الله، فتجمع عليه خلائق لا يحصون، كان من بينهم الشيخ ((ماضي بن سلطان))، وتفرس فيه الشيخ علو الهمة، وصدق الإرادة، فأختاره خادماً ذاتياً له، يطلعه على شئونه الخاصة، ويوكل إليه جلائل الأعمال.
ومنذ ذلك الوقت، لزم الشيخ ماضي أستاذه أبي الحسن الشاذلي، حتى رحل معه إلى الإسكندرية، عندما جاء إليها، ولم يبرح عنه حتى انتقل إلى جوار ربه، وكان يلازمه في كل أسفاره، وخاصة سياحاته في البلاد، ورحلاته لأداء فريضة الحج.
ولذا يعول عليه كتَّاب التراجم والسير، لصدق روايته، عندما يكتبون عن سيدي أبي الحسن الشاذلي ولقد كان له وقائع كثيرة مع شيخه، تدل على علو همته، وصفاء سريرته، وصدق إرادته، وتبين المنهج العظيم الذي أتبعه الإمام أبو الحسن الشاذلي في تربيته لمريديه، والذي اختاره الإمام أبو العزائم نهجاً قويماً، لتربية أبنائه ومحبيه، كما سنذكر فيما بعد.
ومن ذلك على سبيل المثال، هذه الوقائع التي يذكرها ابن الصباغ في درة الأسرار وينقلها عنه ابن عياد في المفاخر العلية في المآثر الشاذلية وتتداولها كتب الطبقات وتراجم الشاذلية إلى يومنا هذا:
قال بن الصباغ ((حدثني الشيخ الصالح أبو العزائم ماضي قال:
تحدث الشيخ في حقيقة الشيخ مع أصحابه فقال:
((أن تكون يده عليهم يحفظهم حيثما كانوا)) قال: فاعترضت على ذلك في نفسي وقلت: لا يكون ذلك إلا لله فلما أصبحت أخذتني ضيقة شديدة في نفسي، فخرجت لخارج الإسكندرية، وجلست على ساحل البحر اليوم كله، فلما صليت العصر، زيقت، يعني أدخلت رأسي في طوقي، وإذا بيد تحركني، فظننت أنه بعض الفقراء يمازحني
قال: فأخرجت رأسي من طوقي، وإذا بها امرأة حسناء عليها لباس حسن، وحلي، فقلت لها: ما تريدين؟
قالت: أنت. فقلت: أعوذ بالله منك. فقالت: والله مالي عنك براح؛ فدافعتها عن نفس، فأخذتني فى حضنها، ولعبت بي كما يلعب الطفل بالعصفور وما ملكت من نفس شيئاً، ورمتنى بين فخذيها، فحنت نفسي إليها، وإذا بيد أخذتني من أطواقي، وإذا أنا بالشيخ يقول لي: يا ماضي، ما هذا الذى تقع فيه..؟ ورمانى عنها، فظننت أن الشيخ أجتاز بذلك المكان، فرفعت رأسي، فما وجدت الشيخ ولا المرأة ..
فتعجبت من ذلك، وعلمت أني أصبت باعتراضي عليه. فاستغفرت الله، وصليت المغرب، وآتيت إلى الباب الأخضر، وقد غلقت أبواب البلد كلها، فلما دنوت منه .. انفتح لي ودخلت المدينه ثم أغلق، وهذا الباب، لا يفتح إلا بعد صلاة الجمعة، يخرج منه الأمير والناس إلى الساحل، ثم يغلق إلى الجمعة الأخرى، قال: وأتيت القلعة، ودخلت بيتى مختفياًعن الفقراء.
فلما صلى الشيخ العشاء الآخرة، صرف الناس، وكان في كل ليلة، يعمل ميعاداً يأتي إليه الناس من البلدان، يستمعون كلامه. قال: ثم دخل الخلوة وقال: أين ماضى..؟ قالوا: مارأيناه اليوم، قال: أطلبوه فى بيته، فأتوا إلي، فقلت لهم: إنني مريض، وكان كذلك، فإني ما أتيت إلا بحال عظيم، فقال: احملوه بينكم، قال: فحملوني إليه، وأدخلونى عليه، وأمرهم بالإنصراف !!
