تروج بعض وسائل الإعلام أن سعادة الإتباع لنبي الإسلام قاصرة على الدار الآخرة،
فإنهم يروجون أن من يمشي على هدى رسول الله، ومن يتبع سنة رسول الله،
يعيش في ضيق في الحياة ويعيش في همٍّ وغمٍّ في الحياة، وليس له سعادة إلا يوم لقاء الله. وكذبوا وافتروا على حضرة الله عز وجل، لأن الله عز شأنه يقول:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)،
هذا في الدنيا،
(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (97النحل)،
وهذا في الآخرة.
كل ما في الأمر أننا ضيقنا مفهوم الحياة الطيبة، واعتقدنا أن الحياة الطيبة حياة الترف،
وحياة المقتنيات، وحياة الأثاث، وحياة الرياش، واعتقدنا أن الحياة الطيبة أن يكون الرجل عنده شقة واسعة وفيها جميع محتويات العصر وكل مقتنيات الحضارة، ومعه مال كثير، وعنده الثلاجات مملوءة باللحوم والأسماك والخيرات، وعنده رصيد من الدولارات،
وهذا كل مفهوم السعادة في منطقنا.
لقد ضيقنا واسع رحمة الله، لأنه كم من كثير وكثير معه كل ما ذكرناه
ولكنه لا يحس براحة البال في أي نفس يتنفسه في هذه الحياة.
فقد ينام على الفراش الحرير ويتقلب يميناً ويساراً ولا يذوق طعم النوم. أمامه كل ما لذ وطاب،
ولا يهنأ بطعام أو شراب عنده حسناء ليس لها مثيل، ولكنها يحس منها بنفور كبير
لماذا هذا عنده أولاد وبنات، ولكنهم يخادعوه ولا يصدقوه، أو يعصوه ولا يبرُّوه. وكل هذه الأشياء تسبب الهمَّ والغمَّ والنكد، مع أن عنده الخيرات والملذات والأموال الظاهرات.
إذا ما الحياة الطيبة التي يقصدها الله في قوله عز وجل:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (97النحل) -
الحياة الطيبة هي التي يشعر المرء فيها براحة البال، والسكينة والاطمئنان، والهدوء النفسي، وانشراح الصدور، والشعور بالرضا عن الله عز وجل. تلك أجل النعم التي يريد الله أن يذكرها لنا في كلامه القديم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِه مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا }(1) وفى رواية: {بِحَذَافِيرها}.
{ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِه مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا }(1) وفى رواية: {بِحَذَافِيرها}.
تعب والله الذي ظن أن السعادة في إتباع الكافرين، وفي البحث عن الأقوات والمقتنيات، والبحث في السهرات الحمراء، وفي المشروبات والمسكرات والملذات، وفي الفيديوهات وغيرها من هذه الوسائل، ونسوا أن السعادة في الوسائل التي جلبها الإسلام لسعادة الأنام.
فهيا بنا جميعاً نبحث عن السكينة والطمأنينة، وننشد راحة البال وهناءة النفس، ولن نجد ذلك إلا في كتاب الله وصيدلية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن هذه المتاعب التي ذكرناها لو بحثنا في كل صيدليات العالم فلن نجد دواءً يشفي منها، ما الذي يشفي من الهم والغم؟، وما الذي يعالج عدم راحة البال؟، وما الذي يشفي من القلق والضجر؟. ليست البراشيم، ولا العيادات النفسية، ولا المصحات العصبية، بل الشفاء في قول الله عز وجل:
(قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ) (57يونس)،
شفاء الصدور في كلمات النور التي أنزلها الغفور وفي بيان النور الذي وضحه رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه ابن عدي والبيهقي عن ابن عمر ورواه أيضاً الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار.