الإنسان عندما يُصيبه همٌّ أو غمٌّ أو كربٌ يدعو بأن يتوفاه الله، أو يدعو بأن يصيبه بالبلاء والأمراض، أو يدعو بأن ينتقم منه الله.
وهذا أمرٌ منافٍ لسُنَّةِ الإسلام يا إخواني. يعني يقول الرجل: (ربنا يموّتني ويريحني منكم)، عندما يتعبه أولاده. أو يقول لزوجته: (ربنا يأخذني ويريحني من وشّك)مثل هذا الكلام نسمعه كثيراً وهي أيضاً تقول لأولادها عندما يغضبونها:
(ربنا يريحني منكم)، يعني ربنا يموّتني، أو:
(ربنا يعمل فيّ كذا وكذا علشان أبعد عنكم ولو حتى أروح السجن، أو مستشفى الأمراض العقلية، أو فى مصيبة)أهذا يصحُّ ياأيها المسلمون ؟ هذا أمرٌ لا يليق.
وكذا الدعاء على الأموال، كأن يحاول الإنسان مثلاً أن يدير سيارته فلا تدور فيدعو عليها فيقول لها: (ربنا يوقَّف حالك)، وهذا الكلام نسمعه كثيراً ألا تدري أنه إذا أوقف حالها فإنه يُوقِفُ حالك أنت، وأنت الذي تتعب وتتعرض للمشاق؟ ما الأفضل؟ أن تقول لها ربنا يوقف حالك، أم تقول لها ربنا يهديك، أو ربنا يصلح شأنك؟
فالمؤمن يا إخواني لا يدعو على أحد أبداً، بل يدعو بالهداية، فيدعو لزوجته بدلاً من أن يدعو عليها، فلا يقول لها: ربنا يخلصني منك، أو ربنا يريحني منك، بل يقول لها: ربنا يصلح حالك، ربنا يهديك، ربنا يُحَسِّنْ أخلاقك، ربنا يكرمك ويضع الإيمان والتقوى في قلبك. وبدل أن يدعو على أولاده يدعو الله لهم بالهداية، ويدعو الله عزَّ وجلَّ لهم بالإيمان، ويدعو الله عزَّ وجلَّ لهم بأن يقوموا بأوامر الله، ويتأسوا بسنة سيدنا رسول الله. هذا هو مبدأ الإسلام يا إخواني.
ولو عادى الإنسان منا إنساناً لا يدعو عليه قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ }(1)
يعني أخذ حقَّه. فالذي دعا ولو كان مظلوماً يكون أخذ حقه، يعني لا يحق له أن يرفع قضية على هذا الظالم يوم القيامة إن شاء الله، ولو رفع القضية فإن إدارة المحكمة الإلهية تُسقط دعواه، لأنه دعا على هذا الظالم بالويل والثبور والنكبات والأمراض وغيرها في هذه الحياة، فلا ترفع لك القضية ولو على ظالم إلا إذا كنت لم تنتصر عليه إلا بالله، وكنت كما قال نَبِيُّ الله موسى عليه السلام:
{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (44غافر)
. ولذا لما كان صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو قومه لم يدعُ عليهم مع أنهم ظلموه على اليقين، وآذوه وكلكم تعلمون وتتأكدون، ولكن كان يقول لهم وعليهم:
{ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }(2)
فبدلاً من أن أدعو على خصمي بأن يهلكه الله، أو ينتقم منه الله، ادعو الله أن يهديه ويعرِّفه الحقَّ ويجعله يمتثل به، أدعو الله عزَّ وجلَّ أن يردَّه لطريق الهداية حتى يبصر الحلال ويمشي فيه ويترك الحرام. أدعو الله أن يبصره بأمره حتى يكون على بصيرة من نفسه، وعلى بصيرة من أمره، وحتى لا يفعل معي أو مع غيري ما يغضب الله عزَّ وجلَّ.
لماذا ينهانا الله عن الدعوة على الظالمين؟ لأني ربما أظن أنه ظالم، وهو في نظر الله مظلوم، ولست أدري، وربما يكون معه حجة لم أعرفها، وله وجهة نظر يرضى عنها الله، وإن كنت أنا لحظِّي أو لهواي أو لغرض في نفسي لا أرضى عنها
فإذا أجاب الله دعوتي - فقد ورد في الأثر:
(القاتل بدعائه كالقاتل بسيفه)،
وَقَتْلُهُ استجابة الله لدعائي - يُحاسبني على ذلك يوم القيامة، ويسألنى كيف ولماذا؟ يحاسبنى على أنني قتلت فلاناً لأن دعوتي مستجابة، وهل أحطت بكل شيء حتى أطلب من الله أن يقتله؟، والدعوة المستجابة تتحكم فيها الإجابة، ويكون كأنه قتل نفس بريئة من غير حق. ولذا فالواجب أن يُرجع الإنسان الأمر إلى الله، ويفوضه إلى الله، ويرفعه إليه، والله عزَّ وجلَّ لا يظلم أحداً من خلقه:
{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (46فصلت).
إذاً علينا يا إخواني الدعاء لكن في الخير وفي البرِّ وفي المعروف، فإن رسولكم الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ } (3)
وفي الرواية الأخرى
{ لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ } (04)
لا يجوز أن يدعو على مؤمن بأن يوقعه الله في مصيبة، أو أن يجعله الله يقع في ذنب ويُقبض فيه، أو يبتليه الله بنكبة ليس له منها مخرج، ويحمُّ القضاء عليه بسببها، لأن المسلم لا يدعو بإثم يعني: بذنب، ولا يدعو بقطيعة رحم يعني: لا يدعو على ولد بأن ينسى أمه وأباه ليتفرغ لزوجه، أو يدعو على رجل بأن يقاطع أخوته ويبعده الله عنهم ليحب زوجته وأولاده، لأن الإسلام يدعو إلى البرِّ ويدعو إلى الخير.
فالمسلم يدعو بالبرِّ ويدعو بالخير، ويستجيب الله عزَّ وجلَّ له الدعاء ما دام لا يتعجل في دعائه، ولا يدعو بإثم أو قطيعة رحم، وما زال يدعو الله عزَّ وجلَّ وهو موقن بالإجابة. والذي يدعو الله كما يقول علماء النفس في هذه الحياة على الأقل يُفرغ الشحنة العصبية الموجودة في داخله،، ولا يكتمها في نفسه فتصيب أعضاءه بالأمراض النفسية
(1)(مسند أبي يعلي عن عائشة رضي الله عنهَا)،
(2)(رواه البخاري في كتاب الأنبياء عن ابن مسعود رضي الله عنهُ).
(3)(رواه الترمذي عن أبي هريرة)،
(4)(ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنهُ).