جنة الإيمان وجحيم العصيان
الحمد لله ربِّ العالمين، أنقذ البشرية من هاوية الحضيض والجهالة، بنوره المبين، وقرآنه العلي الكريم، أنزل عليهم نور الإسلام، وشمس الإيمان،
فهداهم الله عز وجل بنور الإسلام من الضلالة إلى الهداية، ومن الجهالة إلى العلم ومن كل شئ يباعد عن الله إلى نور الطاعات والقربات والأعمال الصالحة التي يحبها الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله واحد أحد فرد صمد انفرد بالخير كله، وتوحد عز وجل بعطاء النعم، فما من نعمة في الدنيا أو الآخرة إلا وهو عز وجل واهبها وصاحبها ومقسِّمها على عباده، وقد قسَّم عز وجل النعم إلى قسمين: نعم ظاهرة، ونعم باطنة.
نعم محسوسة وملموسة، ونعم لا تراها العيون،
ولا تطَّلع عليها القلوب والأبصار،
ولكن يحسّ بها العبد المؤمن بنور في قلبه أودعه فيه الواحد القهار.
أما النِّعم الظاهرة فهي نعم الأكل بما يشتمل عليها من ألوان المطعومات من خضروات وفواكه وحبوب وغيرها مما تنبته الأرض، وأصناف المشروبات، وأنواع الملبوسات والمساكن والمباني والأراضي والعقارات وكل ما تراه العين أو تسمعه الأذن أو تلمسه الحواس فهي نعم ظاهرة يتمتع بها جميع الناس. فالكافر يتمتع بها كالمؤمن، بل ربما يكون نصيبه فيها أكبر من المؤمن، وهذا ما نراه وما نلمسه، فلا يوجد فينا جماعة المؤمنين من يتمتع بظاهر الدنيا
كما يتمتع بها أهل أوربا وأمريكا في المساكن والمفروشات والمأكولات والمشروبات
لأن الله عز وجل عجَّل لهم ذلك في الدنيا وقال في ذلك:
{ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا } (20الأحقاف).
أما النعم الباطنة، فنعمة الإيمان، ونعمة الإسلام، ونعمة الحب لله، ونعمة الخشوع بين يدي الله،
ونعمة الرضا عن الله، ونعمة التسليم لقضاء الله وقدر الله، ونعمة تفويض الأمور كلها لله،
ونعمة التوكل على الله، ونعمة الإيمان بالغيوب التي غابت عن حياة الناس كالإيمان بالجنة والنار،
والإيمان بالملائكة الأطهار، والإيمان بيوم البعث والنشور، والإيمان بأحوال القبور من عذاب ونعيم،
وسؤال للملكين، هذه النعم الباطنة خص الله عز وجل بها عباده المؤمنين، وأولياءه المسلمين،
وحرَّمها عز وجل على الكافرين، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنَّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.
وأشهد أن سيِّدنا محمد عبد الله ورسوله، اختاره الله عز وجل لرسالته، وأنزل على قلبه محكم آياته البينات، وعصمه عن الهوى والشُّبهات، وأمره بتبليغ شريعته في كل الجهات، ووعد من اتَّبعه بدخول جنته، وتَوعَّد من عصاه بالخلود في نار جهنم اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد باب الرضا عن الله، وسر هداية القلوب إلى حضرة الله، والنور الذي أضاء الله به قلوبنا على كتاب الله، وخشعت به جوارحنا لعظمة الله، وجعلنا بها عباداً مهتدين، صلوات الله وسلامه على هذا النبي الأمين وكل من اتبعه بخير إلى يوم الدين.
أما بعد... فيا عباد الله جماعة المؤمنين، ونحن في أيام ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ماذا يجب علينا في شأن هذه الذكرى؟ ...
أول واجب علينا أن نتدَّبر فضل الله علينا بالإيمان والهداية،
فاي امرئ منَّا لو مَلَك الدنيا كلها من أولَّها إلى آخرها، وحرمه الله من نعمة الإيمان بالله،
ماذا يكون موقفه يوم السَّفر من هذه الحياة؟ وكيف يكون حاله يوم يُقبْل على الله؟
إنَّ هذا يقول فيه وفي أمثاله الله: { يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) {(11-18المعارج).
