الخطبة الثالثة عشرة[1]
لباس التقوى: [خطبة عيد الفطر]
الله أكبر (تسع مرات) ... ولله الحمد.
الله أكبر ما كتب الله على المسلمين صيام شهر رمضان.
الله أكبر ما وفَّق الله فيه الصائمين لطاعة الرحمن.
الله أكبر ما رزقهم الله الهدى ووفَّقهم لاتباع سيد ولد عدنان.
........... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .......
الله أكبر ما جعل الله هذا الشهر شهر خير وبركة.
الله أكبر ما جعل هذا الشهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
الله أكبر على فضل الله الأكبر.
........... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ........
الله أكبر على رحمة الله بعباده المؤمنين.
الله أكبر على لطف الله بعباده المسلمين.
الله أكبر فقد غَسَلَهُم ونقَّاهم من الخطايا أجمعين.
.......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ........
الله أكبر ما فرحت ملائكة السموات، واستأذنت ربَّها في النزول إلى الأرض بالتحيات والتسليمات.
الله أكبر كما قال سيد السادات: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِلسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْ تَتَكَلَّمَا، لَبَشَّرَتَا مَنْ صَامَ رَمَضَانَ بِالْجَنَّةِ}[2].
الله أكبر ما فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ........
الله أكبر هذا شهر حياة القلوب.
الله أكبر هذا شهر علاَّم الغيوب.
الله أكبر هذا شهر تكفير الخطايا والذنوب.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .........
الله أكبر هذه صلاتنا - صلاة العيد - يشهدها كلُّ روحاني في ملك الله وملكوته، ليهنئ المسلمين بالحال الجديد.
الله أكبر على فضل الله ونصر الله لعباده المؤمنين.
......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .........
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةًٍ وأصيلا. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .........
الحمد لله الذي وفَّقنا جميعاً لطاعته، والشكر له عزَّ وجل على أن جعلنا من المسارعين إلى حضور برِّه ورحمته ونعمته.
سبحانه سبحانه ... شفوقٌ عطوفٌ ورحيم، حنَّانٌ منَّانٌ بعباده المؤمنين، إذا أمرهم فلخيرهم، وإذا نهاهم فلمنفعتهم، وإذا طلب منهم أمراً فإنما ليكرمهم ويرفع درجاتهم في الموقف العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فَضْلُهُ لا يُعَدّ، ونَعِيمُهُ لا يُحَدّ. لو أن الخلائق أجمعين - من أول الدنيا إلى آخرها - وقفوا جميعاً في صف واحد، فسأله كلُّ واحد ما يريد، فأعطى كل واحد منهم ما يطلب ويزيد، ما ينقص ذلك من ملك الحميد المجيد.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، أكرمنا الله ببعثته، واصطفانا لاتباعه في شريعته، ونسأله عزَّ وجل أن يلحقنا به في مستقر جنته، نحن والسامعين أجمعين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا النَّبيِّ الأغرّ المبارك الميمون، واحفظنا بحفظه من الهواجس والشكوك والظنون، واجعلنا بفضله من الذين لهم نصيب عندك في العلم المكنون، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا عباد الله جماعة المؤمنين: كل عام وأنتم بخير جميعاً بهذا العيد السعيد، ونريد أن نتحدث سوياً، فنقطف من زهرة النُّبوَّة رياضاً يانعة في حكمة هذا العيد السعيد.
فإنَّه صلى الله عليه وسلم لو تتبعنا سنَّتَهُ التي نعرفها في العيد، ونستسهلها، وربما لا يلقى بعضنا لها بالاً، لوجدنا لنا فيها جميعاً الأمر الرشيد. فإنه صلى الله عليه وسلم يأمرنا ليلة العيد أن نغتسل، ثم نلبس أحسن ما عندنا، ثم نخرج في الصباح مهلِّلين مكبِّرين إلى بيت ربِّنا، ثم نصلي العيد ونستمع الوعظ الرشيد، ثم نرجع من طريق غير الذي عدنا منه. فلماذا هذه السنن النبوية؟!!
إنه يشير لنا جميعاً - معشر الأمة المحمدية - إلى نِعَمِ الله الجليَّة لنا في يوم العيد وليلة العيد. وإليكم بعضها على سبيل النذر اليسير، أما الاستكثار فليس وقته الآن لأنه يحتاج إلى وقت طويل وكبير.
إن الرجل منَّا إذا وُلِدَ فإن أول خطاب يأتيه من الله عزَّ وجل. فبمجرد نزوله من بطن الأم يستهل صارخاً، وإذا بالملائكة يحولون التحويلة الإلهية على أذنه، ويقولون له: إصْغَ جيداً، هذا ربُّك يخاطبك، فيقول الله عزَّ وجل له - كما ورد في الخبر عن بعض العارفين:
{إن لله تعالى إلى عبده سرَّين يُسِرُّهما إليه على سبـيل الإلهام، أحدهما: إذا خرج من بطن أمِّه يقول له: عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عمرك وائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة؟ وانظر إليَّ كيف تلقاني؟
والثاني: عند خروج روحه يقول: عبدي ماذا صنعت في أمانتي عندك؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب؟}[3]
خلقتك طاهراً نظيفاً - ليس من الأوساخ والقاذورات - ولكن طاهراً من النفاق، وطاهراً من الكذب، وطاهراً من الغشِّ، وطاهراً من الخيانة، وطاهراً من كل هذه الأمراض الباطلة – الباطنة - التي حذرنا الله منها، ونهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عنها. فإذا مشى الإنسان في دنياه كان لابساً على فؤاده ثياب تقوى الله: ] وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [ (26-الأعراف).
هذا اللباس الذي يلبسه المؤمنون - لباس التقوى، ورداء التقوى - هو الذي يجعل الإنسان منا يستحي أن يعصي الله، ويحسُّ بالندم وبوخز الضمير وبالتأنيب والتعنيف إذا وقع في جريمة في حق نفسه أو إخوانه، أو في حق الله عزَّ وجل.
هذا اللباس الطيب الذي تفضل الله به على المؤمنين، ولم يعطه للكافرين، ولو دفع الإنسان منهم ملء الأرض جميعاً، ما كان لهم خيطٌ واحدٌ من هذا الثواب - ثوب التُّقى والهدى والغنى والعفاف - الذي زيَّنكم به الله عزَّ وجل. وهذا الذى يقول فيه: ] خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (31-الأعراف). أي: خذوا زينتكم التي زيَّنكم بها الله عزَّ وجل في السرِّ والعلانية، وإلا لو لبس رَجُلٌ منا أحسن ما عنده من الثياب، ووضع فوق جسمه قارورة من العطر الطيب، ودخل وقلبه مملوء بالأحقاد أو الأحساد، أو الغلِّ أو الحرص، أو الغيظ على عباد الله المؤمنين، فإنه لن يدخل بالثوب الذي ارتضاه وزيَّنه به ربُّ العالمين عزَّ وجل.
أَوْلَى المَلابِسِ أَنْ تَلْقَى الحَبِيبَ بِهِ يَومَ الزِّيَارَةِ في الثَّوبِ الذي خَلَعَ
خلع: خلعه عليك، أى: ألبسك أياه، فأولى الملابس أن نلقى بها الله في بيت الله الثوب الذي ألبسه لك الله، وهو ثوب الإسلام والإيمان والتُّقى ومراقبة الديَّان عزَّ وجل.
فالإنسان يسير في دنياه فيتسخ الثوب - واتساخه من الذنوب، ومن العيوب، ومن مخالفة علام الغيوب - وقد قال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:{إِنّ العَبْدَ إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءٌ، فإِذَا هو نَزَعَ واستَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُه، وَإنْ عَادَ زِِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُو قَلْبَهُ، وهُوَ الرَّانُ الذَّي ذَكَرَ الله - يعني الغطاء - ثم تلا قول الله عزَّ وجل: ] كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [ (14، 15-المطففين)}[4].
هذه الذنوب هى التى تباعد المرء عن طاعة علاَّم الغيوب، فتجعله لا يميل إلى استماع كلام الله، ولا يحب أن يسمع كلمات الوعظ من العلماء بالله، وتجعله يتهافت على المعاصي ويميل إلى الشرور والآثام، لأن الذنوب تجعل على قلبه حاجزاً بينه وبين الملك العلاَّم عزَّ وجل.
وهذه الذنوب صنفان: ذنوبٌ صغيرة، وهذه تزول بسرعة بالصلوات المكتوبات كما قال الله عزَّ وجل: ] إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ - أي بالصلاة- وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا - يوم لقاء الله عزَّ وجل [ (31-النساء). وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا}[5]. فالصلوات الخمس تجدِّد ثوب القلب وتغسله من المعاصي والذنوب والخطايا الصغيرة .
أما الذنوب الكبيرة، وأما الخطايا العظيمة، فتحتاج إلى غسيل خاص، وإلى مسحوق للغسيل خاص، وإلى نظام خاص!! فجعل الله لها هذا الشهر الكريم، فهذا شهر يتفضل فيه الملك الكريم، فيأخذ ثيابنا الداخلية - ثيابنا القلبية - ويطهرها من الذنوب والآثام، ما صغُر منها وما كبُر، ما ظهر منها وما بطن، ما عظُم منها وما قَلّ، وإذا كانت ليلة العيد ألبسك ثوباً تقيًّا نقيًّا طاهراً، كالثوب الذي كنت تلبسه عند خروجك إلى دار الدنيا عند مولدك. ولذا أمرك النَّبيُّ الكريم أن تغتسل إشارة لك أنك اغتسلت من الذنوب كلها باطناً، فاغسل نفسك ظاهراً، لكي تكون ظاهراً وباطناً طاهراً نظيفاً للقاء الله، فإن الله يحب التَّوابين ويحب المتطهرين.
وأمرك سبحانه أن تلبس الثوب الجديد، ثوب التُّقى، ثوب النقا، ثوب الهدى، ثوب الإيمان، ثوب مراقبة الديان عزَّ وجل، وتقلع عما كنت فيه قبل رمضان من الغي ومن القبيح، ومن النوايا السيئة ومن القصود الفاسدة، ومن الأهواء المهلكة ومن الشهوات المردية، واعقد العزم مع الله على أنك لن تعود إليها أبداً بعدما طهَّرك الله، ونظَّفك الله، ونقَّاك الله عزَّ وجل، وجعلك من عباده المتطهرين.
فإذا جئت إلى بيت الله، فأنت تُكَبِّرُ الله، كأنك لا ترى شيئاً في عينيك، ولا في فؤادك، ولا في قلبك أكبر من الله عزَّ وجل، فقد كنت قبل رمضان يغلب عليك أشياء في الدنيا تسيطر عليك وتغلب عليك، وهي أحبَّ إليك من طاعة الله أحياناً!! فإذا ناداك الله تكاسلت في الذهاب إلى الصلاة لانشغالك بمباراة!! أو لمشاهدتك لمسلسل يغضب الله!! أو لحديث في القيل والقال لا يرضي الله!! كل هذه وغيرها تمنعك من المسارعة لنداء الله عزَّ وجل وهو يقول لك: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، يعني: أقبل على الفلاح، فإذا كنت في عمل فيقول لك: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[ (9-الجمعة).
فإذا دخلت في الصلاة وقلت: الله أكبر، أمر الله الملائكة أن تنظر في قلبك فربَّما وجدت قلبك يغلب عليه حبُّ الدنيا، فتقول لك: كذبت، الدنيا في قلبك أكبر. وربما وجدت قلبك ينظر إلى فاتنة أو غانية، فتقول لك: كذبت، النساء في قلبك أكبر. وربما وجدت قلبك كل همِّه في الحصول على المال، والحصول على المادة التي كتبها الله وقدرها الله، ولن يموت واحد منكم إلا ويقبض بيده ما صرفه له الصرَّاف الأكبر، وهو الرزاق الكريم عزَّ وجل!! فتقول لك الملائكة: كذبت، المال في قلبك أكبر.
لابد عندما تقول في الصلاة: الله أكبر، أن تخلع من قلبك كل الأنداد، وكل الشركاء، فلا يكن في قلبك حُبٌّ يساوي حُبَّ الله، حتى لنفسك، وحتى لزوجك، وحتى لولدك، فهؤلاء في المرتبة الثانية أو الثالثة بعد حُبِّ الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمنُ أحدُكُم حتى أكُونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِهِ وَوالِدِهِ ونفسه والناسِ أَجْمَعِين}[6].
واستمع إلى الراوى يحكى عن ذلك الموقف الخالد!ِ! قَالَ: {كُنَّا مَعَ النَّبي وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه فَقَالَ: أَتُحِبُّني يَا عُمَر؟ قَالَ: لأنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُل شَيْءٍ إِلاَّ نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبيُّ: الآْنَ يَا عُمَرُ}[7]. فعندما قال له عمر رضى الله عنه: إلا نفسي التي بين جنبي، كان يصدقه الحديث، فلما فهم من ردِّه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكمل إيمانه! رجع فى الحال، وأصلح حاله القلبى، وقال بلسانه عما في قلبه - لأنهم لم يكونوا يقولون إلا ما يفعلون، ولا يعبرون إلا عما يبطنون، لأن الرسول حذرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ. الَّذِي يَأْتِي هَـٰؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَـٰؤُلاَءِ بِوَجْهٍ }[8]، يعني يظهر خلاف ما يبطن – فقال رضى الله عنه: والله لأنت الآن أحبَّ إلىَّ من نفسي، قال: الآن .. الآن يا عمر، أى: الآن كمل إيمانك.
وما لنا نذهب بعيداً وهذا قول الله محذراً لنا: ]قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ[ (24-التوبة). إذا كان واحد من هذه الأصناف أحبَّ إليك من الله ورسوله، فتربص بنفسك السوء، واخش على نفسك المقت من الله، والغضب من الله، لأنك عظَّمت ما حقَّر اللهُ ولم تعظم ما عظَّم الله.
أما المؤمن فهو الذي يعظِّم الله في وقت الصلاة، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما تقول السيدة عائشة رضى الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه}[9]. وعن الأَسْودِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: {قُلْتُ: يَا عَائِشَةُ أَيُّ شَيْءِ كَانَ النبيُّ يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَت: كَانَ يَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ قَامَ فَصَلَّى}. لماذا؟ لانشغاله بالله عن كل شئ سواه.
فإذا تم للعبد المؤمن هذه الفرحة، كان الله في قلبه أكبر من كل شئ، فعندما يقف بين يدي الله وقد ترك تجارته، أو ترك عمله، أو ترك حديثه، أو ترك مشاهداته، ويقول: الله أكبر، تقول له الملائكة: صدقت، الله أكبر في قلبك من كل شئ.
فنكبر الله لأننا نعلن بذلك لله، ونعلن بذلك لملائكة الله، ونعلن بذلك لأرض الله، فإن الأرض ستشهد لنا عند الله. قال صلى الله عليه وسلم: {إنه لا يَسْمَعُ مدى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ}[10]. فأنت إذا كبَّرت فأنت تؤذن لله عزَّ وجل، فكل من يسمعك سيشهد لك عند الله يوم القيامة بأنك كبَّرت الله، وأعليت شأن شريعة الله، وصارت في المحل الأعلى من قلبك، وصرت من عباد الله الصالحين.
فإذا دخلت إلى الصلاة يأمرك رسول الله أن تصحب معك أهلك - حتى زوجتك ولو كانت حائضاً - لأنه أمرهم أن يصحبوا الحيَّض ولا يمنعونهن من حضور الخير في ذلك اليوم، فكنَّ - الحيض - يجلسن على جانب المصلى ليشهدن الخير. لماذا؟ لأن الله يدعوك ليكرمك وليجزيك، ليجزل لك الأجر العظيم. وأنت إذا دعاك رجل في الدنيا كريم لتكريمك تصحب من استطعت، وتدعو من عرفت، ليشهدوا تكريمك، وليروا تنصيبك وتعظيمك.
وفى الحقيقة فإنهن يحضرن تكريمهن أيضا فى هذا اليوم، فقد صمن كما صام أزواجهن، ويتسلمن أوسمتهن كما يتسلم أزواجهن.
فما بالنا وأكرم الأكرمين يكرمنا جميعاً في هذا اليوم العظيم؟!! فيأمر سبحانه الملائكة - بعد صلاة الفجر - أن يقفوا على أبواب الطرق وأفواه السكك، ينادون بصوت يسمعه كل من في السموات والأرض إلا الثقلين - الجن والإنس - ماذا يقولون؟ {يا أمة محمد: أخرجوا إلى ربٍّ كريم، يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم}.
فيخرج المؤمنون، وعلى أبواب القصر الإلهي - بيت الله عزَّ وجل - ملائكة مقربون، معهم صحف من فضة، وأقلام من ذهب، يسجلون المكرَّمين بحسب دخولهم إلى قصور رب العالمين، الأول فالأول، والآخر فالآخر، فإذا دخل الإمام طويت صفحات التكريم، وطويت صفحات التعظيم، وجلسوا يصلون معكم ويستمعون معكم.
وفي هذا الحفل الكريم كلُّ واحد منكم يفوز بفضل العظيم من العظيم، فإنه يقول لنا جميعاً: {يَا عِبَادِي سَلُوني، فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لآخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ، وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ، وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي، وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ. انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ، قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ}[11].
أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبع مرات) .. ولله الحمد.
الله أكبر على ما وهبنا به وأعطانا.
الله أكبر على ما خصَّنا به ووالانا.
الله أكبر على ما شرفنا به مولانا وهدانا.
......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..........
الحمد لله وحده، والشكر لله عزَّ وجل على جميع نعمه الظاهرة والباطنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ بالحمد موصوف، وبالجود معروف، وبحرُ كرمه بَحْرٌ غير مكسوف. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، فتح لنا كنوز الخيرات، وفجَّر لنا عيون البركات، وجعلنا في الدنيا والآخرة في حبور ومسرات، إذا أطعنا الله في الغدوات والروحات.
اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أتباع سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كثيراً يا ربَّ العالمين.
أما بعد.. فقد أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نرجع من طريق غير الذي جئنا منه، يعني: أننا إذا كنا جئنا إلى بيت الله عزَّ وجل وفي قلوبنا ولو بعض الذنوب، ولو بعض العيوب، ولو بعض الإحن والضغائن، أن نرجع من طريق يقول فيه الله: ] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [ (47-الحجر).
إذا كان عندنا بعض النوايا بالشرور، نجعلها نوايا في طاعة العزيز الغفور. إذا كان عندنا تكاسل عن الطاعات والقربات، نجعل عندنا عزيمة على عمل الصالحات، ونحن فى طريق عودتنا يجب أن نكون أفضل منا عند ذهابنا، وتكون عزيمتنا أقوى على الإستمرار وعلى أن نكون أهلاً دائماً لهذه الأوسمة والنياشين التى عُدنا بها.
إذا خرجنا جميعاً من صلاتنا بعد صيامنا بهذه الكيفية فإن ذلك يحل كل المشكلات الاجتماعية، فإن الصيام جعله الله عزَّ وجل علاجاً لمشكلاتنا، فإن مشكلاتنا التي تؤرقنا - مشكلة القوت، ومشكلة الغش، ومشكلة الكذب، ومشكلة الخيانة - وكلها مشكلات جعلناها على الهامش من ديننا، أي أن الرجل في زعمه أنه إذا أدَّى الصلاة وكذب فلا شئ عليه!! وإذا أدَّى الصلاة وخان فلا شئ عليه!! وإذا صام رمضان وغشَّ فلا شئ عليه!!
وكَذَب، وكذَّبه الله وكذَّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ديننا لا يفرق بين ترك الصلاة والكذب، ولا يفرق بين ترك الصلاة والغش، ولا يفرق بين ترك الصلاة والخديعة، ولا يفرق بين ترك الصلاة وترك الأمانة، ولا يفرق بين ترك الصلاة والتهاون بكل هذه الفضائل، فقد قيل له ذات مرة: {إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّار}[12]، مع صلاتها ومع صيامها لا خير فيها!! لأنها فرَّقت بين العبادات وبين الأخلاق والمعاملات التي جاء بها صلى الله عليه وسلم.
و{ سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا - ثم أتبعها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم - {إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [13]، وورد: {قال أبو الدرداء: يا رسول الله، هل يكذب المؤمن؟ قال: لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدَّث كذب}[14] وفى رواية: { قال: لا، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب}.
انظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم!! تجد جريمة الكذب أخطر في نظره من القتل، ومن السرقة، ومن الزنا، لأنها أفقدتنا الثقة في بعضنا، فلم يعد الواحد منا يأمن أخاه، ولا يثق في كلام أخيه حتى ولو حلف له بالله لا يصدقه! بل إنه أحياناً - لأنه يعلم ضعف إيمانه - لا يرضى له الحلف بربِّه ويحلفه بزوجه!! وكأن زوجه أغلى عليه من ربِّه! ويقول له لا أرضى حتى تحلف بالطلاق. والذي يحلف بالطلاق معناه أن زوجته عنده أغلى من الله عزَّ وجل.
يا قوم ما هذا الذي نحن فيه؟!! وما هذا الذي وصلنا إليه؟!! إن هذا لأن قوماً زعموا أنهم إذا أدُّوا الصلاة، وحافظوا على الصيام، ووقعوا في هذه الذنوب العظام، فلا عليهم شئ!! وهذا يقول فيه الله عزَّ وجل: ] إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ (45-العنكبوت). فالحكمة من الصلاة أن تنهى صاحبها عن الفحشاء. والفحشاء: هي الغيبة والنميمة، والكذب وقول الزور، وجميع الشرور وجميع الفجور، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: {مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً}[15]. يعني لا صلاة مقبولة له، مع أنه يؤديها!! ولكنه يؤديها حركات، يضحك بها على نفسه، أو يضحك بها على من حوله: ] يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [ (9-البقرة).
في الصيام درَّبنا الله على الإخلاص لله، فلو دخل واحد منا في حجرة وأغلق عليه الباب وأكل، لا يطلع عليه إلا الواحد الأحد، الفرد الصمد. وكذا درِّبْ نفسك على هذا الأمر، أنت لو كذبت ولم يطلع عليك أحد فسيطلع عليك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي سيحاسبك على كل شئ. وإذا اغتبت أو سرقت، وإذا خنت، وإذا غللت، وإذا غششت، فأنت خارج هذه الأمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[16]. وإن صلى وإن صام، وإن حج البيت الحرام، فليس من أمة الإسلام لأنه أباح لنفسه أن يغشَّ أمة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الغش في نصيحة - كأن يستنصحك رجل فتغشه في نصيحة - وما أكثر هذا في أيامنا هذه.
يقول: ما رأيك في هذه التجارة؟ تقول له لا فائدة فيها لتصرفه عنها وتأخذها لنفسك. ما رأيك في هذا العمل؟ تسفهه له وتحرِّمه عليه وتبيحه لنفسك، لأنك تريد أن تستأثر به لنفسك. أو كان الغش في كيل، أو كان الغش في وزن، أو كان الغش في بيع، أو كان الغش في شراء. وإني أعجب ممن يتباهون ويفتخرون بأنه غش فلاناً وضحك عليه في بيعه كذا، وأنه غشَّ فلاناً وضحك عليه فى كذا، وهؤلاء يقول فيهم صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَىً إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ} [17]. أي الذين يتباهون بالفضائح!! وهذه الأعمال القبيحة لا توبة لهم إلا إذا رجعوا إلى الله نادمين أشدَّ الندم، وتابوا توبة نصوحة بشروطها ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه.
فلو أننا خرجنا من شهر الصيام - وهذه النصيحة الصادقة - بالإخلاص لله في السرِّ والعلانية، وأن نراقبه في حركاتنا وسكناتنا، ونعلم أنه مطَّلعٌ على أعمالنا، وهو وحده الذي سيحاسبنا ويجزينا عليه، وكان كل واحد منا في أذنه: ] وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ( [ (105-التوبة)، لانْصَلَحَ حال مجتمعنا في الحال، لأن كل الأدواء التي فيه من نسيان مراقبة الرقيب، ومن نسيان أن هناك حساباً شديدا،ً يحاسب فيه المولى على القليل والكثير، على النقير والحقير.
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون من هذه النوايا وهذه القبائح، وقولوا جميعاً: تُبْنَا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً، وبرئنا من كل شئ يخالف دين الإسلام، ونعاهد الله على طاعة الله ومراقبة الله في حركاتنا وسكناتنا، وأعمالنا وأقوالنا، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، والله على ما نقول شهيد.
بعد هذه التوبة النصوح أبشروا بفضل من الله ورضوان. وأعلنوا له عزَّ وجل، أنكم لن تملُّوا من الصيام، ولكن تريدون استمرار طاعته عزَّ وجل، وذلك بصيام أيام من شهر شوال، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأَتْبَعَهُ بستٍّ مِنْ شَوَّالَ فكأنما صَامَ الدَّهْرَ}[18].
فضل كبير في عمل يسير، فإن الحسنة بعشر أمثالها، ورمضان ثلاثون يوماً بثلاثمائة يوم، وست من شوال بستين يوماً، فتوازي ثلاثمائة وستين يوماً، وهي عدد أيام السنة الهجرية، لأن عددها بين ثلاثمائة وخمس وخمسوين وثلاثمائة وستين (355 : 360)، فيكون الإنسان منا صائماً طوال عمره وطوال دهره، وإن كان مفطراً يأكل أو يشرب!! ولا عليك أن تصومها متتالية أو تصومها متفرقة. المهم أن تصومها خلال هذا الشهر.
ولا تنسوا في هذا اليوم الكريم أن تلقوا إخوانكم بوجه هاشٍ باش، وخذوا بأعين قلوبكم قول حبيبكم ونبيكم صلى الله عليه وسلم: {تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، والكلمة الطيبة صدقة، ولئن تلقى أخاك بوجه هاش باش خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت}[19].
واعلموا أن هذا البرَّ هو أكبر القربات في هذا اليوم، وهنئوا بعضكم في هذا اليوم بمغفرة الله ورضوان الله، وبالجزاء الذي أعطاه لنا الله، وبالمعين الكريم الذي كرمه لنا الله.
نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا منها وما أبطنا.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يصلح فساد قلوبنا، وأن يطهر نفوسنا من نزغاتها، وأن يجعلنا من عباده الأتقياء الأنقياء الأبرياء، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم ارزقنا مرافقة نبيك في الجنة، واجعلنا تحت لواء شفاعته في الدار الآخرة، ولا تحرمنا بركة سماع السلام منه في دار الدنيا، واجعلنا من الذين يستقبلهم عند الخروج من الدنيا. واجعل اللهم الإيمان أكبر همِّنا ومبلغ علمنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وخذ بناصيتنا إلى طاعتك وهداك، وارزقنا حبَّك وحبَّ مجتباك.
اللهم أصلح أحوالنا، وأصلح أحوال زوجاتنا، وأصلح أحوال أولادنا، وأصلح أحوال حكامنا، وأصلح أحوال المسلمين أجمعين، واجمعهم على كلمة الخير بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر عبادك المقاتلين في البوسنة. اللهم اجعل فرحهم في هذا اليوم بنصر مبين، واعلُ بكلمتك عندهم على الكافرين، واجعل الكافرين يبوءون بالخزي والهوان إلى يوم الدين يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لأمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين أجمعين، واجعلهم في عبادك المرحومين، واجعلهم من عتقائك من النار في هذا اليوم الكريم يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
]سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ (180:182 - الصافات).
*********************
[1] كانت هذه الخطبة بمسجد سيدي عيسى الشهاوي بالجميزة مركز السنطة - غربية غرة شوال 1414هـ الموافق 24/3/1993م.
[2] الدَّيلمي عن أَبي هدبة عن أَنسٍ رضَي اللَّهُ عنهُ)
[3] إحياء علوم الدين ، وتفسير نظم الدر للبقاعى
[4] رواه الترمذي عن أبي هريرة
[5] رواه مسلم والإمام مالك في الموطأ وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله.
[6] رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه والنسائي في سننه عن أنس.
[7] جامع المسانيد والمراسيل، وشعب اٌيمان والمستدرك على الصحيحين عن أبى عقيل عن جده
[8] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وابن حبان في صحيحه والنسائي في سننه عن أنس.
[9] ورد فى طبقات الشافعيه الكبرى أنه رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق مرسلا، كما جاء فى الأزدى فى الضعفاء
[10] صحيح البخارى عن أبي سعيد.
[11] رواه ابن حبان في الثواب والبيهقي عن ابن عباس.
[12] رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة t.
[13] وأخرج الخرائطي في مساوىء الأخلاق وابن عساكر في تاريخه، عن عبد الله بن جراد، كذا فى الدر المنثور.
[14] أخرجه الخطيب في تاريخه، عن عبد الله بن جراد e.
[15] رواه الطبراني في الكبير
[16] رواه الحاكم في المستدرك ومسلم في صحيحه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة.
[17] رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي قتادة الأنصاري.
[18] رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه وأبو داود في سننه والبزار والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
[19] رواه البزار والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والترمذي في سننه عن أبي ذر.
لباس التقوى: [خطبة عيد الفطر]
الله أكبر (تسع مرات) ... ولله الحمد.
الله أكبر ما كتب الله على المسلمين صيام شهر رمضان.
الله أكبر ما وفَّق الله فيه الصائمين لطاعة الرحمن.
الله أكبر ما رزقهم الله الهدى ووفَّقهم لاتباع سيد ولد عدنان.
........... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .......
الله أكبر ما جعل الله هذا الشهر شهر خير وبركة.
الله أكبر ما جعل هذا الشهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
الله أكبر على فضل الله الأكبر.
........... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ........
الله أكبر على رحمة الله بعباده المؤمنين.
الله أكبر على لطف الله بعباده المسلمين.
الله أكبر فقد غَسَلَهُم ونقَّاهم من الخطايا أجمعين.
.......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ........
الله أكبر ما فرحت ملائكة السموات، واستأذنت ربَّها في النزول إلى الأرض بالتحيات والتسليمات.
الله أكبر كما قال سيد السادات: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِلسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْ تَتَكَلَّمَا، لَبَشَّرَتَا مَنْ صَامَ رَمَضَانَ بِالْجَنَّةِ}[2].
الله أكبر ما فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ........
الله أكبر هذا شهر حياة القلوب.
الله أكبر هذا شهر علاَّم الغيوب.
الله أكبر هذا شهر تكفير الخطايا والذنوب.
........ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .........
الله أكبر هذه صلاتنا - صلاة العيد - يشهدها كلُّ روحاني في ملك الله وملكوته، ليهنئ المسلمين بالحال الجديد.
الله أكبر على فضل الله ونصر الله لعباده المؤمنين.
......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .........
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةًٍ وأصيلا. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .........
الحمد لله الذي وفَّقنا جميعاً لطاعته، والشكر له عزَّ وجل على أن جعلنا من المسارعين إلى حضور برِّه ورحمته ونعمته.
سبحانه سبحانه ... شفوقٌ عطوفٌ ورحيم، حنَّانٌ منَّانٌ بعباده المؤمنين، إذا أمرهم فلخيرهم، وإذا نهاهم فلمنفعتهم، وإذا طلب منهم أمراً فإنما ليكرمهم ويرفع درجاتهم في الموقف العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فَضْلُهُ لا يُعَدّ، ونَعِيمُهُ لا يُحَدّ. لو أن الخلائق أجمعين - من أول الدنيا إلى آخرها - وقفوا جميعاً في صف واحد، فسأله كلُّ واحد ما يريد، فأعطى كل واحد منهم ما يطلب ويزيد، ما ينقص ذلك من ملك الحميد المجيد.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، أكرمنا الله ببعثته، واصطفانا لاتباعه في شريعته، ونسأله عزَّ وجل أن يلحقنا به في مستقر جنته، نحن والسامعين أجمعين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا النَّبيِّ الأغرّ المبارك الميمون، واحفظنا بحفظه من الهواجس والشكوك والظنون، واجعلنا بفضله من الذين لهم نصيب عندك في العلم المكنون، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين. (أما بعد)
فيا عباد الله جماعة المؤمنين: كل عام وأنتم بخير جميعاً بهذا العيد السعيد، ونريد أن نتحدث سوياً، فنقطف من زهرة النُّبوَّة رياضاً يانعة في حكمة هذا العيد السعيد.
فإنَّه صلى الله عليه وسلم لو تتبعنا سنَّتَهُ التي نعرفها في العيد، ونستسهلها، وربما لا يلقى بعضنا لها بالاً، لوجدنا لنا فيها جميعاً الأمر الرشيد. فإنه صلى الله عليه وسلم يأمرنا ليلة العيد أن نغتسل، ثم نلبس أحسن ما عندنا، ثم نخرج في الصباح مهلِّلين مكبِّرين إلى بيت ربِّنا، ثم نصلي العيد ونستمع الوعظ الرشيد، ثم نرجع من طريق غير الذي عدنا منه. فلماذا هذه السنن النبوية؟!!
إنه يشير لنا جميعاً - معشر الأمة المحمدية - إلى نِعَمِ الله الجليَّة لنا في يوم العيد وليلة العيد. وإليكم بعضها على سبيل النذر اليسير، أما الاستكثار فليس وقته الآن لأنه يحتاج إلى وقت طويل وكبير.
إن الرجل منَّا إذا وُلِدَ فإن أول خطاب يأتيه من الله عزَّ وجل. فبمجرد نزوله من بطن الأم يستهل صارخاً، وإذا بالملائكة يحولون التحويلة الإلهية على أذنه، ويقولون له: إصْغَ جيداً، هذا ربُّك يخاطبك، فيقول الله عزَّ وجل له - كما ورد في الخبر عن بعض العارفين:
{إن لله تعالى إلى عبده سرَّين يُسِرُّهما إليه على سبـيل الإلهام، أحدهما: إذا خرج من بطن أمِّه يقول له: عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عمرك وائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة؟ وانظر إليَّ كيف تلقاني؟
والثاني: عند خروج روحه يقول: عبدي ماذا صنعت في أمانتي عندك؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد فألقاك على الوفاء؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب؟}[3]
خلقتك طاهراً نظيفاً - ليس من الأوساخ والقاذورات - ولكن طاهراً من النفاق، وطاهراً من الكذب، وطاهراً من الغشِّ، وطاهراً من الخيانة، وطاهراً من كل هذه الأمراض الباطلة – الباطنة - التي حذرنا الله منها، ونهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عنها. فإذا مشى الإنسان في دنياه كان لابساً على فؤاده ثياب تقوى الله: ] وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [ (26-الأعراف).
هذا اللباس الذي يلبسه المؤمنون - لباس التقوى، ورداء التقوى - هو الذي يجعل الإنسان منا يستحي أن يعصي الله، ويحسُّ بالندم وبوخز الضمير وبالتأنيب والتعنيف إذا وقع في جريمة في حق نفسه أو إخوانه، أو في حق الله عزَّ وجل.
هذا اللباس الطيب الذي تفضل الله به على المؤمنين، ولم يعطه للكافرين، ولو دفع الإنسان منهم ملء الأرض جميعاً، ما كان لهم خيطٌ واحدٌ من هذا الثواب - ثوب التُّقى والهدى والغنى والعفاف - الذي زيَّنكم به الله عزَّ وجل. وهذا الذى يقول فيه: ] خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (31-الأعراف). أي: خذوا زينتكم التي زيَّنكم بها الله عزَّ وجل في السرِّ والعلانية، وإلا لو لبس رَجُلٌ منا أحسن ما عنده من الثياب، ووضع فوق جسمه قارورة من العطر الطيب، ودخل وقلبه مملوء بالأحقاد أو الأحساد، أو الغلِّ أو الحرص، أو الغيظ على عباد الله المؤمنين، فإنه لن يدخل بالثوب الذي ارتضاه وزيَّنه به ربُّ العالمين عزَّ وجل.
أَوْلَى المَلابِسِ أَنْ تَلْقَى الحَبِيبَ بِهِ يَومَ الزِّيَارَةِ في الثَّوبِ الذي خَلَعَ
خلع: خلعه عليك، أى: ألبسك أياه، فأولى الملابس أن نلقى بها الله في بيت الله الثوب الذي ألبسه لك الله، وهو ثوب الإسلام والإيمان والتُّقى ومراقبة الديَّان عزَّ وجل.
فالإنسان يسير في دنياه فيتسخ الثوب - واتساخه من الذنوب، ومن العيوب، ومن مخالفة علام الغيوب - وقد قال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:{إِنّ العَبْدَ إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءٌ، فإِذَا هو نَزَعَ واستَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُه، وَإنْ عَادَ زِِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُو قَلْبَهُ، وهُوَ الرَّانُ الذَّي ذَكَرَ الله - يعني الغطاء - ثم تلا قول الله عزَّ وجل: ] كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [ (14، 15-المطففين)}[4].
هذه الذنوب هى التى تباعد المرء عن طاعة علاَّم الغيوب، فتجعله لا يميل إلى استماع كلام الله، ولا يحب أن يسمع كلمات الوعظ من العلماء بالله، وتجعله يتهافت على المعاصي ويميل إلى الشرور والآثام، لأن الذنوب تجعل على قلبه حاجزاً بينه وبين الملك العلاَّم عزَّ وجل.
وهذه الذنوب صنفان: ذنوبٌ صغيرة، وهذه تزول بسرعة بالصلوات المكتوبات كما قال الله عزَّ وجل: ] إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ - أي بالصلاة- وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا - يوم لقاء الله عزَّ وجل [ (31-النساء). وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا}[5]. فالصلوات الخمس تجدِّد ثوب القلب وتغسله من المعاصي والذنوب والخطايا الصغيرة .
أما الذنوب الكبيرة، وأما الخطايا العظيمة، فتحتاج إلى غسيل خاص، وإلى مسحوق للغسيل خاص، وإلى نظام خاص!! فجعل الله لها هذا الشهر الكريم، فهذا شهر يتفضل فيه الملك الكريم، فيأخذ ثيابنا الداخلية - ثيابنا القلبية - ويطهرها من الذنوب والآثام، ما صغُر منها وما كبُر، ما ظهر منها وما بطن، ما عظُم منها وما قَلّ، وإذا كانت ليلة العيد ألبسك ثوباً تقيًّا نقيًّا طاهراً، كالثوب الذي كنت تلبسه عند خروجك إلى دار الدنيا عند مولدك. ولذا أمرك النَّبيُّ الكريم أن تغتسل إشارة لك أنك اغتسلت من الذنوب كلها باطناً، فاغسل نفسك ظاهراً، لكي تكون ظاهراً وباطناً طاهراً نظيفاً للقاء الله، فإن الله يحب التَّوابين ويحب المتطهرين.
وأمرك سبحانه أن تلبس الثوب الجديد، ثوب التُّقى، ثوب النقا، ثوب الهدى، ثوب الإيمان، ثوب مراقبة الديان عزَّ وجل، وتقلع عما كنت فيه قبل رمضان من الغي ومن القبيح، ومن النوايا السيئة ومن القصود الفاسدة، ومن الأهواء المهلكة ومن الشهوات المردية، واعقد العزم مع الله على أنك لن تعود إليها أبداً بعدما طهَّرك الله، ونظَّفك الله، ونقَّاك الله عزَّ وجل، وجعلك من عباده المتطهرين.
فإذا جئت إلى بيت الله، فأنت تُكَبِّرُ الله، كأنك لا ترى شيئاً في عينيك، ولا في فؤادك، ولا في قلبك أكبر من الله عزَّ وجل، فقد كنت قبل رمضان يغلب عليك أشياء في الدنيا تسيطر عليك وتغلب عليك، وهي أحبَّ إليك من طاعة الله أحياناً!! فإذا ناداك الله تكاسلت في الذهاب إلى الصلاة لانشغالك بمباراة!! أو لمشاهدتك لمسلسل يغضب الله!! أو لحديث في القيل والقال لا يرضي الله!! كل هذه وغيرها تمنعك من المسارعة لنداء الله عزَّ وجل وهو يقول لك: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، يعني: أقبل على الفلاح، فإذا كنت في عمل فيقول لك: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[ (9-الجمعة).
فإذا دخلت في الصلاة وقلت: الله أكبر، أمر الله الملائكة أن تنظر في قلبك فربَّما وجدت قلبك يغلب عليه حبُّ الدنيا، فتقول لك: كذبت، الدنيا في قلبك أكبر. وربما وجدت قلبك ينظر إلى فاتنة أو غانية، فتقول لك: كذبت، النساء في قلبك أكبر. وربما وجدت قلبك كل همِّه في الحصول على المال، والحصول على المادة التي كتبها الله وقدرها الله، ولن يموت واحد منكم إلا ويقبض بيده ما صرفه له الصرَّاف الأكبر، وهو الرزاق الكريم عزَّ وجل!! فتقول لك الملائكة: كذبت، المال في قلبك أكبر.
لابد عندما تقول في الصلاة: الله أكبر، أن تخلع من قلبك كل الأنداد، وكل الشركاء، فلا يكن في قلبك حُبٌّ يساوي حُبَّ الله، حتى لنفسك، وحتى لزوجك، وحتى لولدك، فهؤلاء في المرتبة الثانية أو الثالثة بعد حُبِّ الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمنُ أحدُكُم حتى أكُونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِهِ وَوالِدِهِ ونفسه والناسِ أَجْمَعِين}[6].
واستمع إلى الراوى يحكى عن ذلك الموقف الخالد!ِ! قَالَ: {كُنَّا مَعَ النَّبي وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه فَقَالَ: أَتُحِبُّني يَا عُمَر؟ قَالَ: لأنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُل شَيْءٍ إِلاَّ نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبيُّ: الآْنَ يَا عُمَرُ}[7]. فعندما قال له عمر رضى الله عنه: إلا نفسي التي بين جنبي، كان يصدقه الحديث، فلما فهم من ردِّه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكمل إيمانه! رجع فى الحال، وأصلح حاله القلبى، وقال بلسانه عما في قلبه - لأنهم لم يكونوا يقولون إلا ما يفعلون، ولا يعبرون إلا عما يبطنون، لأن الرسول حذرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ. الَّذِي يَأْتِي هَـٰؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَـٰؤُلاَءِ بِوَجْهٍ }[8]، يعني يظهر خلاف ما يبطن – فقال رضى الله عنه: والله لأنت الآن أحبَّ إلىَّ من نفسي، قال: الآن .. الآن يا عمر، أى: الآن كمل إيمانك.
وما لنا نذهب بعيداً وهذا قول الله محذراً لنا: ]قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ[ (24-التوبة). إذا كان واحد من هذه الأصناف أحبَّ إليك من الله ورسوله، فتربص بنفسك السوء، واخش على نفسك المقت من الله، والغضب من الله، لأنك عظَّمت ما حقَّر اللهُ ولم تعظم ما عظَّم الله.
أما المؤمن فهو الذي يعظِّم الله في وقت الصلاة، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما تقول السيدة عائشة رضى الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه}[9]. وعن الأَسْودِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: {قُلْتُ: يَا عَائِشَةُ أَيُّ شَيْءِ كَانَ النبيُّ يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَت: كَانَ يَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ قَامَ فَصَلَّى}. لماذا؟ لانشغاله بالله عن كل شئ سواه.
فإذا تم للعبد المؤمن هذه الفرحة، كان الله في قلبه أكبر من كل شئ، فعندما يقف بين يدي الله وقد ترك تجارته، أو ترك عمله، أو ترك حديثه، أو ترك مشاهداته، ويقول: الله أكبر، تقول له الملائكة: صدقت، الله أكبر في قلبك من كل شئ.
فنكبر الله لأننا نعلن بذلك لله، ونعلن بذلك لملائكة الله، ونعلن بذلك لأرض الله، فإن الأرض ستشهد لنا عند الله. قال صلى الله عليه وسلم: {إنه لا يَسْمَعُ مدى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ}[10]. فأنت إذا كبَّرت فأنت تؤذن لله عزَّ وجل، فكل من يسمعك سيشهد لك عند الله يوم القيامة بأنك كبَّرت الله، وأعليت شأن شريعة الله، وصارت في المحل الأعلى من قلبك، وصرت من عباد الله الصالحين.
فإذا دخلت إلى الصلاة يأمرك رسول الله أن تصحب معك أهلك - حتى زوجتك ولو كانت حائضاً - لأنه أمرهم أن يصحبوا الحيَّض ولا يمنعونهن من حضور الخير في ذلك اليوم، فكنَّ - الحيض - يجلسن على جانب المصلى ليشهدن الخير. لماذا؟ لأن الله يدعوك ليكرمك وليجزيك، ليجزل لك الأجر العظيم. وأنت إذا دعاك رجل في الدنيا كريم لتكريمك تصحب من استطعت، وتدعو من عرفت، ليشهدوا تكريمك، وليروا تنصيبك وتعظيمك.
وفى الحقيقة فإنهن يحضرن تكريمهن أيضا فى هذا اليوم، فقد صمن كما صام أزواجهن، ويتسلمن أوسمتهن كما يتسلم أزواجهن.
فما بالنا وأكرم الأكرمين يكرمنا جميعاً في هذا اليوم العظيم؟!! فيأمر سبحانه الملائكة - بعد صلاة الفجر - أن يقفوا على أبواب الطرق وأفواه السكك، ينادون بصوت يسمعه كل من في السموات والأرض إلا الثقلين - الجن والإنس - ماذا يقولون؟ {يا أمة محمد: أخرجوا إلى ربٍّ كريم، يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم}.
فيخرج المؤمنون، وعلى أبواب القصر الإلهي - بيت الله عزَّ وجل - ملائكة مقربون، معهم صحف من فضة، وأقلام من ذهب، يسجلون المكرَّمين بحسب دخولهم إلى قصور رب العالمين، الأول فالأول، والآخر فالآخر، فإذا دخل الإمام طويت صفحات التكريم، وطويت صفحات التعظيم، وجلسوا يصلون معكم ويستمعون معكم.
وفي هذا الحفل الكريم كلُّ واحد منكم يفوز بفضل العظيم من العظيم، فإنه يقول لنا جميعاً: {يَا عِبَادِي سَلُوني، فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لآخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ، وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ، وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي، وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ. انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ، قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ}[11].
أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبع مرات) .. ولله الحمد.
الله أكبر على ما وهبنا به وأعطانا.
الله أكبر على ما خصَّنا به ووالانا.
الله أكبر على ما شرفنا به مولانا وهدانا.
......... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..........
الحمد لله وحده، والشكر لله عزَّ وجل على جميع نعمه الظاهرة والباطنة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ بالحمد موصوف، وبالجود معروف، وبحرُ كرمه بَحْرٌ غير مكسوف. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، فتح لنا كنوز الخيرات، وفجَّر لنا عيون البركات، وجعلنا في الدنيا والآخرة في حبور ومسرات، إذا أطعنا الله في الغدوات والروحات.
اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أتباع سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كثيراً يا ربَّ العالمين.
أما بعد.. فقد أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نرجع من طريق غير الذي جئنا منه، يعني: أننا إذا كنا جئنا إلى بيت الله عزَّ وجل وفي قلوبنا ولو بعض الذنوب، ولو بعض العيوب، ولو بعض الإحن والضغائن، أن نرجع من طريق يقول فيه الله: ] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [ (47-الحجر).
إذا كان عندنا بعض النوايا بالشرور، نجعلها نوايا في طاعة العزيز الغفور. إذا كان عندنا تكاسل عن الطاعات والقربات، نجعل عندنا عزيمة على عمل الصالحات، ونحن فى طريق عودتنا يجب أن نكون أفضل منا عند ذهابنا، وتكون عزيمتنا أقوى على الإستمرار وعلى أن نكون أهلاً دائماً لهذه الأوسمة والنياشين التى عُدنا بها.
إذا خرجنا جميعاً من صلاتنا بعد صيامنا بهذه الكيفية فإن ذلك يحل كل المشكلات الاجتماعية، فإن الصيام جعله الله عزَّ وجل علاجاً لمشكلاتنا، فإن مشكلاتنا التي تؤرقنا - مشكلة القوت، ومشكلة الغش، ومشكلة الكذب، ومشكلة الخيانة - وكلها مشكلات جعلناها على الهامش من ديننا، أي أن الرجل في زعمه أنه إذا أدَّى الصلاة وكذب فلا شئ عليه!! وإذا أدَّى الصلاة وخان فلا شئ عليه!! وإذا صام رمضان وغشَّ فلا شئ عليه!!
وكَذَب، وكذَّبه الله وكذَّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ديننا لا يفرق بين ترك الصلاة والكذب، ولا يفرق بين ترك الصلاة والغش، ولا يفرق بين ترك الصلاة والخديعة، ولا يفرق بين ترك الصلاة وترك الأمانة، ولا يفرق بين ترك الصلاة والتهاون بكل هذه الفضائل، فقد قيل له ذات مرة: {إِنَّ فُلاَنَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّار}[12]، مع صلاتها ومع صيامها لا خير فيها!! لأنها فرَّقت بين العبادات وبين الأخلاق والمعاملات التي جاء بها صلى الله عليه وسلم.
و{ سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا - ثم أتبعها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم - {إِنَّمَا يَفْتَرِى ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [13]، وورد: {قال أبو الدرداء: يا رسول الله، هل يكذب المؤمن؟ قال: لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدَّث كذب}[14] وفى رواية: { قال: لا، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب}.
انظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم!! تجد جريمة الكذب أخطر في نظره من القتل، ومن السرقة، ومن الزنا، لأنها أفقدتنا الثقة في بعضنا، فلم يعد الواحد منا يأمن أخاه، ولا يثق في كلام أخيه حتى ولو حلف له بالله لا يصدقه! بل إنه أحياناً - لأنه يعلم ضعف إيمانه - لا يرضى له الحلف بربِّه ويحلفه بزوجه!! وكأن زوجه أغلى عليه من ربِّه! ويقول له لا أرضى حتى تحلف بالطلاق. والذي يحلف بالطلاق معناه أن زوجته عنده أغلى من الله عزَّ وجل.
يا قوم ما هذا الذي نحن فيه؟!! وما هذا الذي وصلنا إليه؟!! إن هذا لأن قوماً زعموا أنهم إذا أدُّوا الصلاة، وحافظوا على الصيام، ووقعوا في هذه الذنوب العظام، فلا عليهم شئ!! وهذا يقول فيه الله عزَّ وجل: ] إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ (45-العنكبوت). فالحكمة من الصلاة أن تنهى صاحبها عن الفحشاء. والفحشاء: هي الغيبة والنميمة، والكذب وقول الزور، وجميع الشرور وجميع الفجور، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: {مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلاَّ بُعْداً}[15]. يعني لا صلاة مقبولة له، مع أنه يؤديها!! ولكنه يؤديها حركات، يضحك بها على نفسه، أو يضحك بها على من حوله: ] يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [ (9-البقرة).
في الصيام درَّبنا الله على الإخلاص لله، فلو دخل واحد منا في حجرة وأغلق عليه الباب وأكل، لا يطلع عليه إلا الواحد الأحد، الفرد الصمد. وكذا درِّبْ نفسك على هذا الأمر، أنت لو كذبت ولم يطلع عليك أحد فسيطلع عليك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي سيحاسبك على كل شئ. وإذا اغتبت أو سرقت، وإذا خنت، وإذا غللت، وإذا غششت، فأنت خارج هذه الأمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[16]. وإن صلى وإن صام، وإن حج البيت الحرام، فليس من أمة الإسلام لأنه أباح لنفسه أن يغشَّ أمة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الغش في نصيحة - كأن يستنصحك رجل فتغشه في نصيحة - وما أكثر هذا في أيامنا هذه.
يقول: ما رأيك في هذه التجارة؟ تقول له لا فائدة فيها لتصرفه عنها وتأخذها لنفسك. ما رأيك في هذا العمل؟ تسفهه له وتحرِّمه عليه وتبيحه لنفسك، لأنك تريد أن تستأثر به لنفسك. أو كان الغش في كيل، أو كان الغش في وزن، أو كان الغش في بيع، أو كان الغش في شراء. وإني أعجب ممن يتباهون ويفتخرون بأنه غش فلاناً وضحك عليه في بيعه كذا، وأنه غشَّ فلاناً وضحك عليه فى كذا، وهؤلاء يقول فيهم صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَىً إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ} [17]. أي الذين يتباهون بالفضائح!! وهذه الأعمال القبيحة لا توبة لهم إلا إذا رجعوا إلى الله نادمين أشدَّ الندم، وتابوا توبة نصوحة بشروطها ولم يعودوا إلى ما كانوا عليه.
فلو أننا خرجنا من شهر الصيام - وهذه النصيحة الصادقة - بالإخلاص لله في السرِّ والعلانية، وأن نراقبه في حركاتنا وسكناتنا، ونعلم أنه مطَّلعٌ على أعمالنا، وهو وحده الذي سيحاسبنا ويجزينا عليه، وكان كل واحد منا في أذنه: ] وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ( [ (105-التوبة)، لانْصَلَحَ حال مجتمعنا في الحال، لأن كل الأدواء التي فيه من نسيان مراقبة الرقيب، ومن نسيان أن هناك حساباً شديدا،ً يحاسب فيه المولى على القليل والكثير، على النقير والحقير.
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون من هذه النوايا وهذه القبائح، وقولوا جميعاً: تُبْنَا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً، وبرئنا من كل شئ يخالف دين الإسلام، ونعاهد الله على طاعة الله ومراقبة الله في حركاتنا وسكناتنا، وأعمالنا وأقوالنا، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، والله على ما نقول شهيد.
بعد هذه التوبة النصوح أبشروا بفضل من الله ورضوان. وأعلنوا له عزَّ وجل، أنكم لن تملُّوا من الصيام، ولكن تريدون استمرار طاعته عزَّ وجل، وذلك بصيام أيام من شهر شوال، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأَتْبَعَهُ بستٍّ مِنْ شَوَّالَ فكأنما صَامَ الدَّهْرَ}[18].
فضل كبير في عمل يسير، فإن الحسنة بعشر أمثالها، ورمضان ثلاثون يوماً بثلاثمائة يوم، وست من شوال بستين يوماً، فتوازي ثلاثمائة وستين يوماً، وهي عدد أيام السنة الهجرية، لأن عددها بين ثلاثمائة وخمس وخمسوين وثلاثمائة وستين (355 : 360)، فيكون الإنسان منا صائماً طوال عمره وطوال دهره، وإن كان مفطراً يأكل أو يشرب!! ولا عليك أن تصومها متتالية أو تصومها متفرقة. المهم أن تصومها خلال هذا الشهر.
ولا تنسوا في هذا اليوم الكريم أن تلقوا إخوانكم بوجه هاشٍ باش، وخذوا بأعين قلوبكم قول حبيبكم ونبيكم صلى الله عليه وسلم: {تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، والكلمة الطيبة صدقة، ولئن تلقى أخاك بوجه هاش باش خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت}[19].
واعلموا أن هذا البرَّ هو أكبر القربات في هذا اليوم، وهنئوا بعضكم في هذا اليوم بمغفرة الله ورضوان الله، وبالجزاء الذي أعطاه لنا الله، وبالمعين الكريم الذي كرمه لنا الله.
نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا، ما قدمنا منها وما أخرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا منها وما أبطنا.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يصلح فساد قلوبنا، وأن يطهر نفوسنا من نزغاتها، وأن يجعلنا من عباده الأتقياء الأنقياء الأبرياء، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم ارزقنا مرافقة نبيك في الجنة، واجعلنا تحت لواء شفاعته في الدار الآخرة، ولا تحرمنا بركة سماع السلام منه في دار الدنيا، واجعلنا من الذين يستقبلهم عند الخروج من الدنيا. واجعل اللهم الإيمان أكبر همِّنا ومبلغ علمنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وخذ بناصيتنا إلى طاعتك وهداك، وارزقنا حبَّك وحبَّ مجتباك.
اللهم أصلح أحوالنا، وأصلح أحوال زوجاتنا، وأصلح أحوال أولادنا، وأصلح أحوال حكامنا، وأصلح أحوال المسلمين أجمعين، واجمعهم على كلمة الخير بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر عبادك المقاتلين في البوسنة. اللهم اجعل فرحهم في هذا اليوم بنصر مبين، واعلُ بكلمتك عندهم على الكافرين، واجعل الكافرين يبوءون بالخزي والهوان إلى يوم الدين يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لأمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين أجمعين، واجعلهم في عبادك المرحومين، واجعلهم من عتقائك من النار في هذا اليوم الكريم يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
]سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ (180:182 - الصافات).
*********************
[1] كانت هذه الخطبة بمسجد سيدي عيسى الشهاوي بالجميزة مركز السنطة - غربية غرة شوال 1414هـ الموافق 24/3/1993م.
[2] الدَّيلمي عن أَبي هدبة عن أَنسٍ رضَي اللَّهُ عنهُ)
[3] إحياء علوم الدين ، وتفسير نظم الدر للبقاعى
[4] رواه الترمذي عن أبي هريرة
[5] رواه مسلم والإمام مالك في الموطأ وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله.
[6] رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه والنسائي في سننه عن أنس.
[7] جامع المسانيد والمراسيل، وشعب اٌيمان والمستدرك على الصحيحين عن أبى عقيل عن جده
[8] رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وابن حبان في صحيحه والنسائي في سننه عن أنس.
[9] ورد فى طبقات الشافعيه الكبرى أنه رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق مرسلا، كما جاء فى الأزدى فى الضعفاء
[10] صحيح البخارى عن أبي سعيد.
[11] رواه ابن حبان في الثواب والبيهقي عن ابن عباس.
[12] رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة t.
[13] وأخرج الخرائطي في مساوىء الأخلاق وابن عساكر في تاريخه، عن عبد الله بن جراد، كذا فى الدر المنثور.
[14] أخرجه الخطيب في تاريخه، عن عبد الله بن جراد e.
[15] رواه الطبراني في الكبير
[16] رواه الحاكم في المستدرك ومسلم في صحيحه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة.
[17] رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي قتادة الأنصاري.
[18] رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه وأبو داود في سننه والبزار والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
[19] رواه البزار والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والترمذي في سننه عن أبي ذر.