استثمار المؤمن
في الدنيا والآخرة
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله رب العالمين، خلقنا بقدرته ودبَّر أمورنا كلها ظاهراً وباطناً بحكمته، وأمرنا أن نشكره على ذلك سبحانه بحُسن عبادته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغني بذاته وصفاته عن جميع مخلوقاته،
سبحانه سبحانه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، والأمر في ذلك كما قال كتابه المبين:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (15الجاثية).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أول العابدين وحامل لواء الحمد للخلائق أجمعين يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعلنا به مقتدين، وعلى هديه سائرين، وارزقنا شفاعته واجعلنا تحت لواء حمده وكرمه يوم الدين، واجعلنا من أهل جواره في جنة الفردوس أجمعين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
إن الله عز وجلّ لم يترك للمؤمن شيئاً ينفعه في دنياه أو يرفعه في أخراه إلا وبينه له في كتاب الله ووضحه له على لسان حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم،
لقد جعل الله عز وجلّ الدنيا ليعمِّرها الإنسان على منهج الرحمن وقال مشيراً إلى ذلك في القرآن :
﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الارْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ (هود:61)
أنشأنا من الأرض وأمرنا بعمارتها وأن نعمرها على المبادئ الإلهية والسنن التشريعية التي جاء بها خير البرية صلى الله عليه وسلم
وجعل الله عز وجلّ الدنيا في الإساس كلها للمؤمن سوقاً يُحصّل منه بضاعة الآخرة ويشترى منه سلع الجنة ويـأخذ به ما يستعين به على الحياة الباقية بجوار الباقي تبارك وتعالى .
وفي ذلك ما ورد في الأثر :
[ الدنيا سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر ]
فالدنيا كلها للمؤمن سوق يتاجر فيه
من الناس من يتاجر لحظ نفسه
ومنهم من يتاجر فيها لهوى طبعه
ومنهم من يشتغل فيه بشهواته وحظه
لكن المحمود عند الله والذى أمرنا أن نكون على هُداه في كتاب الله هو ما قال فيه الله منادياً علينا اجمعين :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا .. (نعم يا رب) .. هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الصف:10)
التجارة التي تُنجى الإنسان من عذاب السعير و التجارة المهمة التي يحرص عليها المؤمن
"تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) ﴾ (الصف:12)
فالتجارة التي تنجى من عذاب أليم هي تجارة الإيمان بالله ورسوله
جعل ربنا سبحانه وتعالى هذه التجارة في الدنيا كلها للمؤمن الكيّس الفطن التقى النقي من لحظة بلوغه إلى ساعة خروجه وهو يتاجر مع الله حتى وهو نائم حتى وهو يأكل وهو يشرب وهو يعمل وهو يداعب أولاده كل حركاته وسكناته بثمن، وثمن عظيم وأجرٍ كريم
من الذى يشترى هذه البضاعة ؟
هو الله عز وجلّ بذاته وكماله وأسمائه وجماله وصفاته سبحانه وتعالى ..
أين هذا الكلام ؟ في القرآن :
﴿ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة:111)
من الذى يريد أن يبيع لله ؟ نحن المؤمنون
بضاعة الدنيا كلنا نبيعها لخلق الله، ومن يخدعنا ومن يغشنا
لكن بضاعة الإيمان من يشتريها ؟
الله عز وجلّ :
"إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"
فهذه بضاعة المؤمنين ..
وماذا يشترى منهم ؟
"أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ"
وما هو الثمن الذى يدفعه لهم ؟
"بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ"
وكيف يستلم منهم البضاعة وكيف يأخذها منهم ؟ كما قال ربنا
"يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" (التوبة:111)
من يقاتل في سبيل الله لن يقاتل ال ي ه و د والكفار فقط ..
منهم من يقاتل الشيطان وهذا قال فيه :
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ ( فاطر:6 ) هذا قتال،
وهناك قتالٌ آخر وهو قتال النفس،
وهناك من يقاتل الحظ والشهوة،
ومن يقاتل الهوى
وهناك من يقاتل الأحقاد والأحساد والأنكاد الموجودة في صدره وفؤاده ويجعلها لا تؤثّر وتتأثر بخلق الله ..
جهاد طويل وكله في سبيل الله عز وجلّ،
وهذه يا إخواني هي تجارة المؤمنين مع الله عز وجلّ .
ما هي البضاعة التي يشتريها منا الله ؟ ولا أحد يستطيع أن يشتريها من عالم الدنيا ولا من من أهل الدنيا ..
هل يستطيع أحدٌ أن يشترى منا الكلام ؟ بضاعة الكلام ..
من الذى يشترى منا النية ؟
عندما أنوى لشيء أو أعمله هل سيحاسبني عليها أحد ؟
لن يحاسبني أحد على عملٍ إلا بعد إتمامه .
