كان فضل الله علينا بالإسراء عظيماً،
فإن من قبلنا قد ضلوا الطريق فجعلوا حائطاً للبكاء لمن أراد أن تمحى ذنوبه،
ولا تمحى إلا إذا ذهب إلى هذا الحائط وبكى الدموع، والآخرين جعلوا التوبة مربوطة بقلب رجل يذهبون إليه ويجلسون بين يديه ويعترفون له دون الله بذنوبهم، وفي يده محو ذنوبهم أو عدم قبول توبتهم.
لكن الله تجلى لنا فلم يجعل بيننا وبينه مكان ولا زمان ولا حاجز ولا حائط وإنما الله معنا حيثما توجهنا، وهو في قبلتنا حينما صلينا، ويسمع نداءنا إذا نادينا على أي حال كنا، وفي أي زمان كنا، أخبرنا عزَّ وجلَّ بإنه لا يحتاج إلى واسطة بيننا وبينه، إلا أن نزيل الجفا الذي على القلوب،
ونمحو الستائر التي تحجب القلوب عن حضرات علام الغيوب.
ثم بعد ذلك لا يزال الله منك على بال تذكره أينما توجهت، ولا يزال لسانك رطباً بذكره، فتكون في أي مكان وفي أي زمان وأنت على أي لون وعلى أي شكل وعلى أي حال فقير أم غني لا يهم، المهم هو تقوى الله، هي التي تقربك من الله عزَّ وجلَّ.
ما الذي يجعلك قريباً من الله؟ أن تعمر قلبك بالإيمان، وتقوى الله لا تحتاج بعد ذلك إلى أحد، فلو ملكت التقوى وأنت هاهنا، والله معك حيثما تحدثت، ويلبيك فيما أردت، وإذا كان معك مال وذهبت إلى الحرم الشريف وطفت حوله بدل المرة سبعين لكن قلبك مشغول بالدنيا عن الله وعن الدين، فهل يكرمك الله كما يكرم عباده المتقين؟ لا لأنه قال عزَّ وجلَّ:
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } (27المائدة).
وانظر إلى عظمة النبي الكريم إذ يروى سيدنا رَبِيعَةَ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ قال:
{ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ:
أَوْ غَيْرَ ذلِكَ؟، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ }(1)
فدله على الطريق الصحيح صلوات الله وسلامه عليه.
(1)صحيح مسلم