فلا ينفعه ما جنت يداه، ولا يشفع فيه شئ من مُتع الدنيا لينجِّيه من عذاب الله، لأنه لا ينفع بعد الكفر حتى الأعمال الخيرة التي فعلها في هذه الحياة، فمن كفر بالله، وظن أنه يفعل الخير: فيبني مستشفيات، أو يقدِّم معونات، أو يسوق عروضاً في الخيرات، فإن مثله مثل عبد الله بن جدعان الذي قالت فيه السيدة عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم:
{ إن عبد الله بن جدعان كان يطعم الطعام، ويواسي الضعفاء، وينصر الغرباء، فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل نطق بالشهادتين؟ قالت: لا.فقال صلى الله عليه وسلم: لو نطق بهما لنفعه ذلك }(2)
فالذي لم ينطق بالشهادتين لا ينفعه شئ قدَّمه في دنيا الناس، ولذلك فالذين يزعمون أنهم يقدمون الخير للناس في أي صورة من الصور ولكن الله لم يهدي قلوبهم للإيمان، ولم يفتح ألسنتهم بمفتاح الجنان وهو لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا ينفعهم ذلك يوم لقاء الله.
أما المسلم الذي نطق بالشهادتين فقد نال مفتاح الجنة حتى ولو عصى الله، وأبعده حظَّه وهواه، فإنه يوم القيامة يَمْثُل في محكمة الله ويصدر عليه حكم من الله، يقضيه في جهنم كما أمر وحكم الله، ولكنه سيأتي وقت يخرج منها ويدخل الجنة بسر لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا يمكث في جهنم أبداً، لأن الذي يقضي عليه بأن يمكث في جهنم خالداً فيها أبداً هم الكافرون وعن ذلك يقول الله: { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }(2الحجر).
ويكون ذلك عندما يأذن الله عز وجل يوم القيامة للحبيب صلى الله عليه وسلم بالشفاعة في من دخل جهنم من أمته فيقول الله له صلى الله عليه وسلم: بعد أن يخرّ تحت العرش ساجداً، ويحمد الله تعالى بمحامد يلهمه الله تعالى بها في تلك الساعة: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تُشفَّع، فيقول صلى الله عليه وسلم: يا ربَّ ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيأذن له فيخرجهم من النار حُطمه متفحِّمين، ويُلْقيهم في نهر الحياة، فيُنْبت الله لهم أجسادهم وأعضائهم، ثم يُدْخلهم جنَّته، ولكن بعد أن يكونوا قضوا بعض ما عليهم في نار جهنم.
ثم يرجع صلى الله عليه وسلم إلى العرش فيخرّ ساجداً لله عز وجل ويحمد الله تعالى بمحامد يُلهمه الله تعالى بها في تلك الساعة، فيقول الله تعالى - يا محمد، ارفع رأسك، وسَلْ تعطى، واشفع تُشفَّع، فيقول صلى الله عليه وسلم: يا ربَّ ائذن لي فيمن في قلبه مِثقال حبَّة من شعيرة من الإيمان، فيأذن الله عز وجل له، فيُخْرجهم، ثم يطلب منه عز وجل الإذن في إخراج من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله ولو مرة واحدة فيأذن الله عز وجل فيخرجون(3).
وعندما يخرج آخر الموحدين من النار ويدخلون الجنة، ويُؤْتي بالموت في صورة كَبْش أمْلح فيُذْبح ين الجنَّة والنَّار،
ويُنادي مُناد من قِبل الله عز وجل: يا أهل الجنة خُلود بلا موت، ويا أهل النَّار خُلود بلا موت، فيتحسَّر أهل النار حَسْرة لا يدري بها الأولون ولا الآخرون ويقولون: يا ليتنا قُلناها ولو مرَّة واحدة، إذا لنجونا من عذاب الأبد في النار،
ونلنا نعيم الواحد الأحد في الجنة.
فالمسلم الذي يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، تنفعه يوم لقاء الله، لأنه على الأقل لا يُخلد في نار الجحيم مع أهل الشقاوة من الكافرين والجاحدين والمشركين.
أما المؤمن المطيع الذي استقام على طاعة الله فإن الله عز وجل يرفعه في الدنيا والآخرة ببركة هذا الإيمان،وهذا ما بشَّر به الله عز وجل في قوله:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (97النحل).
فالذي يعمل الأعمال الصالحة، يعينه الله أن يحيا في الدنيا حياة طيبة، لا يُقاسي عناء، ولا يَشْكو من غلاء، ولا يُصيبه ومَنْ معه وباء، ولا يتعرَّض لشقاء، وفي الآخرة يكون في جوار السُّعداء.
وهذا ما نحتفل به في يومنا هذا، نُراجع حالنا على حال نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فنقول لأنفسنا: نحن مؤمنون، وأصحابه مؤمنون، ونبينا ونبيهم واحد، وإلهنا وإلههم واحد وكتابنا وكتابهم واحد، وقبلتنا وقبلتهم واحدة.
ماذا جرى لنا؟ وما الذي جعلنا كأننا نعيش في جحيم مُسْتعر من الأمراض، والغلاء وسوء الأخلاق، ومن الشقاق والنفاق، وكانوا كأَنَّهم في جنَّة وهم في الأرض أعدَّها لهم الكريم الخلاَّق عز وجل.
ماذا حدث لنا وجعلنا لا ينطبق علينا قرآن ربنا عز وجل؟!
إن هذا ما نحتاج إليه في أيامنا هذه نراجع أنفسنا في أخلاقنا ومعاملاتنا، وإيماننا وسُلُوكنا على حال نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وحال مَنْ معه من صحابته الهادين المهديين لأن الله تعالى يقول لنا: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21الأحزاب).
فنراجع حالنا على حالهم فنحن والحمد لله نصلي ونصوم ونحج ونزكي مثلهم، ولكن ليس حالنا كحالهم في الأمن والطمأنينة، وفي الصحة والعافية، لماذا؟
لأننا فرَّقنا بين تعاليم الإسلام، جعلنا الإسلام خاصاً بالصلاة والزكاة والحج، ونسينا التعامل بدين الله وقُلنا هذا غير هذا، يخرج الإنسان من الصلاة فيكذب على عباد الله ولا يحاسب نفسه على أن الكذب خطيئة يحاسبه الله عز وجل عليها، ويغشّ عباد الله المسلمين، ولا يحاسب نفسه على الغش مع قول النبي صلى الله عليه وسلم:
{ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } (4)
أي ليس من المسلمين وإن صلى وصام، لأنه خالف تعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم.
كيف يُحافظ المرء منَّا على الصلاة، ولا عليه بعد ذلك أن يخدع أو يُرائي أو يُنافق، ولا مانع عنده أن يسبّ أو يسرق أو يلعن ويظنّ أنه لم يفعل شيئاً يُعاقب عليه، ولو عاتبته أنا وأمثالي !! يقول:
إني أؤدِّي لله حقه !!! أؤدي الصلوات في أوقاتها، وأصوم شهر رمضان، وحججت بيت الله الحرام، فنقول له: اسمع ما حدث أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد قالوا له:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ }(5)
ألم تسمعوا ذلك ؟
قال هى فى النار!!!!! فصلاتها لا تُغْني عنها شيئاً يوم لقاء الله،
فقد ورد فى الأثر قولهم :
{الدين المعاملة}.
فمنذ فقد المسلمون المعاملة التي أوصى بها الله، والتي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا في حياتهم الكذب والغيبة والنميمة والحقد والحسد والغشّ والزور أصبحت عبادتهم لا ترتفع فوق رءوسهم طَرْفة عين، يُصلُّون لله ولكنهم نسوا أنهم يقولون لله في كل ركعة من ركعات الصلاة:
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }(6-7) الفاتحة.
فنطلب منه عز وجل أن يهدينا الصراط المستقيم، طريق الرسول الكريم ومَنْ معه من الصحابة الهادين المهديين، وهل الكذب من الطريق المستقيم؟! .. وهل قول الزور من الطريق المستقيم؟! وهل غشّ المؤمنين والمؤمنات من الطريق المستقيم؟!
وهل هذه الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الطريق المستقيم؟!.
إن أفعالنا تُكذِّب اقوالنا، والله عز وجل ينظر إلى أفعالنا قبل أن ينظر إلى أقوالنا وقد قال صلى الله عليه وسلم: { لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَني وَلاَ بِالتَّحَلي، وَلكِنْ هُوَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ ، وإن قوماً خدعتهم الأماني، وغرَّهم بالله الغَرُور، وقالوا نُحْسن الظنّ بالله،
وكذبوا، لو أحسنوا الظنّ لأحسنوا العمل (6)
ومثلهم هؤلاء الذين يقولون: نعمل ما شئنا في إرضاء شهوات نفوسنا، ثم نذهب بعد ذلك إلى بيت الله الحرام، ونحج فيغفر الله لنا كل ما جَنَت أيدينا... !!..ونقول لمثل هؤلاء: على رسلك، ألا تعلم أن المال الذي حصَّلته لو كان فيه قرشاً واحداً من مال حرام لا تُقْبل لك عبادة أربعين يوماً؟
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
{ إنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلٌ أَرْبَعِينَ يَوْماً }(7)
فلا يُقْبل منه صيام ولا صلاة، ولا تلاوة للقرآن، ولا ذكر ولا دعاء فإذا نوى الحج وكان حجه نفقته من حرام وقال: لبَّيك اللهم لبيك، قالت له الملائكة: لا لبيك ولا سعديك، وحجَّك هذا مردود عليك.
وكذا إذا أجاع نفسه في رمضان، وأتعب نفسه بالعطش في أيامه، وفطر على لقمة حرام أو فيها شبهة، قلنا له: انضم إلى بقية الصفوف التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم:
{ رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ والعَطَشُ }(
فلكل شئ أساس، وأساس ديننا المطعم الحلال.
ومنذ فَرَّط أهل هذا الدين في هذا الأساس، وأصبح الرجل منهم لا يُبالي أخذ المال من حلال أو من حرام، بالغشّ والخديعة أو عمل طيِّب وكَسْب مبرور، تفَّشت الأوجاع في أجسامنا، وغشيت الفتن مجتمعاتنا، وانتشرت الأوبئة في شبابنا، فرأينا منهم ما لم نسمع عنه من أحوال السابقين ولا اللاحقين، لأنهم غُذُّوا بالحرام، وتزيّوا بالحرام، ونُشِّئوا على الحرام.
فيا إخوة الإسلام في أيام ميلاد المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام راجعوا أنفسكم واعلموا إننا مسافرون، وعمَّا قليل إلى الله راجعون، وبما يرجع بعضنا الآن وهو بين يدي الله، وربما يرجع إلى الله بعد الصلاة، وربما يرجع إلى الله وهو نائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{التائب من الذنب كمن لا ذنب له}
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية: فى حقيقة الاحتفال بميلاد الرسول
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي هدانا للإيمان، وتوَّج عباده المؤمنين بتاج العرفان،
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نسأله عزَّ شأنه أن يثبِّتنا عليها يوم نلقاه،
واشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله،
الشفيع الأعظم لنا جميعاً يوم لقاء الله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، واعطنا الخير، وادفع عنَّا الشَّرَّ
ونجِّنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.
أما بعد... أيها الأخوة المؤمنون، ونحن نحتفل بذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّ كثير منّا أن الاحتفال يكون بإضاءة الأنوار، وإحضار الحلوى للصغار والكبار فقط !!!
ونقول لمن يقف عند ذلك،
ليس هذا هو حقيقة الاحتفال الذي ينبغي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
بل حقيقة الاحتفال بذاته صلى الله عليه وسلم أن نُفرِّغ أنفسنا بعض الوقت في هذه الأيام الكريمة لنُطالع سيرته، ونُطالع أخلاقه الكريمة في معاملته لأزواجه، ومعاملته لأولاده، ومعاملته لجيرانه، ومعاملته لأعدائه، ومعاملته للناس أجمعين، ونقيس حالنا بحاله صلوات الله وسلامه عليه، ونحاول أن نكون له من المتَّبعين، فإنَّ الله عز وجل يقول:
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }(31آل عمران).
ثم نراجع صحف أعمالنا، فما وجدنا فيها من خير حمدنا الله عز وجل، وما وجدنا فيها من شر تبنا إلى الله منه، وندمنا عليه ورجونا من الله عز وجل أن يغفره لنا قبل يوم القيامة، ثم نصلح ذات بيننا، فإننا نسر الله عز وجل إذا أصلحنا فيما بيننا وبين ذوي أرحامنا وأقاربنا في أيام ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إكراماً لله، وتعظيماً لشعائر الله، وبراً بمولانا رسول الله،
ثم نوسع على عباد الله الفقراء والمساكين في هذه الأيام الطيبة، بما أفاض علينا، وبما يسر لنا من الأرزاق طمعاً في قوله صلى الله عليه وسلم:
{ اتقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة }(9)
ولا يجب على المسلم أن يسهر في ليلة الميلاد على غير طاعة الله عز وجل... فإن أكبر الكبائر أن تسهر في ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كازينو ! أو ملهى ليلي! أو في فيديو يعرض شيئاً يحرِّمه الله ورسوله صل الله عليه وسلم، أو أن تجلس فى مجلس يدار فيه الخمر أو الحشيش أو يتعاطى فيه الهروين،
أو غيرها من مجالس المحرمات أو الغيبة والنميمة والمنكرات .
أقل إحياء لهذه الذكرى أن تمنع الشر منك عن نفسك، وعن الآخرين، فتحيى هذه الليلة في بيتك مع كتاب الله، أو مع سيرة رسول الله، أو في زيارة في الله، أو في صلة رحم، أو عيادة مريض، أو عمل نافع لك وللمؤمنين وإياك ثم إياك أن تحييها في شئ بغيض لله عز وجل.
فقد ورد أن أبا لهب عدو الله قد رآه أخوه العباس في المنام بعد موته، فسأله عن حاله، فأجابه: كما ترى في العذاب الأليم، غير أنه يخفف عنى كل ليلة اثنين، قال: ولم؟ قال: لأنه لما أخبرتني جاريتي ثويبة بخبر ميلاد محمد وقالت:
أبشر لقد ولد لأخيك عبد الله في هذه الليلة ولد وسمي محمد،
فقلت لها: أنت حرة لوجه الله عز وجل وفرحت ...
فيخفف عنى العذاب كل ليلة اثنين إكراماً لفرحى بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا كان هذا كافراً جاء ذمه******وتبت يداه في الجحيم مخلداً
أتى أنه في ليلة الاثنين دائماً*****يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي عاش عمره****بأحمد مسروراً ومات موحداً
أي فما بالكم بالمؤمن الذي يسر في ليلة المولد برسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويعبر عن سروره بعمل صالح يقربه إلى الله وينفعه يوم لقاء الله.
1- كانت هذه الخطبة بمسجد الأنوار القدسية بالمهندسين - جيزة - في الاحتفال بذكرى المولد النبوي يوم الجمعة الموافق 10 من ربيع الأول 1414 هجرية، 27/8/1993م.
2- خرَّجه أحمد في مسنده بلفظ: "لم يقل يوماً قط: اللهم اغفر لي يوم الدين".
3- الحديث بتمامه رواه البخاري ومسلم في باب الشفاعة عن ابي هريرة رضي الله عنه.
4- رواه البزار عن عائشة.
5- مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن أبى هريرة.
6-.خرَّجه السيوطي في الجامع الصغير عن أنس
7- الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد عن أنس.
8- رواه ابن ماجة عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والطبران والبيهقي عن ابن عمر.
9- رواه الشيخان عن عدي ابن حاتم، والحاكم عن ابن عباس وأحمد عن عائشة, سنن النسائي وسند ابن شهاب عن عائشة رضى الله عنها