العَالَم لن تَنْتهي صراعاته، ولن تُحلّ مشكلاته، ولن تنتهي خلافاته، حتى لو جئنا مع هيئة الأمم بألف هيئة مثلها تُمثّلها جميع الأمم، إلا إذا سرنا وسارت الأمم على شرع الله، وعلى كتاب الله، وعلى المبادئ التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإسلام دين يُحارب الهوى، ويأمر المسلم ان يقول الحق ولو كان على نفسه.
تلك تربية الإسلام، وتلك تربية الإيمان، وتلك تربية نبِّي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
ولذا حدث كثير من الخلافات والنزاعات بين اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة وبعضهم البعض، وكانوا يرفضون التحكيم لكبرائهم وأحبارهم لأنهم يعلمون أنهم يـحْكمون بأهوائهم، ويقصدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع إنهم يُعادونه ويُحاربونه ويكيدون له وهمّوا بقتله، فأنزل الله عز وجل له قوله :
(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) (49المائدة)،
فلم تكن تنتهي مشكلات اليهود إلا على يد نبي الله وعجباً لهؤلاء القوم يذهبون إليه في معضلاتهم فيحكم بينهم، ويَرْضَوْن بحكمه، ثم بعد ذلك يُكذِّبونه ويُحاربونه حسداً من عِنْد أنفُسهم، وبَغْياً على الحق وهم يعلمونه، وقد قال الله عز وجل في شأنهم مع الحبيب صلوات الله وسلامه عليه:
(يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ) (146البقرة).
وقد كان العالم - قبل النهضة الأوربية الحديثة - الذي يحفظ توازنه دولة الإسلام وقادة المسلمين، وخُلفاء الإسلام الذين كانوا يحكمون بالعدل بين الأنام، حتى وصل الأمر أنه عندما همَّت برُوسيا (ألمانيا حالياً) أن تعتدي على فرنسا في عصر شارلمان بدون حق، أرسل إلى هارون الرشيد في بغداد، فتحرَّى وتبين له أن الحق مع شارلمان لأن الإسلام لا يؤمن به ولا يتبعه ولا يخضع له إلا المؤمنون، فهم يُحقّون الحق في الأرض، حيث أنّ الله استخلفهم في الأرض لنشر الحق، وإعلاء كلمة الحق، والحكم بين الناس بالحق
فما كان منه بعد أن تبين الحق إلا أن أرسل إلى ملك ألمانيا في ذلك الزمن رسالة يقول له فيها: (ارجع عن غيِّك، واترْك الأرض التي اخذتها، وإلا أرسلت لك جنوداً أولها عندك وآخرها عندي). فرجع عن الضلال والباطل، وأقرّ بالحق لقوة الحق.
ماذا؟، لأن هؤلاء القوم هم الذين قال لهم وفيهم الله:
(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (26ص). فهؤلاء القوم - يا إخواني - هم المسلمون الذين قال فيهم الله:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (143البقرة).
فلن يَنْجو القوم الظالمون من ظلم بعضهم لبعض إلا إذا احتكموا لعدالة الإسلام، وكذلك لَنْ ينْجو هذا الكون من جبروت الظالمين، وطغيان المفسدين، وسطوة الجبَّارين إلا إذا كانت الكلمة لرب العالمين، وكان القرآن له الهيْمنة، وله السِّيطرة على أحكام الحاكمين.