صفــــــــاءُ القلب
=============
والأصل الثالث هو تصفية القلب.
♡ وتصفية القلب لا تكون إلا بتطهيره من الأمراض والأغراض التى تمنعه من القرب من ربِّ العباد عز وجل ، فإن الله عز وجل لا يُشرق بأنواره العليَّة إلا على من قال فيه فى محكم آياته القرآنيَّة: ♡ { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [٨٩:الشعراء]
(سليمٌ): ليست فيه علة ولا غرض ولا مرض! ...
◇ ومن هنا فالأساس الأول فى جهاد القلب: أن يكون الجهاد ليس له غاية إلا وجه الله، ليس له غاية دنيوية ولا مآرب أخروية، يقول الله عز وجل فى أهله - آمراً وموجِّهاً خير البرية: ♡ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [٢٨:الكهف]
إذاً جهاد القلب الأول فى تخليص القلب من الوِجَه الكونيَّة والشهوات الدنيَّة والحظوظ السافلة الدنيوية ... أى لا يكون أىٌّ من هذه الأشياء مراده ولا بغيته ولا همُّه ولا أمله، فلا يكون للإنسان همٌ إلا فى إرضاء ربِّ البرية عز وجل؛ لا يريد إلا الله، ولا يبغى إلا رضاه، ولا يطلب فى الدارين إلا وجه مولاه عز وجل. ليس فيه مقصد غير ذلك وليس فيه مطلب أو مأرب سوى ذلك.
وهذه تحتاج إلى جهاد شديد فى توحيد الوجهة، أى تكون الوجهة هى وجه الله.
والجهاد الشديد لأنه يجب أن يكون كذلك وهو يعيش بين الناس - ولا يترك دنياهم، ولا يذهب للجبال ولا للوديان ولا للعزلة ، فهذا لا يصلح مع الصالحين فى زماننا هذا!.
والإنسان يا إخوانى طالما هو فى هذه الأكوان يحرِّكه قلبه، فإن القلب ما سُمى قلباً إلا لكثرة تقلِّبه، تارة يريد الظهور فى الدنيا، وتارة يريد الرياسة، وتارة يريد الشهرة، وتارة يريد السمعة، وتارة يريد الاُنس بالخلق، وتارة يريد تحقيق مصالح من بينهم أو من وراءهم أو بسببهم ... فالقلب يتقلُّب فى هذه الشئون.
إذاً أول جهاد للقلب فى توحيد الوجهة، حتى يكون لا يريد إلا وجه الله، لا يريد شيئاً حتى من عند الله، وإنما يريد وجه الله.
ألا يدعو مولاه إذاً؟!!
بالطبع كلنا ندعوه، لكن صاحب القلب السليم يدعو ليتحقق بمقام العبودية فى ذلِّ الطلب إلى ربِّ البرية، لأن الله غنىٌّ عما سواه، ويحتاج إليه كل ما عداه، فهو يُظهر لله عز وجل - عند السؤال والدعاء - ذلَّ الطلب، لأنه يتذلل بين يديه، ويتضرع إليه، ويُخبت إليه ... حتى يكون عبداً صادقاً بين يديه عز وجل. هذا همُّه أو غايته من الدعاء، ويعلم بعد ذلك أن الله عز وجل يُحقق له كل ما يتمناه، وهو فى الحقيقة لا يتمنى إلا وجه مولاه عز وجل:
وغاية بغيتى يبدو حبيبى
بعين الروح لا يبدو خفيَّا
فنظرة منك يا سؤلى ويا أملى
أشهى علىَّ من الدنيا وما فيها
فيجاهد المرء ليُوحد جمال الله عز وجل، ولذا فإن تمام الجهاد لا يتم إلا بالفناء الكلىِّ عن الشهوات والحظوظ والأهواء، والفناء يعنى موت هذه الرغبات حتى أنها لا تتحرك فى النفس ولا تطالب الإنسان بتحقيقها ولا تخطر على البال وتطالب المرء بنيلها لأن الإنسان أصبح له وجهة واحدة وهو وجه مولاه عز وجل
، وهذا هو جهاد المحبِّين وجهاد الصالحين وجهاد العارفين، وهذا الذى يقول فيه إمامنا ابوالعزائم رضى الله عنه وارضاه - مظهراً مرتبة السالكين المبتدئين:
{والسالك من توحَّد مطلوبه، ورضىَّ بما قدَّره محبوبه}
لكن الذى يريد أن يكون عالماً .. والذى يريد أن يكون صاحب كرامات .. والذى يريد أن يتمتع بالرؤيات الصالحات .. والذى يريد أن يُقذف فى قلبه الإلهامات .. والذى يريد العطايا من الله عز وجل .. فهذا ما زال لم يصل إلى مقام الفناء لأن تمام المقام:
وكن عبداً لنا والعبد يرضى
بما تقضى الموالى من مراد
إذاً لا يمكن للإنسان أن يجاهد نفسه إلا بواسطة شيخ مأذون من الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وجهاد النفس فى التخلص من أهوائها وشهواتها وحظوظها وبدواتها، وكبح جماح الشهوات وسَوقها إلى الطاعات والقربات، ومتابعة سيد السادات صلى الله عليه وسلم .
وتصفية القلب كما قلنا أن أول أصل فيه هو توحيد الوجهة لله عز وجل
، وحتى تكون الوجهة سديدة على المريد ألا يطلب على جهاده فى تصفية قلبه أو جهاده لنفسه أجراً - إن كان دنيوياً عاجلاً أو أخروياً - حتى لا يطلب بجهاده الفتح ولا الكشف ولا الرؤيا ولا الشهود، لأنه فى هذه الحالة حدَّد أجراً، لكنه يطلب وجه الله، والله عز وجل يقيمه فى المقام الذى يراه مناسباً له، وهو أعلم بنا عز وجل من أنفسنا، ولا يتمُّ ذلك إلا إذا جاهد العبد نفسه فى الفناء.
وهذا هو السبيل الوحيد لنيل الفتوحات الربانية، ونيل الهبات الإلهية، ونيل العطايا المحمدية.
هذه بعض الأصول التى لابد منها لمن يريد الوصول.
=============================
من كتاب ( منهاج الواصلين )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد
=============
والأصل الثالث هو تصفية القلب.
♡ وتصفية القلب لا تكون إلا بتطهيره من الأمراض والأغراض التى تمنعه من القرب من ربِّ العباد عز وجل ، فإن الله عز وجل لا يُشرق بأنواره العليَّة إلا على من قال فيه فى محكم آياته القرآنيَّة: ♡ { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [٨٩:الشعراء]
(سليمٌ): ليست فيه علة ولا غرض ولا مرض! ...
◇ ومن هنا فالأساس الأول فى جهاد القلب: أن يكون الجهاد ليس له غاية إلا وجه الله، ليس له غاية دنيوية ولا مآرب أخروية، يقول الله عز وجل فى أهله - آمراً وموجِّهاً خير البرية: ♡ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [٢٨:الكهف]
إذاً جهاد القلب الأول فى تخليص القلب من الوِجَه الكونيَّة والشهوات الدنيَّة والحظوظ السافلة الدنيوية ... أى لا يكون أىٌّ من هذه الأشياء مراده ولا بغيته ولا همُّه ولا أمله، فلا يكون للإنسان همٌ إلا فى إرضاء ربِّ البرية عز وجل؛ لا يريد إلا الله، ولا يبغى إلا رضاه، ولا يطلب فى الدارين إلا وجه مولاه عز وجل. ليس فيه مقصد غير ذلك وليس فيه مطلب أو مأرب سوى ذلك.
وهذه تحتاج إلى جهاد شديد فى توحيد الوجهة، أى تكون الوجهة هى وجه الله.
والجهاد الشديد لأنه يجب أن يكون كذلك وهو يعيش بين الناس - ولا يترك دنياهم، ولا يذهب للجبال ولا للوديان ولا للعزلة ، فهذا لا يصلح مع الصالحين فى زماننا هذا!.
