كلنا في كل عام يشاهد مظاهر شهر رمضان، وعلمناها وعرفناها وحفظناها، سواء كانت مظاهر للأكل أو مظاهر للشراب، أو مظاهر لعادات معينة وثابتة نمشي عليها في هذا الشهر، أو مظاهر للإذاعات، أو مظاهر للتليفزيونات، أو مظاهر لوسائل الإعلام،
ولكن مَنْ مِنّا رأى المظاهر التي تحدث في ملكوت الله وسماواته بمناسبة شهر رمضان؟، من منا شاهد أحوال الجنة وأهلها وكيفية احتفائهم واستقبالهم لشهر رمضان؟
من الذي شاهد عمَّار السموات ومكاتب السياحة الإلهية في كل سماء تفتح أبوابها في شهر رمضان لتسجيل أسماء الملائكة الذين يأخذون تصريحاً من الحنان المنان لينزلوا إلى الأرض للسياحة في شهر رمضان؟
هذه المظاهر السماوية لا نستطيع معرفتها والإحاطة بها إلا إذا أنصتنا جيداً إلى المعلِّق الخبير الرءوف الرحيم صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنه وحده هو الذي أعطاه الله العدسات الكاشفة التي تكشف عالم الغيب، وتكشف عالم الملكوت،
ويصفه بعد ذلك للمشاهدين والمستمعين من أتباعه من المؤمنين. استمعوا يا معشر المؤمنين إلى رسولكم الكريم وهو يحدثكم عن مظاهر استقبال شهر رمضان في جنة الله وفي ملكوت الله. نحن نعرف ميقات الشهر برؤية الهلال، ولكن عالم الملكوت ليس فيه شمس ولا قمر ولا ولا نجوم، ولا ليل ولا نهار، فكيف يعرفون بداية الشهر؟
استمع إليه صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه ابن عباس رَضِىَ الله عنهما قال
{ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُنَجَّدُ وَتُزَيَّنُ مِنَ الْحَوْلِ إِلى الْحَوْلِ لِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، هَبَّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهَا: المُثِيرَةُ، تُصَفقُ وَرَقُ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ، وَحِلَقْ المَصَارِيعِ – يعني: مقابض الأبواب - فَيُسْمَعُ لِذلِكَ طَنِينٌ – يعني: صوت موسيقى روحاني عظيم - لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَتَبْرُزُ الْحُورُ الْعِينُ، وَيَقِفْنَ بَيْنَ شُرَفِ الْجَنَّةِ فَيَقُلْنَ: هَلْ مِنْ خَاطِبٍ إِلى اللَّهِ فَيُزَوجَهُ، ثُمَّ يَقُلْنَ: يَا رِضْوَانُ مَا هذِهِ اللَّيْلَةُ؟ فَيُجِيبُهُنْ بِالتَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ: يَا خَيْرَاتٌ حِسَانٌ، هذِهِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فُتحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ لِلصَّائِمِينَ مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ - فترفع كل واحدة منهن لافتة على صدرها - وتقول بلسانها متحدثة بنعمة الله عليها: نحن الخالدات فلا نموت،! نحن الناعمات فلا نَبْأس،! نحن خيرات حسان،! هل من خاطب إلى الله عزَّ وجلَّ؟ }(1)
تلك بداية الشهر تهب ريح طيبة من تحت عرش الرحمن، تتعطّر منها أزهار الجنان، فيشم أهل الجنان رائحة عطرة لم يشموها من قبل، وتصفق أوراق الأشجار وتحرك مقابض الأبواب وسلَّم حيث يقول الله تعالى: { يَا رِضْوَانُ افْتَحْ أَبْوَابَ الْجِنَانِ، يَا مَالِكُ أَغْلِقْ أَبْوَابَ الْجَحِيمِ عَنِ الصَّائِمِينَ مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ، يَا جِبْرِيلُ اهْبِطْ إِلى الأَرْضِ فَصَفدْ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ وَغُلَّهُمْ فتسمع موسيقى إلهية روحانية لم يسمع أحد بمثيلها، فيتسآءل سكان الجنان، فيجيبهن مندوب الرحمن بأن هذه أنغام استقبال شهر رمضان.
ثم بعد ذلك يجمع الحق سبحانه وتعالى رؤساء الملائكة وزعماءهم ويعقد لهم مؤتمراً عاماً في سدرة المنتهى، ويكلف كل واحد منهم بتكليف خاص ينفذه في إدارته وهيئته في شهر رمضان، فيجمع جبريل عليه السلام، ورضوان خازن الجنان، ومالك خازن النيران، وميكائيل وزير التموين الإلهي، ويعطي لكل واحد منهم تكليفاً، اسمعوا إلى أوامر الحق التي ذكرها سيد الخلق صلَّى الله عليه وسلم
أي: عمِّر بطاقات تموينهم الإلهية، بماذا يعمِّرها؟ عمِّرها لهم ليس بالأطعمة الحسّية ولكن بالأطعمة الروحانية، فعمِّر بطاقات تموينهم بذكر الله، أوعمّرها بالصلاة، أوعمّرها بالصدقات، وعمّرها بفعل الخيرات، حتى ينطلقوا إلى الطاعات، فيربحون في هذا الموسم الذي أقامه الله سوقاً للخيرات والبركات والطاعات.
هذه الأوامر ما تفصيلها؟ وما فائدتها بالنسبة لنا؟ ما الذي نستفيده من فتح أبواب الجنان؟ إنك تشعر بهذا ولكنك لا تستطيع أن تعبر عنه باللسان، وإن كنت تشعر به في كل رمضان، يأتي رمضان ونجد المريض والشيخ الكبير والطفل الصغير يصوم، والكل يقول إني أعجب كيف أني لا أشعر بألم الجوع ولا بألم العطش مع أني في غير رمضان لا أستطيع أن أكمل صيام يوم واحد،
ونسى أن أنوار الجنان وروائح الجنان أبوابها مفتوحة للمؤمنين تهب على قلوبهم فتعمرها بالإيقان وتملأها بالإيمان، وتجعل الأعضاء سهلة الحركة خفيفة المؤنة في طاعة الحنان المنان فلا تشعر بألم ولا وصب ولا تعب لماذا؟
للتموين الإلهي النوراني الذي غذيت به من جنة الله وإن كنت لا تشعر بهذا الغذاء لأنه غذاء قلبي وغذاء روحاني
أيضاً تتغير النوايا والقلوب لأن الذي يدخل الجنة قبل دخولها لابد أن يدخل غرفة العمليات الإلهية على بابها ويرقد على مشرحتها ويشقون صدره وينفذون فيه قول الله:
( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) (47الحجر)، وهذا يحدث في شهر رمضان لكنه يحدث لك وأنت لا تشعر فإنك تجد نفسك في رمضان منشرحاً لفعل الخيرات، مسارعاً مستبقاً إلى عمل الطاعات ولا تدري لذلك سبباً، ولا تعرف لذلك سراً، حتى أنك تودُّ أن يصالحك من خاصمته قبل رمضان.
وتودُّ أن تحسن إلى من أساء إليك قبل رمضان، وتود أن تسامح من ظلمك قبل رمضان، وتريد أن تفعل كل أنواع الطاعات، وتقف على كل أبواب الخيرات، ولا تعرف ما هذه العزيمة الغريبة التي جاءتك في لحظة واحدة مع بداية الشهر؟ولكنها هي الروائح الجنانية والنسمات الروحانية التي تهب على قلوب المؤمنين فتعمرها باليقين وتطهرها لحضرة رب العالمين عزَّ وجلَّ. تلك بعض ملامح هذا الأمر الإلهي لفتح أبواب الجنان
(1)[SIZE="3"]جامع الأحاديث والمراسيل
رواه ابن حبان في كتاب الثواب والبيهقي عن ابن عباس.
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%C7%E1%CE%D8%C8%20%C7%E1%C5%E1%E5%C7%E3%ED%C9_%CC5_%D1%E3%D6%C7%E4_%E6%DA%ED%CF_%C7%E1%DD%D8%D1&id=39&cat=3
[URL="http://www.fawzyabuzeid.com/downbook.php?ft=pdf&fn=Book_Khotab_elhameya_V5_Ramadan_Eid_elfeter.pdf&id=39"]
منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج5_رمضان_وعيد_الفطر}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً
[/URL]
https://www.youtube.com/watch?v=RKKWGu-wa8I
[/size]