الرئيسية
التمسك بالأمل
والاجتهاد في العملخطبة الجمعة لفضيلة الشيخ
فوزي محمد أبوزيدـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين شرح صدورنا بالقرآن للعمل بما يرضي حضرة الرحمن، وأثلج صدورنا باتباع خير بني الإنسان وهو النبي العدنان صلى الله عليه وسلم،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق وهو أعرف بهم وكلفهم بمهامٍ ذكرها في القرآن، وأوجد عليها النبي صلى الله عليه وسلم ومعه صحبه عليهم سحائب الرضوانوأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله جعله الله عز وجل سر الهداية الربانية، وعلم الحياة التقية النقية التي يرضاها رب البريةاللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله الذين اتبعوه وعلى أصحابه الذين صدقوه وساعدوه وآزروه وعلى أتباعه الذين مشوا على هديه ولم يخالفوه وأجعلنا منهم ومعهم أجمعين،🤲أمين أمين يارب العالمين
أيها الأحبة جماعة المؤمنينقضية تمس شغاف هذا الدين عالجها القران معالجة شاملة
لما خلقنا الله في الدنيا؟
اسمع معي لقول ربك عز وجل:
"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود61)
لنعمرها بالخيرات لنعمرها بالمشروعات الطيبات لنعمرها بالأعمال الدنيوية الزكيات الرابحات،
على هذا النهج كان أنبياء الله ورسل الله أجمعين.فهذا نبي الله داود كان ملكاً ونبياً على قومه، وكان يجعل يوماً لعبادة الله يتفرغ فيه بالكلية لعبادة الله في خلوة أعدها لذلك، ويوماً للحكم بين الناس، ويوماً لأهل بيته، ومن شدة صفائه في يوم عبادته لله رفع أمره لنفرٍ من ملائكة الله فاستأذنوا الله في النزول إليه والجلوس والحديث بين يديه، وكانوا ينزلون ويتحدثون معه في خلوته، فقال لهم يوماً:
هل فيَّ عيبٌ؟
قالوا: لا ـ إلا أنك تأكل من بيت المال
تأكل من الراتب الذي يُصرف لك ـ مع أنه الملكٌ ، فعزم على أن يأكل من عمل يده ولا يأكل من بيت المال ، ولما عزم بصدقٍ ونوى ذلك وعرف الله منه صفاءه وإخلاصه ألهمه الله عز وجل اختراعا عظيماً وهو الدرع الذي يحمي صدور المحاربين:
"وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ" (80الأنبياء)
فكان يصنع الدروع ويأمر ببيعها في السوق ويأخذ ثمنها ويقسمِّه إلى أثلاث
ثُلثٌ يشتري به حديد وثُلثٌ يطعم به نفسه وأهله، وثُلثٌ يتصدق به على الفقراء والمساكين.
ومن شدة صدقه مع الله ألان الله له الحديد، فكان إذا أمسكه يلين في يده بدون كورٍ ولا فحمٍ ولا فُرنٍ ولا غيره، لأنه يريد أن يكفَّ نفسه عن سؤال الناس، قال فيه صلى الله عليه وسلَّم:
"ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) (رواه البخاري)
وابنه سليمان عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام أول من استخدم كل ما سخَّر له الله في إقامة حضارة يعجب منها الناس إلى أبد الدهر، سخَّر الطيور فجعل الهدهد يحمل رسائله للملوك،وسخَّر الجن وجعلهم يبنون له القصور ويصنعون له الصناعات التي يعجز عنها عالم الإنس،
وسخَّر الله عز وجل له كل شيء فسخَّر ذلك لمدنية لم تعرف مثيلها الإنسانية إلا في هذا العصر الحديث.
ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أن نبينا صلى الله عليه وسلَّم جعل هذه الأعمال عباداتٌ من أجَّلِ العبادات، فهي أعمالٌ في ظاهرها، ولكن لها أجورٌ عند رب البرية أعظم من أعظم الأعمال التي نراها من أعمال الآخرة،واسمع إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو يقول:"إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا السعي على المعاش" (الطبراني والديلمي وابونعيم)
وروى الخطيب في تاريخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صافح سعد بن معاذ الأنصاري، ثم قال له: ما هذا الذي اكتتبت يداك؟ فقال: يا رسول الله، أضرب بالمر والمسحاة فأنفقه على عيالي. فقبّل النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: هذه يَدٌ لا تمسّها النار أبدًاوجعل لمن يظل طوال يومه في عمل الحلال يرجو به أن يكُفَّ نفسه وأولاده عن سؤال الناس ويتقرب بما فاض على بند الصدقات أو في سبيل الله طلباً لمرضاة رب الناس وقال في شأنه:"من بات كالاًّ ـ أي متعباً ـ من عمله بات مغفوراً له" (أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق)
والمسلم معه عزّة الله، وعزّة المرء لا تكون إلا إذا كان يأكل مما جنت يداه، فإذا أطعمه غيره فقدْ فَقَدَ شرفه وعزته التي أمره أن يكون عليها الله:(وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (8المنافقون).
ولذلك نجد أنبياء الله ورسل الله - وهم الذين كلفهم الخالق عزَّ وجلَّ لتحمل أعباء الدعوة إلى الله كانوا كلهم يمارسون أعمالاً شاقة في سبيل الحصول على الأرزاق،
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلَّم محمد بن عبد الله، اشتغل برعي الغنم، واشتغل بالتجارة لخديجة بن خويلد
وسيدنا وموسى نبي الله اشتغل برعي الغنم،وكل أنبياء الله لو تتبعناهم كان لهم عمل،فالمؤمن لابد أن يكون له عملٌ في دنياه، وهذا العمل يكون محاطٌ بسياج شريعة الله، يكون هذا العمل في ذاته حلال، ولا يتخلله خروجٌ عن شرع الله عزَّ وجلَّ.وأقول ذلك لإخواني الشباب: من يعزم بصدق فإن الله يلبيه، ويعجّل له قضاء حاجته:
(وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (2، 3الطلاق).
اخواني المؤمنين :نريد ،أن نُعلِّم أبناءنا إتقان العمل ومراقبة الله عز وجل في كل أعماله، ويتقى الله في كل أحواله، إذا فعلنا ذلك فإن الله عزَّ وجلَّ يقول لنا أجمعين في ذلك:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (96الأعراف)
قال صلى الله عليه وسلَّم:
"ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيرٌ من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) (رواه البخاري)
أو كما قال:🤲أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانيةالحمد لله رب العالمين الذي ملأ قلوبنا بتقواه، ووفقنا للعمل الصالح الذي يحبه ويرضاه، ونسأله عز وجل أن يثبتنا على ذلك ويزيدنا هدىً وتقوى حتى يختم لنا بالإيمان أجمعين يوم نلقاه.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خطَّط لنا الطريق القويم، وصمَّم لنا المنهج المستقيم، وجعل قدوتنا وأُسوتنا فيه هو السيد الرؤف الرحيم، وقال لنا في شأنه في كتابه الكريم:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا" (21الأحزاب)
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسولهاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا لعمل بشرعه يا الله.أيها الأخوة جماعة المؤمنينإن رسولنا صلى الله عليه وسلم هو أول من قاوم البطالة بفعله وقوله ودعا أهله ومحبيه وذويه والأمة كلها إلى العمل.وقد روي أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمَا في بيتك شيء؟»، قال الرَّجل: بلى، حِلْسٌ (كساء يلبس، ويفرش على الأرض، ويجلس عليه). نلبس بعضَه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ (الإناء نشربُ فيه من الماء)، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ائتني بهما»، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيده، وقال: «مَن يشتري هذين؟»، فقال رجل: أنا آخذهما بدِرهم، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن يَزيد على درهم؟ مرَّتين أو ثلاثًا»، قال رجل: أنا آخذهما بدِرهمين، فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدِّرهمين، وأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: «اشترِ بأحدهما طعامًا، فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخرِ قَدُومًا فأتِني به». فأتاه به، فشدَّ فيه رسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم عودًا بيده، ثم قال له: «اذهبْ فاحتطب وبِعْ، ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا»، فذهَبَ الرجل يحتطبُ ويبيع، فجاء وقد أصاب عَشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
«هذا خيرٌ لك مِن أن تجيءَ المسألةُ نُكتةً في وجهك يومَ القيامة؛إنَّ المسألة لا تصلح إلاَّ لثلاثة: لذي فَقر مُدقِع، أو لذي غُرْم مُفظِع، أو لذي دمٍ مُوجِع» (رواه ابو داوود عن أنس رضي الله عنه)كل من يسأل الناس بغير حاجة،وكل من يسأل الناس وله طريقٌ إلى العمل،وكل من يسأل الناس وبه صحة يستطيع أن يجد لنفسه عمل،يأتي يوم القيامة والفضيحة أمام الخلائق أجمعين نُكتة سوداء في وجهه.
ثم بين من الذي يسأل الناس، فقال صلى الله عليه وسلَّم:"إن المسألة لا تحل إلا لذي فقرٍ مضجع" (رواه ابو داوود عن أنس رضي الله عنه)
أي ليس في بيته شيء إلا التراب، فلو كان في بيته عشاء اليوم لا ينبغي له السؤال، ولو سأل وجاءه عشاء اليوم فينبغي أن يكف فوراً عن السؤال.
فقد رأى عمر رضي الله عنه سائلاً فقال لابنه عبد الله خُذه وأطعمه، ثم مشى بعد ذلك فوجد الرجل مرةً أُخرى، فنادى يا عبد الله ألم تطعمه؟ فقال: بلا أطعمته، فضربه بالدُرَة وقال:
إنك لست بسائل إنك تاجر
لأن السائل يسأل الوجبة الواحدة التي لا يجدها في بيته،
🤲نسأل الله أن يوفقنا للعمل الصالح ولصالح العمل، وأن يرزقنا وأولادنا أرزاقاً حلالاً ويبارك لنا فيها، وأن يوفقنا لذكره وشكره وحُسن عبادته
🤲🤲ثم الدعاء🤲🤲
وللمزيد من الخطب متابعةصفحة الخطب الإلهاميةلفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد