ورد في معنى الحديث الشريف
أن رجلاً في زمانه صلَّى الله عليه وسلَّم كان في النزع الأخير وسمعوه يهذي ويقول: ليته كان كله، ليته كان جديداً
فساقوا الخبر إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ففسر لهم ما سمعوه، فقال صلوات الله وسلامه عليه:
إن هذا الرجل كان يأكل رغيفاً فجاءه سائل فقطعه نصفين، أكل نصفاً وأعطى السائل النصف الآخر، فلما عاين الأجر والثواب في سكرات الموت قال: يا ليته كان كله للسائل، وكان لا يلبس ثوباً جديداً إلا وأعطى القديم للفقير، فلما عاين أجره وثوابه قال: يا ليته كان الجديد.
ونحن كم لنا من جديد في بطون الدواليب تقضي عليه العتّة ويهلك من كثرة الخزن، لا نلبسه ولا نوزعه ثم نشتكي الفقر والحاجة ونقول دُخولنا لا تكفينا، ونسى المرء فينا أن زينته بجمال وجهه، وليس بجمال لبسه، وجمال وجهه لا يكون إلا بعبادة الله وطاعة الله، فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ}(1)
{ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ } (29الفتح)،
ليس من الزينة الحسية وإنما من الزينة الإيمانية الروحانية؛ من تقوى الله، وخوف الله، والعمل بما يحبه الله عزَّ وجلَّ.
والمصيبة أنه قد يكون عند الإنسان ما يكفيه، ويطلب ما يطغيه، فلا يسع الرزق الذي قدره له الله فيه، فيبحث يميناً وشمالاً عما لم يحلّه له الله ليعطي لنفسه ما تشتهيه، فيقع فيما قال فيه:
{ عَلَيْهِ أَمَانَةُ النَّاسِ لاَ يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا }.
وقد يكون ذا منصب مرموق ومهام وظيفته تقتضيه العمل ليل نهار ومع ذلك يريد أن يكون له مزيد من الوجاهة، فيكلف نفسه بأعمال إضافية، وهو لم يقم بالأعمال الأصلية، فيمنع المعروف في هذه الأعمال عن المؤمنين لأنه وكل بها ولم يقم بها، وحمل نفسه المسئولية أمام نفسه وقومه وأمام ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ، لأنه حمل نفسه بأعباء لا يطيقها.
(1)رواه الطبراني في الأوسط