الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، والصلاة والسلام على إمام أهل الصفا، وقطب أهل الوفا، سيدنا محمد المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى.
وبعد، ..
فالذي دعاني لكتابة هذا الكتاب، أنه لم يوجد في الوجود كلِّه شخصية تعرضت للانتقادات والتحريفات كشخصية سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم ..!!
هذا! ... مع أنه صل الله عليه وسلم الشخصية الوحيدة التي سجَّل عنها المؤرخون أدق تفاصيل حياته؛ فكلُّ حركاته، وسكناته؛ ... سجَّلوها تسجيلاً دقيقاً بمعايير لا يستطيع الإنسان الآن أن يجد أدقَّ منها في المعايير العلمية والموازين المادية، التي توزن بها العلوم والنظريات والأعراف.
لكن الأعداء بثُّوا في الأمة السُّمَّ في الدسم، وحاولوا - كما يحاولون دائمًاً - أن يشككونا تارة في شخصيته، وآونة في عصمته، وأحياناً في دقَّة ما ورد من سنته.
والمؤمن لا بد أن يكون حريصاً على كلِّ ذلك، ففي القرآن آيات وضَّحت ما ينبغي أن نَعْلَمَهُ عن المصطفى صل الله عليه وسلم من جميع الجهات.
فأمَّا نُطْقُه، فقد قال فيه ربُّه صل الله عليه وسلم:
"وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى" { 3،4النجم }
فإذا جاء حديثٌ لم نستوعبه أو لم نفهمه، فنعلم علم اليقين أنه ليس كل ما قيل جاء أوانه، ولا كل ما جاء أوانه جاء زمانه، وهو نبيُّ الختام وقد أتى بالكلام الذي يحتاج إليه الأنام إلى يوم الزحام، فالذي نحتاجه والذين من قبلنا والذين من بعدنا أتى به رسول الله صل الله عليه وسلم.
فالذي لم نفهمه لأنه ليس لنا لكنَّه للزمن الذي سيأتي، وكم من أحاديث نبويَّة وقف عندها العلماء السابقون وبيَّنها العلم في هذا الزمان وكانت معجزة لسيد ولد عدنان صل الله عليه وسلم.
فالحديث العلمي - الذي لم يصل العلم إلى كشفه - لا نقول به ونحاول أن نعلله أو نوجهه، بل نقول كما قال الله عزوجل لنا: ( آمنا به )- آمن به، وآمنا برسوله، وآمنا بكتابه، وآمنا بكل ما قاله نبيُّنا صل الله عليه وسلم، ... كل هذا :
كل من عند ربنا " { 7آل عمران }.
وهذا كله:
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * { 4.،5النجم }.
كذلك ما بُثَّ في كتب السيرة التي أهلها كانوا على طيب نفس وحسن خلق- ولكنهم لم يتحروا الدقة البالغة في تحقيق بعض الروايات في أمور عن رسول الله صل الله عليه وسلم - لا يجب أن يقولها مؤمنٌ، ولا أن يستمع إليها مسلم؛ فنحن دائماً ميزاننا الذي نسمع، أو نقرأ به، أو نقول به عن رسول الله صل الله عليه وسلم .. أنَّه :
{ معصومٌ بعِصْمَةِ الله عزوجل }
معصومٌ في أقواله ...
ومعصـومٌ في أفعالـه ...
ومعصــومٌ في أحـوالـه ....
ومعصـــومٌ في كل حركاته وسكناته ....
(والذي قال هذا ربُّ العزَّة، حيث قال له عزوجل
:﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162الأنعام }.
فنفعل كما كان يفعل سلفنا الصالح، فالأشياء التي يعجزون فيها في هذا الباب، كانوا يرجعون فيها ويبتهلون فيها ويستغيثون فيها برسول الله صل الله عليه وسلم؛ فيعلِّمُهم بأمر الله في هذا المقام أو المقصد في هذا الأمر.
وقد ابتغيتُ في هذا الكتاب ...
وجه الله أولاً، والمنافحة عن حبيبه صل الله عليه وسلم طمعاً في مرضاته ورجاءاً في شفاعته ثانياً، وإظهار الحقِّ المنزَّه عن الهوى والأغراض ثالثاً.
فما كان فيه من حقٍّ وصدق وصواب فَمِنْ توفيق الله عزوجل لي، وما كان فيه من سهوٍ أو نسيانٍ أو خطأٍ فمِنْ عجلتي وزللي؛ وإن كان يغفر لي في ذلك قصدي ونيَّتِي، حيث أني أبغي بذلك كلِّه وجه الله والدار الآخرة، ونفع إخواني المسلمين. وأسأل الله عز شأنه أن يدخلني فيمن عناهم رسول الله صل الله عليه وسلم بقوله:
{ مَنِ اجْتَهَدَ فأصابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ فأخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ }
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) { 10 الكهف }.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مساء الثلاثاء ..9 من جمادى الآخرة 1422 هـ،
28 من أغسطس 2001م