حسن أحمد حسين العجوز



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

حسن أحمد حسين العجوز

حسن أحمد حسين العجوز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
حسن أحمد حسين العجوز

منتدى علوم ومعارف ولطائف وإشارات عرفانية



    منافع الحج

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1942
    تاريخ التسجيل : 29/04/2015
    العمر : 57

    منافع الحج Empty منافع الحج

    مُساهمة من طرف Admin الأحد يوليو 10, 2022 9:46 am

    منافع الحج
    الحمد لله ربِّ العالمين، يُعِزُّ مَنْ ذكره، ويزيد مَنْ شكره، ويجعلهم جميعاً من السفرة الكرام البررة.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع الخلق جميعاً بنعماه، وأفاض عليهم ظاهراً وباطناً عطاياه وجدواه، وطلب منهم مقابل ذلك شيئاً واحداً زهيداً يسيراً على ألسنتهم وهو ذكر الله.
    سبحانه سبحانه ... يرضى بالقليل ويثيب على الكثير. يرضى من عباده أن تتحرك شفاههم بذكره، ويعطيهم بذلك من الأجر والثواب ما لا تطلع عليه الأنفس، ولا تدركه العقول، ولا تتحمله القلوب، لأنه عطاء من الحبيب المحبوب لأهل الطاعة والإيمان.
    وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، كان لا يجلس إلا على ذكر الله، ولا يقوم إلا على ذكر الله، ولا يفعل عملاً صغيراً أو كبيراً إلا على ذكر الله، حتى كان - كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان يذكر الله على كل أحيانه).
    اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد الذاكرين، وإمام الشاكرين، وخيرة خلق الله من النبيين والمرسلين، وآله وأصحابه وكل من اتبع هداه إلى يوم الدين، آمين.
    (أما بعد).. إخواني وأحبابي: استمعنا سوياً قبل الصلاة إلى آيات من كتاب الله عزَّ وجلّ تتحدث عن الحج إلى بيت الله الحرام، وتبين هيئته وكيفيته، وتتحدث عن حكمة الحج التي فرضها الله علينا، ولأن حكم الحج كثيرة وكثيرة لا نستطيع أن نحيط بها في هذا الوقت القصير، فسنقف عند حكمة واحدة، جامعة مانعة، من أجلها أوجب الله علينا جميع الطاعات، وفرض علينا جميع القربات، وتجتمع فيها جميع العبادات!! فعندما فرض علينا الحج، قال لخليله عليه السلام: } وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ { (27-الحج). وما الحكمة؟ } لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم { (28-الحج)،
    حكمتين اثنتين:
    الحكمة الأولى: } لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ { أي جهزها الله لهم في تلك الأماكن، وهي منافع عاجلة ومنافع آجلة. أما المنافع العاجلة: فهي أن يتوب عليهم، ويغفر لهم ذنوبهم، ويردَّهم كما ولدتهم أمهاتهم خالصين من الذنوب والخطايا، مستورين ومجبورين من الآثام والعيوب، ويستجيب دعائهم، ويصلح أحوالهم، ويجيبهم في أحبابهم. فقد قال صلى الله عليه وسلم: {يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[2].
    والهدف المشترك بين جميع العبادات: } وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم {. ولم يكتف بأن هذه هي الحكمة العالية والغاية السامية من تلك العبادات الراقية، ولم يكتف بالتنبيه عنها وكلها في تلك الآية، بل في كل خطوة من خطوات الحاج يذكِّرهم بتلك الحكمة. فعندما ينزلوا من عرفات يقول الله لهم جميعاً: } فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ { (198-البقرة). فمرة يقول: } وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ { (203-البقرة)، ومرة يقول: } وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ { (28-الحج). أي اجعلوا ذكر الله هو الغاية العظمى فالغاية العظمى من الحج في كل خطواته وحركاته وسكناته هي ذكر الله.
    وكذلك الصلاة فيقول فيها الله: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ { (9-الجمعة) . فهو ذكر الله، وذكر الله هنا التذكير، فهو في هذا الموقف التذكير بالوعد والوعيد، والجنة والنار، في الطاعات والقربات، بآيات من كتاب الله وبأحاديث رسول الله، من باب فضل الله عزَّ وجلّ: } وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ { (55-الذاريات) . و } وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي { (14-طه).
    والصلاة فيها ذكر الله.. فيها التحميد والتكبير والتهليل.. وفيها تلاوة كتاب الله وكلها في حركات الصلاة وكل حركة من حركاتها لها ذكر مخصوص يحب أن يسمعه الله من عباده المؤمنين: } إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ { (45-العنكبوت)، فكلها أحوال ذكر. وكذلك الصيام فالهدف منه: } وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { (185-البقرة)، يعني من العبادات الجسمانية الهدف منها آية الذكر.
    وقد علمنا صلى الله عليه وسلم أنه ما أقيمت الصلاة وما فرض الصيام ولا نُسك الحجُّ إلا لذكر الله عزَّ وجلّ!، لماذا؟ ليعرفنا أن الدرجة الأولى في حياتنا هو ذكره سبحانه وتعالى. وليس هناك نهاية لنعم الله عزَّ وجلّ. فلو حاول الواحد فينا أن يعد نعم الله عليه في نفس واحد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً: } وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا { (18-النحل).
    نعمة واحدة إذا كانت ظاهرة أو باطنة بل نعمة واحدة من نعم الواحد كنعمة البصر أو السمع أو الكلام أو العقل أو الحركة أو القدرة أوالإرادة أو الحياة أو الرزق. نعم ليس لها نهاية نعمة واحدة منها لا يستطيع الواحد أن يحدها أو يحصرها من معطيها عزَّ وجلّ، ولكنه عزَّ وجلّ طلب منا أن نذكره على ذلك، وطلب منا أن نشكره على ذلك.
    فإذا قمت من نومي وقد وهبني الحياة بعدما كنت في نومي كالأموات كما ذكر الله عزَّ وجلّ: } اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى { (42-الزمر)، عندما أقوم من نومي وقد وهب لي الحياة لابد أن أشكره وأذكره وأقول كما علمني الرسول صلى الله عليه وسلم: {الْحَمْدُ لّلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[3]، فأشكره على أن وهب لي الحياة.
    وإذا نظرت إلى نعمة الأكل أذكره وأشكره وأقول {الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنـي هذا ورَزَقَنِـيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منِّـي ولا قُوَّة}[4]، وإذا أعطاني ماءاً أقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْباً فُرَاتاً بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحاً أُجَاجاً بِذُنُوبِنَا}[5] أي نعمة من النعم حتى نعمة الشهوة عندما انتهي منها أقول: {الحمد لله الذي جعل من الماء نسباً وصهراً وكان ربك قديراً} لازم الإنسان يشكر الله على نعمائه. هي صحيح كلمات وليست شكراً وافيًّا،ً ولا شكراً إيجابياً، لكن الله يقبلها منا ويدخرها لنا، ويعطينا عليها من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
    إذاً كل العبادات يا إخواني تهدف إلى ذكر الله عزَّ وجلّ وليس حلقات الذكر فقط هي الذكر. لكن ذكر الله حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله عزَّ وجلّ وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله. حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها. ماذا علمني؟ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلىٰ كُلِّ حَالٍ }[6].
    ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي، أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي، لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله عزَّ وجلّ. وإذا جاءت مصيبة في نظري، فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن، لقوله عزَّ وجلّ: } وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ { (216-البقرة).
    فبنو إسرائيل لما اعتقدوا أن الموت نقمة، وذهبوا إلى سيدنا موسى وألحوا عليه، وقالوا له: يا كليم الله اطلب من ربك عزَّ وجلّ أن يرفع عنا الموت، فلا يموت منا أحد - وكانوا قوماً شداداً في المكابرة والعناد. فلما ذهب موسى عليه السلام إلى ربِّه وطلب منه ذلك، فرفع عنهم الموت، وابتلاهم بالأوجاع والأسقام، والفقر وقلة الأقوات. فالمريض يشكو مُرَ الشكوى من الألم ولا يجد من يريحه، وليس هناك موت كما طلبوا. واشتد القحط وقلت الأقوات حتى أكلوا القطط والكلاب من قلة الأقوات، وبخلت السماء بالماء وبخلت الأرض بالنبات، وكانوا يأكلون بعضهم من قلة الأقوات والأرزاق ولا يجدون مناصاً ولا مخلصاً لهم.
    وبعد خمس سنوات ذهبوا إلى موسى وقالوا له: اطلب من الله عزَّ وجلّ أن يأتينا بالموت، لقد اشتقنا إلى الموت. قال: يا قوم ألم تطلبوا ذلك؟!! ألم أنهاكم عنه وأنتم أصررتم على ذلك؟!! قالوا: ما كنا نعلم بالحكمة العالية التي من أجلها بعثه الله عزَّ وجلّ. فدعا الله عزَّ وجلّ فاستجاب الله له، ووجدوا أن الموت هو المصيبة فيما بينهم، ووصفه ربنا على قدرنا أنه مصيبة وقال: } فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ { (106-المائدة).
    لأن الموت يريح من اشتكى من السَقم ولا يجد من يريحه من شدة الألم، ويفتح للناس الأبواب لكي يأخذ كل واحد منهم دوره في الحياة، فلا يتمتع الشيوخ الكبار على حساب الشباب، بل لكل واحد منهم قسط معلوم، ومصير من الأقوات والأرزاق ونعم الحي القيوم، فعلينا أن نقول عند الموت: الحمد لله على نعمه. وحتى المرض فهو نقمة على الكافرين لكنه نعمة للمؤمنين. كيف يكون المرض نعمة؟ لأن الله عزَّ وجلّ يطهِّر به المسلم من خطاياه، ويغسله من ذنوبه وآثامه، حتى ورد فى الأثر أن: {مرض يوم يكفر ذنوب سنة}.
    وهذا إنما هو للمريض الصابر الذي لا يجزع ولا يشكو الله، ولا يقول: لم خصصتني يا ربَّ بهذا الهمّ؟ ولم ابتليتني بهذا الغمّ وأنا أصلي وفلان لا يصلي؟ لأن هذا اختياره بعلم وحكمة، وهذا اختيار العليم الحكيم عزَّ وجلّ.
    فالمريض الصابر - الذي لا يشكو من مثل هذا - كل يوم من أيامه يكفر عنه ذنوب سنة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: يقول الله في الحديث القدسي: { أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ، فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ، حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي، وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ، وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إيتَنِفِ العَمَلَ – استكمل العمل} [7].
    ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أن يمرض الرجل منهم قبل موته لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه: أنه إذا أحب الله عبداً أمرضه قبل موته، لماذا؟ ليرحمه ويمحو الذنوب التي عليه ويبدلها بحسنات ومكان الحسنة بعشر حسنات ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء على حسب قوة إيمانه وعلى حسب صبره وقدرته على تحمل المرض.
    حتى المرض يا إخواني نعمة من نعم الله عزَّ وجلّ لكن ليس معنى ذلك أن نرضى به ونسلم به ونترك التداوي وقد قال صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إِلاَّ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً}[8]. علينا أن نأخذ بالأسباب التي أوجدها مسبب الأسباب عزَّ وجلّ.
    إن المؤمن يا إخواني عليه آناء الليل وأطراف النهار أن يذكر الله، وعليه أن يشكره، وعليه أن يستعين بنعمه، وعليه أن يؤدي ما عليه من واجبات ذكره وشكره إذا واجهه ولو بالقليل من نعمه وفضله عزَّ وجلّ، حتى يدخل في ساحة الرضوان فيمن قال فيهم: } الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ { (191-آل عمران) ، أويدخل في قول الله عزَّ وجلّ: } رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ { (37-النور)، فيدخل في هؤلاء القوم الذين سيكرمهم الله، والذين لا يندمون لحظة الخروج من هذه الحياة ولا يندمون يوم لقاء الله، ولا يندمون حتى بعد دخولهم في جنة المأوى وفي رحاب الله عزَّ وجلّ.
    والمؤمن لحظة خروج روحه يرى ما له من الثواب العظيم على العمل اليسير فيكشف المولى ما له من الأجر العظيم على عمله في طاعة الله وعلى ذكره في ذكر الله وعلى صبره وعلى حكمته في هذه الحياة فينادي ويقول كما قال الله: } يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ { (26:27-يس).
    والذكر ليس له شروط، فلا يحتاج إلى وضوء، ولا إلى مكان معد ومحدد مثل هذا، بل يجوز في الشارع، ويجوز في السوق، ويجوز في العمل، ويصح في البيت، ويصح على وضوء وعلى غير وضوء، بل يجوز حتى على الجنابة. فالجنب لا يصلي، ولا يقرأ كتاب الله، ولا يمسُّ المصحف، ولكنه يجوز له أن يذكر الله عزَّ وجلّ!!
    فأين العذر عندما يسألني الله؟ ماذا أقول له؟ كنت مشغولاً بالأرزاق فيقول لي: وما شأنك بذلك؟ ألم أقل لك: } وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى { (132-طه).
    وكذلك في الآخرة، فالسابقون في هناء وسرور، من الطاعات والقربات، والنوافل وعمل الصالحات، فقد سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله عزَّ وجلّ. والمستهترون معناها الذين لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين. قال صلى الله عليه وسلم: {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىٰ اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَىٰ الرَّحْمنِ. سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ }[9]، وقال أيضاً: { سيروا فقد سَبَقَ المُفْردُونَ، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: المُفْرَدُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيٌّاتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً }[10]، وود عن ذى النون: (إذا أكرم الله عبداً ألهمه ذكره).
    وقد ورد أن رجلاً من العلماء العاملين هو الشيخ كمال الدين الأخميمي رضى الله عنه، ذهب إلى زيارة الشيخ عبد الرحيم القنائي في روضته - وهم من الصفاء يرون بعضهم ويتحادثون - فقال له الشيخ كمال الدين: يا سيدي أوصني. فقال له: يا بني لا تغفل عن ذكر الله طرفة عين فأنا كما ترى في عليين ومع ذلك أقول: } يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ { (56-الزمر).
    وقال صلى الله عليه وسلم: { أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ غَداً، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، ويَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذِكْرُ الله عَزَّ وجلَّ}[11].
    ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد أستاذ السابقين ومنار السائرين وآله وصحبه أجمعين، (أما بعد)..
    فيا إخواني وأحبابي: كل العبادات الإسلامية تهدف إلى ذكر الله، وذكر الله معناها استحضار عظمة الله ومراقبة جلال الله هذا الاستحضار وهذه المراقبة تملأ القلوب بالخوف من علام الغيوب عزَّ وجلّ.
    وفي هذا الشأن يقول المولى عزَّ وجلّ: } وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً { (205-الأعراف)، فيصير الإنسان عنده عقيدة في الله عزَّ وجلّ يعلم أنه يطلع عليه، ويعلم سرَّه وظاهره ونجواه، ويعلم أنه عزَّ وجلّ يعلم كل حركة من الحركات الباطنة في داخله. فإذا سار الإنسان بهذه النية، انظروا معي ماذا يكون حاله في أرض الله؟ هل ينصب على جاره - وهو يعلم أن الله يعلم سرّضه ونجواه ويسمع كلامه؟!! هل يغش أحداً من خلق الله - وهو يعلم في الحقيقة أنه يتعامل مع حضرة الله، وهو الذي سيحاسبه بعد مفارقة هذه الحياة؟!! هل يفعل شيئاً بجارحة من جوارحه يغضب الله - وهو يعلم أن الله يقول في قرآنه: } وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ { (105-التوبة). إذا فلا يستطيع أن يعصي الله لأنه يعلم - تمام العلم - أن الله يراه في حركاته وفي سكناته، ويعلم سرَّه ونجواه ويعلم كل أنفاسه.
    متى يسرق السارق؟ إذا نسى مراقبة الله. ومتى يغش الغاش؟ إذا نسى أن الله مطلع على عمله وسيحاسبه يوم لقائه. متى يغمز الغامز بعينه؟ أو بلسانه؟ أو بشفتيه؟ أو يحرك يديه استهزاءاً برجل من رجال الله أو عبد من عبيد الله؟ إذا نسى أن الله يطلع على عمله ويراه وسيحاسبه على ذلك، ونسى أنه قال: } وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ { (11-الحجرات) .
    لقد امتلأت قلوب المؤمنين بمراقبة الله عزَّ وجلّ وأصبحوا على أمرين إما رغبة في الله وثواب الله، أو خوفاً من عقابه وخشية من لقائه يوم لقاء الله فأصبح مجتمعنا مجتمعاً إيمانياً يقول فيه عزَّ وجلّ: } أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ { (29-الفتح).
    والتسبيح ذكر، والتهليل ذكر، وتلاوة القرآن ذكر، والصلاة على حضرة النبي ذكر، واستحضار عظمة الله ذكر وكل هذا يا إخواني ذكر الله: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا { (41-الأحزاب) .
    إخواني: لا تصغروا أنفسكم، ولا تسودوا صحائف أعمالكم باللغو وضياع الوقت، فقد قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ لاَ إِلهَ إلا الله أَتَتْ إِلَى صَحِيفَتِهِ فَلاَ تَمُرُّ عَلَى خَطِيئَةٍ إِلاَّ مَحَتْهَا حَتَّى تَجِدَ حَسَنَةً مِثْلَهَا فَتَجْلِسَ إِلَى جَنْبِهَا }[12]
    نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لذكره وشكره وحسن عبادته.
    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.
    عباد الله: } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { (90- النحل).
    وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر.
    **************************
    [1] كانت هذه الخطبة بالمسجد الكبير بكفر الجزار - بنها يوم الجمعة 17 من شوال 1413هـ الموافق 9/4/1993م.
    [2] رواه البزار والطبراني في الصغير عن أبي هريرة.
    [3] رواه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أبي ذر، وحذيفة.
    [4] رواه صاحب مسند الشاميين عن أنس.
    [5] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى جعفر مرسلا
    [6] رواه ابن ماجة في زوائده، والبيهقي في الدعوات والحاكم في المستدرك عن عائشة وأبو هريرة.
    [7] رواه السيوطي في الفتح الكبير والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة.
    [8] أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك.
    [9] رواه الطبراني والبخاري في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه عن أبي هريرة.
    [10] رواه الطبراني والترمذي ومسلم عن أبي الدرداء وأبي هريرة.
    [11] رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء.
    [12] أخرجه أبو يعلى من حديث أنس.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 3:06 pm