شبهة أن النبي - صل الله عليه وسلم - نفى عدالة الصحابة رضي الله عنهم
يطعن الكثير من الروافض والمشككين في عدالة الصحابة
بزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى عدالتهم، ويستدلون على ذلك بحديثين :
الأول: قوله صل الله عليه وسلملا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)
وقد حدث ذلك بعد وفاة النبي - صل الله عليه وسلم - كما هو معلوم من الحروب والوقائع بينهم.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بقوم يوم القيامة فيذهب بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)
وفي رواية فيقال: (انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم)
يهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عدالة الصحابة،
والتشكيك في صحة ما نقلوه إلينا من قرآن وسنة.
الرد علي الشبهة:
1) لقد أثبت الله - سبحانه وتعالى - عدالة الصحابة في آيات كثيرة، وما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينفي ما أثبته الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - قد نص على عدالتهم، وأمر باتباع سنتهم، وحذر من الإساءة إليهم، فكيف يعود فينفي ما أثبته؟!
2) إن ما حدث بين الصحابة - رضي الله عنهم - إنما هو من باب الاجتهاد، الذي يؤجر به المخطئ أجرا واحدا، ويؤجر به المصيب أجرين، كما أن الوقوع في الذنب لا ينفي العدالة؛ لأن العدالة لا تعني العصمة، وأما الحديثان المستدل بهما فقد أساء المدعون تأوليهما بما يتوافق مع ما ذهبوا إليه، وهو تأويل خاطئ نفاه علماء المسلمين.
التفصيل:
أولا. عدالة الصحابة ثابتة بتعديل الله لهم، وحاشا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينفيها:
ليس من المقبول عقلا أن ينفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أثبته الله - عز وجل - وهو المرسل من قبله - عز وجل - لا سيما أن الله - عز وجل - برأ نبيه - صلى الله عليه وسلم - وعصمه من الوقوع في مثل ذلك؛ إذ قال: )ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46)( (الحاقة)، فلو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى وحيا إلهيا لعاجله الله تعالى بالعقوبة.
إن الله عز وجل - كما هو معلوم - قد أثنى على الصحابة في غير آية ثناء يثبت عدالتهم، وينفي أي طعن في أخلاقهم ودينهم، ففي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)( (التوبة)، وقال سبحانه وتعالى: )محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (29)( (الفتح)، وغير ذلك من الآيات كثير.
قال الخطيب في "الكفاية": "عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم"، ثم ساق الآيات الدالة على ذلك، ثم قال: " وفي ذلك آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله إلى تعديل أحد من الخلق؛ على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل الـمـهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين - القطع بتعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون بعدهم". ثم قال: "وهذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتمد قوله"([1]).
إذن من المستحيل عقلا أن يكذب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به القرآن الكريم، وهو الذي زكاه ربه فقال: )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه( (البقرة: ٢٨٥)، وقال عز وجل: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم).
فكلمة "ينطق" تشمل كل ما يخرج من الشفتين من قول أو لفظ، ولقد عبرالمولى - عز وجل - عن ذلك بأسلوب الاستثناء المنفي الذي يدل على القصر والحصر.
وفي ذلك دليل أيضا على عصمته في كل أمر بلغه عن ربه، من كتاب وسنة، وهذا يقتضي أنه لا يقول إلا ما أمر بتبليغه إلى الناس كاملا من غير زيادة أو نقصان، وهذه تزكية وشهادة من الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في كل ما بلغه للناس من شرع الله تعالى، فلا يعقل بعد هذه التزكية أيضا أن ينفي ما قرره الله - عز وجل - أو يرد ما أثبته - سبحانه وتعالى - أو يقول بخلافه؛ لأنه معصوم كما هو معلوم.
إذن فلا وجه للقول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى عدالة الصحابة؛ لأن فيه اعتراضا وردا لما قرره الله - عز وجل - في كتابه، وهذا في جناب النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحيل للأدلة السابقة.
الثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل الصحابة، ولم يرد عنه تجريحهم:
لا يعقل أن يثني النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحابة في موقف ثم يعود فينفي ما أثبته من ثناء، وعلى فرض أنه لم يثن عليهم وجرحهم، فلماذا أمر باتباع سنتهم، وأخبر أنهم شهداء على الناس في الدنيا والآخرة؟!
إن النصوص الثابتة في السنة تدلنا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثنى على الصحابة في غير ما حديث، ثناء ينفي هذه الشبهة، ولم يكن هذا الثناء ارتجاليا عن هوى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كما قررنا لا ينطق عن الهوى.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ليبلغ الشاهد الغائب»([2]) فيه أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم غير عدل لاستثنى في قوله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «ألا ليبلغ فلان منكم الغائب) فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ لمن بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول.
ومما يدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ([3])، ويؤكد الوحي القرآني هذه التزكية في قوله تعالى: )كنتم خير أمة أخرجت للناس( (آل عمران: ١١٠).
إذن فقد جاء القرآن مؤيدا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يعقل أن يخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن.
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر باتباع سنتهم، فقال: «... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ...» ([4])، بل وعظم شهادتهم على الخلق، فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض» ([5]).
وأعظم من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلهم شهداء على الأمم يوم القيامة، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء نوح وأمته يوم القيامة، فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( (البقرة: ١٤٣)» ([6]).
وعلى فرض أنه أثنى عليهم خيرا وعدلهم، ثم عاد إلى الطعن في بعضهم، فإن ذلك أيضا لا يكون إلا بوحي يوحيه الله - سبحانه وتعالى - إليه، ولا نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل رجلا من أصحابه وأثنى عليه خيرا، ثم عاد فأثنى عليه شرا، فعلام استند المغترون في دعواهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى عدالة أصحابه؟!
ثانيا. ليس معنى العدالة العصمة من الذنوب، لكن العدالة تعني عصمتهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن عدالة الصحابة - كما قدمنا - ثابتة بالكتاب والسنة، لكن معناها ليس العصمة من الذنوب أو الغلط أو السهو، فإنه لم يقل أحد من أهل العلم بذلك، وحتى مع ارتكاب بعضهم بعض الذنوب، فقد امتن الله - عز وجل - عليهم بالتوبة والمغفرة، إنما العدالة تعني عدم الكذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم أحدا من الصحابة افترى حديثا. وأما استدلالهم على نفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عدالة الصحابة بالحديثين المذكورين في الشبهة، فإنه لا حجة لهم فيهما؛ فإننا إذا نظرنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»([7])لوجدنا أنه لا حجة لهم في الحديث.
فقوله: «لا ترجعوا بعدي» بصيغة النهي والتحذير من قتال المؤمن، وإطلاق الكفر على قتال المؤمن مبالغة في التحذير من ذلك، لينزجر السامع عن الإقدام عليه، وليس ظاهر اللفظ مرادا، أو أنه على سبيل التشبيه؛ لأن ذلك فعل الكافر.
والمعنى: "لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم في حالة قتل بعضهم بعضا"([8]). وقيل: "المعنى: كفارا بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين... وقيل: كفارا بنعمة الله"([9])، وقيل: المراد ستر الحق، والكفر لغة: الستر؛ لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه، وقيل: إن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر؛ لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك على أشد منها، فيخشى ألا يختم له بخاتمة الإسلام، وقيل: اللفظ على ظاهره للمستحل قتال أخيه المسلم. وقيل غير ذلك([10]).
وما جرى بين الصحابة - رضي الله عنهم - من قتال لم يكن عن استحلال له حتى يحمل الحديث على ظاهره وأن قتالهم كفر، كما استدل الخوارج ومن شايعهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([11])، كيف والقرآن الكريم يكذبهم في هذا الفهم السطحي، قال سبحانه وتعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10)( (الحجرات)؟! فسماهم إخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، مع وجود الاقتتال بينهم، والبغي من بعضهم على بعض!
يقول الحافظ ابن كثير: وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقول الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم، وهكذا ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن، «عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر - والحسن بن علي إلى جنبه - وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ([12]).
فكان كما قال صلى الله عليه وسلم؛ حيث أصلح الله - عز وجل - به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة، والواقعات المهولة"([13]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والذين قاتلوا الإمام عليا - رضي الله عنه - لا يخلون: إما أن يكونوا عصاة، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح في إيمانهم، ولا ينفي عدالتهم، ولا يمنعهم الجنة"([14]). وهذا واضح من تصريح القرآن الكريم، من تسميتهم إخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، وتأكيد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بما سبق من رواية الحسن بن علي عن أبي بكرة رضي الله عنه.
"ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا في إحداهما: إنهم كانوا بغاة؛ لأنهم كانوا متأولين مجتهدين، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق، وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة؛ كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاء المؤمنين، وغير ذلك"([15]).
أما استدلالهم بحديث الحوض، وما جاء فيه من وصف الصحابة بالردة، فإن المراد "بالأصحاب" في قوله صلى الله عليه وسلم: «يا رب أصحابي»، فيقال: «لا تدري ما أحدثوا بعدك...»([16]) ليس المراد به المعنى الاصطلاحي عند علماء المسلمين، بل المراد بهم مطلق المؤمنين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المتبعين شريعته، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة: أصحاب أبي حنيفة، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب: "أصحابنا" مع أن بينه وبينهم ردحا من الزمان([17]).
ولو افترضنا أن المراد بالأصحاب في الحديث الأصحاب في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فالمراد بهم: الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم، كقوله تعالى: )ما ضل صاحبكم وما غوى( (النجم: ٢)، وعلى هذا فالمراد بالمرتدين من أصحابه في الحديث هم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق رضي الله عنه. ومن المعلوم أن الصحابي بالمعنى الاصطلاحي يخرج من ارتد ومات على ردته.
وأما حمل الحديث على أن المراد بـ "الأصحاب" أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى الاصطلاحي فهذا لا يصلح ولا يقبل، ويدحضه تعديل الله عز وجل، وثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة على ذلك([18])، ويرده أيضا أن الله - عز وجل - نفى عن المنافقين هذه الصحبة، فقال عز وجل: )ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون (56)( (التوبة)، إن المنافقين لم يكونوا مجهولين في مجتمع الصحابة - رضي الله عنهم - ولم يكونوا هم السواد الأعظم والجمهور الثابت فيهم، وإنما كانوا فئة آل أمرهم إلى الخزي والفضيحة، حيث علم بعضهم بعينه، والآخر بأوصافه([19]).
الخلاصة:
· إن عدالة الصحابة أمر قرره الله - عز وجل - في مواطن متعددة من كتابه، ووعد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة في قوله سبحانه وتعالى: )لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير (10)( (الحديد: ١٠)، فلا يتصور بعد الوعد بالجنة تعديل وتزكية، كذلك لا يتصور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفي حكما قرره الله - سبحانه وتعالى - في كتابه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، فكيف يقول بخلاف قول الله تعالى؟!
· الثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثنى على الصحابة، وحذر من الإساءة إليهم، بل أمر باتباع سنتهم وحذر من مخالفتهم، فلا يعقل أن يعود فيطعن في عدالتهم، ولا نعلم أحدا من الصحابة أثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد وذمه أو انتقص منه، حتى نقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى عدالة الصحابة.
· وأما استدلال الطاعنين في عدالة الصحابة بالحديثين المذكورين فإنه لا وجه فيهما للطعن في الصحابة؛ وذلك لأن فهمهم للحديثين على هذا فيه لي لأعناق النصوص؛ لأن المقصود بمصطلح الصحابة في الحديثين لا يعني الصحبة بمعناها الشرعي، إنما بمعناها اللغوي؛ أي: صحبة الزمان والمكان، لا صحبة الدين، وهو من قبيل قوله تعالى: )ما بصاحبكم من جنة( (سبأ: ٤٦)، والمقصود بهم في الحديثين "المنافقون"، وهؤلاء يخرجون من جملة الصحابة بالمعنى الشرعي، وإن دخلوا فيها بالمعنى اللغوي، فهؤلاء أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، إذ لم يؤمنوا في الحقيقة، يضاف إلى ما سبق أنه يدخل فيهم الذين ارتدوا في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - وقاتلهم، وهؤلاء أيضا هم المعنيون في الحديث.
· عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - لا تعني عصمتهم من الذنوب والمعاصي، وإنما تعني عدم الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرف من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان فيهم من له ذنوب، لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه.
(*) الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، محمد حمزة، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1، 2005 م. العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، محمد بن إبراهيم الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأررنؤط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429 هـ/ 2008 م.
1. الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، 2002م، (1/ 186، 187).
[2] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: ليبلغ الشاهد الغائب، (1/ 238 )، رقم (104). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، (6/ 2611)، رقم (4304)
[3] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 5)، رقم (3651). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم الذين يلونهم، (9/ 3658)، رقم (6352).
[4] . صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، رقم (17184). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[5] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: ثناء الناس على الميت، (3/ 270)، رقم (1367). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، (4/ 1549)، رقم (2165).
[6] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قوله تعالى: ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه (، (6/ 427)، رقم (3339).
[7] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: الإنصات للعلماء، (1/ 262)، رقم (121).
[8] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (1/ 262).
[9] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 202).
[10]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (13/ 30) بتصرف.
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، (1/ 135)، رقم (48). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، (1/ 446)، رقم (217).
[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلح، باب: قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحسن بن علي رضي الله عنهما: "إن ابني هذا سيد..."، (5/ 361)، رقم (3704).
[13]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (4/ 211).
[14]. منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، تحقيق: محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (4/ 177).
[15]. منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، تحقيق: محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، (4/ 177).
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا (، (8/ 292)، رقم (4740).
[17]. انظر: عدالة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات، د. عماد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص30.
[18]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/ 484).
[19]. عدالة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات، د. عماد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص30.