ابشروا في هذا اليوم الكريم بمغفرة من الله ورضوان ونعمة من الله واحسان فانه هو الحنان المنان وهو الرءوف الكريم وهو العطوف الشفوق وعدنا جميعا في هذا اليوم الكريم بما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الفضل والاحسان ان هذا الوقت الذي نحن فيه الان يحتفل فيه مثلنا جميع مخلوقات الله الكل قد اجتمعوا في اماكنهم الجن في اماكنهم والانس في مساجدهم والملائكة يحفونهم باجنحتهم من الارض الى السموات العلا وجميع مخلوقات الله الاخرى من الحيتان في البحار والحيوانات والدواب في القفار والحشرات والهوام في الفضاء الكل يجتمعون والكل يستمعون والكل يحضرون لهذا اللقاء الكريم الذي ليس له مثيل في دنيا الناس لانه يقوم به رب الناس لما قام الصائمون بامر الله وبتوفيق الله بالعمل على طاعة الله طوال شهر كامل حبسوا فيه انفسهم عن الحرام والحلال حبسوا انفسهم عن المفطرات ما ظهر منها وما بطن واقبلوا على الله بالطاعات والقربات اراد ربهم ان يكافئهم وان يهنئهم وان يجازيهم وان يحسن اليهم فجعل هذا اليوم وهذه الليلة هذه الليلة سماها ليلة الجائزة لان الملائكة تبيت فيها تجهز لكل منكم جائزته التي قدرها له الله يبيتون في هذه الليلة ومعهم الصحف والاقلام واللوح المحفوظ قد ظهر فيه مراتب العباد واجور الزهاد ولكل منكم قدر معلوم واجر مقسوم حدده الحي القيوم الذي لا تاخذه سنة ولا نوم فيجتمعون على اللوح المحفوظ ومعهم الاعمال يثبتونها لاصحابها ويحررون الكشوف فاذا كانت صبيحة العيد وهو اليوم السعيد الذي نجتمع فيه للشكر على ما اولانا الله وبالعمل بما اكرمنا الله فما جعلت هذه الليلة والصلاة الا شكرا لله على ان وفقنا للصيام وعلى ان وفقنا للقيام وعلى ان اتانا بالمغفرة وعلى ان من علينا بالتوبة وعلى ان اعتق رقابنا من النار وعلى ان اعطانا اجر ليلة القدر جعلت هذه الصلاة شكرا لله على هذه النعم وغيرها التي قدرها الله على عباد الله المؤمنين الصائمين والصائمات فاذا اجتمع المسلمون لصلاة العيد ليؤدوا الشكر للحميد المجيد فان هذه الصلاة ما اشبهها بحفل الهي لتكريم الصائمين وحفل رباني لتكريم الطائعين وحفل ملكوتي لتكريم عباد الله المؤمنين والمؤمنات ولذلك يامر الله الملائكة الكرام ان يقفوا على ابواب الطرق ينادون على المؤمنين ويقولون يا امة احمد اخرجوا الى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم [1] فتسمعهم جميع الكائنات الا الثقلين اي الانس والجن فيدعون المؤمنين الى الخروج لهذا الحفل الكريم لاخذ الجائزة من الرب العظيم هذه طائفة وطائفة اخرى منهم يجلسون على ابواب المساجد ومعهم سجلات نورانية هي سجلات التشريفات الالهية وكان هذا المكان وكل مكان يماثله في الارض انما هو قصر جمهوري لاستقبال الزائرين لزيارة رب العالمين كما قال النبي المساجد بيوت الله والمؤمنون زوار الله وحق على المزور ان يكرم زائره}[2] فيجلسون على ابواب بيوت الله يسجلون في كتاب الاحوال الالهية وباقلام الرحمة الربانية اسماء المسلمين الذين جاءوا لزيارة رب العالمين ولاخذ الجائزة من اكرم الاكرمين واجود الاجودين فاذا دخل الامام المسجد طويت الصحف وجلست الملائكة معكم الان يسمعون ويسجلون ويباركون ويهنئون لجميع المسلمين ثم يتجلى الكريم اليوم باسماء كرمه كلها وباسماء احسانه جميعها يتجلى باسمه الكريم ويتجلى باسمه الوهاب ويتجلى باسمه المحسن ويتجلى باسمه المعطي ويتجلى باسمه الرزاق ويتجلى بجميع صفاته الحسنى ويفتح خزائن كرمه بغير حساب وكانه في هذا اليوم يفتح الكنوز للمؤمنين والمؤمنات ولا تظنوها كنوزا حسية وانما هي كنوز معنوية وكنوز روحانية ملكوتية توضع في صحيفة كل منكم وفي رصيد كل واحد منكم من المغفرة ومن الاجر ومن الثواب ومن العمل الصالح ما لا يستطيع ان يحسبه الحاسبون ولا يستطيع ان يعده العادون ولا يستطيع ان يعلم كنهه جميع المخلوقين مهما اوتوا من سعة العلم ومن قوة التحمل ومن قدرة الفكر لكنهم جميعا عاجزين عن الامر الكبير الذي سجله الحق في صحف الكرام الصائمين القائمين في هذا الشهر الكريم توفية لهم من الرب ان ما يعطيه الله لكم وما يصبه في صحفكم لو سمعتموه ولو ذقتموه لسجدتم في مكانكم الى ان تخرج ارواحكم من اجسادكم شكرا لله على ما اولاكم وحمدا له على ما اعطاكم ولكنه سبحانه من شدة رحمته بنا وهو يعلم ان قلوبنا ضعيفة وعقولنا قاصرة لا تتحمل هذا الثواب ولا هذا القدر من الاجر الذي اخفاه لنا في هذه الحياة الدنيا حتى اذا جاء اليوم المعلوم واعطيت قوة من قوة الله وقدرة من قدرة الله ونورا من نور الله وبصرا من بصر الله وسمعا من سمع الله اطلعت على ما اعطاك الله طرت من الفرحيوم لقاء الله وحملت كتابك باكفك وصرت في وسط اهل الموقف تهلل وتقول{هاؤم اقرؤوا كتابيه اني ظننت اني ملاق حسابيه}تقول الملائكة مهنئة{فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية ثم ينادي الجليل{كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية}فاذا سمعتم ان هذا اليوم يوم الجائزة لا تظن الجائزة شئ حسي تاخذه في يدك لان الجائزة الحسية انما نعطيها لصبياننا جماعة المسلمين اما رجال المؤمنين الذين اعد لهم رب العالمين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الاجر والثواب والنور والنعيم المقيم والهناء السرمدي فهؤلاء جائزتهم محفورة بالنور الرباني منقوشة في الكتاب الصمداني مصورة وموضوع صورة منها عند رب العالمين وصورة منها في اللوح المحفوظ وصورة منها في سجلات كنوز الاعمال تحت عرش رب العالمين وصورة في السجلات التي يكتبها الكرام الكاتبون صور شتى من الاجر والثواب والنعيم المقيم الذي يعده لك ويجهزه لك الوهاب وتعالوا بنا جماعة الصائمين نستعرض بعض الاوسمة والنياشين التي يخلعها رب العالمين على عباده المقربين في هذا اليوم الكريم فانه ينعم وهو المنعم على هذه الاصناف التي قال فيها ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ينعم على بعضهم بالنياشين الالهية وعلى صدور بعضهم بالاوسمة الربانية فمنا من ينعم الله عليه في هذا اليوم بوسام السعادة الابدية وهنيئا لمن نال هذا الوسام فانه سعد سعادة لا يشقى بعدها ابدا تعرفون كم عدد المنعم عليهم بهذا الوسام؟احسبوا ان كنتم من الحاسبين في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم يكتب كشف بمائة الف من هذه الامة ينعم عليهم الكريم بوسام السعادة الابدية فاذا كانت ليلة الجمعة انعم فيها على مثل ما انعم في سائر الاسبوع فاذا كانت ليلة العيد انعم فيها على مثل ما انعم في سائر الشهر فهنيئا للصائمين الذين فازوا بوسام السعادة الابدية من رب العالمين والذين يقول فيهم ولهم ومكتوب في وسامهم ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت انفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون}فبشرى لاهل هذا الوسام وسام السعادة الابدية من رب البرية ومنا من ينعم عليه الله بوسام الاستقامة وما ادراك ما وسام الاستقامة ان صاحب هذا الوسام ياخذ هذا الوسام من الكريم ومكتوب فيه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم اهل وسام الاستقامة لا خوف عليهمفي الحياة الدنيا ولا حزن عليهم يوم لقاء الله لا خوف عليهم من غضب الله ولا خوف عليهم من مقت الله ولا خوف عليهم من خروج الروح فانهم امنون في تلك الساعة وتخرج ارواحهم كما يريدون وكما يطلبون لانهم منحوا وسام الا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومن المؤمنين من ينعم عليه في هذا اليوم بوسام الصدق ومكتوب فيه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا هؤلاء الرجال الذين صدقوا مع الله فصلوا لله وصاموا لله وعملوا الطاعات لله رب العالمين ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}ومن المؤمنين ومنا جماعة المؤمنين من ينعم عليه في هذا اليوم الكريم بوسام المغفرة ولا يحرم منه صغير او كبير فكلنا بفضل الله وكلنا بتوفيق الله وكلنا بكرم الله نحصل على الاقل على وسام المغفرة كل مسلم منا صام هذا الشهر وكل مسلم قام هذا الشهر يحصل على وسام المغفرة الذي يقول فيه رسولكم الكريم من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه}[3] فيبدل الله له الذنب فيخرج من هذا الشهر تقيا نقيا طاهرا لله ولذلك يقول رب العالمين واكرم الاكرمين لكم جميعا واسمعوا اليه وهو يخاطبكم فيقول يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسالوني اليوم شيئا في جمعكم لاخرتكم الا اعطيتكم ولا لدنياكم الا نظرت لكم وعزتي لاسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني وعزتي لا اخزيكم ولا افضحكم بين يدي اصحاب الحدود انصرفوا مغفورا لكم قد ارضيتموني ورضيت عنكم [4]
[1] البيهقى فى شعب الايمان عن ابن عباس[2] رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود[3] رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في سننه وابو داود في سننه عن ابي هريرة[4] رواه ابن حبان في الثواب والبيهقي عن ابن عباس.
منقول من كتاب [الخطب الالهامية رمضان وعيد الفطر]
للشيخ فوزى محمد ابو زيد