إنّ الذين اتّهموا الأمير عبد القادر الجزائري بالماسونية ، لم يكن لديهم أي مستند صحيح! وإنما هي مجرّدُ تخرُّصات منشؤها إساءة الظن في فهم بعض الأحداث أو المواقف! ولقد مرَّ معنا سابقًا كيف استند بعضهم إلى حادثة 1860م ـ ومساهمة الأمير مع باقي أعيان دمشق في حماية المواطنين النصارى في دمشق من التقتيل ـ في جعلها دليلاً على ماسونية الأمير ، وقد بينتُ سقوط هذا التخرّص وبطلانه.
وكذلك استند بعضهم إلى الأوسمة والنياشين التي مُنحت للأمير ، وقد بيّنتُ قصّتها وبطلان هذا الافتراء . والبعض الآخر استند إلى كلام بعض الشخصيات الماسونية الحاقدةِ على الإسلام ورجاله، والمخرِّبَةِ لتاريخهم ، أمثال المدعو جرجي زيدان ، ومكاريوس! وقد بيّنتُ في الحلقة السابقة بطلان هذا المستند أيضًا.
وفي الفيلم المُغرض الذي تعرضه قناة "العربية"([1]) من حين لآخر ـ وهو الذي اقتبس منه الأخ صاحب "فك الشيفرة" فيما يبدو بعض فقرات مقاله ـ وجَّه المُخَطِّطُ للفيلم سؤالاً إلى أستاذ فرنسي يُدعى "برونو إيتيان" وهو عضو في معهد فرنسة الجامعي ، عن علاقة الأمير بالماسونية؟
فأجابه الأستاذ الفرنسي قائلاً : ((إن الرسائل والإثباتات موجودة في الأرشيف الفرنسي.. ففي تلك الحقبة كان عبد القادر بحاجة إلى حلفاء في الغرب ، إذ كان يُفكر أنّ الغرب لديه التكنولوجيا ، والشرق لديه الروحانية . إذن كانت الكنيسة الكاثوليكية مع المسيو ديبوش أحد هذه العناصر الممكنة لهذا التبادل الذي يقوم على الحوار بين المسيحيين والمسلمين :هذه هي الماسونية)).انتهى بحروفه!
أرأيتم إلى هذا الخلط العجيب! الأستاذ الفرنسي عرّف الماسونية أنها تبادل بين الغرب والشرق ، الشرق الذي يملك الروحانيات (يعني التديّن) والغرب لديه التِّقَانة الصناعية ، فالذي ينقل التقانة من الغرب المسيحي إلى الشرق المسلم ، ويجادل المسيحيين بالتي هي أحسن يكون ماسونيًا برأي هذا الأستاذ!!
وبناءً على هذا التقرير الفريد يمكننا إلصاق صفة الماسونية بمعظم رجالات المسلمين في عصرنا هذا!
وكما يرى الجميع فهذه شبهة مردودة بداهةً ولا حاجة إلى التطويل في ردّها.
والعجيب من الأخ محمد مبارك صاحب "فك الشفرة" أنه رضي بكلام هذا الفرنسي على نكارته ، ولم يأخذ بكلام السيد الفاتح الحسني ابن سعيد حفيد الأمير عبد القادر الذي عُرِض في نفس الفيلم قبل كلام الأستاذ الفرنسي! والسيد الفاتح قال بكل وضوح وصراحة : ((أنّ والده الأمير سعيد كان ماسونيًا، ولكن جدّه الأمير عبد القادر لم يكن ماسونيًا قط ولديه إثباتات على ذلك!)).
كل هذه الشبهات ـ وغيرها مما سآتي عليه في هذه الحلقة ـ روّج لها بعض الكتّاب والصحفيين المشغولين بالشأن الماسوني إلى حدٍّ زائد! وعنهم وعن أمثالهم من الغربيين اقتبس واعتمد بعض الإخوة طلاب العلم ظنًا منهم أنّ ما كتبه هؤلاء صحيح أو ثابت! (كما جرى مع الأخ محمد المبارك صاحب "فك الشيفرة") ، ولكن القارئ لتلك الكتب والمقالات يدرك بوضوح أنها غير علمية ولا يمكن الاعتماد عليها أو وصفها بالمراجع! وهي أشبه ما تكون بالأسلوب الصحفي غير المسؤول! يعني جمع أوراق وقصاصات وكلام من هنا وكلام من هناك ، وتفاصيل كثيرة لا أساس لها ، ثم دمج الجميع في سياق تسيطر عليه أفكار سابقة وأوهام مطبِقَة ، وذلك إمّا رغبة في سَبْقٍ صحفي بخبر مدهش ، أو لمرض نفسي مُزْمِن . كما نسمع اليوم مثلاً:
1ـ نهر الفرات موجود في الجزيرة العربية وليس في الشام!
2ـ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يُهاجر!!
3ـ كلمة "النساء" في اللغة العربية تعني "الرجال"!!
4ـ القائد التركماني أورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه بن قيا ألب ، عربي قرشي ومن المدينة!!
5ـ الخليفة الوليد بن عبد الملك استعمل الماسون لبناء المسجد الأقصى!!
6ـ القائد صلاح الدين الأيوبي ماسوني!!
ومن أمثال هذه الأخبار العجيبة السخيفة المخالفة للبدهيات.
في حين أنّ القارئ لكتب العِلْميين المحققين أهل التخصص ، يجد الفارق الكبير بينها وبين تلك الكتب الصحفيّة . وأضرب لكم مثالاً على ما أقول بعرضِ مقطعٍ من كلام الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص في الشؤون اليهودية وتوابعها ، وذلك نقلاً من موسوعته الضخمة((موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)) :ففي المجلد الخامس: الباب الحادي عشر: العبادات الجديدة ؛تحت عنوان: الماسونية : تاريخ وعقائد،
يقول الأستاذ المسيري : ((ولكن الماسونية البريطانية لم تكن الماسونية الوحيدة التي انتشرت في المستعمرات، إذ إن الصراع الإمبريالي على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية، فكان كل محفل ماسوني يخدم مصلحة بلد ويمثله، تمامًا كما حدث صراع بين المبشرين البروتستانت والمبشرين الكاثوليك الذين كانوا يمثلون مصالح بلادهم. ويبدو أن بعض الشخصيات المهمة في العالم العربي أرادت أن تستفيد من هذا الصراع، وخصوصًا أن أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوي الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم. فكان الدعاة المحليون ينخرطون في هذه المحافل بغية توظيفها في خدمة أهدافهم، وحتى يتمتعوا بالمزايا الممنوحة لهم. وكان من بين هؤلاء الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والأمير عبد القادر الجزائري. ولعل هذه الشخصيات الدينية والوطنية حذت حذو ماتزيني وغاريبالدي وغيرهما ممن حاولوا الاستفادة من أية أطر تنظيمية قائمة. ولنا أن نلاحظ أن الأفغاني قد اكتشف حقيقة الماسونية في وقت مبكر، وتَوصَّل إلى الأسس العلمانية التي يقوم عليها خطابها الديني، ومِنْ ثَمَّ ناهض هذه الأفكار في كتابه الرد على الدهريين. أما عبد القادر الجزائري فلا توجد تفاصيل حول علاقته بالماسونية!! وإن كان قد حاول إيجاد أطر تنظيمية وتأسيسية لحركته مع الاستفادة من أسلوب التنظيمات الماسونية)).انته� �
وكذلك استند بعضهم إلى الأوسمة والنياشين التي مُنحت للأمير ، وقد بيّنتُ قصّتها وبطلان هذا الافتراء . والبعض الآخر استند إلى كلام بعض الشخصيات الماسونية الحاقدةِ على الإسلام ورجاله، والمخرِّبَةِ لتاريخهم ، أمثال المدعو جرجي زيدان ، ومكاريوس! وقد بيّنتُ في الحلقة السابقة بطلان هذا المستند أيضًا.
وفي الفيلم المُغرض الذي تعرضه قناة "العربية"([1]) من حين لآخر ـ وهو الذي اقتبس منه الأخ صاحب "فك الشيفرة" فيما يبدو بعض فقرات مقاله ـ وجَّه المُخَطِّطُ للفيلم سؤالاً إلى أستاذ فرنسي يُدعى "برونو إيتيان" وهو عضو في معهد فرنسة الجامعي ، عن علاقة الأمير بالماسونية؟
فأجابه الأستاذ الفرنسي قائلاً : ((إن الرسائل والإثباتات موجودة في الأرشيف الفرنسي.. ففي تلك الحقبة كان عبد القادر بحاجة إلى حلفاء في الغرب ، إذ كان يُفكر أنّ الغرب لديه التكنولوجيا ، والشرق لديه الروحانية . إذن كانت الكنيسة الكاثوليكية مع المسيو ديبوش أحد هذه العناصر الممكنة لهذا التبادل الذي يقوم على الحوار بين المسيحيين والمسلمين :هذه هي الماسونية)).انتهى بحروفه!
أرأيتم إلى هذا الخلط العجيب! الأستاذ الفرنسي عرّف الماسونية أنها تبادل بين الغرب والشرق ، الشرق الذي يملك الروحانيات (يعني التديّن) والغرب لديه التِّقَانة الصناعية ، فالذي ينقل التقانة من الغرب المسيحي إلى الشرق المسلم ، ويجادل المسيحيين بالتي هي أحسن يكون ماسونيًا برأي هذا الأستاذ!!
وبناءً على هذا التقرير الفريد يمكننا إلصاق صفة الماسونية بمعظم رجالات المسلمين في عصرنا هذا!
وكما يرى الجميع فهذه شبهة مردودة بداهةً ولا حاجة إلى التطويل في ردّها.
والعجيب من الأخ محمد مبارك صاحب "فك الشفرة" أنه رضي بكلام هذا الفرنسي على نكارته ، ولم يأخذ بكلام السيد الفاتح الحسني ابن سعيد حفيد الأمير عبد القادر الذي عُرِض في نفس الفيلم قبل كلام الأستاذ الفرنسي! والسيد الفاتح قال بكل وضوح وصراحة : ((أنّ والده الأمير سعيد كان ماسونيًا، ولكن جدّه الأمير عبد القادر لم يكن ماسونيًا قط ولديه إثباتات على ذلك!)).
كل هذه الشبهات ـ وغيرها مما سآتي عليه في هذه الحلقة ـ روّج لها بعض الكتّاب والصحفيين المشغولين بالشأن الماسوني إلى حدٍّ زائد! وعنهم وعن أمثالهم من الغربيين اقتبس واعتمد بعض الإخوة طلاب العلم ظنًا منهم أنّ ما كتبه هؤلاء صحيح أو ثابت! (كما جرى مع الأخ محمد المبارك صاحب "فك الشيفرة") ، ولكن القارئ لتلك الكتب والمقالات يدرك بوضوح أنها غير علمية ولا يمكن الاعتماد عليها أو وصفها بالمراجع! وهي أشبه ما تكون بالأسلوب الصحفي غير المسؤول! يعني جمع أوراق وقصاصات وكلام من هنا وكلام من هناك ، وتفاصيل كثيرة لا أساس لها ، ثم دمج الجميع في سياق تسيطر عليه أفكار سابقة وأوهام مطبِقَة ، وذلك إمّا رغبة في سَبْقٍ صحفي بخبر مدهش ، أو لمرض نفسي مُزْمِن . كما نسمع اليوم مثلاً:
1ـ نهر الفرات موجود في الجزيرة العربية وليس في الشام!
2ـ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يُهاجر!!
3ـ كلمة "النساء" في اللغة العربية تعني "الرجال"!!
4ـ القائد التركماني أورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه بن قيا ألب ، عربي قرشي ومن المدينة!!
5ـ الخليفة الوليد بن عبد الملك استعمل الماسون لبناء المسجد الأقصى!!
6ـ القائد صلاح الدين الأيوبي ماسوني!!
ومن أمثال هذه الأخبار العجيبة السخيفة المخالفة للبدهيات.
في حين أنّ القارئ لكتب العِلْميين المحققين أهل التخصص ، يجد الفارق الكبير بينها وبين تلك الكتب الصحفيّة . وأضرب لكم مثالاً على ما أقول بعرضِ مقطعٍ من كلام الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص في الشؤون اليهودية وتوابعها ، وذلك نقلاً من موسوعته الضخمة((موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)) :ففي المجلد الخامس: الباب الحادي عشر: العبادات الجديدة ؛تحت عنوان: الماسونية : تاريخ وعقائد،
يقول الأستاذ المسيري : ((ولكن الماسونية البريطانية لم تكن الماسونية الوحيدة التي انتشرت في المستعمرات، إذ إن الصراع الإمبريالي على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية، فكان كل محفل ماسوني يخدم مصلحة بلد ويمثله، تمامًا كما حدث صراع بين المبشرين البروتستانت والمبشرين الكاثوليك الذين كانوا يمثلون مصالح بلادهم. ويبدو أن بعض الشخصيات المهمة في العالم العربي أرادت أن تستفيد من هذا الصراع، وخصوصًا أن أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوي الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم. فكان الدعاة المحليون ينخرطون في هذه المحافل بغية توظيفها في خدمة أهدافهم، وحتى يتمتعوا بالمزايا الممنوحة لهم. وكان من بين هؤلاء الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والأمير عبد القادر الجزائري. ولعل هذه الشخصيات الدينية والوطنية حذت حذو ماتزيني وغاريبالدي وغيرهما ممن حاولوا الاستفادة من أية أطر تنظيمية قائمة. ولنا أن نلاحظ أن الأفغاني قد اكتشف حقيقة الماسونية في وقت مبكر، وتَوصَّل إلى الأسس العلمانية التي يقوم عليها خطابها الديني، ومِنْ ثَمَّ ناهض هذه الأفكار في كتابه الرد على الدهريين. أما عبد القادر الجزائري فلا توجد تفاصيل حول علاقته بالماسونية!! وإن كان قد حاول إيجاد أطر تنظيمية وتأسيسية لحركته مع الاستفادة من أسلوب التنظيمات الماسونية)).انته� �