والإنسان يا إخوانى طالما هو فى هذه الأكوان يحرِّكه قلبه، فإن القلب ما سُمى قلباً إلا لكثرة تقلِّبه، تارة يريد الظهور فى الدنيا، وتارة يريد الرياسة، وتارة يريد الشهرة، وتارة يريد السمعة، وتارة يريد الاُنس بالخلق، وتارة يريد تحقيق مصالح من بينهم أو من وراءهم أو بسببهم ... فالقلب يتقلُّب فى هذه الشئون.
إذاً أول جهاد للقلب فى توحيد الوجهة، حتى يكون لا يريد إلا وجه الله، لا يريد شيئاً حتى من عند الله، وإنما يريد وجه الله.
ألا يدعو مولاه إذاً؟!!
بالطبع كلنا ندعوه، لكن صاحب القلب السليم يدعو ليتحقق بمقام العبودية فى ذلِّ الطلب إلى ربِّ البرية، لأن الله غنىٌّ عما سواه، ويحتاج إليه كل ما عداه، فهو يُظهر لله عز وجل - عند السؤال والدعاء - ذلَّ الطلب، لأنه يتذلل بين يديه، ويتضرع إليه، ويُخبت إليه ... حتى يكون عبداً صادقاً بين يديه عز وجل. هذا همُّه أو غايته من الدعاء، ويعلم بعد ذلك أن الله عز وجل يُحقق له كل ما يتمناه، وهو فى الحقيقة لا يتمنى إلا وجه مولاه عز وجل:
وغاية بغيتى يبدو حبيبى
بعين الروح لا يبدو خفيَّا
فنظرة منك يا سؤلى ويا أملى
أشهى علىَّ من الدنيا وما فيها
فيجاهد المرء ليُوحد جمال الله عز وجل، ولذا فإن تمام الجهاد لا يتم إلا بالفناء الكلىِّ عن الشهوات والحظوظ والأهواء، والفناء يعنى موت هذه الرغبات حتى أنها لا تتحرك فى النفس ولا تطالب الإنسان بتحقيقها ولا تخطر على البال وتطالب المرء بنيلها لأن الإنسان أصبح له وجهة واحدة وهو وجه مولاه عز وجل
، وهذا هو جهاد المحبِّين وجهاد الصالحين وجهاد العارفين، وهذا الذى يقول فيه إمامنا ابوالعزائم رضى الله عنه وارضاه - مظهراً مرتبة السالكين المبتدئين:
{والسالك من توحَّد مطلوبه، ورضىَّ بما قدَّره محبوبه}
لكن الذى يريد أن يكون عالماً .. والذى يريد أن يكون صاحب كرامات .. والذى يريد أن يتمتع بالرؤيات الصالحات .. والذى يريد أن يُقذف فى قلبه الإلهامات .. والذى يريد العطايا من الله عز وجل .. فهذا ما زال لم يصل إلى مقام الفناء لأن تمام المقام:
وكن عبداً لنا والعبد يرضى
بما تقضى الموالى من مراد
إذاً لا يمكن للإنسان أن يجاهد نفسه إلا بواسطة شيخ مأذون من الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وجهاد النفس فى التخلص من أهوائها وشهواتها وحظوظها وبدواتها، وكبح جماح الشهوات وسَوقها إلى الطاعات والقربات، ومتابعة سيد السادات صلى الله عليه وسلم .
وتصفية القلب كما قلنا أن أول أصل فيه هو توحيد الوجهة لله عز وجل
، وحتى تكون الوجهة سديدة على المريد ألا يطلب على جهاده فى تصفية قلبه أو جهاده لنفسه أجراً - إن كان دنيوياً عاجلاً أو أخروياً - حتى لا يطلب بجهاده الفتح ولا الكشف ولا الرؤيا ولا الشهود، لأنه فى هذه الحالة حدَّد أجراً، لكنه يطلب وجه الله، والله عز وجل يقيمه فى المقام الذى يراه مناسباً له، وهو أعلم بنا عز وجل من أنفسنا، ولا يتمُّ ذلك إلا إذا جاهد العبد نفسه فى الفناء.
وهذا هو السبيل الوحيد لنيل الفتوحات الربانية، ونيل الهبات الإلهية، ونيل العطايا المحمدية.
هذه بعض الأصول التى لابد منها لمن يريد الوصول.
=============================
من كتاب ( منهاج الواصلين )
لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد