الرئيسية
الدعاء والتفويض 
السؤال: هل الأفضل أن أدعو الله بحاجتي، أم أقول مثل ما قال سيدنا إبراهيم حين ألقي في النار: (علمه بحالي يُغني عن سؤالي)؟
هذه حالة وهذه حالة، حالة سيدنا إبراهيم ليست الحالة الأكملية لأنه كان لا يزال في بداية النبوة، لكن الحالة الأكمل:
{ اللَّهُمَّ إليكَ أشْكو ضَعفَ قُوَّتي، وقِلةَ حيلَتي، وهَواني على الناسِ يا أرحَمَ الراحِمينَ، أنتَ أرحَمُ الراحِمينَ وأنتَ ربُّ المُستَضعَفينَ، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُني يَلْقاني بالغِلْظةِ والوَجهِ الكَريهِ، أمْ إلى صَديقٍ قَريبٍ مَلَّكْتَه أمْري؟ إنْ لم يكُنْ بكَ غَضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ أوسَعُ لي، أعوذُ بنورِ وَجْهِكَ الذي أضاءَتْ له السمَواتُ وأشرَقَتْ له الظلُماتُ وصلَحَ عليه أمرُ الدُّنيا والآخِرةِ أنْ يَنزِلَ بي غضَبُكَ، أو يَحِلَّ بي سَخَطُكَ، ولكَ العُتْبى حتى تَرْضى، ولا حَولَ ولا قُوةَ إلَّا بكَ }[1] فالأكمل أن أسأل الله، والله هو من طلب منا الدعاءفقال: (ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ )(60غافر)
فعندما يقول: (ادعوني) هل أقول: علمه بحالي يغني عن سؤالي؟!
وهو يريد أن يسمع الدعاء، ولذلك قال صي الله عليه وسلم { إِنَّ الْعَبْدَ يَدْعُو اللَّهَ عز وجل وَهُوَ يُحِبُّهُ، فَيَقُولُ الله عز وجل : يَا جِبْرِيلُ اقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ، وأَخِّرَّهَا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو اللَّهَ عز وجل وهُوَ يُبْغِضُهُ، فَيَقُولُ: اقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ بِإِخْلاصِهِ، وعَجِّلْهَا، فَإِنِّي أُبْغِضُ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ }[2] ومثل هذا يحدث معنا، فعندما يأتيني البيت إنسان لا أحبه، أقول لهم: انظروا ماذا يريد واصرفوه ولا تدخلوه لأني لا أريد أن أجلس معه ولا أراه.
وشخص آخر أنا أحبه أقول لهم: أدخلوه، فيقول لي: أنا لا أريد أن أطيل عليك، فأقول له: أنا أريد أن أجلس معك بعض الوقت، لماذا؟ إنها المحبة. فهو عز وجل طلب منا أن ندعوه لتمام الإحساس بالعبودية، وكمال العبودية أن أشعر دائمًا أني محتاج إلى رب البرية فأسأله، لكن كوني أقول: علمه بحالي يغني عن سؤالي، فهذه رسالة خاصة تقيم الحجة على الملائكة، لأنهم يظنون أنهم لا يوجد أحد في الوجود كله يعبد الله كعبادتهم.
فالملائكة في السماء عندما أُلقي إبراهيم في النار قالت كما ورد ببعض الأثر: عبدك ونبيك إبراهيم، فقال الله تعالى: هل استغاث بكم؟ قالوا: لا، قال: إن استغاث بكم فأغيثوه، فنزل أمين الوحي جبريل عليه السلام، فسأله: ألك حاجة؟ قال لا، قال جبريل: أمن الله؟
قال إبراهيم: علمه بحالي يغني عن سؤالي. يعني لا أريد واسطة بيني وبين الله، فقلبي به على الدوام عامر، ولا أحتاج لواسطة في الطريق تبلغ الله عني ما أريد لأنه يراني، وأنا بعين قلبي أتمتع برؤياه تبارك وتعالى.
فقال له جبريل: خذ هذه السترة والبسها، وأتى له بسترة من الجنة واقية لا تؤثر فيها النار إلا في حالة واحدة فقط، عندما تتسخ ويريدون أن ينظفوها يضعوها في النار فتخرج الأوساخ التي فيها وتصبح نظيفة.
هذه السترة هي قميص سيدنا يوسف المذكور في سورة يوسف، لأنه نزل من الجنة لسيدنا إبراهيم، وسيدنا إبراهيم أعطاه لابنت سيدنا إسحاق وهي أخت سيدنا يعقوب، وهذه السيدة لم تكن متزوجة وبالتالي لم يكن لها أولاد، فقالت ليعقوب: أنا أريد يوسف أربيه عندي ويؤنسني،
فذهب معها يوسف، وبعد أن كبر بعض الشيء فقال لها: أريد أن أذهب لأبي - يريد أن يتعلم علوم النبوة - فصنعت له حيلة لكي تبقيه معها، فألبسته هذا القميص، ولما ذهب إلى بيت أبيه يعقوب قالت: إن يوسف سرق مني القميص، وكان الحكم عندهم من يسرق يُحكم عليه أن يكون عبدًا للذي سرق منه، حتى تأخذ يوسف ولا تتركه أبدًا.
وهذا قميص يوسف الذي قال فيه سيدنا يعقوب: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ ) (94يوسف) وسيدنا يوسف قال: ( ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا ) (93يوسف).
فهذه كلها أحوال أجراها الواحد المتعال على أنبياء الله وأصفياء الله حُجة على ملائكة الله، لماذا؟
لأنهم من البداية عندما أراد الله أن يتخذ خليفة قال لهم: )إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ ) (30البقرة) لا يوجد من هو أحسن منا أو أكثر منا عبادة لك، فقال لهم: ( إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠ ) (البقرة). فمن حين لآخر يواجه الله عز وجل الملائكة الذين كانوا معترضون على أن يكون آدم خليفة عنه بموقف جلل لأحد أبناء أدم الخلفاء عنه يقيم الله به الحجة على الملائكة الكرام. لكن الأكمل أن يقوم العبد دائمًا يناجي مولاه ويضرع إلى الله ويقنت بين يدي الله، ويكلم الله عز وجل بذلة وانكسار، وهذا ما يريده الله: ( وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا ١٩ )(الجن) فهذا دليل أفضل، ولذلك سيدنا إبراهيم لما ارتقى في المقام دعا ربه فقال: ( رَبِّ هَبۡ لِي حُكۡمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ ٨٣ وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ٨٤ وَٱجۡعَلۡنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ ٨٥ وَٱغۡفِرۡ لِأَبِيٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ٨٦ وَلَا تُخۡزِنِي يَوۡمَ يُبۡعَثُونَ ٨٧ يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ٨٩ ) (الشعراء).ألم يدعو هنا؟ لقد دعا، ومرة ثانية: ( وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ ٣٥ )(إبراهيم) ومرة ثالثة: ( رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ ٣٧ )(37إبراهيم) كل الثمرات الموجودة على وجه الأرض موجودة هناك، بسبب دعوة سيدنا إبراهيم. وعندما قال: ( وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ٨٤ ) (الشعراء) أجاب الله دعاءه، والحبيب عندما أُمرنا بالصلاة عليه قال: { قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ }[3] أدخل معه سيدنا إبراهيم، فهذه هي لسان الصدق.===========================
[1]
معجم الطبراني وتاريخ دمشق لابن عساكر[2]
معجم الطبراني عن جابر رضي الله عنه، والترغيب في الدعاء للمقدسي عن أنس رضي الله عنه[3]
البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام 
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد 
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله 