مشيئة الله
سؤال: ما معنى المشيئة في قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ ) (56القصص).
المشيئة مشيئة الله تبارك وتعالى، فإذا وافقت مشيئة العبد مشيئة الله فيا هناه، وإذا خالفت مشيئة العبد مشيئة الله التي ذكرها الله في كتابه فياويلتاه، لأنه بيَّن لنا ما يشاؤه الله لنا في القرآن، فالمهم أنني ما أريده يوافق ما يريده الله
{ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ }[1]
فإذا كان هواه تبعًا لميول نفسه، أو تبعًا لحظه وشهواته فهذا بعيد عن الله عز وجل فإذًا عليَّ أن أتأكد قبل أن أنوي أي عمل أن الذي أريده يحبه الله، وهو الذي يريده مني الله جل في علاه، فهنا اتحدت إرادتي مع إرادة الله المذكورة في كتاب الله، أو الآتية على لسان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذا الجهاد الأعظم للمؤمنين أجمعين.
فحاليًا أعظم المشاكل في المجتمع الآن سببها أن الإنسان يريد أن ينفذ إرادته ولو خالفت إرادة الله، فتجد معظم المشاكل أن كل واحد منا يريد أن يُدخل نفسه فيما لم يكلفه به الله، فمثلًا يوزع التركة وهو لا يزال حيًا على حسب هواه، وهل أوجد الله هذا الأمر وتركه لنا؟ لا
، فمتى نسميها تركة؟
نسميها تركة إذا مات صاحبها ،
لكنه إذا كان لا يزال حيًا ليست تركة، فكيف أوزعها؟!
ليس لك شأن، أنت هنا تعيش في الدنيا وأعطاك الله أرضًا تزرعها، وأعطاك بيتًا تسكن فيه، فأصبحت كمن يعمل في مصنع من مصانع السكر، يعطونه منزل وعند إحالته على المعاش لا يعطوه مكافأة نهاية الخدمة إلا إذا سلم السكن.
إرادة الله في هذا الأمر أن أترك الأمور على المشاع، وأهم شيء أن أجعل أولادي بنين وبنات يحبون بعضهم البعض، وأجتهد أكثر أن أجعلهم في درجة الأنصار في الإيثار، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهذا شيء يفرح الإنسان.
فلو جئت بشيء لأحدهم فيقول لي: إن أخي فلان أولى به، فأفرح، لأنهم بُني ما بينهم على المحبة، ومن باب المحبة أقول لهم: يا أولاد بعد أن أترك الدنيا وأخرج إلى لقاء الله ابحثوا عن أحد العلماء العاملين ليقسم التركة بينكم على شرع الله.
وسبحان الله! لم يذكر الله أحكامًا بحذافيرها إلا أحكام الميراث، فلا يوجد حكم من أحكام الميراث إلا ومذكور في كتاب الله، لماذا؟ لأنه الميراث سبب المشاكل في الدنيا، لذلك كل الأقسام فيه موجودة في كتاب الله عز وجل واضحة جلية.
فما يفعله كثير من الناس في معظم بلادنا ونحن منبع علوم الإسلام، وأصل تلاوة القرآن، وربنا جعل هؤلاء في مصر هم خزانة القراء وخزانة العلماء الأتقياء الأنقياء الذين عندهم الوسطية السمحاء في دين الله تبارك وتعالى.
يجلسون مع بعضهم ويأتي الرجل العالم ويقسم التركة، أنت كذا وأنت كذا وأنت كذا وينتهي الأمر في دقائق، لأن الله يسر هذا الأمر، فلِمَ أتدخل وأحرم هذا وأزيد هذا؟!
فأنا هنا أوافق إرادة الله أم أخالف؟
أخالف إرادة الله.
لو عندي حالة خاصة تحتاج إلى عناية خاصة، فسيدنا رسول لم يترك هذا الأمر، وأعطاني فرصة أن أُميِّزه عن غيره من الورثة لظروفه الخاصة، وأعرِّف باقي الورثة أن ظروفه كذا وكذا.
على سبيل المثال لو عندي بنت لم تتزوج وأخواتها كلهم تزوجوا، وعندهم نساؤهم وعيالهم، فأين تذهب هي؟!
هي ليست خادمة عند زوجة أحد منهم، فقد تذهب لزوجة أخيها وتكون خادمة لها!، وتتحكم فيها.
ومثال آخر لو أن لي ابن مريض بمرض مستعص، ويحتاج مبالغ كبيرة لهذا العلاج، وأخوه لو أعطاه مرة فتمنعه زوجته في المرة الثانية، والعصر الذي نحن فيه حاليًا من آفاته أن معظم ما نسميهم رجال هم فقط ذكور، لكن الرجال أقل من القليل، لأن الرجل يكون صاحب الكلمة في بيته.
فهذه الأمور حضرة النبي صلي الله عليه وسلم من حكمته البالغة أعطاها لي ولكن للظروف الخاصة، فقد طلبت امرأة من زوجها أن يهب لابنها شيء وطلبت منه أن يُشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم على ذلك، فذهب ومعه ابنه، فقال له رسول الله:
{ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَفَكُلُّهُمْ وَهَبْتَ لَهُمْ مِثْلَ الَّذِي وَهَبْتَ لِابْنِكَ هَذَا؟
قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ }[2]
فهذا ظلم، وحتى لا يغلق الباب قال له:
{ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي }[3]
العلماء تكلموا في هذا الحديث كثيرًا، وقالوا: لا مانع من الهبة للظروف الخاصة لبعض الأولاد الذين يحتاجون لعناية خاصة، وبمعرفة إخوتهم وبرضاهم حتى يكونوا في البر سواء لأبيهم ولأمهم.
ولكن أنا أريد أن أُخصص هذا لأن زوجته تقوم لي بالواجب كما ينبغي، والآخر زوجته لا أحبها، فأريد أن أحرمه من الميراث، فهل هذا يوافق إرادة الله أم حظه وهواه؟ حظه وهواه.
لكن إرادة الله ليس لها شأن بهذه الأمور سواء أحببت زوجة ابني أم لم أحبها، فليس لهذا شأن بالميراث، فكما قال صلي الله عليه وسلم
{ سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ }[4]
وحتى وهم صغار وأنت تحب طفل عن الآخرين فلا بد أن تحرص أنهم لا يلاحظوا، هذا الحب تجعله في سرك، ولا تفعل أشياء في العلن يشعرهم بأنك تحب فلان عن فلان، وهذا الكلام يحدث في هذه الأيام وأسمعه كثيرًا، وخاصة أننا مجتمع ذكوري،
فتقول البنت: أنا أعرف أن أبي يحب أخي هذا عني، وأنا أعرف أن أمي تحب أخي عني، ويُحدث هذا عقدًا نفسية عندها، لأن فرق المعاملة واضح، فالولد لو أخطأ مسموح له، وهي لو أخطات فالعقاب فوري.
فإذًا يجب أن توافق إرادة الإنسان إرادة الله في شرع الله إن كان في كتاب الله، أو في سُنَّة رسول الله صلي الله عليه وسلم
===========================
[1] معجم السقر وشرح السنة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
[2] البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه
[3] سنن أبي داود وابن ماجة عن النعمان بن بشير رضي الله عنه
[4] سنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله
سؤال: ما معنى المشيئة في قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ ) (56القصص).
المشيئة مشيئة الله تبارك وتعالى، فإذا وافقت مشيئة العبد مشيئة الله فيا هناه، وإذا خالفت مشيئة العبد مشيئة الله التي ذكرها الله في كتابه فياويلتاه، لأنه بيَّن لنا ما يشاؤه الله لنا في القرآن، فالمهم أنني ما أريده يوافق ما يريده الله
{ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ }[1]
فإذا كان هواه تبعًا لميول نفسه، أو تبعًا لحظه وشهواته فهذا بعيد عن الله عز وجل فإذًا عليَّ أن أتأكد قبل أن أنوي أي عمل أن الذي أريده يحبه الله، وهو الذي يريده مني الله جل في علاه، فهنا اتحدت إرادتي مع إرادة الله المذكورة في كتاب الله، أو الآتية على لسان سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذا الجهاد الأعظم للمؤمنين أجمعين.
فحاليًا أعظم المشاكل في المجتمع الآن سببها أن الإنسان يريد أن ينفذ إرادته ولو خالفت إرادة الله، فتجد معظم المشاكل أن كل واحد منا يريد أن يُدخل نفسه فيما لم يكلفه به الله، فمثلًا يوزع التركة وهو لا يزال حيًا على حسب هواه، وهل أوجد الله هذا الأمر وتركه لنا؟ لا
، فمتى نسميها تركة؟
نسميها تركة إذا مات صاحبها ،
لكنه إذا كان لا يزال حيًا ليست تركة، فكيف أوزعها؟!
ليس لك شأن، أنت هنا تعيش في الدنيا وأعطاك الله أرضًا تزرعها، وأعطاك بيتًا تسكن فيه، فأصبحت كمن يعمل في مصنع من مصانع السكر، يعطونه منزل وعند إحالته على المعاش لا يعطوه مكافأة نهاية الخدمة إلا إذا سلم السكن.
إرادة الله في هذا الأمر أن أترك الأمور على المشاع، وأهم شيء أن أجعل أولادي بنين وبنات يحبون بعضهم البعض، وأجتهد أكثر أن أجعلهم في درجة الأنصار في الإيثار، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهذا شيء يفرح الإنسان.
فلو جئت بشيء لأحدهم فيقول لي: إن أخي فلان أولى به، فأفرح، لأنهم بُني ما بينهم على المحبة، ومن باب المحبة أقول لهم: يا أولاد بعد أن أترك الدنيا وأخرج إلى لقاء الله ابحثوا عن أحد العلماء العاملين ليقسم التركة بينكم على شرع الله.
وسبحان الله! لم يذكر الله أحكامًا بحذافيرها إلا أحكام الميراث، فلا يوجد حكم من أحكام الميراث إلا ومذكور في كتاب الله، لماذا؟ لأنه الميراث سبب المشاكل في الدنيا، لذلك كل الأقسام فيه موجودة في كتاب الله عز وجل واضحة جلية.
فما يفعله كثير من الناس في معظم بلادنا ونحن منبع علوم الإسلام، وأصل تلاوة القرآن، وربنا جعل هؤلاء في مصر هم خزانة القراء وخزانة العلماء الأتقياء الأنقياء الذين عندهم الوسطية السمحاء في دين الله تبارك وتعالى.
يجلسون مع بعضهم ويأتي الرجل العالم ويقسم التركة، أنت كذا وأنت كذا وأنت كذا وينتهي الأمر في دقائق، لأن الله يسر هذا الأمر، فلِمَ أتدخل وأحرم هذا وأزيد هذا؟!
فأنا هنا أوافق إرادة الله أم أخالف؟
أخالف إرادة الله.
لو عندي حالة خاصة تحتاج إلى عناية خاصة، فسيدنا رسول لم يترك هذا الأمر، وأعطاني فرصة أن أُميِّزه عن غيره من الورثة لظروفه الخاصة، وأعرِّف باقي الورثة أن ظروفه كذا وكذا.
على سبيل المثال لو عندي بنت لم تتزوج وأخواتها كلهم تزوجوا، وعندهم نساؤهم وعيالهم، فأين تذهب هي؟!
هي ليست خادمة عند زوجة أحد منهم، فقد تذهب لزوجة أخيها وتكون خادمة لها!، وتتحكم فيها.
ومثال آخر لو أن لي ابن مريض بمرض مستعص، ويحتاج مبالغ كبيرة لهذا العلاج، وأخوه لو أعطاه مرة فتمنعه زوجته في المرة الثانية، والعصر الذي نحن فيه حاليًا من آفاته أن معظم ما نسميهم رجال هم فقط ذكور، لكن الرجال أقل من القليل، لأن الرجل يكون صاحب الكلمة في بيته.
فهذه الأمور حضرة النبي صلي الله عليه وسلم من حكمته البالغة أعطاها لي ولكن للظروف الخاصة، فقد طلبت امرأة من زوجها أن يهب لابنها شيء وطلبت منه أن يُشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم على ذلك، فذهب ومعه ابنه، فقال له رسول الله:
{ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَفَكُلُّهُمْ وَهَبْتَ لَهُمْ مِثْلَ الَّذِي وَهَبْتَ لِابْنِكَ هَذَا؟
قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ }[2]
فهذا ظلم، وحتى لا يغلق الباب قال له:
{ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي }[3]
العلماء تكلموا في هذا الحديث كثيرًا، وقالوا: لا مانع من الهبة للظروف الخاصة لبعض الأولاد الذين يحتاجون لعناية خاصة، وبمعرفة إخوتهم وبرضاهم حتى يكونوا في البر سواء لأبيهم ولأمهم.
ولكن أنا أريد أن أُخصص هذا لأن زوجته تقوم لي بالواجب كما ينبغي، والآخر زوجته لا أحبها، فأريد أن أحرمه من الميراث، فهل هذا يوافق إرادة الله أم حظه وهواه؟ حظه وهواه.
لكن إرادة الله ليس لها شأن بهذه الأمور سواء أحببت زوجة ابني أم لم أحبها، فليس لهذا شأن بالميراث، فكما قال صلي الله عليه وسلم
{ سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ }[4]
وحتى وهم صغار وأنت تحب طفل عن الآخرين فلا بد أن تحرص أنهم لا يلاحظوا، هذا الحب تجعله في سرك، ولا تفعل أشياء في العلن يشعرهم بأنك تحب فلان عن فلان، وهذا الكلام يحدث في هذه الأيام وأسمعه كثيرًا، وخاصة أننا مجتمع ذكوري،
فتقول البنت: أنا أعرف أن أبي يحب أخي هذا عني، وأنا أعرف أن أمي تحب أخي عني، ويُحدث هذا عقدًا نفسية عندها، لأن فرق المعاملة واضح، فالولد لو أخطأ مسموح له، وهي لو أخطات فالعقاب فوري.
فإذًا يجب أن توافق إرادة الإنسان إرادة الله في شرع الله إن كان في كتاب الله، أو في سُنَّة رسول الله صلي الله عليه وسلم
===========================
[1] معجم السقر وشرح السنة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
[2] البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه
[3] سنن أبي داود وابن ماجة عن النعمان بن بشير رضي الله عنه
[4] سنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما
============================
كتاب الإلهام في أجوبة الكرام
لفضيلة الشيخ/فوزى محمد أبوزيد
إمام الجمعية العامـة للدعـوة إلى الله