فجلست بين يديه وأنا أبكي، فقال لى: يا ماضي. لما قلت بالأمس كذا وكذا، فاعترضت أنت علي، أين كانت يدي اليوم منك لما أردت أن تقع في المعصية؟ .. من لم يمكن من ذلك فليس بشيخ....
قال ابن الصباغ: وحدثنا أيضا قال:
كنا بدمنهور الوحش، فلما صلينا العصر، أعطانى كتاباً للشيخ الفقيه فخر الدين الفتزي بالإسكندرية، برسم حاجة عرضت له، فقلت له: يا سيدى إذا كان غداً إن شاء الله، أى أسافر غداً - وهذا الموضع مسيرة يوم للفارس - فقال لى: الساعة تسافر وتعود إلى بالجواب إن شاء الله تعالى.
قال: فتقلدت نمشة كانت عندى، وخرجت متوجهاً، فوصلت إلى الإسكندرية في أقرب وقت، وأعطيت الكتاب للشيخ ورجعت إليه قبل اصفرار الشمس. وكنت مررت بجبال الحاجر في طريقي، فأسمع بها دوياً وحس المشي، فأظن أنهم اللصوص يعترضونني في طرف النهار، فأرسل النمشة وأبقى منتظراً، قال: فما رأيت أحداً.
قال: فلما رجعت إلى الشيخ وجلست بين يديه تبسم وقال لي: يا ماضي، تجبز نمشتك تتقي بها اللصوص ..؟ الدوي الذي كنت تسمع دوي الملائكة !!
والله ما خرجت من بين يدي حتى تكفل بك ثمانون ألفاً من الملائكة، يحفظونك من أمر الله حتى وصلت إلى الإسكندرية وعدت إلينا....
وقال أيضاً: حدثنا الشيخ أبو العزائم ماضي رحمه الله قال:
بعثني الشيخ من الإسكندرية إلى دمياط في بعض حوائجه، وكان عندنا رجل من أهلها، فأراد السفر معي، فاستأذن الشيخ، فأذن له في السفر، فلما توجهنا لباب السدرة - باب من أبواب الإسكندرية - اخرج الرجل دراهم ليشتري بها خبزاً وأداماً، فقلت له: ما نحتاج إلى شئ. فقال لي: نجد دكان فلان في الصحراء .... وأشار إلى دكان حلواني بالإسكندرية. فقلت له إن شاء الله.
وكنت مهما سافرت، لا أحمل معي زاداً، فإذا أصابني جوع أسمع كلامه من خلفي يقول: يا ماضي: اخرج عن يمينك تجد ما تأكل، وكذا إذا عطشت، فأجد طعاماً طيباً وماء عذباً.
قال: فخرجنا عن الإسكندرية ومشينا، وجد بنا السير حتى تعالى النهار بنا، فقال لي: يا ماضي: اطعمني فإني قد جعت. وإذا بكلام الشيخ على العادة يقول: يا ماضي: جاع ضيفك، اخرج عن يمينك تجد ما تطعمه، قال: فخرجت عن يميني، فوجدنا محفلة مملوءة بكنافة سكرية مخلطة بالمسك وماء الورد، فأكلنا حتى ملينا، فبكى الرجل وتعجب مما رأى، فقلت له: أيهما أطيب .. هذا الطعام أو ما أشرت إليه في دكان الحلواني .... ؟ فقال: والله ما رأيت مثل هذا قط .... وما صنع مثله في قصر ملك من الملوك، وأراد أن يرفع بقيته فمنعته، وتركتها على حالها.
ومشينا يسيراً فعطشنا. وإذا بكلام الشيخ يقول: يا ماضي اخرج عن يمينك تجد الماء، فوجدنا عين ماء عذب في الرمل فشربنا، واضطجعنا ساعة، وقمنا، فما وجدنا قطرة ماء، فقال الرجل: أين الماء الذي كان ها هنا؟ فقلت: لا علم لي به، فقال: والله لقد مكن لهذا الشيخ تمكيناً عظيماً. والله لا رجعت إلى أهلي، حتى أنال ما نال هذا الشيخ، أو أموت في الله تعالى، فخلى فروته عندي ..!! ، ومشى في البرية يقول: الله ... الله !!!
