الرئيسية
مقتطفات من تفسير آيات كتاب الله 
لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد 
الحلقة الحادية والعشرون : الإشارات الربانية حول الآيات ( 9 - 11 ) من سورة الأنفال ج 3 :-
يقول الحق عز وجل :- << إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) >>
<< إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ >> 
استغاث بالله فاستجاب له مولاه ، و < مُرْدِفِينَ> يعني متتابعين، وفي آيات أخرى بثلاثة آلاف، وفي آيات أخرى بخمسة آلاف، يعني بدأ بألف ثم بثلاثة آلاف ثم بخمسة آلاف من الملائكة الكرام، مدداً لجند الله حول النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
كانوا من طول سفرهم عندما نظروا إلى الأعداء ورأوا كثرتهم فامتنع النوم، فألقى الله عز وجل عليهم النوم، حتى قال الإمام علىٌّ رضي الله عنه ، وكرَّم الله وجهه :-
نظرت إلى القوم فوجدتهم كلهم نياماً إلا النبي صلى الله عليه وسلم يقف ويصلي ويدعو الله، وبلال .
والمهم أن المشركين لم يلتفتوا ولم ينتبهوا إلى ذلك، وإلا قضوا عليهم وهم نيام، لكنهم كانوا في حفظ الحفيظ .
عدُّوا الآيات :- << إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ >>
والنعاس هنا يعني النوم الخفيف ، وهو الذي إذا اقترب أحدٌ منه يستيقظ فوراً ، وليس بالنوم العميق ،
لأن النوم العميق اسمه الثُبات، والنوم الخفيف إسمه النُعاس، لأن من ينام وهو جالس يقال له: نعسان، لكن الذي ينام ويستريح نقول عنه: نام في ثُباتٍ عميق.<< إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ >>.. ليجددوا النشاط ويصبحوا في الصباح على تمام الأهبة، فالذي لا ينام لا يستطيع أن يقاتل في الصباح.
كان الذين مع النبي قد أُجهدوا من السير في البيداء أي الصحراء ، والإنسان إذا تعب بدنه تعباً شديداً ونام ، غالباً ما يُصيبه احتلامٌ في هذا النوم ، واستيقظ معظمهم وقد أصابتهم جنابة الإحتلام ، فتغامز المرجفون بينهم:-
كيف تقولون أنكم على الحق وأن النبي على الحق ولا تجدون ماءاً تغتسلون به؟!
وتُصلُّون مجنبين وستحاربون مجنبين، ومن أين تشربون؟!وكيف تحاربون في هذه الأرض التي تغرز فيها الإقدام؟!<< وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً >>فجاء مدد السماء من الماء: عليكم أنتم فقط، ولم ينزل على الكافرين في الجهة الأخرى نقطة ماءٍ واحدة إلا قليلٌ من الماء ليجعل الأرض عندهم زلقة، فكلما مشوا عليها تنزلق عليها أقدامهم.
ماذا يصنع الله عز وجل بهذا الماء الذي نزل؟<< لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ >>
.. وهي وسوسة الشيطان، فقالوا:- كيف نكون من عباد الرحمن ونصلي مجنبين؟ وكيف نحارب؟ .. فذهبت هذه الوسوسة.<< وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ >>-------------> أي أن مدد الله موصول ، وأن معونة الله دائمة لا ريب فيها، وهذا الماء من غزارته في الموضع الذي كانوا فيه صنعوا حياضاً ملئوها بالماء، وتماسكت ذرات الرمال
فأصبح السير عليها سهلاً، بينما الأرض التي عليها الكافرون أصبحت زلقة كلما مشي عليها أحدهم زلقت قدمه، أو زلقت أقدام فرسه فلا يستطيع السير، فكانت هذه أول الآيات البينات.
يتبع بمشيئة الله الجزء الرابع 