القرآن المجيد مورد آل العزائم الروى ، وروضهم الجنى ، وحوضهم المورود ،
وكوثرهم المشهود ، وميزان أحوالهم ، ومرجع مقاماتهم ،
يسألونه قبل العمل ، فإن أذان سارعوا ، وإن منع تركوا واستغفروا ،
فهو الإِمام الناطق وإن صمت ،
لأنهم يسمعونه عن رسول الله فتسمعه آذان قلوبهم حضورا ووجودا ،
وإن كان التالى له إنسانا آخر .
وقفت بهم همتهم العلية على القرآن فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ،
لو أمرهم بقتل أنفسهم لقتلوها ، أو بمفارقة أموالهم وأولادهم لفارقوها ،
فرحين بالسمع والطاعة ، تجلت لهم حقائق القرآن جلية ،
وانبلجت لهم أنواره العلية ظاهرة ، فلم تبق بهم همة إلا فى القرآن ،ولا رغبة إلا فيه ،
أحبوا القرآن حبا ينبىء عن كمال حبهم للمتكلم سبحانه ،
كاشفهم الله تعالى بمراده فى كلامه العزيز ، حتى كان الرجل منهم إذا سئل : لم تعمل هذا ؟
يقول : أمرني القرآن ، ولم تترك هذا ؟ يقول : نهانى القرآن ،
وإذا طلب منه أمر يقول : مه حتى أستشير القرآن ، فيقرأ القرآن المرة والمرتين ،
حتى تتضح له حقيقة حاله ، وسر قصده ، فيسارع إلى التنفيذ ، أو إلى الترك .
فالقرآن طهور الحب ، وحلل القرب ، ولا يوفق للعمل بالقرآن إلا من جذبته العناية ،
واقتطعته المشيئة ، واختطفته محبة الله السابقة له .
واعلم أنه لا يجد فهم القرآن عبد فيه أدنى بدعة ، أو مصر على ذنب ،
أو فى قلبه كبر ، أو مقارف لهوى قد استكن فى قلبه ، أو محب الدنيا ،
أو عبد غير متحقق بالإِيمان ولا من هو واقف عند مبناه غافل عن معناه ،
ولا ناظر إلى قوله مفسر ساكن إلى عمله الظاهر ، ولا راجع إلى معقوله،
فهؤلاء كلهم محجوبون بعقولهم ،
مردودون إلى ما يقرر فى علومهم ، موقفون مع ما تقرر فى عقولهم ،
أما العبد الذى يجد حلاوة القرآن ، ويكاشف بمشاهدته ،
فهو من قرأ ملقيا السمع بين يدى سميعه ، مصغياً إلى سر كلامه ،
شهيد القلب لمعانى صفات شهيده ، ناظرا إلى قدرته ، تاركا لمعقوله ،
متبرئا من حوله وقوته ، معظما للمتكلم ، واقفا على حدوده ،
مفتقرا إلى الفهم بحال مستقيم ، وقلب سليم ، وصفاء يقين ،
وقوة علم وتمكين ، سمع فصل الخطاب ، وشهد علم غيب
الامام المجدد السيد محمد ماضي أبوالعزائم