تحقق أن الأعمال البدنية لم يقم بها العبد عبثاً ,
بل بوازع قلبى , وهمة دعته للقيام بها ,
والهمة التى توجه كمل الرجال لغايتها من التربية أو الأشارة
هى الهمة في تطهير قلب السالك من الحظوظ
التى تخالط العزيمة الباعثة على العمل ,
فإن الأعمال البدنية نتاج تلك المقاصد القلبية ,
ولا يكون لله منه إلا ما كان خالصا لوجهه
لأنه سبحانه علىِّ عظيم غنى قادر لا يحتاج إلى عمل الأبدان ولا عمل القلوب ,
ولكنه يحب من عبده الأخلاص لذاته سبحانه
لأنه هو الذى منح العبد كل خير وأمده بكل نعمة ,
فالاخلاص لذاته سبحانه يكون كشكر للمنعم الحقيقى ,
وامتزاج الأعمال البدنية بتلك الحظوظ والأهوء من الرياء ,
وحب الشهرة وحب مدح الخلق , ونوال العرض الفانى
و أن يقول الناس فلان مجاهد , او حاج , أو صالح , أو عالم ,
يعد كشكر لغير المنعم , وعمل غير خالص للمقصود به
فيحرم العامل بسبب نيته هذه رضا المنعم الحقيقى ,
وربما عوقب في الدنيا ولم ينفعه عمله ,
لأنه صدر عن عزم لغير الله تعالى , ونيته في غير وجهه الكريم .
مع أن هذا العامل لو ذاق حلاوة الأيمان من إسباغ النعم ,
وتحقق كمال التحقيق بما يناله – لأخلص لهذا الرب الكريم –
من إسباغ النعم , وتوالى المنن والرضوان الأكبر ,
والفوز في الدنيا والأخرة , ولبخل بنفس يتنفسه لغير الله ,
ولعد نفسه مشركاً عندما يحدث أمراً من صغير الأمور وكبيرها بغير نية صادقة ,
ووجهه صادقة لوجه الله تعالى ,
فكيف يكون حال عامل يعمل بنيته لغير الله تعالى من نوايا الحظوظ ,
والشهوات الخفية ؟
اترك هذا الحكم للبصير المتدبر
فالسالك طالب الوصول والقرب من الله تعالى لا يتنفس نفساً ,
ولا يتحرك حركة إلا وله نية صادقة في الله تعالى ,
حتى يكون حاضراً معه سبحانه , لا يغيب مبدأ ولا عزما ,
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:-
( اكثر شهداء أمتى أصحاب الفرُش ,
ورب قتيل بين الصفين لا أجر له , لأنه قاتل لا لإعلاء كلمة الله تعالى ,
بل ليقال أو ليغتنم )
فتدبر أيها السالك , وأحفظ أنفاسك ولحظاتك وأعمالك ,
وكن حاضر القلب مع الله تعالى مخلصاً في النية فإنها أصل الأصول ,
ومتى سلم الأصل قُبل الفرع وسلم .
والله سبحانه وتعالى يمنحنا القبول والأقبال و يحسن سريرتنا ,
ويجمل حالنا , ويحسن مآلنا أنه مجيب الدعاء
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
للإمام ابوالعزائم رضى الله عنه.