الدين مصدر سعادة لا شقاء
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
**************************************
الحمد لله رب العالمين، أرسل الرسل من عنده بإذنه مبشرين ومنذرين، وجعل بسببهم وبسبب رسالاتهم صلاح الدنيا والسعادة يوم الدين.
سبحانه .. سبحانه، علمه بما كان كعلمه بما سيكون، وأمره في كل شأنٍ بين الكاف والنون:
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (82يس).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق العباد وهو أعلم بهم، يعلم ما السبب والسبيل إلى إصلاحهم، ولا سبيل إلى الإصلاح إلا بإصلاح النفوس، ولا صلاح للنفوس إلا بالهداية الربانية من عند المليك القدوس عزَّ وجلَّ.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أرسله الله عزَّ وجلَّ على حين فترة من الرسل، فعلَّم به بعد جهالة، وجمع به بعد فُرقة، وأغنى به بعد فاقة، وأعزَّ بعد ذلة.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الذي جمعت لنا وله الخير في قرآنك الكريم، وآله الطبيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
إذا نظرنا نظرةً إلى الدنيا التي نحن فيها الآن، نجد فيها مشاكل لا تُعد ولا تُحد في مختلف البلدان،
فالبلاد الغنية بما أعطاها الله من خيرات تزداد فيها المشاكل وتجد أهلها يعيشون في حسرات، والبلاد التي بلغت المدى في مجال العلم لا يستطيعون إصلاح نفوسهم ولا تقويم أخلاقهم بالعلم الذي تعلموه. إذن ما السبيل إلى إصلاح البشرية؟!!
لا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى ربِّ البرية عزَّ وجلَّ، فهو سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان، وجعل في كل إنسانٍ نفساً أمارةً، وصفها الرحمن وقال فيها في محكم القرآن:
(إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (53يوسف).
إذا تُركت وغيِّها تجدها تميل إلى الظلم، وتميل إلى الفساد، وتميل إلى الجدال وإلى العناد. وصف الله عز وجل بعض أخلاقها في كتاب الله، فقال عن الإنسان الذي لم يستضئ بنور الله، ولم يهتد بشرع الله:
(إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (72الأحزاب).
من طبيعته الظلم، ومن طبيعته الجهل وعدم العلم بما ينفعه في الدنيا وما يرفعه في الميعاد يوم لقاء الله.
من طبيعته العجلة:
(وَكَانَ الانْسَانُ عَجُولا) (11الإسراء).
من طبيعته البخل والتقتير:
(وَكَانَ الانْسَانُ قَتُورًا) (100الإسراء).
ولا إصلاح لهذه النفس البشرية إلا بالرسل الذين يجتبيهم ويصطفيهم الله، ويُعلِّمهم ويُوحي إليهم بوحيٍ من عنده، لينزلوا إلى البشرية صالحين ومصلحين، يصلحون أنفسهم أولاً ثم يقومون بإصلاح البشرية،
وفي ذلك يقول نبي الله شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام:
(إِنْ أُرِيدُ إِلا الاصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (88هود).
لا يريدون إلا الإصلاح، ولا إصلاح للبشرية إلا بالعودة للقيم الإلهية؛ الصدق والمروءة والوفاء، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، والمودة والمحبة والشفقة والحنان، والتعاون في عمل البرِّ والتقوى، وتنزيه النفس والقلب من كل ما لا يحبه الرحمن من البُغض والكراهية، والأحقاد والأحساد، والتنافس في الفانيات. كل هذه الأمور هي التي جاءت بها الأديان، ورسَّخها النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.
فلا صلاح للبشرية كلها في أي زمانٍ ومكان إلا إذا رجعنا إلى القيم التي أعلى شأنها القرآن،
فتجد الناس يحب بعضهم بعضا، يأتلفون فيما بينهم، يسعون إلى منافع إخوانهم،
ترى الجار يهِّم إلى جاره في البأساء والسراء، ترى القريب يحاول دائماً أن يصل رحمه، ولا يتصف بالجفاء، ترى أهل البلدة أجمعين كأنهم أخوة، كأنهم المعنيون بقول الحبيب:
(ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عُضوٌ منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).(البخاري عن النعمان بن بشير )
هذه القيم القرآنية والأخلاق الإلهية ليس هناك من يدافع عنها إلا المؤمنون والمسلمون، ليس هناك هيئة للرقابة على القيم بين الناس، ولكن الناس هم الذين يراقبونها ويحرصون على وجودها، لأن في ذلك تمام المنة، ونعمة الأمن والأمان، والصلاح للدنيا والسعادة يوم لقاء الديان عز وجل. يقول الله عزَّ وجلَّ عن ذلك في القرآن:
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (40غافر).
كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أحرص ما يحرصون على هذه القيم القرآنية،
فإذا وجدوا إنساناً فيما بينهم خرج عنها غشَّ في بيعٍ أو شراء، أو خدع مؤمنا في كلمة أو عقد بيعٍ أو غيره - الكل يقف، والكل ينصح، ويقولون:
((أُخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أن ننصح لكل مؤمن))،
انظر إلى هذه القصة العجيبة التي حدثت في زمن عمر رضي الله عنه عندما كان أميراً للمؤمنين: قتل رجلٌ رجلاً واعترف بجُرمه - والإعتراف سيد الأدلة - وقُدِّم للمحاكمة، والقانون الإلهي: (من قتل يُقتل)، فلما تأكد أنه مقتولٌ لا محالة قدَّم التماساً لأمير المؤمنين، قال:
(يا أمير المؤمنين، إن لي صبيةٌ صغارٌ، ولي مالٌ قد استودعته لا يعلم مكانه أحدٌ غيري، فإذا متُّ ولم أخبرهم به لم يعرفوه، فأذن لي أن أذهب إليه لأعلمهم بموضع المال ثم أرجع إليك لتنفيذ عقوبة الله عزَّ وجلَّ).
فقال عمر رضي الله عنه: ومن يضمنك؟!!.
فتفرَّس في وجوه الحاضرين - وكان من أهل البادية ولا يعرف منهم أحداً - ثم نظر إلى أبي ذرٍّ رضي الله عنه وقال: هذا يضمنني. فقال عمر رضي الله عنه لأبي ذر: هل تضمنه؟،
قال: نعم، قال: على أنه إذا لم يعد تُقتل مكانه. قال: على أنه إذا لم يعد أُقتل مكانه.
قال: يا رجل، كم يكفِيك؟ قال: ثلاثة أيام، فأجَّل إقامة الحد إلى أن يعود هذا الرجل بعد ثلاثة أيام. وفي اليوم الثالث وبعد أذان العصر والقوم مجتمعون لإقامة الحد، والرجل لم يصل بعد، وأصبح الناس مشفقين على أبي ذر لأنه ضمن هذا الرجل ولا يعرفه، وإذا بهم يرون شبحا قادما من بعيد وحوله غبار، فقالوا: انتظروا لعله يكون الرجل، فإذا بهم يجدون الرجل يأتي مسرعاً ليُوفِّي بعهده الذي عاهد عليه المؤمنين وأمير المؤمنين.
فتعجَّب القوم لأنه كان قد نجا من القتل،
وقال له عمر: لِمَ رجعت بعد أن نجوت من القتل؟،
قال: حتى لا يضيع الوفاء بين الناس
حريص على أن يظل بين الناس خُلق الوفاء.
فقال لأبي ذر: ولم ضمنته ولم تعرفه؟
قال: حتى لا تضيع المروءة بين الناس
حريصٌ على أن تكون المروءة مستمرة في مجتمع المؤمنين
فقال أهل القتيل: عفونا عنه حتى لا يضيع العفو بين الناس.
كان المجتمع هو الذي يحرص على هذه القيم الإلهية، وهذه الأخلاق القرآنية كان الرجل ينتفض إذا وجد شابَّاً يُسيئ إلى أبيه، أو يُسيئ إلى أمه ولو كان ليس بينه وبيهم قرابة، لأنه لا يريد أن تسري هذه البلية إلى غيره من الشباب فتُعم البلية كما عمَّت في مجتمعنا الآن.
كانوا أحرص ما يكونون - على اللقمة الحلال!!، فبها نعمة الأمن في الدنيا، وبها إجابة الدعاء وتحقيق الرجاء في الدار الآخرة.
كان الناس من قِبَل أنفسهم، لا يطلبون من أحد أن يتدخل، وإنما يتدخلون من ذوات أنفسهم إذا وجدوا فيما بينهم رجلين تخاصما، تجد الكل يسعى للإصلاح بينهم، لا يقول: لِمَ أسعى ولَمْ ينتدبني أحد؟، بل الكل ينتدب نفسه بنفسه، لأنهم سمعوا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ. قَالُوا: "بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،"قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ) ( روى أبو داود أحمد والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ)
كان الناس إذا رأى أحدهم رجلاً يريد أن يهضم أخواته البنات من حقهم في الميراث، هذا يلومه، وهذا يُذكِّره، وهذا يؤنبه، وكلهم حريصون عليه ويحرصون على أن تظل قيم الإسلام موجودة، لأنه إذا فُقدت قيم الإسلام كان المجتمع كأنه غابة فيها نفرٌ من اللئام!!، ينتشر فيها الظلم، ينتشر فيها الكذب، ينتشر فيها الخداع، ينتشر فيها قول الزور، وغيرها من الأخلاق التي نراها الآن!!، ولا رجوع عنها إلا برجوعنا إلى قيم الإيمان.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إنما بُعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق) ( مسند البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وأبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرآء العنت) ( رواه الطبراني والخطيب وابن عدي وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلَّم: (المؤمن إلفٌ مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) ( رواه أحمد عن جابر والبيهقي عن أبي هريرة
أو كما قال: (أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل إلينا كتاباً مبيناً فيه شفاءٌ لما في الصدور، وفيه هدىً للقلوب ونور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحِقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه. أقام الله عزَّ وجلَّ به الشريعة الغرَّاء، وقوَّم به الملَّة العوجاء، وجعله فارقاً بين الحقِّ والباطل.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا للعمل بشرعه يا الله.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
جعل نبينا صلى الله عليه وسلَّم برنامج الإصلاح الإلهي للمجتمعات أن يبدأ من الأفراد قبل الجماعات، يبدأ بالإنسان أولاً بإصلاح نفسه، وتقويمها على أخلاق كتاب الله، وقياسها بالأخلاق الكريمة التي كان عليها سيدنا رسول الله، ثم بعد ذلك يبدأ بإصلاح أهل بيته: زوجه وولده وبناته، ثم بعد ذلك الأقرب فالأقرب،
قال صلى الله عليه وسلَّم في هذا البرنامج النوراني:
(إبدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الأقرب فالأقرب) ( رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه)
فالإنسان هو وحده الذي يستطيع أن يغرس هذه القيم في نفوس ذويه، بعد أن ابتعدت وسائل الإعلام عن ذلك، وأصبح بينها وبين تعاليم الإسلام بوْناً بعيداً، وأصبحت المدارس غير مختَّصة بذلك، لأن التنافس أصبح على المقاعد في الجامعات،
وإن كانت أخلاقه وقيمه بعيدةً بُعداً كليًّا عن مبادئ الإسلام، وعن أخلاق الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
لكن علينا نحن جماعة المؤمنين كما ألزمنا النبي في قوله:
(كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) ( رواه البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما) لست مسئولاً عن الغذاء والكساء والدواء والدروس فقط - فإن هذه أمورٌ يتولاها الله، كما أنبأ في كتاب الله -
لكنك مسئول عن عباداته لله، وعن إيمانه الصادق في حضرة الله، وعن بلوغه درجة الإخلاص في كل عمل بحيث يعمل العمل لله لا يرجو الأجر من أحدٍ سواه جلَّ في علاه، وتعلِّمه الأخلاق الكريمة والقيم القرآنية العظيمة.
أنت وحدك الذي تسقيه احترام الكبار والعطف على الصغار، أنت وحدك الذي تدربه على صلة الأرحام، أنت وحدك الذي تعلمه حقوق الجيران، أنت وحدك الذي تراقبه في الغدو والآصال، وتعلِّمه آداب الطريق، وحُسن إختيار الصديق والرفيق، وعدم النظر الذي لا يحله الله وبغَّضه إلينا حبيبنا رسول الله.
هذه الأخلاق القويمة، والقيم الإسلامية العظيمة، جعلها الدِّين أمانة في أعناقنا، وهي الأمانة العُظمى التي يحاسبنا عليها الله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6التحريم).
ولعلكم تذكرون هذه المرأة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها وطلبت من إبنها إحضار شيئاً وإن أحضره تعطيه تمرة، فأحضر الشيء وعاد فأعطتها له، فقال لها ولنا صلى الله عليه وسلَّم: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ))( رواه أبوداود والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ)
وهذا الرجل الذي ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو إبنه، ويقول: يا أمير المؤمنين إن إبني عقَّني - والعقوق هو العصيان وعدم الطاعة والإحترام الواجب للآباء - فاستدعى الولد، وقال له: لم عققت أباك؟!، قال: يا أمير المؤمنين إن أبي عقَّني قبل أن أعقَّه!!،
قال: وكيف؟!، قال: لم يُحسن اختيار أمي، فأنا ابن أَمَةً سوداء، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم :
(تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس) ( رواه ابن ماجه والحاكم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها)
ولم يُحسن اختيار إسمي، فسمَّاني جُعلاً - والجعل أى الجُعران أو الخُنفسة التي تعيش في الحجارة والتراب –
وقد قال النبي: (أحسنوا أسماء أبنائكم، فإنهم يُدعون بأسمائهم يوم القيامة) ( رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه ) ولم يُعلمني كتاب الله!!، فقال عمر: ((إذهب يا رجل، فقد عققته قبل أن يعُقك).
هذه الحقوق تناساها الناس في زماننا، إذ أنت وحدك المكلف بها أنت وزوجك، لا تعتمد على غيرك، فالمدرسة لا تعلم ذلك، ووسائل الإعلام تهدم ذلك، والمجتمع كله يهدم في ذلك، وإياك أن تقول: أنا مثلي مثل الناس،ـ لأن النبي يُحذر من ذلك فقال:
(لا يكن أحدكم إمَّعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساء الناس أسأتُ، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساء الناس أن تحسنوا) ( رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه)
عليك أن تُخرِّج لهذا المجتمع أبناءً بررة، أتقياء أنقياء أوفياء، يقومون بهذه القيم الإلهية لأننا قد أصبحت حياتنا غير الحياة التي يرجوها الله لعباده المؤمنين.
فحياة المؤمنين؛ حياةٌ طيبة مباركة، فيها لُطف وفيها أُنس، وفيها هدوء، وفيها سكينة وفيها طمأنينة، وفيها بركةٌ في الأرزاق، وفيها كرامة في الأخلاق، وفيها سعادةٌ في الوفاق، فيكون المجتمع في أمنٍ وأمان بالقيم الإيمانية التي أنزلها في القرآن، وكان عليها النبي العدنان، وصحابته المباركين أجمين ..... ثم الدعاء
*****************************
وللمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
**************************************
الحمد لله رب العالمين، أرسل الرسل من عنده بإذنه مبشرين ومنذرين، وجعل بسببهم وبسبب رسالاتهم صلاح الدنيا والسعادة يوم الدين.
سبحانه .. سبحانه، علمه بما كان كعلمه بما سيكون، وأمره في كل شأنٍ بين الكاف والنون:
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (82يس).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق العباد وهو أعلم بهم، يعلم ما السبب والسبيل إلى إصلاحهم، ولا سبيل إلى الإصلاح إلا بإصلاح النفوس، ولا صلاح للنفوس إلا بالهداية الربانية من عند المليك القدوس عزَّ وجلَّ.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أرسله الله عزَّ وجلَّ على حين فترة من الرسل، فعلَّم به بعد جهالة، وجمع به بعد فُرقة، وأغنى به بعد فاقة، وأعزَّ بعد ذلة.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد الذي جمعت لنا وله الخير في قرآنك الكريم، وآله الطبيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
إذا نظرنا نظرةً إلى الدنيا التي نحن فيها الآن، نجد فيها مشاكل لا تُعد ولا تُحد في مختلف البلدان،
فالبلاد الغنية بما أعطاها الله من خيرات تزداد فيها المشاكل وتجد أهلها يعيشون في حسرات، والبلاد التي بلغت المدى في مجال العلم لا يستطيعون إصلاح نفوسهم ولا تقويم أخلاقهم بالعلم الذي تعلموه. إذن ما السبيل إلى إصلاح البشرية؟!!
لا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى ربِّ البرية عزَّ وجلَّ، فهو سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان، وجعل في كل إنسانٍ نفساً أمارةً، وصفها الرحمن وقال فيها في محكم القرآن:
(إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (53يوسف).
إذا تُركت وغيِّها تجدها تميل إلى الظلم، وتميل إلى الفساد، وتميل إلى الجدال وإلى العناد. وصف الله عز وجل بعض أخلاقها في كتاب الله، فقال عن الإنسان الذي لم يستضئ بنور الله، ولم يهتد بشرع الله:
(إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (72الأحزاب).
من طبيعته الظلم، ومن طبيعته الجهل وعدم العلم بما ينفعه في الدنيا وما يرفعه في الميعاد يوم لقاء الله.
من طبيعته العجلة:
(وَكَانَ الانْسَانُ عَجُولا) (11الإسراء).
من طبيعته البخل والتقتير:
(وَكَانَ الانْسَانُ قَتُورًا) (100الإسراء).
ولا إصلاح لهذه النفس البشرية إلا بالرسل الذين يجتبيهم ويصطفيهم الله، ويُعلِّمهم ويُوحي إليهم بوحيٍ من عنده، لينزلوا إلى البشرية صالحين ومصلحين، يصلحون أنفسهم أولاً ثم يقومون بإصلاح البشرية،
وفي ذلك يقول نبي الله شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام:
(إِنْ أُرِيدُ إِلا الاصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (88هود).
لا يريدون إلا الإصلاح، ولا إصلاح للبشرية إلا بالعودة للقيم الإلهية؛ الصدق والمروءة والوفاء، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، والمودة والمحبة والشفقة والحنان، والتعاون في عمل البرِّ والتقوى، وتنزيه النفس والقلب من كل ما لا يحبه الرحمن من البُغض والكراهية، والأحقاد والأحساد، والتنافس في الفانيات. كل هذه الأمور هي التي جاءت بها الأديان، ورسَّخها النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.
فلا صلاح للبشرية كلها في أي زمانٍ ومكان إلا إذا رجعنا إلى القيم التي أعلى شأنها القرآن،
فتجد الناس يحب بعضهم بعضا، يأتلفون فيما بينهم، يسعون إلى منافع إخوانهم،
ترى الجار يهِّم إلى جاره في البأساء والسراء، ترى القريب يحاول دائماً أن يصل رحمه، ولا يتصف بالجفاء، ترى أهل البلدة أجمعين كأنهم أخوة، كأنهم المعنيون بقول الحبيب:
(ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عُضوٌ منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).(البخاري عن النعمان بن بشير )
هذه القيم القرآنية والأخلاق الإلهية ليس هناك من يدافع عنها إلا المؤمنون والمسلمون، ليس هناك هيئة للرقابة على القيم بين الناس، ولكن الناس هم الذين يراقبونها ويحرصون على وجودها، لأن في ذلك تمام المنة، ونعمة الأمن والأمان، والصلاح للدنيا والسعادة يوم لقاء الديان عز وجل. يقول الله عزَّ وجلَّ عن ذلك في القرآن:
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (40غافر).
كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أحرص ما يحرصون على هذه القيم القرآنية،
فإذا وجدوا إنساناً فيما بينهم خرج عنها غشَّ في بيعٍ أو شراء، أو خدع مؤمنا في كلمة أو عقد بيعٍ أو غيره - الكل يقف، والكل ينصح، ويقولون:
((أُخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أن ننصح لكل مؤمن))،
انظر إلى هذه القصة العجيبة التي حدثت في زمن عمر رضي الله عنه عندما كان أميراً للمؤمنين: قتل رجلٌ رجلاً واعترف بجُرمه - والإعتراف سيد الأدلة - وقُدِّم للمحاكمة، والقانون الإلهي: (من قتل يُقتل)، فلما تأكد أنه مقتولٌ لا محالة قدَّم التماساً لأمير المؤمنين، قال:
(يا أمير المؤمنين، إن لي صبيةٌ صغارٌ، ولي مالٌ قد استودعته لا يعلم مكانه أحدٌ غيري، فإذا متُّ ولم أخبرهم به لم يعرفوه، فأذن لي أن أذهب إليه لأعلمهم بموضع المال ثم أرجع إليك لتنفيذ عقوبة الله عزَّ وجلَّ).
فقال عمر رضي الله عنه: ومن يضمنك؟!!.
فتفرَّس في وجوه الحاضرين - وكان من أهل البادية ولا يعرف منهم أحداً - ثم نظر إلى أبي ذرٍّ رضي الله عنه وقال: هذا يضمنني. فقال عمر رضي الله عنه لأبي ذر: هل تضمنه؟،
قال: نعم، قال: على أنه إذا لم يعد تُقتل مكانه. قال: على أنه إذا لم يعد أُقتل مكانه.
قال: يا رجل، كم يكفِيك؟ قال: ثلاثة أيام، فأجَّل إقامة الحد إلى أن يعود هذا الرجل بعد ثلاثة أيام. وفي اليوم الثالث وبعد أذان العصر والقوم مجتمعون لإقامة الحد، والرجل لم يصل بعد، وأصبح الناس مشفقين على أبي ذر لأنه ضمن هذا الرجل ولا يعرفه، وإذا بهم يرون شبحا قادما من بعيد وحوله غبار، فقالوا: انتظروا لعله يكون الرجل، فإذا بهم يجدون الرجل يأتي مسرعاً ليُوفِّي بعهده الذي عاهد عليه المؤمنين وأمير المؤمنين.
فتعجَّب القوم لأنه كان قد نجا من القتل،
وقال له عمر: لِمَ رجعت بعد أن نجوت من القتل؟،
قال: حتى لا يضيع الوفاء بين الناس
حريص على أن يظل بين الناس خُلق الوفاء.
فقال لأبي ذر: ولم ضمنته ولم تعرفه؟
قال: حتى لا تضيع المروءة بين الناس
حريصٌ على أن تكون المروءة مستمرة في مجتمع المؤمنين
فقال أهل القتيل: عفونا عنه حتى لا يضيع العفو بين الناس.
كان المجتمع هو الذي يحرص على هذه القيم الإلهية، وهذه الأخلاق القرآنية كان الرجل ينتفض إذا وجد شابَّاً يُسيئ إلى أبيه، أو يُسيئ إلى أمه ولو كان ليس بينه وبيهم قرابة، لأنه لا يريد أن تسري هذه البلية إلى غيره من الشباب فتُعم البلية كما عمَّت في مجتمعنا الآن.
كانوا أحرص ما يكونون - على اللقمة الحلال!!، فبها نعمة الأمن في الدنيا، وبها إجابة الدعاء وتحقيق الرجاء في الدار الآخرة.
كان الناس من قِبَل أنفسهم، لا يطلبون من أحد أن يتدخل، وإنما يتدخلون من ذوات أنفسهم إذا وجدوا فيما بينهم رجلين تخاصما، تجد الكل يسعى للإصلاح بينهم، لا يقول: لِمَ أسعى ولَمْ ينتدبني أحد؟، بل الكل ينتدب نفسه بنفسه، لأنهم سمعوا الحبيب صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ. قَالُوا: "بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،"قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ) ( روى أبو داود أحمد والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ)
كان الناس إذا رأى أحدهم رجلاً يريد أن يهضم أخواته البنات من حقهم في الميراث، هذا يلومه، وهذا يُذكِّره، وهذا يؤنبه، وكلهم حريصون عليه ويحرصون على أن تظل قيم الإسلام موجودة، لأنه إذا فُقدت قيم الإسلام كان المجتمع كأنه غابة فيها نفرٌ من اللئام!!، ينتشر فيها الظلم، ينتشر فيها الكذب، ينتشر فيها الخداع، ينتشر فيها قول الزور، وغيرها من الأخلاق التي نراها الآن!!، ولا رجوع عنها إلا برجوعنا إلى قيم الإيمان.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إنما بُعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق) ( مسند البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وأبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرآء العنت) ( رواه الطبراني والخطيب وابن عدي وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه)
وقال صلى الله عليه وسلَّم: (المؤمن إلفٌ مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) ( رواه أحمد عن جابر والبيهقي عن أبي هريرة
أو كما قال: (أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل إلينا كتاباً مبيناً فيه شفاءٌ لما في الصدور، وفيه هدىً للقلوب ونور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحِقُّ الحقَّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه. أقام الله عزَّ وجلَّ به الشريعة الغرَّاء، وقوَّم به الملَّة العوجاء، وجعله فارقاً بين الحقِّ والباطل.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا للعمل بشرعه يا الله.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
جعل نبينا صلى الله عليه وسلَّم برنامج الإصلاح الإلهي للمجتمعات أن يبدأ من الأفراد قبل الجماعات، يبدأ بالإنسان أولاً بإصلاح نفسه، وتقويمها على أخلاق كتاب الله، وقياسها بالأخلاق الكريمة التي كان عليها سيدنا رسول الله، ثم بعد ذلك يبدأ بإصلاح أهل بيته: زوجه وولده وبناته، ثم بعد ذلك الأقرب فالأقرب،
قال صلى الله عليه وسلَّم في هذا البرنامج النوراني:
(إبدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الأقرب فالأقرب) ( رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه)
فالإنسان هو وحده الذي يستطيع أن يغرس هذه القيم في نفوس ذويه، بعد أن ابتعدت وسائل الإعلام عن ذلك، وأصبح بينها وبين تعاليم الإسلام بوْناً بعيداً، وأصبحت المدارس غير مختَّصة بذلك، لأن التنافس أصبح على المقاعد في الجامعات،
وإن كانت أخلاقه وقيمه بعيدةً بُعداً كليًّا عن مبادئ الإسلام، وعن أخلاق الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
لكن علينا نحن جماعة المؤمنين كما ألزمنا النبي في قوله:
(كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) ( رواه البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما) لست مسئولاً عن الغذاء والكساء والدواء والدروس فقط - فإن هذه أمورٌ يتولاها الله، كما أنبأ في كتاب الله -
لكنك مسئول عن عباداته لله، وعن إيمانه الصادق في حضرة الله، وعن بلوغه درجة الإخلاص في كل عمل بحيث يعمل العمل لله لا يرجو الأجر من أحدٍ سواه جلَّ في علاه، وتعلِّمه الأخلاق الكريمة والقيم القرآنية العظيمة.
أنت وحدك الذي تسقيه احترام الكبار والعطف على الصغار، أنت وحدك الذي تدربه على صلة الأرحام، أنت وحدك الذي تعلمه حقوق الجيران، أنت وحدك الذي تراقبه في الغدو والآصال، وتعلِّمه آداب الطريق، وحُسن إختيار الصديق والرفيق، وعدم النظر الذي لا يحله الله وبغَّضه إلينا حبيبنا رسول الله.
هذه الأخلاق القويمة، والقيم الإسلامية العظيمة، جعلها الدِّين أمانة في أعناقنا، وهي الأمانة العُظمى التي يحاسبنا عليها الله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6التحريم).
ولعلكم تذكرون هذه المرأة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها وطلبت من إبنها إحضار شيئاً وإن أحضره تعطيه تمرة، فأحضر الشيء وعاد فأعطتها له، فقال لها ولنا صلى الله عليه وسلَّم: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ))( رواه أبوداود والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ)
وهذا الرجل الذي ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو إبنه، ويقول: يا أمير المؤمنين إن إبني عقَّني - والعقوق هو العصيان وعدم الطاعة والإحترام الواجب للآباء - فاستدعى الولد، وقال له: لم عققت أباك؟!، قال: يا أمير المؤمنين إن أبي عقَّني قبل أن أعقَّه!!،
قال: وكيف؟!، قال: لم يُحسن اختيار أمي، فأنا ابن أَمَةً سوداء، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم :
(تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس) ( رواه ابن ماجه والحاكم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها)
ولم يُحسن اختيار إسمي، فسمَّاني جُعلاً - والجعل أى الجُعران أو الخُنفسة التي تعيش في الحجارة والتراب –
وقد قال النبي: (أحسنوا أسماء أبنائكم، فإنهم يُدعون بأسمائهم يوم القيامة) ( رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه ) ولم يُعلمني كتاب الله!!، فقال عمر: ((إذهب يا رجل، فقد عققته قبل أن يعُقك).
هذه الحقوق تناساها الناس في زماننا، إذ أنت وحدك المكلف بها أنت وزوجك، لا تعتمد على غيرك، فالمدرسة لا تعلم ذلك، ووسائل الإعلام تهدم ذلك، والمجتمع كله يهدم في ذلك، وإياك أن تقول: أنا مثلي مثل الناس،ـ لأن النبي يُحذر من ذلك فقال:
(لا يكن أحدكم إمَّعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساء الناس أسأتُ، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساء الناس أن تحسنوا) ( رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه)
عليك أن تُخرِّج لهذا المجتمع أبناءً بررة، أتقياء أنقياء أوفياء، يقومون بهذه القيم الإلهية لأننا قد أصبحت حياتنا غير الحياة التي يرجوها الله لعباده المؤمنين.
فحياة المؤمنين؛ حياةٌ طيبة مباركة، فيها لُطف وفيها أُنس، وفيها هدوء، وفيها سكينة وفيها طمأنينة، وفيها بركةٌ في الأرزاق، وفيها كرامة في الأخلاق، وفيها سعادةٌ في الوفاق، فيكون المجتمع في أمنٍ وأمان بالقيم الإيمانية التي أنزلها في القرآن، وكان عليها النبي العدنان، وصحابته المباركين أجمين ..... ثم الدعاء
*****************************
وللمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد