هناك صفتان أصلح بهما النبي صلى الله عليه وسلم الزمان والمكان، ولا صلاح لأي زمان ولا لأي مكان إلا بهاتين الصفتين: الأولى أن يعلم الإنسان أن هناك إلهاً يطلع على حركاته وسكناته، ويعلم خفيَّات صدره، ويسمع تمتمة لسانه، ويرى كل غَدْرة ينظرها بعينه، ويسمع كل لقطة ينطقها بلسانه، ويُنصت إلى خلجات قلبه وإلى حركات سرِّه، ويرى كل أفعال جوراحه، وسيحاسبه على ذلك كله يوم لقائه.
إذا اعتقد الإنسان هذه العقيدة وعلم أنه:
(مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (7المجادلة)،
لو اعتقد هذه العقيدة ما طاوعته نفسه ولا أطاع نفسه في عصيان الله عز وجل،
حتى أن الإمام عليًّا رضي الله عنه وكرم الله وجهه وهو في حَوْمة الوغى، وفي ميدان القتال نازله فارس من الكفار ومكثا يتصارعان حتى كُسر سيفيهما، فأخذا يتصارعان بأيديهما حتى تمكن منه الإمام عليٌّ فحمله بيده وألقاه على ظهره، وبرك فوقه وأخرج خِنْجره ليقضي عليه، وإذا الرجل يتفل في وجهه، فما كان من الإمام علي إلا أن تركه وقام، فتعجب الرجل وقال له: لم تركتني بعد أن تمكنت منِّي؟، فقال له رضي الله عنه: كنت أقاتلك لله عز وجل، أرجو رضاه وأبغي ثوابه، فلما تفلت في وجهي خفت أن اقتلك انتقاماً لنفسي فأحرم رضاء الله عز وجل. فقال الرجل: وهل تراقبون الله في تلك المواطن؟ فقال رضي الله عنه: وفي أدقَّ منها.
فالإنسان الذي يراقب الله في أعداء الله، يراقب الله في الأرزاق، حتى أن بعضهم من شدة مراقبته لله كان ينبض عرقٌ من يده عندما تمتد يده للحرام، حتى سُمِّي بالمحاسبي، لأنه يحاسب نفسه إذا امتدت للحرام خوفاً من الملك العلام عز وجل.
هذه هي الدرجة العليا التي بها صلاح الزمان والمكان في أي زمان ومكان يا أيها الأخوة المؤمنون، والدرجة الأدنى منها أن يعتقد الإنسان تمام الاعتقاد أنه سيموت، وبعد موته سيبعث ويحاسب على كل شئ.
فيا أخي المؤمن علِّم نفسك، ودرّب نفسك، ووطّن نفسك، وعلِّم زوجك وأولادك ومن تعولهم أن يراقبوا الله، وأن يعتقدوا فيما بعد الموت أن هناك حشرٌ ونشر، وحسابٌ يسير على المؤمنين، عسيرٌ على الجاحدين والكافرين، وأن هناك حياة أبدية لا نهاية لها، إما في نعيم مقيم، وإما في عذاب مهين.
بهذين الخصلتين تنصلح أحوالنا، وينصلح مجتمعنا، لأن الله وحده، هو الذي بيده صلاح الحال وحده.