4 س ·
الإيجابية
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
****************
الحمد لله رب العالمين، خلقنا في الكون بقدرته، وأوجدنا في الدنيا بحكمته، وجعل الآخرة هي دار القرار، فمن خرج من دنياه وقد أطاع مولاه واتَّبع حبيبه ومصطفاه، فقد فاز وجاز وأصبح من الفائزين يوم لقاء الله، ومن ضحكت عليه نفسه وسوَّل له هواه، ومشى في الدنيا على هوى نفسه وجعل خلفه شرع الله، خرج من الدنيا وهو يقول كما قال الله:" يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ " (الزمر56).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا يضُره معصية العاصين، وإنما الأمر كما قال في كتابه المبين:
" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ " (15الجاثية).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أدَّى الأمانة وبلَّغ الرسالة وتركنا على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد خير من بلَّغ عن الله رسالاته، وأكمل الناس رحمة ورأفةً بأمته، وأكرمنا أجمعين في الدنيا باتباع سنته، وفي الآخرة بشفاعته، وفي الجنة بأن نكون في جوار حضرته أجمعين
🤲 آمين آمين يا رب العالمين
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
لن يتغيَّر حالُنا إلى أحسن حال، ولن تفيض الأرزاق وتزيد الأموال إلا إذا غيَّرنا ما بنفوسنا. لأن الله عز وجل يقول:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [11الرعد].
وما الذي في نفوسنا أو في نفوس البعض ويحتاج إلى التغيير؟
لابد أن نقتلع الأنانية من جذورها، ويكون الفرد أحرص على الجماعة من نفسه لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم في ذلك:. {لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبَّ لأخِيهِ أوْ لِجَارِهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}.( صحيح مسلم عَنْ انس رضي الله عنه)
فتتلاشى النزعات الفردية، والأهواء الفردية في سبيل المصلحة العامة الجامعة التي فيها خير لهذه الأمة المحمدية،
ونكون كما وصف الله المؤمنين ونحن إن شاء الله منهم في كتابه:
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [47الحجر]؟
لابد أن ينزع المؤمن كل ما في قلبه من الأشياء الفردية التي تجعله يُؤثر نفسه على غيره، ويُفضل مصلحته الشخصية على مصالح الجماعة، وكلَّ تكالبه على شهوته أو حظه أو على ما يرجوه في هذه الساعة من مغنم بدون أن يعير شأن الجماعة أية اهتمام في الآجل والعاجل.
وهذا يا إخواني هو أُسُّ المرض الذي أخَّرنا سنين طوال،
ولذلك إذا أردنا إصلاح أحوالنا أجمعين لابد أن نعالج هذه الأمراض في قلوبنا،
قال حبيبي وقرة عيني صلى الله عليه وسلم:
{أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ}.(متفق عليه عن النعمان بن بشير)
كان صلى الله عليه وسلم جالساً في يوم بين إخوانه من الأنصار والمهاجرين، وجاء رجل عليه أثر الوضوء من بعيد، فقال حضرة النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه:
{يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة}، فجلس الرجل في مجلس حضرة النبي، ثم بدا له أن يقوم فقام، فقال صلى الله عليه وسلم في شأنه: {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة}.
ورُوى أنه تكرر منه هذا الحوار ثلاث مرات، وكان في المجلس عُبَّاد الصحابة، وكان منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وكانا يقومان الليل كله بين يدي الله راكعين ساجدين، ويصومان أكثر الأيام إلا التي حرَّم صيامها سيد الأولين والآخرين، فقالا في نفسيهما: وما العمل الذي يزيد به هذا الرجل علينا ليكون من أهل الجنة؟!!!
فأخذهما الفضول فذهب أحدهما إلى بيته، ولما دقَّ عليه الباب وفتح له زعم أنه جرى خلاف بينه وبين أبيه ويطمع في استضافته، فأضافه، وانتظر يراقب عمله، فلم يجده يقوم بعد صلاة العشاء إلا قبل الفجر بساعة ويتوضأ ويذهب لحضور صلاة الفجر مع الحبيب في الجماعة، وفى الصباح يُقدم له الفطور ويفطر معه، وفى اليوم الثاني كذلك وفى الثالث كذلك، فقال له: يا عماه لم يحدث بيني وبين أبى خلاف ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في شأنك: {يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة} ويقول بعد قيامك: {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة}
فما العمل الذي تعمله وتستوجب به ذلك؟
قال : {مَا هُوَ الَّذِي قَدْ رَأَيْتَ، غَيْرَ أَني لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي سُوءًا لأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وَلاَ أَقُولُهُ. قَالَ: هٰذِهِ الَّتي قَدْ بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتي لاَ أُطِيقُ}.(رواه احمد عن انس رضي الله عنه)
فذهب عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإذا به صلى الله عليه وسلم يقول لسيدنا أنس يابُنَي: إِنِ ٱستطعت أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الْحِسَابِ، وَيَا بَنيَّ! إِنِ اتَّبَعْتَ وَصِيَّتِي فَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، يَا بُنَيَّ! إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ} (رواه أبو يعلي والطبراني عن انس رضي الله عنه)
هذا حال مجتمع المؤمنين الذين أصلح الله بهم الدنيا، وأصلح الله لهم شئونهم أجمعين، محو الفردية من نفوسهم، وأصبح كل همهم في مصالح الجماعة، وفى الحرص على إخوانهم،
قال صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمنين:
{مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر}.(البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما)
أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا بنور الهُدى واليقين وجعلنا من عباده المسلمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجوه سبحانه أن يُثبتنا عليها حتى نلقاه ويتوفانا مسلمين ويُلحقنا بالصالحين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وأعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أما بعد
فيا أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
جعل الله عز وجل عبادة هذه الأمة الفاضلة بعد الفرائض هي التي تتعلق بالخلق،
وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسلم حقوقاً في أعناق إخوانه المسلمين أجمعين، وإذا كان المسلم يتغاضى عن المطالبة بحقوقه في الدنيا فإن الذي يطالب بحقوقه يوم القيامة هو أحكم الحاكمين ورب العالمين عز وجل،
جعل لك حقاً على كل مسلم أن يُسَلم عليك إذا قابلك،
وحق على كل مسلم في عنقك أن تُسَلم عليه إذا لقيته سواء عرفته أو لم تعرفه، لأن الحبيب قال لرجل يسأل:
{أَيّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ قال: تُطْعِمُ الطّعَامَ، وَتَقْرَأُ السّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ}(متفق عليه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه)
أين نحن الآن من هذه الشعيرة؟
أين نحن الآن من هذا الحق؟
- إذا دخلت المسجد تُسَلم على الحاضرين.
- وإذا خرجت من المسجد تُسَلم على من تراهم في الشارع.
- وإذا دخلت بيتك تُسَلم على أهلك.
- وإذا خرجت من عندهم تُسلم مودعاً لأهلك.
- لا تمر على مسلم تعرفه أو لا تعرفه إلا وتُلقى عليه السلام بتحية الإسلام،
وحقوق المسلم على المسلم حقوق عديدة سأسردها عدَّاً لأن شرحها يحتاج إلى وقت طويل، يقول فيها صلى الله عليه وسلم:
{حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللّهَ فَشَمِّتْهُ. وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ}.(مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه)
وفي حديث أخر :
"أَمَرَنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبْعٍ: بعِيادَةِ المَرِيضِ، واتِّباعِ الجَنائِزِ، وتَشْمِيتِ العاطِسِ، ورَدِّ السَّلامِ، وإجابَةِ الدَّاعِي، وإبْرارِ المُقْسِمِ، ونَصْرِ المَظْلُومِ(رواه البخاري من حديث الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنه)
حقوق وواجبات لابد لكل مسلم أن يقوم بها لإخوانه حتى يكون المسلمون أجمعون كرجل واحد أو كأسرة واحدة يقول فيهم الله:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [10الحجرات].
فإذا لم يقم بهذه الحقوق وكان يوم الدين، يأتي رب العالمين بالرجل الذي قصَّر في حقوق إخوانه المسلمين ويقول: {يَقُولُ اللَّهُ جلَّ وعلا، لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابنَ آدَمَ مَرِضْتُ ، فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أَعُودُكَ وأنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أما عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاناً مَرِضَ، فَلَمْ تَعُدْهُ، أَما عَلمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي؟}(مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
من الذي نزوره في حيز نطاقنا؟
قال الحبيب لنا:
{امْشِ مِيلاً عُدْ مَرِيضاً، اِمْشِ مِيلَيْنِ أَصْلِحْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، امْشِ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ زُرْ أَخاً فِي اللَّهِ}.(رواه بن عدي عن أبي أمامة رضي الله عنه)
أي يجب عليك أن تتحسس المرضى وخاصة الفقراء حتى يتكافل المؤمنون، ويسعوا لمنافع بعض، ويرفعوا شأن بعض.
ثم يكمل صلى الله عليه وسلم الحديث القدسي السابق ويقول:
{وَيَقولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أما علمت أن عبدي فلان استسقاك فلم تسقه أما عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلِكَ عِنْدَي؟
يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمُتُكَ، فلم تُطْعِمْنِي، فيقولُ: يَا رَبِّ وكَيْفُ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ الْعَالمِينَ؟ فيقولُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أنَّ عَبْدِي فلاناً أستطعمك فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا إِنّكَ لَوْ أطْعَمْتَهُ وَجَدْتَ ذلِكَ عنْدِي}.
أما المؤمن الذي يأكل في بيته وسكنه ما لذ وطاب ولا يحسُّ بمن حوله لأنهم لا يعنونه ولا يخطر على باله أنه عليه واجب نحوهم، أو يعلم ولا يهتم! فيقول في شأنه الحبيب:
{مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ}.(الطبراني عن أنس رضي الله عنه)
لابد أن يستشعر هذا بإخوانه المؤمنين.
أما مَنْ يَغِشُّ المؤمنين في كيل أو وزن، أو بيع أو شراء، أو كلام أو غيره، فيقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم:
{مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ منَّا، والمَكْرُ والْخِدَاعُ فِي النَّارِ}،(رواه أبو داود عن الحسن مرسلا)
ليس من أمة الحبيب المختار.
ومن يُخزِّن الطعام في وقت ليُغلى سعره على المؤمنين يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
{ من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، }(احمد والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)،
فليس من المسلمين من يفعل ذلك
دعانا الله عز وجل أجمعين إلى أن نتكاتف ونتعاون ونتماسك لنصلح شأن بلدنا وشأن أوطاننا وشأن كل شئ هو لنا، ونعمل بقول الله:
{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [105التوبة].
🤲نسأل الله عزّ وجلَّ أن يوفِّقنا إلى الهُدى والنهج القويم، وأن يأخذ بأيدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يوفِّقنا إلى كلِّ عملٍ كريم
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
***
للمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد
الإيجابية
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد ابوزيد
****************
الحمد لله رب العالمين، خلقنا في الكون بقدرته، وأوجدنا في الدنيا بحكمته، وجعل الآخرة هي دار القرار، فمن خرج من دنياه وقد أطاع مولاه واتَّبع حبيبه ومصطفاه، فقد فاز وجاز وأصبح من الفائزين يوم لقاء الله، ومن ضحكت عليه نفسه وسوَّل له هواه، ومشى في الدنيا على هوى نفسه وجعل خلفه شرع الله، خرج من الدنيا وهو يقول كما قال الله:" يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ " (الزمر56).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا يضُره معصية العاصين، وإنما الأمر كما قال في كتابه المبين:
" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ " (15الجاثية).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أدَّى الأمانة وبلَّغ الرسالة وتركنا على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد خير من بلَّغ عن الله رسالاته، وأكمل الناس رحمة ورأفةً بأمته، وأكرمنا أجمعين في الدنيا باتباع سنته، وفي الآخرة بشفاعته، وفي الجنة بأن نكون في جوار حضرته أجمعين
🤲 آمين آمين يا رب العالمين
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
لن يتغيَّر حالُنا إلى أحسن حال، ولن تفيض الأرزاق وتزيد الأموال إلا إذا غيَّرنا ما بنفوسنا. لأن الله عز وجل يقول:
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [11الرعد].
وما الذي في نفوسنا أو في نفوس البعض ويحتاج إلى التغيير؟
لابد أن نقتلع الأنانية من جذورها، ويكون الفرد أحرص على الجماعة من نفسه لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم في ذلك:. {لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبَّ لأخِيهِ أوْ لِجَارِهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}.( صحيح مسلم عَنْ انس رضي الله عنه)
فتتلاشى النزعات الفردية، والأهواء الفردية في سبيل المصلحة العامة الجامعة التي فيها خير لهذه الأمة المحمدية،
ونكون كما وصف الله المؤمنين ونحن إن شاء الله منهم في كتابه:
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [47الحجر]؟
لابد أن ينزع المؤمن كل ما في قلبه من الأشياء الفردية التي تجعله يُؤثر نفسه على غيره، ويُفضل مصلحته الشخصية على مصالح الجماعة، وكلَّ تكالبه على شهوته أو حظه أو على ما يرجوه في هذه الساعة من مغنم بدون أن يعير شأن الجماعة أية اهتمام في الآجل والعاجل.
وهذا يا إخواني هو أُسُّ المرض الذي أخَّرنا سنين طوال،
ولذلك إذا أردنا إصلاح أحوالنا أجمعين لابد أن نعالج هذه الأمراض في قلوبنا،
قال حبيبي وقرة عيني صلى الله عليه وسلم:
{أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ}.(متفق عليه عن النعمان بن بشير)
كان صلى الله عليه وسلم جالساً في يوم بين إخوانه من الأنصار والمهاجرين، وجاء رجل عليه أثر الوضوء من بعيد، فقال حضرة النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه:
{يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة}، فجلس الرجل في مجلس حضرة النبي، ثم بدا له أن يقوم فقام، فقال صلى الله عليه وسلم في شأنه: {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة}.
ورُوى أنه تكرر منه هذا الحوار ثلاث مرات، وكان في المجلس عُبَّاد الصحابة، وكان منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وكانا يقومان الليل كله بين يدي الله راكعين ساجدين، ويصومان أكثر الأيام إلا التي حرَّم صيامها سيد الأولين والآخرين، فقالا في نفسيهما: وما العمل الذي يزيد به هذا الرجل علينا ليكون من أهل الجنة؟!!!
فأخذهما الفضول فذهب أحدهما إلى بيته، ولما دقَّ عليه الباب وفتح له زعم أنه جرى خلاف بينه وبين أبيه ويطمع في استضافته، فأضافه، وانتظر يراقب عمله، فلم يجده يقوم بعد صلاة العشاء إلا قبل الفجر بساعة ويتوضأ ويذهب لحضور صلاة الفجر مع الحبيب في الجماعة، وفى الصباح يُقدم له الفطور ويفطر معه، وفى اليوم الثاني كذلك وفى الثالث كذلك، فقال له: يا عماه لم يحدث بيني وبين أبى خلاف ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في شأنك: {يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة} ويقول بعد قيامك: {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة}
فما العمل الذي تعمله وتستوجب به ذلك؟
قال : {مَا هُوَ الَّذِي قَدْ رَأَيْتَ، غَيْرَ أَني لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي سُوءًا لأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وَلاَ أَقُولُهُ. قَالَ: هٰذِهِ الَّتي قَدْ بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتي لاَ أُطِيقُ}.(رواه احمد عن انس رضي الله عنه)
فذهب عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإذا به صلى الله عليه وسلم يقول لسيدنا أنس يابُنَي: إِنِ ٱستطعت أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الْحِسَابِ، وَيَا بَنيَّ! إِنِ اتَّبَعْتَ وَصِيَّتِي فَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، يَا بُنَيَّ! إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ} (رواه أبو يعلي والطبراني عن انس رضي الله عنه)
هذا حال مجتمع المؤمنين الذين أصلح الله بهم الدنيا، وأصلح الله لهم شئونهم أجمعين، محو الفردية من نفوسهم، وأصبح كل همهم في مصالح الجماعة، وفى الحرص على إخوانهم،
قال صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمنين:
{مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر}.(البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما)
أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا بنور الهُدى واليقين وجعلنا من عباده المسلمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجوه سبحانه أن يُثبتنا عليها حتى نلقاه ويتوفانا مسلمين ويُلحقنا بالصالحين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وأعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.
أما بعد
فيا أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
جعل الله عز وجل عبادة هذه الأمة الفاضلة بعد الفرائض هي التي تتعلق بالخلق،
وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسلم حقوقاً في أعناق إخوانه المسلمين أجمعين، وإذا كان المسلم يتغاضى عن المطالبة بحقوقه في الدنيا فإن الذي يطالب بحقوقه يوم القيامة هو أحكم الحاكمين ورب العالمين عز وجل،
جعل لك حقاً على كل مسلم أن يُسَلم عليك إذا قابلك،
وحق على كل مسلم في عنقك أن تُسَلم عليه إذا لقيته سواء عرفته أو لم تعرفه، لأن الحبيب قال لرجل يسأل:
{أَيّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ قال: تُطْعِمُ الطّعَامَ، وَتَقْرَأُ السّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ}(متفق عليه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه)
أين نحن الآن من هذه الشعيرة؟
أين نحن الآن من هذا الحق؟
- إذا دخلت المسجد تُسَلم على الحاضرين.
- وإذا خرجت من المسجد تُسَلم على من تراهم في الشارع.
- وإذا دخلت بيتك تُسَلم على أهلك.
- وإذا خرجت من عندهم تُسلم مودعاً لأهلك.
- لا تمر على مسلم تعرفه أو لا تعرفه إلا وتُلقى عليه السلام بتحية الإسلام،
وحقوق المسلم على المسلم حقوق عديدة سأسردها عدَّاً لأن شرحها يحتاج إلى وقت طويل، يقول فيها صلى الله عليه وسلم:
{حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللّهَ فَشَمِّتْهُ. وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ}.(مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه)
وفي حديث أخر :
"أَمَرَنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبْعٍ: بعِيادَةِ المَرِيضِ، واتِّباعِ الجَنائِزِ، وتَشْمِيتِ العاطِسِ، ورَدِّ السَّلامِ، وإجابَةِ الدَّاعِي، وإبْرارِ المُقْسِمِ، ونَصْرِ المَظْلُومِ(رواه البخاري من حديث الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنه)
حقوق وواجبات لابد لكل مسلم أن يقوم بها لإخوانه حتى يكون المسلمون أجمعون كرجل واحد أو كأسرة واحدة يقول فيهم الله:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [10الحجرات].
فإذا لم يقم بهذه الحقوق وكان يوم الدين، يأتي رب العالمين بالرجل الذي قصَّر في حقوق إخوانه المسلمين ويقول: {يَقُولُ اللَّهُ جلَّ وعلا، لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابنَ آدَمَ مَرِضْتُ ، فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أَعُودُكَ وأنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أما عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاناً مَرِضَ، فَلَمْ تَعُدْهُ، أَما عَلمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي؟}(مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
من الذي نزوره في حيز نطاقنا؟
قال الحبيب لنا:
{امْشِ مِيلاً عُدْ مَرِيضاً، اِمْشِ مِيلَيْنِ أَصْلِحْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، امْشِ ثَلاَثَةَ أَمْيَالٍ زُرْ أَخاً فِي اللَّهِ}.(رواه بن عدي عن أبي أمامة رضي الله عنه)
أي يجب عليك أن تتحسس المرضى وخاصة الفقراء حتى يتكافل المؤمنون، ويسعوا لمنافع بعض، ويرفعوا شأن بعض.
ثم يكمل صلى الله عليه وسلم الحديث القدسي السابق ويقول:
{وَيَقولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أما علمت أن عبدي فلان استسقاك فلم تسقه أما عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلِكَ عِنْدَي؟
يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمُتُكَ، فلم تُطْعِمْنِي، فيقولُ: يَا رَبِّ وكَيْفُ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ الْعَالمِينَ؟ فيقولُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أنَّ عَبْدِي فلاناً أستطعمك فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا إِنّكَ لَوْ أطْعَمْتَهُ وَجَدْتَ ذلِكَ عنْدِي}.
أما المؤمن الذي يأكل في بيته وسكنه ما لذ وطاب ولا يحسُّ بمن حوله لأنهم لا يعنونه ولا يخطر على باله أنه عليه واجب نحوهم، أو يعلم ولا يهتم! فيقول في شأنه الحبيب:
{مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ}.(الطبراني عن أنس رضي الله عنه)
لابد أن يستشعر هذا بإخوانه المؤمنين.
أما مَنْ يَغِشُّ المؤمنين في كيل أو وزن، أو بيع أو شراء، أو كلام أو غيره، فيقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم:
{مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ منَّا، والمَكْرُ والْخِدَاعُ فِي النَّارِ}،(رواه أبو داود عن الحسن مرسلا)
ليس من أمة الحبيب المختار.
ومن يُخزِّن الطعام في وقت ليُغلى سعره على المؤمنين يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
{ من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، }(احمد والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)،
فليس من المسلمين من يفعل ذلك
دعانا الله عز وجل أجمعين إلى أن نتكاتف ونتعاون ونتماسك لنصلح شأن بلدنا وشأن أوطاننا وشأن كل شئ هو لنا، ونعمل بقول الله:
{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [105التوبة].
🤲نسأل الله عزّ وجلَّ أن يوفِّقنا إلى الهُدى والنهج القويم، وأن يأخذ بأيدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يوفِّقنا إلى كلِّ عملٍ كريم
🤲🤲 ثم الدعاء🤲🤲
***
للمزيد من الخطب
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
أو
الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد أبو زيد