السعادة والصفاء



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

السعادة والصفاء

السعادة والصفاء

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
السعادة والصفاء

سر الوصول إلى السعادة والصفاء والسلام النفسي ،أسراروأنوار القلوب التى صفت وأشرقت بعلوم الإلهام وأشرفت على سماوات القرب وفاضت بعلوم لدنية ومعارف علوية وأسرار سماوية



    رجب شهر التوبة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1890
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    رجب شهر التوبة Empty رجب شهر التوبة

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء يناير 25, 2023 6:49 am

    الحمد الله ربِّ العالمين، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير. سبحانه .. سبحانه، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، حتى تطلع الشمس من مغربها.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحِبُّ التوَّابين وَيُحِبُّ المتطهرين، ويفتح أبواب رحمته وسعة مغفرته للمُنِيبِين والمستغفرين والموقنين، ولا يقنط من رحمته المبعدين ولا الضالين ولا الحائرين ولا التائبين، بل يقول للخلق أجمعين: (يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) (الحاكم في المستدرك عن أبي ذر رضي الله عنه).

    وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، رحمة الله المهداة لجميع خلق الله، ونعمة الله المسداة لكل قلب اطمأن بالإيمان بالله.
    اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الوسيلة العظمى للمقربين، والشفيع الأعظم للخلائق أجمعين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من اتبعهم بخير إلى يوم الدين آمين. أما بعد..

    فيا أيها المؤمنون: روى حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَشَعْبَانُ شَهْرِي وَرَمَضَانُ شَهْرُ أُمَّتِي) (أبو الفتح بن أبي الفوارس في آماليه عن الحسن مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والفتح الكبير).
    ونحن الآن في شهر رجب، فَلِمَ نسب الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الشهر بالذات إلى الله؟ مع أن الأشهر كلَّها والليالي والأيام جميعها، والخَلْقَ والزمان والمكان، بل والملائكة والإنس والجان كلَّها مِلْكٌ للرحمن عزَّ وجلَّ؟ فَلِمَ نسب هذا الشهر بالذات إلى الله؟!! لأنه شهر التوبة، وهو الشهر الذي يخصُّه الله عزَّ وجلَّ بمزيد مِنْ المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين، يفتح فيه أبواب التوبة وكنوز العفو، ويسع الناس جميعاً باسمه الغفور الرحيم، إذا أتوا حضرته مبادرين تائبين منيبين إلى الله عزَّ وجلَّ.

    فهذا الشهر هو شهر التوبة، فالمؤمن الكامل الإيمان الذي يسمع عن الله كلامه في القرآن وسمع الله عزَّ وجلَّ وهو يقول: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (222البقرة)، يرعى سمعه هذا الخطاب!! فلم يَقُلْ الله عزَّ وجلَّ إن الله يحب التائبين، لأنه لو قال (إن الله يحب التائبين) كانت التوبة لمرة واحدة في العمر، فإذا تاب ثم رجع إلى المعاصي وتاب لم يقبل الله منه!!
    لكن الله فتح الباب للأحباب، وقال: (التوَّابين)، أي: بصيغة المبالغة، يعنى: كثيرى التوبة المداومين على التوبة، كلما أذنبوا ذنباً علموا أن هناك ربًّا يغفر الذنوب، فرجعوا إليه تائبين، فيغفر لهم هذا الذنب، فإذا ضاقت بهم نفوسهم، وساقتهم جوارحهم بعد التوبة للذنوب، رجعوا مرة أخرى إلى الله، وتابوا وأنابوا، فيَمُنُّ عليهم بالتوبة عزَّ وجلَّ إلى ما شاء الله. قال صلى الله عليه وسلم قال الله عزَّ وجلَّ في حديثه القدسي: (لَوْلاَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ، مَا خَلَّيْتُ بَيْنَ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الذَّنْب) (جامع الأحاديث والمراسيل ورواه الشيخ عن كليب الجهني).
    يعنى لولا أن الذنب يأخذ المؤمن من الغرور والإعجاب بنفسه - فالذنب له خاصية فريدة وميزة عجيبة فإن المرء عندما يكرمه الله ويحافظ على الطاعة، قد يغتر بنفسه، ويظن أنه أصبح له شيءٌ عند الله، وأصبح له عملٌ يرجو نظيره من الثواب والرحمة من عند الله، فيأتي الذنب فيعرفه بنفسه!! وأنه خطَّاءٌ مذنب!! وأنه لولا أن يتداركه الله بعنايته، ويغفر له خطيئته، لغطَّت ذنوبه على حسناته.

    إن الذنوب يفعلها المرء عامداً أو يفعلها المرء جاهلاً، فالذي يفعله المرء جاهلاً لا يحاسبه عليه الله لقوله صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، والسهو، وَالنسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) (في الفتح الكبير عن ثوبان، وابن ماجة وابن حبان والحاكم في الدرر المنتثرة).
    فلو فعل الذنب ساهياً أو جاهلاً فإن الله يتوب عليه من قريب، لا يحتاج منه أن يندم على ما فعل إذا علم أنه أذنب ويقر في نفسه بالخطأ، ويعترف بين يدي مولاه عزَّ وجلَّ بهذه الغلطة والجناية فيتوب الله عزَّ وجلَّ عليه. أما الذي فعل الذنب عامداً متعمداً، يعني يفعله ويعلم عند فعله أنه يرتكب ذنباً، فلابد له من توبة نصوح. هذه التوبة حتى ولو كان قضى عمره كله في طاعة الله، فإن عمله الصالح طول عمره لا يعادل هذا الذنب، ولا يستوجب بحسناته هذه غفران الله وتوبة الله عزَّ وجلَّ.
    فإن إبليس عبد الله اثنين وسبعين ألف سنة حتى ورد في الأثر: (ما من موضع شبر في السموات السبع إلا ولإبليس فيه سجدة لله عزَّ وجلَّ)، ثم عصى الله بذنب واحد مرة واحدة، عندما أمره بالسجود لآدم فأبى ورفض السجود، أبى واستكبر؛ ولهذا قال الله: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) (18الأعراف). من ذنب واحد تركه الله لأنه عمله متعمداً، ويعلم أنه يرتكب الذنب، وأن هذا إثم كبير!! لم تشفع له طاعاته الطويلة ولا عباداته الكثيرة لله عزَّ وجلَّ.
    فالذنب الذي يحرص المؤمن على عدم الوقوع فيه؛ هو الذنب الذي يعلم مقدماً أنه مخطئ عند الوقوع فيه، وأنه يقابل الله عزَّ وجلَّ بالعصيان فيه!! والخطأ الأكبر من ذلك إذا تباهى بتلك المعصية!! وجاهر بها بين المؤمنين!!! يجاهر بالفواحش والمنكرات ويظن أنه بذلك له شرف بينهم، وسيصير له مكانة من الفتوة أو ما شابهها مثلهم، وكل هذا يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافىً إِلاَّ المُجَاهِرِين) (رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه).
    والمجاهر هو الذي يتباهى ويفتخر بالذنب ويقول للناس – مثلاً: أني ضحكت على فلان وأخذت منه في هذه البيعة ألفين جنيهاً، أو ضحكت على فلان وجعلته يكتب لى عقداً على قطعة الأرض بمبلغ زهيد ولا يعرف قيمتها، أو ضحكت على فلان وأخذت منه المكان الفلاني وأعطيته بدلاً منه آخر لا ينفع ولا يشفع!! ويعتقد أن ذلك من باب الشطارة والمهارة والفهلوة، أو يقول: أنا كتِّفت فلان زوج ابنتى بمبلغ مائة ألف جنيه ووقع ولم ينتبه!!
    كل هذه الأشياء وأمثالها التى باهى المرء بفعلها!! لا مغفرة لها إلا إذا تاب توبة نصوحاً، وأخذ يضرع إلى الله فيها، ويبكى بكاءاً شديداً من أجل محوها، ويعاهد الله عزَّ وجلَّ على تركها وعدم العود ما عاش إلى مثلها، ويطلب منه بذلة وخشوع وانكسار أن يمحوها على أن لا يعود إلى مثلها أبداً. فإذا عرف الله صدقه، وصحَّة عزمه، وصفاء إرادته، وصدق قوله، تقبَّل الله توبته، ومحا الله حوبته، بل ربما يدخله في قوله عزَّ وجلَّ: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (70الفرقان).
    لكن المؤمنين جعلوا شهر رجب للتوبة، لجميع المؤمنين، من ماذا؟ من الأشياء التي نقع فيها ولا نفطن لها، فإن الذي ذكرناه يحتاج إلى التوبة في الحال، ولا يجوز للمرء أن يسوِّف ويؤخر لأنه لا يعلم عاقبته، أما التوبة في شهر رجب فمن الذنوب التي لا يفطن إليها المرء، ولا يعتبرها ذنباً، ونأخذ منها على سبيل المثال:
    كل لحظة تمر عليك وأنت غافل فيها عن ذكر الله. فالغفلة عن ذكر الله ذنب لا نعتبره ولا نحاسب أنفسنا عليه في هذه الحياة، وهى تحتاج إلى توبة صحيحة!! ومن لم يتب منها يقول يوم القيامة كما أنبأ الله: (يَا حَسْرَتَي علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) (56الزمر). كلُّ نَفَسٍ مَرَّ عليك في لهو ولعب، وفي جلوسك غافلاً متغافلاً في غير ذكر الله فهو ذنب يستحق من المرء أن يتوب إلى الله عزَّ وجلَّ منه، لا ندرى بهذا الذنب!! لأننا لا نعلم عن الذنب إلا أنه تعدى ما حرم الله، لكن نسينا أن الغفلة ذنبٌ يقول فيه الله عزَّ وجلَّ: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (36الزخرف)، الذى يغفل عن ذكر الله يجعل الله له شيطاناً قريناً يوسوس له ويخنس له!!!

    فالغفلة عن الله وعن ذكر الله ذنب يستوجب التوبة منا جميعاً يا عباد الله. الطاعة التي نحن فيها الآن – كالصلاة - تحتاج منا إلى خشوع قلب، وحضور نفس، من أولها إلى آخرها، فإذا غفل الإنسان فيها - ولابد أن ذلك يحدث - كأن يتذكر البيت وما فيه، أو الشارع وما به، أو حوار حدث بينه وبين إنسان، أو مشكلة بينه وبين الجيران، فيجد نفسه وقد انتهى من الفاتحة أو التشهد لأنه انتهى من قرآتها ولا يدري ما دار، وقد قال صلى الله عليه وسلم ما معناه: (إِنَّما يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاتِهِ ما عَقَلَ مِنْهَا). فاللحظات التي يسهو فيها المرء عن الله تحتاج إلى توبة حتى يتقبلها الله، ولذلك كان من سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه الكرام أن يستغفروا الله عزَّ وجلَّ عقب كل صلاة. لِمَ يستغفرون وقد خرجوا من الطاعة؟!!! من التقصير والغفلة والسهو الذي حدث لهم أثناء الصلاة.
    مثال آخر: نحن والحمد لله أكرمنا الله بالصلاة، لكن إذا سمعت الآذان وأنا في بيتي، أو في عملي وقد انتهيت من أدائه، وجالس على المكتب أتحدث مع رفاقي، أو في الطريق، أو في السوق، عليَّ أن أترك كل ما في يدي لألبِّي نداء الله في الوقت والحال، فإذا فعلت - كما يحدث من أغلبنا - أؤخر الظهر حتى يقترب العصر بدون عذر شرعي، أو أؤخر المغرب إلى مقربة من العشاء بدون عذر شرعي، والأعذار بينتها شريعة الواحد القهار، وفصَّلها لنا المختار صلى الله عليه وسلم.
    يا أيها المسلمون والمسلمات: هذا الذى ذكرنا هو ذنب ولكننا لا نحاسب أنفسنا عليه، وإنَّ الله عاتب قوماً فيه فقال: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (4، 5الماعون) الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، والذين يُجْمِلُون الصلاة مع الصلاة، والذي يؤخر الصبح إلى أن تطلع الشمس ويصليه قضاء ولا يندم ولا يحس بأسى على ما فعل، ولا على أنه فعل شيئاً قبيحاً في نظر الله - مع أنه ذنب كبير سيعلم عاقبته يوم لقاء الله عزَّ وجلَّ. لماذا؟ لأنه قال لنا أجمعين: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (103النساء).

    الوقت الذي حدده الله لابد أن نقيم الصلاة فيه، إلا إذا كان هناك مانع شرعي، من مرض قاهر، أو سفر أو حادث في الحال، كحريق أو غريق أو ما شابهه، ولابد من الإسراع في علاجه، لكن ما دمت جالساً أتحدث ما عُذري؟ لماذا لا أتوقف وأقول له: تعالَ نصلي ثم نرجع نكمل حديثنا؟ لماذا لا أقول للمسلم - إذا زارني: هيَّا بنا نؤدي الصَّلاة ثم نرجع نكمل ما كنا نخوض فيه؟ وأن الصلاة لا عذر للمرء في تأجيلها أو تأخيرها إلا إذا وافق العذر ما بيَّنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
    مثال آخر: نصوم في شهر رمضان عن الأكل والشرب والجماع، ولكننا لا نصوم عن اللغو!! وقد لا نصوم عن النظرة المحرمة!! وقد لا نصوم عن الكذب!! وقد لا نصوم عن الغِيبَةِ والنميمة!! ونظن أن صومنا صحيحٌ!! وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خَمْسُ خِصَالٍ يُفَطرْنَ الصَّائِمَ: الْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ) (فى تخريج أحاديث الإحياء العراقي: أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث عمار بن ياسر بنحوه).
    مثال ثالث: أرسل الله إلينا خير كتاب وأمرنا بتلاوته، ولم يشق علينا في قراءته، بل قال لنا أجمعين: (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) (20المزمل). وإذا كنا لا نتذكره إلا في رمضان، فهذا ذنب في حق أنفسنا يحاسبنا عليه الديان عزَّ وجلَّ. كيف لا نسوِّي على الأقل - وهذا لا يجوز - بين تلاوة القرآن وتصفحه وتصفح الصحف والمجلات التي فيها كذا وكذا من شرور هذه الحياة!! فمثل هذا ذنب لا يشعر به الإنسان!!!!
    وهذه القائمة طويلة لا نستطيع عدها كلها، وحسبنا ما أشرنا إليه من بعضها من الذنوب التي لا يفطن إليها المرء، ويقع فيها ولا يحسبها ذنوباً. إن هذه كلها تحتاج منا في شهر رجب أن نتوب منها أجمعين إلى الله عزَّ وجلَّ، فقولوا جميعاً: (تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أن لا نعود إلى ذنب أبداً، تبنا إلى الله من كل ذنب صغير أو كبير، علمناه أو جهلناه، فيما مضى أو فيما بقى لنا من عمرنا)، أو كما قال أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

    الخطبة الثانية:
    الحمد لله الذي فتح لنا الأبواب بفضله وهداه، ونظرنا بعين عنايته وبرِّه ورضاه، وملأ قلوبنا بحبِّه وحبِّ مُجْتَبَاه، وجعلنا أهلاً للمحل الأعز فأوقفنا بين يديه في بيته جلَّ عُلاه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقبل على المقبلين، ولا يغلق الباب أمام المعرضين، بل يفتح لهم أبواب التوبة في كل وقت وحين. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُهُ ورسوله، إمام الهُدى، ونبيُّ البرِّ والتُّقَى. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد
    فيا أخي المؤمن: لا تغفل عن التوبة إلى الله في كلِّ نَفَس!! فليس كلُّ ذنبٍ عملته عرفته، فربما تكون هناك ذنوب عند علاَّم الغيوب ولم تعلم بها!! ولم تحاسب نفسك على فعلها!! ولذا قال الله لنا أجمعين: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31النور).

    كلكم تتوبون!!! وبين هذه الحقيقة النبي الأمين فقال صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ) ولم يستثنِ، ماذا نفعل؟!! بيَّن فقال: (وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (عن أنس بن مالك في منتخب بن حميد ورواه الترمذي وابن ماجة والدرامي وفي مسند الإمام أحمد). يعني: الذين يديمون على التوبة!! فيشعر المرء في كل وقت وحين – وهذه هي حقيقة التوبة!! ليست التوبة أن تقول: استغفر الله، فهذا ذكر يعطيك الله نصيبك من الحسنات مقابل قولك، بل إن التوبة أن تشعر في داخلك بأنك قصَّرت، وأنك أخطأت، وأنك أجرمت، وأنك خالفت الله عزَّ وجلَّ. ومن منا بلغ مبلغ الكمال، فلا يخالف ذي الجلال والإكرام في لحظة واحدة في هذه الحياة؟!! في الحقيقة كلُّنا مقصرون، لأننا لم نبلغ المقام العظيم!!!
    من منا يصلي الصلاة من أولها إلى آخرها في حضور وخشوع مع مولاه؟ أين هذا يا عباد الله؟!!!! من منا يحفظ لسانه من الزلل فلا يقول كلمة نابية أو جائرة إلى هذا أو ذاك، ولا يتركه يسكت لحظة عن ذكر المليك الخلاق؟ مَنْ منَّا يحفظ قلبه من الخواطر السيئة فلا يدخل فيه بغض ولا كره ولا حقد، ولا غشٌّ ولا غلٌّ لأحد من المسلمين أو الناس أجمعين؟ هذا شيء لا نستطيعه أجمعون. فالعبد التائب إلى الله والذي يستشعر أو يشعر في كل وقت و حين – مهما فعل من الصالحات، ومهما قدم من الخيرات - أنه مقصر في حق الله عزَّ وجلَّ.
    وإذا كان الملائكة المطهرون الذي يقول فيهم الله: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6التحريم)، ومنذ خلقهم وهم في طاعته، لا يأكلون ولا يشربون، ولا ينامون ولا يسهون ولا يغفلون، ومع ذلك يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك!! وإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد أن نال أعظم وسام في المغفرة من الله، وقال فيه الله في محكم آياته: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (2الفتح)، ومع ذلك كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات: (إِذَا صَلَّىٰ، قَامَ حَتَّىٰ تَفَطَّرَ - تتورم – رِجْلاَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضى الله عنها: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَصْنَعُ هذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟!!) (عن قتادة عن أنس وفي رواية عن المغيرة بن شعبة حديث حسن ورواه الترمذي في الشمائل من حديث جابر، وفي الباب عن عبد الله بن جحش، وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم). وحتى الذي حفظه الله وعصمه الله يشكر الله على عصمة الله، ويشكر الله على حفظ الله.

    فما أحوجنا جميعاً في هذا الشهر الكريم إلى مغفرة الله، استغفروا الله آناء الليل وأطراف النهار، واستغفروه بقلوب منكسرة وأجسام خاشعة ورءوس خاضعة، حتى يتقبل الله عزَّ وجلَّ منا أجمعين، ويصلح شأننا وينقلنا إلى أحسن حال.
    نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يغفر لنا ذنوبنا، سرِّها وجهرها، عظيمها وحقيرها، عمدها وسهوها، ما علمنا منها وما لم نعلم، ما كان منها في حقِّ العباد وما كان منها في حقِّ أنفسنا ويطالبنا به ربُّ العباد.
    اللهم تب علينا توبة نصوحا، واغفر لنا ما مضى من الذنوب والآثام، واحفظنا بحفظك من المعاصي فيما بقى من الليالي والأيام، واجعلنا يا الله من الذين يذكرونك ولا يجحدونك آناء الليل وأطراف النهار.
    اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، يا رب العالمين.
    اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وأصلح شأن المسلمين أجمعين، وتب على العصاة والمذنبين المجاهرين من أمة سيد الخلق أجمعين، يا خير الغافرين.
    اللهم وفق ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين إلى ما تحبه وترضاه، وبارك في أرزاقنا وأقواتنا وأسماعنا وأبصارنا يا الله، وانزع من قلوبنا الغلَّ والغشَّ والحقد والحسد لإخواننا يا أرحم الراحمين.
    عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
    اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.
    *****************

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 7:01 am