الآيات الكونية
️في القرآن الكريم ️
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله الذي خصَّنا بالذكر الحكيم، وأقامنا بفضله وجوده لا بعملِنا في هذا المقام الكريم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الإنسان وأعلى شأنه بين الأكوان، فجعله مُكرماً في كل وقتٍ وآن،
له التكريم في الدنيا وله السعادة إن اتقى الله يوم لقاء حضرة الرحمن.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أعلى الناس في الكون كله من بدايته إلى نهايته زكاءً وفطنةً وعقلا، وأكرمهم عند الله تبارك وتعالى نقلا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الذي جعلته لنا في الدنيا نبياً وإماماً، وجعلته لنا في الآخرة شفيعاً لنا يوم الزحام.
صلى اللهم وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الأعلام، وعلى صحابته الكرام، وعلى كل من اهتدى بهديه ومشى على سنته إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم بفضلك يا أكرم الأكرمين.🤲🤲
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
إذا نظرنا إلى آيات القرآن التي أنزَّلها لنا الرحمن تبارك وتعالى نجد عجباً،
نجد آيات العبادات والأحكام التي هي هَمّ معظم جماعة المؤمنين لا تزيد عن ثلاثمائة آية في كتاب الله، كالصلاة والصيام والزكاة والحج،
لكن الآيات الكونية التي تتحدث عن قدرة الله تبارك وتعالى في هذه الأكوان، نجدها أكثر من ألف وثلاثمائة آية،
منها ما يتكلم فيها المولى في علم الفلك والنجوم والشمس والقمر،
ومنها ما يتكلم فيها في البحار، ومنها ما يتكلم فيها في الأنهار،
ومنها ما يتكلم فيها في الأشجار،
كل هذه النواحي العلمية وغيرها مفصلة في كتاب الله.
فإذا نظرنا إلى صُنع الله في مُلكه وملكوته، نرى أن الله عزَّ وجلَّ أسَّس الحياة الكونية كلها على النظام البديع،
فالسماء مرصَّعةٌ بمليارات النجوم، وكلها تدور في فلكٍ ومسارٍ حدَّده لها الحيُّ القيوم، وكلهم كما قال عنهم الله في قرآنه الكريم:
(وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (40يس)
كل النجوم في كل المجرات تسير بسرعة مذهلة لا تستطيع الأجهزة البشرية العصرية المتطورة أن تقترب منها أو تكتشف سرعتها، ومع ذلك لا يوجد في السماوات جنود تنظم المرور، ولا علامات حمراء ولا خضراء ولا صفراء
ولم نسمع منذ بدء الدنيا إلى وقتنا هذا أن نجماً اصطدم بنجمٍ في سيره، أو حدثت حادثة بين عدة من النجوم، لأن هذا لو حدث كان معناه نهاية الحياة، وقيامة القيامة
لكن الله جلَّ في عُلاه هو الذي حفظ هذا النظام:
(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (40يس)
انظر إلى دقة الشمس عند شروقها وعند غروبها: هل تخلَّفت يوماً منذ بدء الدنيا إلى الآن عن توقيت ربِّ العزَّة عزَّ وجلَّ لها، لو تخلَّفت في الشروق أو الغروب دقيقة لاختلف النظام الفلكي في الكون كله، ولكن الحكيم العليم عزَّ وجلَّ جعلها تُشرق في الآفاق وليس في أُفقٍ واحد وكل أُفقٍ له وقت معلوم وميعاد محدود حدَّده ووقتَّه الحيُّ القيوم عزَّ وجلَّ.
لم نسمع منذ بدء الدنيا إلى الآن أن الشمس غابت يوماً ومرَّ على الكون ليلان متتاليان، أو أن الليل لم يأتِ وغاب عن الناس وعاش الناس نهارين متتاليين، لأن الله عزَّ وجلَّ بنى الكون كلَّه على النظام الإلهي، والتنظيم الذي قدَّره عزَّ وجلَّ وصيَّر عليه مُلكه وملكوته:
(وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (8الرعد)
والنظر في هذه المصنوعات يحتاج إلى أوقات واسعات لا نستطيع أن نوفِّيها قدرها الآن، لكن حسْبُنا أن نخرج إلى نطاق عالم الفلك وعالم السماوات وننظر إلى قدرة عجائب الله المذهلة لنرى دقة النظام الإلهي، وحُسن الترتيب الرباني، فلا يستطيع أحدٌ من الأولين والآخرين - مهما أوتي من ذكاءٍ وعلم - أن يزيد قدر أنمُلة على النظام الدقيق الذي وضعه الله.
هذا النظام الإلهي لماذا؟
لأن هذه الآيات هي التي تزيد إيمان المؤمن، وإذا تدبر فيها زاد يقينه في الله تبارك وتعالى،
ولذلك ما يُسمى بعلم التوحيد أو علم الكلام، كيف كان يُدَرِّسه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لصحبه الكرام؟
كان يسميه كما سماه الله علم الآيات، يقرأ لهم الآيات الكونية، وهذا غير الآيات القرآنية، فالآيات الكونية هي الموجودة في الآفاق كلها، ويشرحها لهم، ويبينها لهم صلى الله عليه وسلَّم، حتى قال سيدنا أبي ذر رضي الله عنه:
"لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا"[مسند أحمد ومعجم الشيوخ عن أبي ذر رضي الله عنه]
لا يوجد شيء في الأكوان إلا حدَّثهم به النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم،
وهي الوسيلة المثلى لتربية الأجيال الجديدة على الإيمان بالله واليقين في الله، وعلى خشية الله والخوف من الله تبارك وتعالى في كل حال.
وهذه الآيات ذكرها الله في القرآن في مواضع عديدة وسماها آيات:
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ " (190آل عمران)
آيات يعني علامات أو دلائل على قدرة من يقول للشيء كن فيكون
وامرنا ان نتدبر وننظر
" قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ " (101يونس).
هذه الآية القرآنية الكريمة دعوة من الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لجميع الخلق، مؤمنين وغير مؤمنين، أن ينظروا إلى مخلوقات الله سبحانه وتعالى وإبداع صُنعه في السموات وفي الأرض، بما فيها ومن فيها من عوالم لا يُحصيها إلا الله، لأن الصنعة تدُل على الصانع،
فإذا دخلوا على هذا الباب باب الفكر كان خير بابٍ يعرفون به الله سبحانه وتعالى.
وتلكُمُ كانت عبادة الأنبياء أجمعين:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلَّم كان يختلي في كل عام شهراً وهو شهر رمضان، ووُصِفَ في هذه الخلوة بأنه كان يقف أمام الغار وينظر في السماوات والأرض ويتفكَّر، حتى قال أهل مكة فيه:
[لقد عشق محمدٌ ربَّه] ـ وذلك من كثرة تفكيره في الله سبحانه وتعالى.
ودعانا الله سبحانه وتعالى في القرآن في مواضع لا حصر لها إلى التفكر،
" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (191 آل عمران)
وجعل النبي صلى الله عليه وسلَّم عبادة التفكر من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
( فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً ) (رواه أبو الشيخ الأصبهاني عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ)
والساعة في كلام الرسول صلى الله عليه وسلَّم أي اللحظة، وليست الساعة الستون دقيقة لأنها لم تكن موجودة في زمنه،
ولكن الساعة في كلام الله وكلام الرسول هي لحظة.
فلحظة تفكُّر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى تعادل عمل ستين سنة في طاعة الله سبحانه وتعالى في الأجر والثواب
عبادة التفكر من العبادات العالية والغالية التي كان يقوم بها الأنبياء في خلواتهم مع الله تبارك وتعالى، وهي إلى الآن وما بعد الآن عبادة الأفراد من الصالحين والمتقين، لأنها عبادة الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلَّم:
"لا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ" ( معجم الطبراني ومسند الشهاب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه)
او كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي خلقنا بقدرته واوجدنا بعظمته وجعلنا بفضله اهلا لعطائه ونعمه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا واوجدنا ورزقنا وتولى كل شئوننا وأمرنا على ذلك أن نشكره ووعدنا على الشكر بالمزيد فقال سبحانه وتعالى " لئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (7 ابراهيم)
وأشهد ان سيدنا محمد عبد الله ورسوله بلغ الرسالة واد الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يذيع عنها إلا هالك
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل على سيدنا محمد في الآخرين وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين
اما بعد اخي المؤمن
امر الله عز وجل كل مؤمن أن يتفكر
يتفكر في خلق الله ليهتدي الى معرفة الله سبحانه وتعالى ويخشع قلبه لجلال الله وعظمة الله جل في علاه ولذلك لما نزلت
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (190 آل عمران) على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدًا شكورًا، ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية:
{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ثم قال:
ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها)
أن المسلم إذا أراد ان يُثبِّت الإيمان في قلبه، وأن يُثبت الإيمان فيمن حوله من أولاده وبناته وزوجه وكل من حوله، يأخذهم إلى عبادة التفكر، وقد قال الله سبحانه وتعالى في ذلك:
" سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ " (53فصلت).
فالتفكر في هذه الآيات الكونية الخارجية، ثم في دقة صُنع الله عز وجل في جسم الإنسان وحقائق الإنسان كلها تدعوا الإنسان إلى الاندهاش والاعتبار من قدرة حضرة الرحمن سبحانه وتعالى، فيسلِّم بقدرة الله، ويُقر إقراراً قلبياً بأنه لا إله إلا الله، ويكون هذا إيماناً يقينياً صادقاً يدفعه إلى العمل بشرع الله، وإلى الخوف من معصية الله، ومن كل عملٍ خيرٍ يقربه إلى حضرة الله تبارك وتعالى.
وهذه العبادة ما أعظم القائمين بها، لأن أنبياء الله ورُسله هم أول من قام بها ودعوا الناس إليها في كل زمانٍ ومكان.
🤲نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وان يجعل نطقنا ذكرا وصمتنا فكرا ونظرنا عبرا🤲 ...
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب متابعة
صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد
️في القرآن الكريم ️
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيد
الحمد لله الذي خصَّنا بالذكر الحكيم، وأقامنا بفضله وجوده لا بعملِنا في هذا المقام الكريم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الإنسان وأعلى شأنه بين الأكوان، فجعله مُكرماً في كل وقتٍ وآن،
له التكريم في الدنيا وله السعادة إن اتقى الله يوم لقاء حضرة الرحمن.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أعلى الناس في الكون كله من بدايته إلى نهايته زكاءً وفطنةً وعقلا، وأكرمهم عند الله تبارك وتعالى نقلا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الذي جعلته لنا في الدنيا نبياً وإماماً، وجعلته لنا في الآخرة شفيعاً لنا يوم الزحام.
صلى اللهم وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الأعلام، وعلى صحابته الكرام، وعلى كل من اهتدى بهديه ومشى على سنته إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم بفضلك يا أكرم الأكرمين.🤲🤲
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
إذا نظرنا إلى آيات القرآن التي أنزَّلها لنا الرحمن تبارك وتعالى نجد عجباً،
نجد آيات العبادات والأحكام التي هي هَمّ معظم جماعة المؤمنين لا تزيد عن ثلاثمائة آية في كتاب الله، كالصلاة والصيام والزكاة والحج،
لكن الآيات الكونية التي تتحدث عن قدرة الله تبارك وتعالى في هذه الأكوان، نجدها أكثر من ألف وثلاثمائة آية،
منها ما يتكلم فيها المولى في علم الفلك والنجوم والشمس والقمر،
ومنها ما يتكلم فيها في البحار، ومنها ما يتكلم فيها في الأنهار،
ومنها ما يتكلم فيها في الأشجار،
كل هذه النواحي العلمية وغيرها مفصلة في كتاب الله.
فإذا نظرنا إلى صُنع الله في مُلكه وملكوته، نرى أن الله عزَّ وجلَّ أسَّس الحياة الكونية كلها على النظام البديع،
فالسماء مرصَّعةٌ بمليارات النجوم، وكلها تدور في فلكٍ ومسارٍ حدَّده لها الحيُّ القيوم، وكلهم كما قال عنهم الله في قرآنه الكريم:
(وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (40يس)
كل النجوم في كل المجرات تسير بسرعة مذهلة لا تستطيع الأجهزة البشرية العصرية المتطورة أن تقترب منها أو تكتشف سرعتها، ومع ذلك لا يوجد في السماوات جنود تنظم المرور، ولا علامات حمراء ولا خضراء ولا صفراء
ولم نسمع منذ بدء الدنيا إلى وقتنا هذا أن نجماً اصطدم بنجمٍ في سيره، أو حدثت حادثة بين عدة من النجوم، لأن هذا لو حدث كان معناه نهاية الحياة، وقيامة القيامة
لكن الله جلَّ في عُلاه هو الذي حفظ هذا النظام:
(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (40يس)
انظر إلى دقة الشمس عند شروقها وعند غروبها: هل تخلَّفت يوماً منذ بدء الدنيا إلى الآن عن توقيت ربِّ العزَّة عزَّ وجلَّ لها، لو تخلَّفت في الشروق أو الغروب دقيقة لاختلف النظام الفلكي في الكون كله، ولكن الحكيم العليم عزَّ وجلَّ جعلها تُشرق في الآفاق وليس في أُفقٍ واحد وكل أُفقٍ له وقت معلوم وميعاد محدود حدَّده ووقتَّه الحيُّ القيوم عزَّ وجلَّ.
لم نسمع منذ بدء الدنيا إلى الآن أن الشمس غابت يوماً ومرَّ على الكون ليلان متتاليان، أو أن الليل لم يأتِ وغاب عن الناس وعاش الناس نهارين متتاليين، لأن الله عزَّ وجلَّ بنى الكون كلَّه على النظام الإلهي، والتنظيم الذي قدَّره عزَّ وجلَّ وصيَّر عليه مُلكه وملكوته:
(وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (8الرعد)
والنظر في هذه المصنوعات يحتاج إلى أوقات واسعات لا نستطيع أن نوفِّيها قدرها الآن، لكن حسْبُنا أن نخرج إلى نطاق عالم الفلك وعالم السماوات وننظر إلى قدرة عجائب الله المذهلة لنرى دقة النظام الإلهي، وحُسن الترتيب الرباني، فلا يستطيع أحدٌ من الأولين والآخرين - مهما أوتي من ذكاءٍ وعلم - أن يزيد قدر أنمُلة على النظام الدقيق الذي وضعه الله.
هذا النظام الإلهي لماذا؟
لأن هذه الآيات هي التي تزيد إيمان المؤمن، وإذا تدبر فيها زاد يقينه في الله تبارك وتعالى،
ولذلك ما يُسمى بعلم التوحيد أو علم الكلام، كيف كان يُدَرِّسه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لصحبه الكرام؟
كان يسميه كما سماه الله علم الآيات، يقرأ لهم الآيات الكونية، وهذا غير الآيات القرآنية، فالآيات الكونية هي الموجودة في الآفاق كلها، ويشرحها لهم، ويبينها لهم صلى الله عليه وسلَّم، حتى قال سيدنا أبي ذر رضي الله عنه:
"لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا"[مسند أحمد ومعجم الشيوخ عن أبي ذر رضي الله عنه]
لا يوجد شيء في الأكوان إلا حدَّثهم به النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم،
وهي الوسيلة المثلى لتربية الأجيال الجديدة على الإيمان بالله واليقين في الله، وعلى خشية الله والخوف من الله تبارك وتعالى في كل حال.
وهذه الآيات ذكرها الله في القرآن في مواضع عديدة وسماها آيات:
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ " (190آل عمران)
آيات يعني علامات أو دلائل على قدرة من يقول للشيء كن فيكون
وامرنا ان نتدبر وننظر
" قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ " (101يونس).
هذه الآية القرآنية الكريمة دعوة من الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لجميع الخلق، مؤمنين وغير مؤمنين، أن ينظروا إلى مخلوقات الله سبحانه وتعالى وإبداع صُنعه في السموات وفي الأرض، بما فيها ومن فيها من عوالم لا يُحصيها إلا الله، لأن الصنعة تدُل على الصانع،
فإذا دخلوا على هذا الباب باب الفكر كان خير بابٍ يعرفون به الله سبحانه وتعالى.
وتلكُمُ كانت عبادة الأنبياء أجمعين:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلَّم كان يختلي في كل عام شهراً وهو شهر رمضان، ووُصِفَ في هذه الخلوة بأنه كان يقف أمام الغار وينظر في السماوات والأرض ويتفكَّر، حتى قال أهل مكة فيه:
[لقد عشق محمدٌ ربَّه] ـ وذلك من كثرة تفكيره في الله سبحانه وتعالى.
ودعانا الله سبحانه وتعالى في القرآن في مواضع لا حصر لها إلى التفكر،
" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (191 آل عمران)
وجعل النبي صلى الله عليه وسلَّم عبادة التفكر من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
( فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً ) (رواه أبو الشيخ الأصبهاني عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ)
والساعة في كلام الرسول صلى الله عليه وسلَّم أي اللحظة، وليست الساعة الستون دقيقة لأنها لم تكن موجودة في زمنه،
ولكن الساعة في كلام الله وكلام الرسول هي لحظة.
فلحظة تفكُّر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى تعادل عمل ستين سنة في طاعة الله سبحانه وتعالى في الأجر والثواب
عبادة التفكر من العبادات العالية والغالية التي كان يقوم بها الأنبياء في خلواتهم مع الله تبارك وتعالى، وهي إلى الآن وما بعد الآن عبادة الأفراد من الصالحين والمتقين، لأنها عبادة الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلَّم:
"لا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ" ( معجم الطبراني ومسند الشهاب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه)
او كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي خلقنا بقدرته واوجدنا بعظمته وجعلنا بفضله اهلا لعطائه ونعمه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا واوجدنا ورزقنا وتولى كل شئوننا وأمرنا على ذلك أن نشكره ووعدنا على الشكر بالمزيد فقال سبحانه وتعالى " لئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (7 ابراهيم)
وأشهد ان سيدنا محمد عبد الله ورسوله بلغ الرسالة واد الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يذيع عنها إلا هالك
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل على سيدنا محمد في الآخرين وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين
اما بعد اخي المؤمن
امر الله عز وجل كل مؤمن أن يتفكر
يتفكر في خلق الله ليهتدي الى معرفة الله سبحانه وتعالى ويخشع قلبه لجلال الله وعظمة الله جل في علاه ولذلك لما نزلت
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (190 آل عمران) على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدًا شكورًا، ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية:
{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ثم قال:
ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها)
أن المسلم إذا أراد ان يُثبِّت الإيمان في قلبه، وأن يُثبت الإيمان فيمن حوله من أولاده وبناته وزوجه وكل من حوله، يأخذهم إلى عبادة التفكر، وقد قال الله سبحانه وتعالى في ذلك:
" سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ " (53فصلت).
فالتفكر في هذه الآيات الكونية الخارجية، ثم في دقة صُنع الله عز وجل في جسم الإنسان وحقائق الإنسان كلها تدعوا الإنسان إلى الاندهاش والاعتبار من قدرة حضرة الرحمن سبحانه وتعالى، فيسلِّم بقدرة الله، ويُقر إقراراً قلبياً بأنه لا إله إلا الله، ويكون هذا إيماناً يقينياً صادقاً يدفعه إلى العمل بشرع الله، وإلى الخوف من معصية الله، ومن كل عملٍ خيرٍ يقربه إلى حضرة الله تبارك وتعالى.
وهذه العبادة ما أعظم القائمين بها، لأن أنبياء الله ورُسله هم أول من قام بها ودعوا الناس إليها في كل زمانٍ ومكان.
🤲نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وان يجعل نطقنا ذكرا وصمتنا فكرا ونظرنا عبرا🤲 ...
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب متابعة
صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد أبوزيد