وكان صل الله عليه وسلم يهتم بشعره كله، شعر رأسه، وشعر لحيته، وشعر شاربه، وشعر جسمه، كل جزء منهم له قسط معلوم من عناية الرءوف الرحيم صل الله عليه وسلم، أما شعر الرأس فقد قال في الأمر العام لجميع المنتسبين لدين الإسلام:
{ مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ، فَلْيُكْرِمْهُ }
وإكرامه بالمداومة على غسله، والمحافظة على تسريحه، وكان صل الله عليه وسلم يُسرح شعره لأنه صل الله عليه وسلم لخصوصيته عند ربه، ولأمر لا يعلمه إلا الله لم يحلق شعره إلا في منسك من المناسك الشرعية، في عمرة أو في حج، فلم يحلقه كما نحلق نحن في الأيام العادية، وهذا ليس لنا أن نتأسى به فيه، لأن هذه خصوصية لرسول الله صل الله عليه وسلم.
كان أهل الكتاب يُسرِّحون شعورهم ويُنزلونها على هيئة واحدة ففعل صل الله عليه وسلم ذلك في بداية دعوته موافقاً لهم تلطفاً بهم ليدخلوا في دين الإسلام، ثم بعد ذلك فَرَق شعر رأسه، وهذه الهيئة ليست بالضرورة على المرء أن يتبعها، ولكن الذي عليه أن يتبعه ضرورةً نظافة الشعر والحرص على تسريحه كما كان يفعل رسول الله صل الله عليه وسلم.
أيضاً كان رسول الله صل الله عليه وسلم يترك لحيته، وترك اللحية سُنَّة وليس فريضة كما يدَّعي بعض المتشددين، لأننا لو جعلناها فريضة لشدَّدنا على المسلمين، والنبي صل الله عليه وسلم جعلها سُنَّة، والسُنَّة من فعلها كان له أجرها، ومن لم يفعلها ليس عليه سؤال ولا ذنب ولا عقاب، وهذا هو ما اختاره أئمة الفقه المعتدلين في مذاهبهم؛ أن إعفاء اللحية سُنَّة عن رسول الله صل الله عليه وسلم.
وكان صل الله عليه وسلم يُسرِّح لحيته، وينظر إليها دوماً في المرآة عندما يأتي ضيفان، وكان يأخذ منها كلها، أحياناً يأخذ من طولها، وأحياناً يأخذ من عرضها، حتى تكون كل الهيئات صالحة لأمته، فلا يدَّعي أحد أن هذا فقط هو السُنَّة وغيره خلاف ذلك.
ولم يكن النبي صل الله عليه وسلم يصبغ لحيته لأنه صل الله عليه وسلم لم يظهر له في لحيته إلا ما لا يزيد عن عشرين شعرة بيضاء، لكنه أباح الخضاب – الصبغ – سواء اللحية أو الشعر لأصحابه، فكان سيدنا أبو بكر وغيره يخضبون لحيتهم، أما شعر الرأس فكان صل الله عليه وسلم يخضبه بالحناء، وهذا لزوم الوحى، فعندما كان يأتيه الوحى كان يحدث له صداع شديد، فكان يجعل على رأسه الحناء عند نومه، وهذا يُذهب الصداع، وهذه سُنَّة عن حضرته صل الله عليه وسلم.
أما صبغ الشعر بأي لون آخر ولو الأسود فلا بأس من ذلك، ولا مانع لأننا رأينا من يُحرِّم ذلك للرجال، لماذا تُحرم طيبات ما أحلَّ الله عزوجل؟! هو حرام في حالة واحدة إذا كان المرء مقبل على الزواج وشعره قد شاب، فيجعل على رأسه صبغة ليغش من يتقدم إليها بالخطبة، لكن إذا كان ليس له بغية في هذا الأمر فليصبغ شعره بما شاء، وخاصة النساء، فليس عليهن حرج في أن يصبغن شعرهن باللون الأسود أو بأي لون آخر، على أن يكون ذلك من شيء طيب حتى لا يؤثر في الشعر بسوء.
وتربية اللحية سُنَّة وليست فريضة لمن أراد أن يقوم بها، ويقول فيها صل الله عليه وسلم:
{ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى }
ولذاكان صل الله عليه وسلم يترك شاربه، ويأمر بقصه وليس بحلقه، وكان يقصه كل جمعة قبل الصلاة، وذلك بقصُّ الشعر الزائد النازل على الفم حتى لا يعوق الفم، قال صل الله عليه وسلم:
{ قُصُّوا الشَّوَارِبَ مَعَ الشِّفَاهِ }
ولذلك نرى أئمة المذاهب الفقهية قد كرَّهوا حلق الشارب لأنه من العلامات الفارقة بين الرجل والمرأة، حتى أن الإمام مالك أوجب في مذهبه أن يُحَد حالق شاربه ثلاثين جلدة، لأنه أصبح شبيهاً بالنساء، روى عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:
{ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ }
لكن البعض يُصر على هواه، ويريد مع ذلك أن يبلغ مناه مع أنه يخالف منهج الصالحين والأئمة رضوان الله عليهم في كل وقت وحين.
فكان النبي صل الله عليه وسلم يقص شاربه كل جمعة قبل صلاة الجمعة، وأباح الأئمة أن يصنع الإنسان ذلك من عصر الخميس إلى يوم الجمعة، فيجعل شاربه وجيهاً ولا ينزل منه شيء على الشفتين، حتى يكون مؤدباً بأدب الأكل الذي كان عليه رسول الله صل الله عليه وسلم،
وكان ينهى عن نتف الشيب ويقول:
{ مَنْ شابَ شيبةً في الإِسلامِ؛ كانت له نوراً يوم القيامةِ }