حسن أحمد حسين العجوز



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حسن أحمد حسين العجوز

حسن أحمد حسين العجوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حسن أحمد حسين العجوز

منتدى علوم ومعارف ولطائف وإشارات عرفانية



    قصة الأمير عبد القادر مع النبى وحديثه معه عند روضته

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1942
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    قصة الأمير عبد القادر مع النبى وحديثه معه عند روضته Empty قصة الأمير عبد القادر مع النبى وحديثه معه عند روضته

    مُساهمة من طرف Admin السبت يوليو 18, 2015 6:12 pm

    لقد ساق الأخ الكاتب قصّة يستدل بها على الكرامات والخوارق التي كان يعتقدها الأمير ، وهي قصّة وقوف الأمير عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم . روى الكاتب نقلاً عن النبهاني أنّ الأمير قال :"…لما بلغت المدينة طيبة ، وقفت تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى صاحبيه الذين شرفهم الله تعالى بمصاحبته ؛حياةً وبرزخًا ؛ وقلت : يارسول الله ، عبدك ببابك، يارسول الله ،كلبك بأعتابك (في المواقف كليمك!) ، يارسول الله ، نظرة منك تغنيني ، يارسول الله، عطفة منك تكفيني ، فسمعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لي : ((أنت ولدي ، ومقبول عندي))، بهذه السجعة المباركة. وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب ،أو ولادة القلب ، والأمل من فضل الله أنهما مرادان معًا، فحمدتُ الله تعالى".انتهى النقل الذي أورده الكاتب. مع أنّ القصّة لم تنته ولها تتمة طويلة، سأكتفي بنقل الجزء المباشر لقولهفحمدتُ الله تعالى . قال الأمير :"ثمّ قلتُ في ذلك الموقف : اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف ، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال : ((من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي))وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام. ثم جلستُ تجاه القدمين الشريفين ، معتمدًا على حائط المسجد الشرقي ، أذكرُ الله تعالى فصعقت وغبت عن العالم وعن الأصوات المرتفعة في المسجد بالتلاوة والأذكار والأدعية وعن نفسي، فسمعتُ قائلاً يقول : هذا سيدنا التّهامي ، فرفعتُ بصري في حال الغيبة ؛ فاجتمع به بصري ، وهو خارج من شباك الحديد ، من جهة القدمين الشريفين . ثمّ تقدَّم إلى الشباك الآخر ، وخَرَقَه إلى جهتي؛ فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا ، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل . فلمّا دنا منِّي ، رجعتُ إلى حسّي ، فحمدتُ الله تعالى".انتهى [المواقف1/16]
    وهذه القصّة أوردها الأمير ضمن حديثه على قوله تعالى {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} ، وأنا لا أجد فيها شيئًا من الخوارق أو العجائب ، كل ما في الأمر أن الرجل دفعه شوقه وحبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكلّم بتلك الكلمات أمام واجهة القبر الشريف ، فظنّ أنه سمع جوابًا ولكنّه لفقهه ومعرفته بأصول الدين أقرّ بأنّ هذا السماع قد يكون توهمًا أو شيطانيًا ، فقال :" اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف ، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال : ((من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي))وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام"
    فهل هذا كلام الخرافيين أو أدعياء الكرامات؟ 
    وبعد أن حصلت له الرؤية المناميّة لشخص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نجده صادقًا مع نفسه ومع الآخرين عندما قال :" فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا ، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل"
    وهذا أيضًا دليل على علمه واطلاعه وصدقه .
    وهذه القصّة لا تقدّم ولا تؤخّر وليس فيها أي مستند لمن يريد أن يثبت أن الفكر الصوفي للأمير هو على طريقة المنحرفين ، فضلاً عن جعلها حجة في رفض قول الباحثين إن الناحية الصوفية كانت عند الأمير ناحية فلسفية بحتة.
    تنبيه : بعض المتسرّعين جعل من هذه القصّة دليلاً على ادّعاء الأمير للنسب الشريف! وهذا عجيب منهم فليس فيها ما يساعد على هذا الاستنتاج . وربما قالوا ذلك لعدم فهمهم المقصود من القصة. فنسب الأمير مشهور ومستفيض قبل هذه القصة بل وقبل ولادة الأمير ، فآباؤه وأجداده من المشاهير والكبراء في المغرب العربي ونسبهم معروف وهو من أثبت الأنساب وأشهرها ، فليس هناك ما يدفع الأمير لادعاء النسب .
    ولو كان هذا المقصود لقال الأمير هذا دليلٌ على نسبي الشريف ، لكنه لم يفعل وإنما قال :" وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب ،أو ولادة القلب" والسبب أن ولادة الصلب معروفة ومتحققة ، والمهم عنده هو ولادة القلب ـ أي يكون بذلك وارثًا محمّديًا ـ ولصدقه وأمانته لم يتحكّم في تأويل الكلام وإنما أبقاه على إطلاقه وعمومه .

    وأنا هنا أتعامل مع هذا القصص والأحوال بتجرّد وأضعها ضمن سياقها الصحيح وأشرحها ضمن مصطلح أهلها .
    وماذا سيقول الأخ محمد المبارك عن الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي (541ـ620هـ) فقد قال في كتابه الكبير "المغني" : ((وقال أحمد ، في رواية عبد الله ، عن يزيد بن قُسَيْط ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما من أحد يسلم عليَّ عند قبري ، إلا ردَّ الله عليّ روحي ، حتى أرُدَّ عليه السلام) . قال : وإذا حج الذي لم يحجَّ قطُّ ـ يعني من غير طريق الشام ـ لا يأْخُذُ على طريق المدينة ، لأني أخاف أن يحدُثَ به حَدَثٌ ، فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق ، ولا يتشاغل بغيره .ويروى عن العتبي ، قال : كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعتُ الله يقول :{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي ، مستشفعًا بك إلى ربي ، ثم أنشأ يقول:

    يا خيرَ من دُفِنَت بالقاعِ أعْظُمُهُ **** فطابَ مِنْ طيبهِنَّ القاعُ والأَكَمُ



    نفسي الفداءُ لِقَبْرٍ أنت سَاكِنُه **** فيه العفافُ وفيه الجودُ والكَرَمُ


    ثم انصرف الأعرابي ، فحَمَلَتْنِي عيني ، فنمتُ ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال : يا عُتبيُّ ، الْحَقِ الأعرابيَّ ، فبشِّرْهُ أن الله قد غفرَ له)).انتهى [المغني 5/465]، وقد أورد هذه القصّة أيضًا صاحب الشرح الكبير الإمام عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (682هـ) 3/494 ؛ وكذلك الإمام ابن كثير في تفسيره .
    فهل سيقول الكاتب عن هؤلاء الأئمّة أنهم يعتقدون بكرامات وخوارق الصوفية ، إذن فهم من المنحرفين أصحاب العقائد الباطلة؟!
    مع العلم أنّ هؤلاء أوردوا هذه الحكاية معتقدين بها ، بدليل أن الإمام ابن قدامة قال خلال حديثه عن آداب زيارة القبر الشريف والأدعية التي يستحب ذكرها : ((اللهم إنك قلت وقولك الحق :{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي، مستشفعًا بك إلى ربي ، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة ، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين ، وأنجح السائلين ، وأكرم الآخرين والأولين ، برحمتك يا أرحم الراحمين)).انتهى [المغني 5/467]
    فما قول الأخ الكاتب؟ وأنا أسوق هذه القصّة لوجه التشابه مع قصة الأمير.

    وماذا سيقول إذا قرأ قول عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل ؛ قال "سمعتُ أبي يقول : حججتُ خمس حجج منها ثنتين [راكبًا] وثلاثة ماشيًا ، أو ثنتين ماشيًا وثلاثة راكبًا ، فضللتُ الطريق في حجة ، وكنتُ ماشيًا فجعلتُ أقول : يا عباد الله دلّونا على الطريق ؛ فلم أزل أقول ذلك حتى وقعتُ على الطريق!!!، أو كما قال".انتهى [مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله ص245]

    وماذا سيقول إذا قرأ كلام الإمام ابن القيّم؟ قال ابن القيّم : ((فصل: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي ، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارِهة ، وكان في الرفقة رجلٌ عائن ، قَلَّما نظر إلى شيء إلا أتلفه ، فقيل لأبي عبد الله : احفَظْ ناقَتك من العائن ، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل ، فأُخْبِرَ العائِنُ بقوله ، فتحيَّن غيبة أبي عبد الله ، فجاء إلى رحْله ، فنظر إلى الناقة ، فاضطربت وسقطت ، فجاء أبو عبد الله فأُخْبِرَ أن العائنَ قد عانها ، وهي كما ترى ، فقال دلُّوني عليه ، فدُل ، فوقف عليه ، وقال: بسم الله ، حَبْسٌ حَابسٌ ، وحَجَرٌ يابِسٌ ، وشِهابٌ قابسٌ ، رَدَدْتُ عينَ العائن عليه ، وعلى أحبِّ الناس إليه!!! ، {فارجعِ البصرَ هل ترى من فُطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير} فخرجتْ حدقتا العائن!!! ، وقامت الناقةُ لا بأس بها)).انتهى [زاد المعاد 4/174]
    إنّ هذه القصص (وهناك الكثير من مثلها) أغرب بكثير من القصّة التي ساقها الأخ الكاتب عن الأمير ، وعلى طريقة الاستنتاج التي يعتمدها الكاتب يمكن للبعض أن يصف هؤلاء العلماء بالانحراف والاعتماد على الخرافة والأوهام ، وتبني عقائد باطلة!!
    إنّ عدم قبول الكثير من العلماء لأمثال هذه القصص لم يحملهم على الطعن برواتها أو القائلين بها ، وإنما اكتفوا بنقدها وعدم الرضا بحجيتها ، مع الاعتذار للعلماء الذين احتجوا بها أو رووها.
    وعلينا ملاحظة أنّ القصّة السالفة المروية عن الإمام أحمد سندها صحيح وهي في غاية الغرابة ، فمن يُنادي؟ وبمن يستعين؟ ومع ذلك لا نجد أحدًا يطعن في توحيد الإمام أحمد أو في معتقده لأجل هذه القصة.
    والأغرب منها قصّة ابن القيّم رحمه الله ، فهي تشتمل على مخالفات شرعية إضافة إلى أسطوريتها وخرافيتها!! ومع ذلك فنحن نلتمس العذر للإمام وذلك من باب حسن الظن به ، ولدينه وعلمه.
    والغرض من كل ما سبق أن الباحث الذي يريد أن يتكلّم في الرجال وفي التاريخ يجب عليه أن يلتزم منهجًا ثابتًا وميزانًا واحدًا ، وإذا كان من المسلمين فإنّ دينه يحتّم عليه ذلك لأنّ الدين هو تقوى الله وهو العدل والإنصاف ، فمن غير المقبول أن يطعن في رجل بسبب قصّة ما ، ولا يطعن بآخر يعتقد القصة نفسها. لأنه إذا كان الإنسان يتعامل مع الأشياء بعدل وتجرد بعيدًا عن التعصب والأهواء فإنّ حكمه سيبقى واحدًا لا يتغير مع تغير الأشخاص المحكوم عليهم.
    فإمّا أن يكون الحكم منصرفًا إلى القصّة بحد ذاتها فيُقال عنها قصة باطلة أو غير صحيحة أو لا تجوز شرعًا ، دون التعرض للأشخاص المحتجين بها . وإما أن يُحكم على الأشخاص بسببها حكمًا واحد لا يتغيّر بتغيرهم.

    والحمد لله ربّ العالمين
    خلدون مكّي الحسني

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 3:25 pm