قال: فلما قضيت سفري، ورجعت إليه قال لي: يا ماضي: ودَّرت (أهلكت) ضيفك .. ، فقلت له: أنت الذي ودَّرته - أطعمته الكنافة السكرية في البرية، وأسقيته الماء العذب في الرمل، فقال لي: مرَّ في الذاهبين إلى الله تعالى ....
وقال: حدثنا الشيخ ماضي رحمه الله أيضاً قال:
حججت سنة من السنين عن إذنه، فلما قضيت مناسك الحج، وأتيت أطوف طواف الوداع، قام أهل مكة على من بقي في الحرم من الحجاج فنهبوهم، وكانت عندي أمانات للناس، فدخلت في الحجر، ووقفت تحت الميزاب وقلت: إن خرجت نهبوني، وإن أقمت أقمت بأموال الناس عندي، فتحيرت في أمري، فناديت بالشيخ.
وإذا به واقف بباب الندوة، وهو يشير إلي، فبادرت إليه، فولى خارجاً، فاتبعته، ولم أقدر على اللحاق به، والوصول إليه، فلم أزل كذلك حتى دخلت الركب، فلما دخلت الركب، طلبته، فلم أجده، فلما وصلت إلى الإسكندرية، أتيت إليه، وسلمت عليه، فسألني عن حالي وقال لي: يا ماضي: لما أشتد الحال عليك وناديت بنا، أتينا إليك وخلصناك مما كنت فيه ...
وهذا نذر يسير مما روى عن الشيخ ماضي بن سلطان في صحبته لسيدي أبي الحسن الشاذلي، وقد ذكرنا ذلك، لعلمنا بشدة تعلق الإمام أبي العزائم بهذه الأحوال وبحثه عنها، وطلبه لها، وتأسيه بأهلها وهو الذي كان يقول لأبنائه دائماً حاثاً لهم على التحلي بها:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالرجال فلاح
ومن شدة تعلقه به تكنى بكنيته، وتشبه بسيرته، ونسب طريقته إلى السادة الشاذلية، رضي الله تعالى عنهم
هذا وقد ظل الشيخ ماضي في محبة شيخه أبي الحسن، حتى كان سفره الأخير إلى الحج، ويحكي ذلك: سيدي ماضي بن سلطان رحمه الله فيقول:
لما توجه رحمه الله في سفرته التي توفى فيها، وكنت تزوجت امرأة من أهل الإسكندرية، وكانت حاملاً، فجعلت تبكي وتقول لي:
تتركني على ولادة وتسافر عني.
قال: فأخبرت بذلك الشيخ فقال: ادعها إلي، فأتيت بها إليه فلما دخلت بها عليه، قال لها: يا أم عبد الدائم. أتركي لي ماضي يسافر معي، وأرجو لك من الله خيراً، فقالت له: يا سيدي السمع والطاعة.
فدعا لها وانصرفت.
فولدت ونحن مسافرون مولوداً ذكراً وسمته ((عبد الدائم))...
وقد انتقل الشيخ أبي الحسن الشاذلي إلى جوار ربه في ذلك السفر في ((حميثرا)) بالقرب من قنا، بعد أن أوصى بأن يخلفه على الإخوان، سيدي أبو العباس المرسي فأكمل بهم السفر.
وبعد أداء فريضة الحج والعودة إلى الإسكندرية ...
استأذن الشيخ ماضي سيدي أبي العباس في الذهاب إلى اقليم دسوق، لنشر طريقة شيخه هناك.
وقد اختار قرية ((محلة أبو علي)) لقربها من النيل، ولأنها كانت ميناء هاماً في ذلك الوقت، واستقر بها، وبنى بها زاوية للطريقة الشاذلية، ينشر فيها تعاليم شيخه، وهديه، وقد توارثها أولاده من بعده، ووسعوها، وجعلوها مسجداً كبيراً.
حتى صار الأمر إلى السيد عبد الله المحجوب والد الإمام أبي العزائم.
والذي كان خليفة الشاذلية على هذا الإقليم، وأحيا الطريقة في زاويته، وظل مجاهداً في نشر مبادئها وآدابها متجولاً في ربوع البلاد، لزيارة الصالحين، والتبرك بهم، والتعرف على آثارهم، حتى لقى الله ، ولا يزال ضريحه إلى يومنا هذا بالمسجد الذي أسسه الشيخ ماضي بن سلطان ------ يتبع ان شاء الله