لكن الكريم بمجرد أنك تنوى العمل يُعطيك أجرك
قال صلى الله عليه وسلم :
"مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كُتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ" (رواه مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه)
فكونك أنت تُحرّك قلبك وتنوى بخاطرك أو يخطر ببالك فعل خير أو عمل بر أو رغبة في عمل للدار الآخرة، فعلى الفور تخرج لك الفاتورة من ملك الملوك ويحاسبك على هذا العمل ويقول في هذا الشأن :
﴿ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ﴾ (الكهف:30)
لن يضيّع أحداً ولن يخْدع في تجارته أو بضاعته مع الله عز وجلّ،
ومن كرمه عز وجلّ أنه يأخذ بضاعتك ويستثمرها لك ويُنميها ويُزكّيها فيكون العمل البسيط الذى تعمله أنت لا تعُدّه شيئاً، ويوم القيامة تجده عملاً كثيراً ..
فإذا تحدثت وقلت : سبحان الله مع النية تُكتب لك حسنة،
إذا تكلمت ونطقت أي شيءٍ من ذكر الله مثل :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أو استغفار أو أي شيءٍ من ذكر الله، يأخذه ويجعله روح وكل تسبيحة يخلق الله عز وجلّ في عالم ملكوته روحٌ فيها حياة وفيها حركة، وهذه الروح تتحرك وتصل إلى عرش الله وتطوف حول العرش تُردد الذكر الذى ذكرته بها لله إلى يوم القيامة، وكل هذا يذهب إلى رصيدك .
من الذى يستطيع أن يحسب هذا الاستثمار يا إخواني ؟
قال فيه صلى الله عليه وسلم :
"إنَّ مما تذكرون من جلالِ اللهِ : التَّسبيحَ والتهليلَ والتحميدَ ، ينعطِفْنَ حولَ العرشِ ، لهن دويٍّ كدويِّ النحلِ ، تُذَكِّرُ بصاحبها ، أما يحبُّ أحدُكم أن يكونَ له – أو لا يزالُ له – من يُذكِّرُ به" (صحيح بن ماجة عن النعمان بن بشير رضي الله عنه)
﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ﴾ (الكهف:46)
وهناك استثمار آخر بينه لنا القرآن والنبي العدنان صلى الله عليه وسلم
لو أنفقت مما أعطاني الله
﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ (الحديد:7)
السيدة عائشة رضي الله أتاها سائِلًا وعِنْدَها سَلَّةٌ مِن عِنَبٍ فَأخَذَتْ حَبَّةً مِن عِنَبٍ فَأعْطَتْهُ فَقِيلَ لَها في ذَلِكَ فَقالَتْ:
هَذِهِ أثْقَلُ مِن ذَرٍّ كَثِيرٍ ثُمَّ قَرَأتْ "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ" (البيهقي عن عائشة رضي الله عنها)
يستهترون بالحبّة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :
"اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ" (ابن حبان عن عدي بن حاتم )
لوجاءه سائل وأعطاه نصف تمرة ــ ماذا يحدث ؟
يجدها مثل الجبل حسنات وثواب عند الله عز وجلّ
قال صلى الله عليه وسلم:
"من تصدق بعَدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل" (رواه البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه)
هذه هو الاستثمار مع الله عز وجلّ
قال صلى الله عليه وسلم
"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر ، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
🤲أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين
تجارة المؤمن مع الله بكل أنفاسه، أي عمل يعمله ولكن ينوى بقلبه أن هذا العمل لله وتنوى فيه نية طيبة لله فيكون هذا العمل على الفور يأتي يوم القيامة ــ ونحن كلنا بعد أن يعطينا العطاء والجزاء وحُسن المكافأة .. ماذا يقول ؟
﴿ وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ (الإنسان:22)
سعيكم كله مشكور لأن ربنا لن يترك أحداً أبداً إلا وأعطاه :
﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ (النساء:40)
وعندما يقول أجراً عظيما فماذا يكون قدره ؟
ليس له حدود ولا نهاية لمن يستثمر مع الله عز وجلّ .
فيكون المؤمن من وقت البلوغ إلى لحظة الرجوع إلى ملك الملوك وهو يتاجر مع الله بأنفاسه وحركاته وسكناته وأقواله وأعماله التي هي على منوال الشرع الشريف ومعها نية كريمة لله عز وجلّ
🤲نسأل الله سبحانه أن يحبب إلينا فعل الخيرات واستباق النوافل والقربات، وأن يحفظنا من جميع المعاصي والمخالفات .... 🤲ثم الدعاء🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
--------------- أو-------------------
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد ابوزيد
في الدنيا والآخرة
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله رب العالمين، خلقنا بقدرته ودبَّر أمورنا كلها ظاهراً وباطناً بحكمته، وأمرنا أن نشكره على ذلك سبحانه بحُسن عبادته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغني بذاته وصفاته عن جميع مخلوقاته،
سبحانه سبحانه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، والأمر في ذلك كما قال كتابه المبين:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (15الجاثية).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أول العابدين وحامل لواء الحمد للخلائق أجمعين يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعلنا به مقتدين، وعلى هديه سائرين، وارزقنا شفاعته واجعلنا تحت لواء حمده وكرمه يوم الدين، واجعلنا من أهل جواره في جنة الفردوس أجمعين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
إن الله عز وجلّ لم يترك للمؤمن شيئاً ينفعه في دنياه أو يرفعه في أخراه إلا وبينه له في كتاب الله ووضحه له على لسان حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم،
لقد جعل الله عز وجلّ الدنيا ليعمِّرها الإنسان على منهج الرحمن وقال مشيراً إلى ذلك في القرآن :
﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الارْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ (هود:61)
أنشأنا من الأرض وأمرنا بعمارتها وأن نعمرها على المبادئ الإلهية والسنن التشريعية التي جاء بها خير البرية صلى الله عليه وسلم
وجعل الله عز وجلّ الدنيا في الإساس كلها للمؤمن سوقاً يُحصّل منه بضاعة الآخرة ويشترى منه سلع الجنة ويـأخذ به ما يستعين به على الحياة الباقية بجوار الباقي تبارك وتعالى .
وفي ذلك ما ورد في الأثر :
[ الدنيا سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر ]
فالدنيا كلها للمؤمن سوق يتاجر فيه
من الناس من يتاجر لحظ نفسه
ومنهم من يتاجر فيها لهوى طبعه
ومنهم من يشتغل فيه بشهواته وحظه
لكن المحمود عند الله والذى أمرنا أن نكون على هُداه في كتاب الله هو ما قال فيه الله منادياً علينا اجمعين :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا .. (نعم يا رب) .. هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الصف:10)
التجارة التي تُنجى الإنسان من عذاب السعير و التجارة المهمة التي يحرص عليها المؤمن
"تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) ﴾ (الصف:12)
فالتجارة التي تنجى من عذاب أليم هي تجارة الإيمان بالله ورسوله
جعل ربنا سبحانه وتعالى هذه التجارة في الدنيا كلها للمؤمن الكيّس الفطن التقى النقي من لحظة بلوغه إلى ساعة خروجه وهو يتاجر مع الله حتى وهو نائم حتى وهو يأكل وهو يشرب وهو يعمل وهو يداعب أولاده كل حركاته وسكناته بثمن، وثمن عظيم وأجرٍ كريم
من الذى يشترى هذه البضاعة ؟
هو الله عز وجلّ بذاته وكماله وأسمائه وجماله وصفاته سبحانه وتعالى ..
أين هذا الكلام ؟ في القرآن :
﴿ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة:111)
من الذى يريد أن يبيع لله ؟ نحن المؤمنون
بضاعة الدنيا كلنا نبيعها لخلق الله، ومن يخدعنا ومن يغشنا
لكن بضاعة الإيمان من يشتريها ؟
الله عز وجلّ :
"إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"
فهذه بضاعة المؤمنين ..
وماذا يشترى منهم ؟
"أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ"
وما هو الثمن الذى يدفعه لهم ؟
"بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ"
وكيف يستلم منهم البضاعة وكيف يأخذها منهم ؟ كما قال ربنا
"يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" (التوبة:111)
من يقاتل في سبيل الله لن يقاتل ال ي ه و د والكفار فقط ..
منهم من يقاتل الشيطان وهذا قال فيه :
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ ( فاطر:6 ) هذا قتال،
وهناك قتالٌ آخر وهو قتال النفس،
وهناك من يقاتل الحظ والشهوة،
ومن يقاتل الهوى
وهناك من يقاتل الأحقاد والأحساد والأنكاد الموجودة في صدره وفؤاده ويجعلها لا تؤثّر وتتأثر بخلق الله ..
جهاد طويل وكله في سبيل الله عز وجلّ،
وهذه يا إخواني هي تجارة المؤمنين مع الله عز وجلّ .
ما هي البضاعة التي يشتريها منا الله ؟ ولا أحد يستطيع أن يشتريها من عالم الدنيا ولا من من أهل الدنيا ..
هل يستطيع أحدٌ أن يشترى منا الكلام ؟ بضاعة الكلام ..
من الذى يشترى منا النية ؟
عندما أنوى لشيء أو أعمله هل سيحاسبني عليها أحد ؟
لن يحاسبني أحد على عملٍ إلا بعد إتمامه .
لكن الكريم بمجرد أنك تنوى العمل يُعطيك أجرك
قال صلى الله عليه وسلم :
"مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كُتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ" (رواه مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه)
فكونك أنت تُحرّك قلبك وتنوى بخاطرك أو يخطر ببالك فعل خير أو عمل بر أو رغبة في عمل للدار الآخرة، فعلى الفور تخرج لك الفاتورة من ملك الملوك ويحاسبك على هذا العمل ويقول في هذا الشأن :
﴿ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ﴾ (الكهف:30)
لن يضيّع أحداً ولن يخْدع في تجارته أو بضاعته مع الله عز وجلّ،
ومن كرمه عز وجلّ أنه يأخذ بضاعتك ويستثمرها لك ويُنميها ويُزكّيها فيكون العمل البسيط الذى تعمله أنت لا تعُدّه شيئاً، ويوم القيامة تجده عملاً كثيراً ..
فإذا تحدثت وقلت : سبحان الله مع النية تُكتب لك حسنة،
إذا تكلمت ونطقت أي شيءٍ من ذكر الله مثل :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أو استغفار أو أي شيءٍ من ذكر الله، يأخذه ويجعله روح وكل تسبيحة يخلق الله عز وجلّ في عالم ملكوته روحٌ فيها حياة وفيها حركة، وهذه الروح تتحرك وتصل إلى عرش الله وتطوف حول العرش تُردد الذكر الذى ذكرته بها لله إلى يوم القيامة، وكل هذا يذهب إلى رصيدك .
من الذى يستطيع أن يحسب هذا الاستثمار يا إخواني ؟
قال فيه صلى الله عليه وسلم :
"إنَّ مما تذكرون من جلالِ اللهِ : التَّسبيحَ والتهليلَ والتحميدَ ، ينعطِفْنَ حولَ العرشِ ، لهن دويٍّ كدويِّ النحلِ ، تُذَكِّرُ بصاحبها ، أما يحبُّ أحدُكم أن يكونَ له – أو لا يزالُ له – من يُذكِّرُ به" (صحيح بن ماجة عن النعمان بن بشير رضي الله عنه)
﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ﴾ (الكهف:46)
وهناك استثمار آخر بينه لنا القرآن والنبي العدنان صلى الله عليه وسلم
لو أنفقت مما أعطاني الله
﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ (الحديد:7)
السيدة عائشة رضي الله أتاها سائِلًا وعِنْدَها سَلَّةٌ مِن عِنَبٍ فَأخَذَتْ حَبَّةً مِن عِنَبٍ فَأعْطَتْهُ فَقِيلَ لَها في ذَلِكَ فَقالَتْ:
هَذِهِ أثْقَلُ مِن ذَرٍّ كَثِيرٍ ثُمَّ قَرَأتْ "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ" (البيهقي عن عائشة رضي الله عنها)
يستهترون بالحبّة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :
"اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ" (ابن حبان عن عدي بن حاتم )
لوجاءه سائل وأعطاه نصف تمرة ــ ماذا يحدث ؟
يجدها مثل الجبل حسنات وثواب عند الله عز وجلّ
قال صلى الله عليه وسلم:
"من تصدق بعَدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل" (رواه البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه)
هذه هو الاستثمار مع الله عز وجلّ
قال صلى الله عليه وسلم
"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر ، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
🤲أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين
تجارة المؤمن مع الله بكل أنفاسه، أي عمل يعمله ولكن ينوى بقلبه أن هذا العمل لله وتنوى فيه نية طيبة لله فيكون هذا العمل على الفور يأتي يوم القيامة ــ ونحن كلنا بعد أن يعطينا العطاء والجزاء وحُسن المكافأة .. ماذا يقول ؟
﴿ وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ (الإنسان:22)
سعيكم كله مشكور لأن ربنا لن يترك أحداً أبداً إلا وأعطاه :
﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ (النساء:40)
وعندما يقول أجراً عظيما فماذا يكون قدره ؟
ليس له حدود ولا نهاية لمن يستثمر مع الله عز وجلّ .
فيكون المؤمن من وقت البلوغ إلى لحظة الرجوع إلى ملك الملوك وهو يتاجر مع الله بأنفاسه وحركاته وسكناته وأقواله وأعماله التي هي على منوال الشرع الشريف ومعها نية كريمة لله عز وجلّ
🤲نسأل الله سبحانه أن يحبب إلينا فعل الخيرات واستباق النوافل والقربات، وأن يحفظنا من جميع المعاصي والمخالفات .... 🤲ثم الدعاء🤲
وللمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
--------------- أو-------------------
الدخول على موقع فضيلة
الشيخ فوزي محمد ابوزيد