أخي المؤمن: لا تغفل عن التوبة إلى الله في كلِّ نَفَس فليس كلُّ ذنبٍ عملته عرفته، فربما تكون هناك ذنوب عند علاَّم الغيوب ولم تعلم بها ولم تحاسب نفسك على فعلها ولذا قال الله لنا أجمعين:
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31النور).
كلكم تتوبون وبين هذه الحقيقة النبي الأمين فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:
( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ)
ولم يستثنِ، ماذا نفعل؟ بيَّن فقال:
(وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)(1)
يعني: الذين يديمون على التوبة فيشعر المرء في كل وقت وحين وهذه هي حقيقة التوبة ليست التوبة أن تقول: استغفر الله، فهذا ذكر يعطيك الله نصيبك من الحسنات مقابل قولك، بل إن التوبة أن تشعر في داخلك بأنك قصَّرت، وأنك أخطأت، وأنك أجرمت، وأنك خالفت الله عزَّ وجلَّ. ومن منا بلغ مبلغ الكمال، فلا يخالف ذي الجلال والإكرام في لحظة واحدة في هذه الحياة؟
في الحقيقة كلُّنا مقصرون، لأننا لم نبلغ المقام العظيم
من منا يصلي الصلاة من أولها إلى آخرها في حضور وخشوع مع مولاه؟ أين هذا يا عباد الله؟
من منا يحفظ لسانه من الزلل فلا يقول كلمة نابية أو جائرة إلى هذا أو ذاك،
ولا يتركه يسكت لحظة عن ذكر المليك الخلاق؟
مَنْ منَّا يحفظ قلبه من الخواطر السيئة فلا يدخل فيه بغض ولا كره ولا حقد، ولا غشٌّ ولا غلٌّ لأحد من المسلمين أو الناس أجمعين؟ هذا شيء لا نستطيعه أجمعون. فالعبد التائب إلى الله والذي يستشعر أو يشعر في كل وقت و حين مهما فعل من الصالحات،
ومهما قدم من الخيرات أنه مقصر في حق الله عزَّ وجلَّ.
وإذا كان الملائكة المطهرون الذي يقول فيهم الله
(لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6التحريم)،
ومنذ خلقهم وهم في طاعته، لا يأكلون ولا يشربون، ولا ينامون ولا يسهون ولا يغفلون، ومع ذلك يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك وإذا كان الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أن نال أعظم وسام في المغفرة من الله، وقال فيه الله في محكم آياته:
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (2الفتح)،
ومع ذلك كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات:
(إِذَا صَلَّى?، قَامَ حَتَّى? تَفَطَّرَ تتورم رِجْلاَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَصْنَعُ هذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً)(2)
وحتى الذي حفظه الله وعصمه الله يشكر الله على عصمة الله، ويشكر الله على حفظ الله.
فما أحوجنا جميعاً إلى مغفرة الله، استغفروا الله آناء الليل وأطراف النهار، واستغفروه بقلوب منكسرة وأجسام خاشعة ورءوس خاضعة، حتى يتقبل الله عزَّ وجلَّ منا أجمعين، ويصلح شأننا وينقلنا إلى أحسن حال.
(1)(عن أنس بن مالك في منتخب بن حميد ورواه الترمذي وابن ماجة والدرامي وفي مسند الإمام أحمد)
(2) (عن قتادة عن أنس وفي رواية عن المغيرة بن شعبة حديث حسن ورواه الترمذي في الشمائل من حديث جابر، وفي الباب عن عبد الله بن جحش، وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهُم).