كيف يحتفل المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟
يحتفل المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في شهر ربيع فقط ولا في ليلة الثاني عشر من شهر ربيع فقط لكن يحتفل برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أيامه وكل لياليه وكل أوقاته،
يحتفل بالكيفية التي أمر بها الله، فقد أمرنا الله بعدة أمور:
الأمر الأول: أن نعرف مزايا وفضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما خصَّه به الله عمن سواه من الأنبياء والمرسلين لكي نفرح بفضل الله علينا، فيكون الفرح هنا في قول الله:
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}،
وهناك قراءة: {فلتفرحوا} وهي قراءة من القراءت السبع،
فضل الله الذي أعطاه لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
ورحمة الله التي شمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم،
عندما نعرفها فنفرح أننا من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشكر الله على هذا الأمر.
الأمر الثاني: أن نقتدي بهديه، أُعْجبنا به في هذا الكمال، وأعجبنا به في هذه الخصال،
فلِمَ لا نقتدي به في خصالنا وأفعالنا؟ لماذا نترك هدْيِّه، وكل إنسان يمشي على هواه؟
إذا كنت أنا مؤمناً حقاً فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم ميزاناً لحقيقة الإيمان،
قال فيه: {لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ}{1}،
وهنا يترك هواه، ويسير على ما جاء به حضرة النبي صلى الله عليه وسلم،
والنبي ليس له هوىً لأنه يمشي بما أمره به الله: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}، فأقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال،
في العبادات والمعاملات والأخلاق، في معاملة الزوجة، وفي معاملة الأولاد، وفي معاملة الجيران، وفي صلة الأرحام، وفي التعامل مع الزملاء، وفي البيع والشراء، وفي كل الأحوال،
فيكون لي قدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: أن أشكر الله على هذه النعمة، كيف أشكره؟ كما علَّمنا، كيف أشكرك يارب على إرسال النبي لنا؟ قال لنا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}، أكثر من الصلاة عليه، وخاصة عندما نعرف كلنا هذا الفضل،
وفضله في الآخرة في الجنة نريد أن نكون معه، فما الذي يوصلنا لهذه الدرجة؟
الذي يُكثرمن الصلاة عليه، قال صلى الله عليه وسلم:
{أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً}{2}،
ومن يريد الشفاعة ماذا يفعل؟ أمر سهل وبسيط، قال صلى الله عليه وسلم:
{مَنْ صَلّى عَليَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْراً وحِينَ يُمْسِي عَشْراً أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ}{3}،
أظن أنها شيءٌ سهلٌ جداً، والصعوبة فيها هي المداومة،
أصعب شيء على الإنسان أن يديم على أمر،
فمن الممكن أن يصلى الإنسان كل يومٍ ألف مرة ولكن يستمر أسبوع أو أسبوعين ثم يتوقف،
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ}{4}،
المهم أنك تختار لنفسك شيئاً وتداوم عليه، فمن داوم على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عشرة صباحاً وعشرة ليلاً، فتجب له الشفاعة، ومن زاد عن ذلك يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجة والمنزلة في الآخرة وفي الجنة إن شاء الله،
هذه عدة أمور للإحتفال بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بها الله،
ونُضيف لها أمر آخر: سيدنا رسول الله كيف كان يحتفل بميلاده؟
كان صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين من كل أسبوع، فسُئل عن ذلك،
فقال: {ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ}{5}،
نصوم هذا اليوم شُكراً لله أن أخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا في هذا اليوم،
وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم وعلَّم أصحابه أن يصوموا يوم العاشر من المحرَّم،
فقد ذهب إلى المدينة فوجد اليهود يصومون هذا اليوم، فسألهم لماذا تصومون العاشر من المحرم؟ قالوا: شكراً لله في هذا اليومٌ لأن الله نجَّى فيه موسى من فرعون وقومه
فقال: {نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ}{6}،
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ بالصيام لنجاة موسى، فيكون الصيام لميلاده هل فيه شكٌ أو لبسٌ؟ لا، فنصوم يوم الأثنين ولو كل سنة مرة، أو كل أسبوع مرة، أو كل شهر مرة، على التيسير، شكراً لله على نعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
من أراد أن يستزيد، وأن يُحلِّي الله قلبه بالإيمان،
فيُحلِّي بضاعة الرحمن للفقراء من بني الإنسان فيُبسِّط لهم الأخلاق المحمدية
ويُبسِّط لهم الأعمال القرآنية التشريعية، ويجعل الناس العاديين يدخلون في هذه الأعمال ليُحبوا الله:{حَبِّبُوا اللَّهَ إِلَى النَّاسِ، وَحَبِّبُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}{7}،
فمن يُدخل الناس إلي حب الله ،ويُذيقهم حلاوة الإيمان، فإن الله يُذيقه طعم الإيمان وحلاوة الإيمان، وهذه بعض المعاني التي نستطيع أن نقولها في هذه المناسبة
وإن كانت الأقوال في هذا المجال كثيرة، ولكن نكتفي بهذا القدر إن شاء الله
{1} شرح السنة ومعجم السفر والبيهقي بصيغة: {لَنْ يَسْتَكْمِلَ مُؤْمِنٌ إِيمَانَهُ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ} عن عبد الله بن عمرو
{2} سنن الترمذي وصحيح بن حبان عن عبد الله بن مسعود
{3} عن أبى الدرداء رواه الطبراني بإسنادين إسناد أحدهما جيد ورجاله ثقة مجمع الزوائد
{4} صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها
{5} صحيح مسلم وابن خزيمة عن أبي قتادة الأنصاري
{6} البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما
{7} الأولياء لابن أبي الدنيا